أنام ملء جفوني عن شواردها ~~~~~ ويسهر الخلق جراها ويختصموا

قال المتنبي هذا البيت مدللاً على تمكنه من اللغة والبيان ، فهو لا يلقي لما يقرضه من غريب اللغة وشواردها بالاً ، فينام عنها ملء جفونه مطمئنا خالياً بينما يسهر الخلق في تفسيرها وتبيانها حتى يختصموا فيها ، ويذكرني هذا بحالتنا الان – أعني الانتخابات - اذ هي الحرب التي لا ناقة لنا فيها ولا بعير يشعل فتيلها أناس - هم في شأنهم كالمتنبي في شأن اللغة وشواردها وغريبها - ابعد ما يكونوا عن شررها ، قابعون في منأى منها ويتسابقون فيما بينهم أيهم أكثر مالاً وأعز نفراً ، بينما وقودها من العامة والدهماء اولئك النفر الذين يختصمون نيابة عنهم ويقتتلون من اجلهم يحسبون انهم يحسنون صنعا ، لكنهم هم الأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا .

إن الأمر جد خطير ومسئولية جسيمة يتعدى ضررها المرء ونفسه ويمتد أثرها الى أجيال كاملة وأعوام متوالية ، فصوتك الذي تعطيه أو مناصرتك لفرد بعينه بناء على قبلية جاهلية توارثناها كابرا عن كابر إعمالاً للمثل القائل ( أنا وابن عمي على الغريب ) ، أو تعطيه لمن يجزل االعطاء و الرشاوى أو لمن تعلم عنه الخسة والدناءة لكنه صاحب مال وسطوة ، أصناف وأصناف لا فرق ولا إختلاف في غايتهم فكلهم يبحث عن السلطة والمال إلا ما رحم ربي ، كل هذا هو بعينه توسيد الأمر لغير أهله وتضيع للون من الوان المسئولية العامة وفضيلة عظيمة من فضائل الشرف والضمير الحي وذهاب لحقوق الابناء والاحفاد بقطع الطريق على الشرفاء وتمهيده للمغرضين السفهاء.

إن كلمة ينطق بها اللسان لا يلقي لها بالا تهوي بصاحبها سبعين خريفا في نار جهنم ، فما بالكم بشهادة الزور وقول الزور ، موثقاً مكتوبا مدموغاً ، يقول الله تعالى " وأقيموا الشهادة لله " ويقول " ياأيها الذين أمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين " ويقول " والذين هم بشهاداتهم قائمون " ويقول تعالى " يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون "

فأي ثمن سيفي عقوبة الزور وشهادته وأي ندم يكفي تكفيرا لها بعدما قال عنها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أنها من أكبر الكبائر ، بل كان متكئاً فجلس وكررها ثلاثا حتى تمنى الصحابة – على حبهم حديث رسول الله – أن ليته سكت .

قد لا يستشعر البعض عظم ما يقدم عليه فما هو الا مجرد صوت واحد لن يؤثر ومن أنا حتى أغير أو أبدل لا يدري أن معظم النار من مستصغر الشرر ، فمن يبيع أمانته نظير حفنة جنيهات أو وعد بخدمات ، أو يبيعها مقابلاً لصداقة أو قرابة أو رحم ، قد غاب عنه قول الله تعالى " فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون " وقوله تعالى لنبيه نوح لما سأله قائلاً " إن ابني من أهلي ... " قال له " إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح .." وروي أن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قال لابيه مسامراً بعد أن أسلم ، أنه رآه يوم بدر فزوى وجهه عنه فيرد الصديق والله لو تراءيت أنت لقتلتك " .

وروي أن أبا ذر رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم الإمارة فقال له إنك ضعيف وإني أحب لك ما أحب لنفسي وإنها أمانة وهي في القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها.
ذلكم هو حكم الاسلام في من يريد حمل الامانة ويضطلع بها وفيمن يعطي صوته ويرشحه ولما جلت الغاية عظمت التبعة وخاب يومئذ كل بائع لضميره مضيع لأمانته شاهد بالزور قولا أو فعلا أو اشارة ، يعطي من لا حق له لقوته وهيبته ويحرم من له الحق لضعفه واستكانته .

وفقنا الله لما يحب ويرضى
واخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ،،،،

المصدر: شخصي
  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
15 تصويتات / 172 مشاهدة
نشرت فى 17 نوفمبر 2010 بواسطة lance

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

44,871