وجهات نظر جمالية

 في تحليل التشكيل الحركي للعرض المسرحي

 

 

 

                                    ا.د. عبدالكريم عبود عودة

                                     جامعة البصرة / كلية الفنون الجميلة

                        

 

 

هدف الدراسة يعنى بتناول مجموعة من النظريات الفلسفية الجمالية وتطبيق منطوقها على تحليل التشكيل الحركي للعرض المسرحي بأعتباره معطى جمالي تشكيلي

أذ تسعى هذة الدراسة لوضع الأتجاهات الأخراجية ضمن منطلقات تفسير جمالية من شأنها أن تكشف عن عمق الأتجاه الفكري للمخرج ولمنجزه الأبداعي لتأكيد أفتراض أن لكل عرض مسرحي جماليات أشتغال خاصة بالتشكيل الحركي ناتجة عن تبني المخرج فكرا جماليا محددا للتعبير يميز فلسفته ورؤياه

مدخل

    التشكيل الحركي يشار اليه أصطلاحيا ( بالميزانين mise – en – scene   ) ويعني وضع المشهد على الخشبة بمعنى البحث عن طريقة بنائية أنشائية يستطيع المخرج من خلالها تشكيل الصورة الفنية بواسطة عناصر التكوين التشكيلية في فضاء العرض المسرحي ليعبر بها بصريا عن مضمون العمل الدارمي وللتشكيل الحركي جماليات خاصة يعمل فيها الزمان والمكان في متصل زمكاني كما تحللة النظرية النسبية

فالمكان بأعتبارة ((متصل ثلاثي الأبعاد ويعني بنظام تساوق الأشياء من حيث العلاقات الغيابية والحضورية في تلاصق وتجاور وتقارب )) (1)

بمعنى ان عناصر التشكيل الحركي لا توجد الآ في المكان لكي تأخذ بعدها البصري الدال

فالممثل وعناصر البيئة المسرحية بأبعادها التشكيلية ( ديكور – ضوء – أزياء – … الخ  ) يعمل المخرج على أنتاجها في وحدة فنية تشكيلية داخل حدود المكان المسرحي الذي يحمل وظيفة ثنائية مزدوجة الأولى تشكيلية والثانية تعبيرية وبهذا فهو يعمق فعل المحاكاة البصرية ويعطيها بعدا تعبيريا لخلق فعل أدراكي لدى متلقي التشكيل يعتمد الأدراك الحسي،أما الزمان فيمتلك هو الأخر اعتبارات جمالية يحلل على وفقها التشكيل الحركي فالزمان هو  (( أمتداد متصل واحد البعد وهو نظام تتابع الأشياء او الحادثات في تتالي وتلاصق وتعاقب )) (2)

وهذا البعد المضاف الى التشكيل الحركي يكشف من خلال أدراك نفسي خاص بزمن العرض الذي نطلق علية لحظة الحضور وتبدا هذة اللحظة بحدود زمنية معلومة تعلن عنها بداية العرض المسرحي وتنتهي بأنتهاء العرض . وعلية فأن التشكيل الحركي يتألف من متصل رباعي الأبعاد (الطول – العرض – العمق – الزمن ) كون ان التحولات الحركية في المكان تتطلب تغيرا في أنساق التشكيل وعلاقته ضمن زمن محدد وهذا يؤكد فعل المزح بين الزمان والمكان لخلق صفة مشتركة بينهما يتميز بها التشكيل الحركي في العرض المسرحي

أذن فأن قياس الحركة كتشكيل تشمل على قياس الزمان والمكان ويصبح التشكيل منتجا أبداعيا جماليا يتضمن في تحليل بنيته العنصرين مع

 

المتصل الزمكاني

في فضاء العرض

المكان

متصل ثلاثي الأبعاد

(طول عرض عمق )

الممثل ، الديكور ، الضوء ، الأزياء ،الفضاء

الزمان

متصل أحادي

(الزمـــن )

