<!--<!--<!--  في جلسة من جلسات السمر التي اعتدتها مع صديقي منذ تربينا ونشأنا معاً حيث تعودنا أن نتطرق الى موضوعات كثيرة اثناء لقائنا يتسم بعضها بالاثارة والهزل وأحيانا بالموضوعية والجد وقد كان لأخر لقاء جمعنا سويا وقع شديد حيث أخبرني صديقي بنيته للترشح لرئاسة الجمهورية وما أشد ما هالني حين سمعت منه هذا الخبر ، فأنا أعلم عنه حب الظهور وروح المغامرة ، لذا أتوقع منه الكثير من المفاجآت ، لكن هذا الخبر غلب كل توقعاتي وظننته يمزح وانصرفت ومضت قرابة الثلاثة أشهر لم أره خلالها وانقطعت عني أخباره ، حتى التقيته ذات مساء على هيئة لم اعتده عليها وكان منه هذا الحديث .

يقول صديقي    

منذ ثلاثة أشهر يوم سبت وفي تمام العاشرة صباحاً قدمت أوراق ترشحي لمنصب رئيس الجمهورية كما أخبرتك ، حيث استقبلت بالترحيب والاحترام والتوقير ، لم يستغرقني الامر سوى بضع دقائق ، فالاجراءات يسيرة وأوراق الترشيح واضحة ولا شروط فيمن يتقدم الا أهليته وجنسيته وهما جل ما أملك  ، ولأن الموضوع مر مرورا كريما وانتهت الاجراءات دون تعقيد أو تثبيط  ، اعتقدت بأن في الامر شيئا ، إذ غالبا ما تمر هذه الحقوق - المعروفة شرعا ودستوراً - بما يشبه حالة العداء بين النظام الحاكم وبين مريدي الحكم الجدد كما يحدث في الدول الاستبدادية البعيدة كل البعد عن أوطاننا العزيزة .

هذا الشيء المريب الخافي الذي ادهشني بقدر ما أسعدني وتوصلت إليه بعد تفكير عميق ومكابدة هو تلك الديمقراطية التي نحياها وهذه العدالة المنبثقة من حيادية القائمين على الامور وواضعي السياسة ، عكس ما يتصوره الاخرون وتمتليء به المنتديات وتعج به الاحاديث في الداخل والخارج .

فما يحكيه لي صديقي من إحدى هذه الدول الديكتاتورية لهو الشطط بعينه والقمع بذاته والديكتاتورية في أحط صورها وأبشع معانيها حيث هناك في حالة المتقدم للترشح مثلي ربما تأتي مجموعة من الامن تصطحبه دون مبرر بحيث يلقى في غيابات السجون لا يعرف احد مكانه او تلفق له تهمة من تهم الفساد والاخلال بالشرف لا يستطيع بسببها التقدم لمثل هذا المنصب الوطني الشريف النظيف .....

بينا يتألم صديقي المستبد به الاخر من ظلم القوانين الموضوعة والمفصلة لتلائم حالة الرئيس الحالي أو احد انصاره المترشحين والمعلوم سلفاً ، بما يضيق معه او تستحيل مطابقة هذه الشروط الا عليه او على من يواليه فتصير الانتخابات تحصيل حاصل والنتيجة معروفة ومضمونة وهي استمراره في الحكم أو فوز مرشحه بنتيجة ساحقة وعدد اصوات لم يسبقه اليها غيره لو سلمنا بعدم حدوث تزوير .

