محطات مسرحية

(5)

من ذاكرة المسرح في البصرة ، الفنان طالب جبار .. الغائب الحاضر

                               د.كريم عبود 
                          جامعة البصرة / كلية الفنون الجميلة

     أسميته الغائب الحاضر لأن جسده دفن في التراب.. لأنه مات بالمعنى الوظيفي للموت، ولكن روحه مازالت مجسدة بإبداعاته، أعماله الفنية تخبر الجميع عن حضوره هكذا هو الفنان غائب بجسده حاضر بروحه .. إذ تنتقل هذه الروح الفاعلة الحية بين مسارح المدينة وجلسات البحث وإبداعات الأصدقاء كأنها نورس يبحث عن الحرية..

.. أنه أبا نورس (طالب جبار ) الغائب الحاضر في ذاكرة المسرح البصري لم أره عابسا في أحنك الظروف كانت ابتسامته تبعث الطمأنينة في قلوب من حوله ..في البيت أو في العمل والشارع وتنتشر هذه الابتسامة لتملآ فضاءات جلسات الإنس بقهقهات ما زالت ترن في أذني عن ذكريات هذا الكائن الطائر الباحث عن صدق الأصدقاء وحب المحبين وإبداع المبدعين .. يحمل كل هذا العناء بقلب مطمئن ينظر بعمق إلى مستقبل المسرح ثقافة وإنتاج وجماعة.. أرشاقة هذا الرجل جاءت من شموليته .. أنه فنان شامل مثل للمسرح فسقى بعرقه خشبات المسرح في البصرة ..قاعة التربية تسأل عنه وعن نتاجا ته في الاوبريت الذي أسس له وطوره من خلال النشاط المدرسي وفرقة مسرح التربية العريقة بتأريخها .. مسرح بهو الإدارة المحلية يفتح أبوابة خلسة لهذا المبدع لا اعلم ماهر سر العلاقة الوجدانية بين طالب والبهو ، احتضن هذا المسرح نتاجا ته في الفنون الشعبية التي شكلت محطات أساسية في مسيرة حياته الفنية فنقل هذا الفن من البيوت البصرية الطقسية ( الميادين) إلى مسرح يكشف عن فنون البصرة الشعبية بكل إبعادها التاريخية .. كانت إعمال فنية راقصة اشتغل طالب على الجسد الحر وموسيقى الطبول ونغمات (الصر ناي) * فجر هذا المعلم فنون كانت حبيسة في مقرات الاحتفال بها وعمقها من خلال لغة إبداعية فنية فكان سفير حقيقي لفنون البصرة في (أوربا، وأمريكا ،وإفريقيا ، واسيا ) .قدم طالب خلاصة تجربته الإبداعية في الرقص والتصميم والإخراج للفرقة القومية للفنون الشعبية وكانت هذه الفرقة أم ,أب له مازال اسمه محفور في أذهان الجميع .
قاعة مبرة البهجة تحن له وروحه تحن لها قدم على هذا المسرح التعليمي والتربوي عروض مسرحية لطلاب المدارس كان يمثل جزء منها ويخرج الأخر. . نادي الفنون ونخلاته الثلاثة تصافح روحه الحاضرة يهمس لجمهوره بحوارات مسرحياته التي تحمل مضامينها موقف طالب من الحياة السياسية.
نشر هذا المبدع في حضوره وغيابه بذور في عقول الجميع فأنبتت من خلال نتاجا ته الفنية الشاملة حلم بصري إبداعي اسماه صاحبه العطار ، معرض الحاضر الغائب للوثيقة المسرحية . اظهر فيها تاريخ المدينة المسرحي من خلال تاريخ هذه الارشفه انتقلت ذات طالب في هذا المعرض إلى ذات الجميع ، أقيم المعرض في ذكرى مهرجان للمسرح كان الحاضر الغائب مؤسسا له .
مهرجانات المسرح لم تغب عن تفكيره أبدا فعند استلامه رئاسة نقابة المسرحين العراقيين فرع البصرة شمر ساعديه وأوقد أول شمعة لمهرجان نيسان المسرحي كان مهرجان يمثل روعة في الإبداع ، جمع مسرحي المدينة ومسرحي الجنوب وفرق مسرحية من بغداد في احتفال بهي كانت عين طالب تراقبه وقلبه يخفق ليعزف للجميع لحن الحب والنجاح . أما نشرة (مسرح1992) بأعدادها الأربعة فهي صورة لاستكمال المشهد المسرحي في المدينة بالمعرفة والثقافة المسرحية.. لاينام بل حتى في غفوته صحوة وإعلان لعنوان في إحدى صفحات هذه النشرة وتفكير دائم بإظهار قدرات مسرحي المدينة .
في آخر لقاء لي معه زرته في المستشفى وهو راقد على فراش ( أل...م.. و..ت..) لم تنطفئ ضحكته رغم انطفاء ذلك الجسد الباسق مثل نخيل البصرة همست في أذنه (شلونك أستاذ) قال لي بابتسامه لن أنساها وهي جزء من حضوره ألان لا ادري هل هي ابتسامة أمل أم يأس ابتسامة حائرة موت أم حياة قال : ( اسأل أبو ضياء ) هل تعرفون أبو ضياء .. رجل لازمة الحياة ولغة العيون هي علامات سائدة في التفاهم بينهم.. أبو ضياء الصامت دوما لايفعل شيء سوى انه يشرب الكأس ثم ينام .. لم أره باكيا هذا البكاء المر إلا عندما فقد صديقه عندها نطق فسمعت صوته عن الحاضر قال (شلون تستمر الحياة أبلية طالب). هكذا كان حضور الغائب بيننا تاريخ وإبداع وأمل .
واليوم أتسأل.. افترض .. عندما يأتي الحاضر في حلمنا يسأل ماذا سنقول له عن المسرح ، معهد الفنون الجميلة ، فرقة البصرة للتمثيل والفنون الشعبية ، مهرجان نيسان المسرحي ، نشرة مسرح 1992 ، نقابة المسرحين ، المركز العراقي للمسرح ، ماذا سنقول له . هل انطفأت كل هذه المعالم بغيابك .. عندما يرنوا بنظراته الثاقبة لحال البصرة اليوم يرى مسرح التربية ، بهو الإدارة المحلية أوراق دائرته المحترقة التي نزف دما في بناءها ، قاعة مبرة البهجة التي تحولت إلى خرائب يسكنها المتشردين ، أطلال كلية الفنون الجميلة التي سرق الق إبداعها المتخلفين ، كل شيء ضاع ولن يبقى إلا الرماد ... أعتقد إنني سوف أرى الضحكة غائبة والدمعة حاضرة.
ودمعة المبدع الفنان الشامل تحتاج إلى وقفة منا جميعا، أحسه يقول ( تحركوا لإنقاذ المدينة من الدمار ) والدمار هنا ليس في البنايات أو العمارات أو بما خلفته القنابل وقاذفات الطائرات بل دمار في النفوس خلفته عقود من القهر والاستبداد والضياع.. والمستقبل آت.. وطالب جبار حاضر في الذاكرة .

  • Currently 60/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
20 تصويتات / 118 مشاهدة
نشرت فى 9 ديسمبر 2010 بواسطة kreem

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

13,314