حركة ، أنتقالة ،صور ثابتة ، صور متحركة

التشكيل الحركي

متصل رباعي الأبعاد

أدراك مزدوج حسي نفسي

أدراك نفسي

أدراك حسي بصري

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


     ويمكننا ان نبني على وفق هذا التحليل عنصرين من الاستجابة الجمالية الأول ثابت وهو فعل أستقبال التشكيل الحركي أي لحظة حضور المتلقي والثاني متغير وهو القيم الجمالية والفكرية التي أعتمدها المخرج في تنظيم وأنشاء وتكوين عناصر التشكيل الحركي لصياغة العرض وهنا تتعدد الأساليب بأعتماد القيم التي يتبناها المخرجون فالعرض المسرحي ((يكتسب قوته في التأثير الفني من خلال أسلوبية محددة في وضع الميزانين الذي يعبر بطبيعتة وشكلة التخطيطي وسرعة أيقاعة عن الفكرة بدقة )) (3)

ان العملية الأبداعية للتشكيل الحركي تؤكد خصائص جمالية لها مرجعيات متعلقة بالفكر الفلسفي بلورها المخرج كي تميز أسلوب عرض عن أخر وهذا التميز يندرج تحت عملية توظيف عناصر التشكيل المعبرة عن الأسلوب . حيث توظف وبصورة مبنية على منتج فني تعبيري الوحدات التكوينية لعناصر التشكيل بما يتلاءم وأسلوب المخرج .

فالتشكيل الحركي هنا هو عبارة ((عن صور وأشكال وخبرات أعيد تشكيلها من جديد من خلال أرتباطها بالحياة العاطفية للفنان ورؤيته لواقعة ، او لجانب من هذا الواقع )) (4)

أن هذة الدراسة تحاول ان تلقي الضوء تحليلا على أهمية التشكيل الحركي للعرض المسرحي وعلاقتة بالمرجعيات الفلسفية . أذ تبحث مجموعة من الأفكار الجمالية عن الشكل طرحها فلاسفة ضمن دراستهم للفن وجاء أختيار هؤلاء الفلاسفة كون أن جماليات الشكل لديهم تفرز مجموعات عديدة من الأشكال وعلى وفق المنطوق الفلسفي المطروح فضلا عن الفترات الزمنية المختلفة التي أنتجت هذة الأفكار وبهذة المحاولة صاغ الباحث مقاربات ومقارنات لوجهات النظر في الرؤيا التشكيلية عند بعض المخرجين بما ينطبق وتلك الطروحات الفلسفية بهدف التوصل الى ان التشكيل الحركي ليس تنظيما تقنيا لعناصر الشكل بل يعتمد في أنجازة على أبعاد جمالية يحددها المخرج تتلاءم مع فلسفة عصرة .

 

أولا : التشكيل الحركي بين النسبي والمطلق

منطوق النظرية الأفلاطونية في تحليل الشكل .

ضمن أفلاطون(428 ق . م - 348 ق . م)في محاورة(فيلتوس)جزءا من نظريته الميثافيزيقية عن الفن فميز بهذة المحارة نوعين من الأشكال وهما الأشكال النسبية والأشكال المطلقة ((لقد عنى أفلاطون بكلمة الشكل النسبي الذي كانت نسبته أو جماله موروثة من طبيعة الأشياء الحية وفي طبيعة الصور المقلدة للأشياء الحية ، كما عنى بكلمة الشكل المطلق ، الصور والتجريد الذي يتكون من الخطوط المستقيمة والمنحنيات والسطوح والاشكال الصلبة )) (5)

التحليل : 

ان التشكيل الحركي في ضوء وجهة نظر ( أفلاطون ) الجمالية حول الشكل يظهر لنا أتجاهين في العروض المسرحية تستند فلسفتها الى منطوق النظرية أعلاه .

الأتجاه الأول : يمثل التشكيل الحركي النسبي الذي أستنبط المخرج مقوماته الجمالية من ملاحظته للواقع وأستطاع أن يحاكي تشكيل الطبيعة الأنسانية بأبعادها السايكولوجية والساسولجية فأنتج شخوخا وكيانات أنسانية مستخلصة من البيئة بشكل هيئات سلوكية تمتلك علاقة أيفونية مكتسبة من الواقع تصور بالنتيجة قرائن واقعية في ذهن مرسلها ( الممثل – المخرج ) كهيئة تشكيلية ومستقبلها ( المشاهد ) الذي يحمل موروثة المكتسب في التلقي علاقة أجتماعية واقعية بالتشكيل الحركي المعروض .