لذلك احمد الله ليل نهار على هذه الحرية التي نعيشها وهذه الحقوق التي أهلت أمثالي من العوام ليس لمجرد التفكير والحلم برئاسة دولة عظيمة كدولتنا بل مكنته من الترشح وتقديم الاوراق في سهولة ويسر وأمان ، وفاضت عن حدها بحيث صارت ترفا ونموذج يقتدي به كثير من الدول لاسيما العربية منها فأفصحت كثير من حكوماتها بلا حياء أو خجل على حذو ديمقراطيتنا وتمثل طريقتنا خاصة المتعلق منها بالانتخابات واختيار الرؤساء ، فبعد أن أبدى كثير من الناس رضاهم وقبولهم لما يقدم اليهم من خدمات هي منتهى ما وصلت اليه امالهم وغاية ما تستطيع القدرة الانسانية تقديمه ، لم يجروء أحد – عرفانا بالجميل وتقديرا للمجهود – على التقدم بالترشيح أو حتى مجرد التفكير فيه ، إلا أنا ، ذلكم الشقي الناكر للجميل المحتقر للنعم الغير مقدر لتضحيات الصفوة من أجلنا ، لذلك لم يجد الحكام بداً – لفرط جهالتي وعظيم سفهي وحتى لا يتعرض الوطن للخطر وينفرط عقد الأمن وينهار ما بناه الاباء وشيده الاجداد على رؤوسهم ( أبقاها الله لنا ذخرا وعزا ) – أن يهيؤوا ابنائهم ويعدوهم لتولي المسئولة الجسيمة الملقاة على عاتقهم بناء على المثل القائل هذ الشبل من ذاك الاسد . لذلك زادت قناعتي  بنبل غاياتهم وعدم جدوى ترشحي ولا أرى سببا وجيها للمطالبة باقامة انتخابات أو استفتاءات وإلا عد جحوداً وانكارا لفضل حكومتنا وتقليلا من دورها في اسعادنا احياءا وامواتا  .

وما أعانيه من ألم وأوجاع وما يظهر على جسدي من سجحات وكدمات وتجاويف ونتوءات و ما تسحه عيني المسدودة المتورمة وما يعلوها من خطوط سوداء وزرقاء شبيهة بخطوط الطول والعرض هي دمعات وعبرات لم تجف على خدي بعد - ولا يسألني أحد لماذا لم تجف - بسبب انزلاق قدمي على سلم البيت ، كذلك فإن غيابي عن البيت طيلة الثلاثة أشهر الماضية بدءا من يوم السبت الساعة العاشرة وعشر دقائق دون سابق انذار أو إخبار لأهل أو جار هي بسبب اصدقائي القدامى الذين أصروا على اصطحابي معهم في رحلة طويلة تملؤها العبر والعظات ومصحوبة بالدعوات والتبريكات في احدى القرى السياحية البعيدة النائية عن بلدي والقريبة من وادي النطرون ، حيث يحلو السفر ويعذب السمر ويعدم النوم ويزداد السهر ، ما يذكرني برحلاتي المتكررة هناك والتي تحمل ذكريات دافئة وأخرى باردة تبعا لحالة الجو ساعة الرحلة وتوقيتها فيحلو لأصدقائي هؤلاء دعوتي في أيام الكريسماس وأيام المناسبات والمؤتمرات والانتخابات لكن هذه السفرة لها طعم أخر .

وحتى لا يفهم الامر خطأ أو يتصور البعض أني ضحية ما أقدمت عليه من مطالبة لحق شرعي أصيل أو يظن أحد سوءا بقطارات الصعيد أو مشجعي الجزائر فقد ألصقت بجبهتي بما لا يلتبس على ناظر شهادة طبية مصدقة بأن ما اعاني منه هو نذر يسير مما استحقه جراء انزلاقي حيث لا يجب أن أنزلق ، وغلو في تقديري لذاتي وإذدراء لم طمحت اليه من مكانة ، وأن ليس كل من سكن مصر مصرياً ولا كل من ركب الحصان خيال وأن هناك سلالم ودرجات يسهل الرمي منها والانزلاق عليها بينما يستحيل اليها الصعود .

وعليه فبناء على حالتي الصحية وربما العقلية والمستقبلية والتي صرت بها منتهي الصلاحية وفاقداً لبعض الأهل وعديماً للأهلية ، القانونية منها والجسمية ، وأن لا يمل ابنائي كثرة انزلاقاتي وطول رحلاتي والتي يستحيل معها القيام بواجباتي الرئاسية فقد قدمت بكل اسف ومرارة واسى تنازلاً عن ترشحي هذه المرة وكل المرات القادمة تاركاً مضمار السباق لمن يستحقه ومفسحا المجال كما افسحه الجميع ليبقى الحال كما هو عليه ، مزيدا من الديمقراطية مزيدا من الحرية .

 

مرشح سابق

 

 

المصدر: شخصي
  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
15 تصويتات / 186 مشاهدة
نشرت فى 11 يناير 2011 بواسطة lance

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

43,146