لذا يلجا المخرج في تشكيل الصورة الحركية الى أعادة صياغة الأشياء الحية ومحاكاتها على الخشبة ، وهذا يعني ان معطى التشكيل الحركي الجمالي جاء من الصورة المقلدة للواقع والمضاف اليها قدرة المخرج في الأنتقاء والأختيار من هذا الواقع الحي . ينطبق التفسير الجمالي للشكل النسبي على العروض الذي تنتمي للأتجاة الواقعي ويمثل المخرج الروسي
( قسطنطين سنانسلافسكي 1883 – 1938 )  وبطريقته في تدريب الممثل ومعالجته للعرض نموذجا يكشف لنا عن التشكيل الحركي النسبي فقد أهتمت بحوث (سنانسلافسكي ) في مسرح الفن في موسكو على مجموعة من الركائز الأدبية والفنية والمنهجية والأخلاقية أنتجت قيما وأسسا فنية وعلمية يسعى العرض المسرحي في توصيلها الى المتلقيان المعالجة الدقيقة للنص تنطلق من نقطة جوهرية في تأكيد الرؤيا الفنية التي تعني بمعرفة الهدف الأعلى العام للمسرحية بمعنى أن مهمة المخرج الأساسية ترتكز على الفهم الواعي للمضمون الأجمالي للمسرحية ودراسة الخط المتصل وصولا الى ابراز هذا المضمون فنيا على الخشبة .ان الشكل الفني للعرض المسرحي الواقعي عند (سنانسلافسكي ) (( يعكس مظاهر أستمرارية الحياة الواقعية على الأحداث المسرحية )) (6)

وهذا الأنعكاس التشكيلي يتحدد بالمطابعة مع الشكل النسبي الذي يبحث عنه ( أفلاطون ) لكون ان التشكيل الحركي الواقعي قد ترجم فنيا بأعتماده على مرجعيات الواقع والبيئة والطبيعة وهذا يعني ان التشكيل الحركي كبناء صوري يعكس الحياة الداخلية للنص ، وهو محاولة منطقية تستند في تفصيلاتها ووعيها الجمالي الى مبدا الأتجاة الواقعي لذا فأن جميع عناصر البنية التشكيلية للصورة المسرحية تخضع الى وحدة فنية جمالية يقودها المخرج هدفها كشف ما للمخيلة الصادقة من دور في محاولة الفنان لرصد حركة الطبيعة وتحويلها من المعنى الفيزيائي الى فعل أبداعي يتكون من مقومين، الأول نفسي يمثل حقيقة الإنسان الداخلية ضمن حركة البيئة الاجتماعية  والثاني فعل ملموس منعكس وهو عبارة عن التشكيل الذي يعتمد في إنتاجه على محاكاة الواقع إبداعيا والاستفادة من معطياته فالحركة هي ((صورة المسرح في حالة الفعل ، وهي تشمل لحظات التصور في مظاهرها الدائمة والمتغيرة )) (7)

فالفعل تجسيد منظور تساهم فيه مجموعة من البنى الداخلية والخارجية لتأسيس شكلة في فضاء العرض الواقعي ليأخذ ديمومته بأعتمادة على الأشكال النسبية الموروثة من طبيعة الأشياء الحية أو من محاولة محاكاتها بعدها صور للحياة الإنسانية .

أن الصورة التشكيلية للعرض والتي تعتمد في أنجاز أهدافها على مفهومي الأندماج والتقمص تتطلب عملية أشتغال واعية لكافة عناصر التشكيل الحركي وبوحدة منظمة فالديكور بأعتبارة العنصر الجوهري الذي يشكل المكان الحقيقي الذي تتحرك فية الشخصيات بأخذ أطارة التشكيلي والمعماري من خلال المطابقة الأيتونية للحياة أذ ترسم وتشكل جميع خطوطه وخاماته لكي يكون معبرا حقيقيا عن واقع الشخصية وبيئتها وتأتي الأضاءة كذلك لكي تعبر هي الأخرى عن تأكيد الجو النفسي العام بأستخدام مصادرها ومساقطها وتأثيراتها اللونية والدلالية لتشارك بقية العناصر الأنشائية في تأكيد القيم الجمالية للشكل النسبي .

ان المخرج هنا يتبنى تشكيلا حركيا يعتمد في استنباط مصادرة الأبداعية من الفهم الواقعي للأدب والفن الواقعية ووضوح وأصالة تامة تكشف عن النسبي في الشكل .فالتشكيل الحركي ينتج من عملية خلق اتصالي وجداني واعي بين (( ذات الفنان والواقع الموضوعي بحيث يتحول الواقع أثناءها من مناخه الزماني والمكاني خارج الذات الى مناخ الموقف الأنساني داخل الذات ومنه يتخذ الواقع صورته الفنية الجديدة )) (8)

اما الاتجاه الثاني الذي يطلق عليه بالتشكيل الحركي المطلق،فيمكن أعتماد العروض المسرحية التي تهتم بإثارة الخيال لدى المتلقي في تحليل تشكيلاتها الحركية من خلال دراسة التراكيب الأبداعية غير الواقعية لعناصر التشكيل الحركي وهذا يتجسد في (المسرح الشرطي ) الذي درس فرضياته ونظر له جماليا المخرج الروسي ( فيزيفولد مايرخولد 1874 – 1940 ) ويتميز التشكيل الحركي المطلق في هذا الأسلوب الإخراجي بالعنصرين الآتيين :.

1- مبدأ الأنشائية والبنائية : وهو المبدأ التشكيلي الذي يعني بأستخدام عناصر ومفردات هندسية بنائية بعيدة عن المناظر الواقعية المرسومة او المجسمة فقد أستعمل المستويات المائلة والسلالم والأماكن المرتفعة وبهذا التوظيف الأنشائي أستوعب ( مايرخولد ) قواعد المذهب البنائي في تصميم التكيل الحركي من خلال أعتمادة على منهج العرض التركيبي فالصورة المسرحية مركبة لدية في فضاء حر ودنياميكي من عدة عناصر كالعمارة والنحت والموسيقى والضوء واللون فضلا عن الممثل الذي يعرف فنه بأنه (( أبداع أشكال بلاستيكية في المكان )) (9) وعليه فقد حقق هذا المبدأ دلالة للتشكيل الحركي قائمة على فلسفة المطلق بأستخدامه الديكورات التكعيبية فضلا عن توظيف أبعاد الفضاء المسرحي عمقة وطولة وأرتفاعه وتحتياته متخليا عن كل ماهو واقعي فقد جرد ( مايرخولد ) التشكيل في أنتمائه الواقعي وتعامل معه كشكل مطلق   ليستفز بأنشائيته ذهنية المتلقي بهدف أيجاد معادلات صورية للشكل المنتج أبداعيا مع الشكل المنصوص علية في منطوق النظرية الأفلاطونية والذي يعني بالمطلق .

2- البلاستيكية : أسلوب الأبداع البلاستيكي يفتح أمام مايرخولد طرق متعددة للتعبير عن ذاته الأبداعية بعيدا عن تناول المادة الفنية بطريقة تتطابق مع الواقع فالتشكيل لدية (( لا يستطيع التعبير عن الواقع بكل زخمة أي يعكس التصورات ويغيرها في الزمن أنه يفكك الواقع مصورا أياه تارة في أشكال مكانية وتارة في أشكال زمانية )) (10)

وهذا يؤكد أهتمامه بالشكل وبالناحية البصرية فالمجال البلاستيكي الحركي الذي يحقق لديه حرية الأبداع في المسرح الشرطي من ناحية الممثل كمرسل والمتلقي كمستقبل له دور واضح في رسم صورة التشكيل الحركي في الفضاء المسرحي والمستندة على قوانين التدريب البيوميكانيكية . فالمجال البلاستيكي هو تشكيل بصري يؤكد بأن البلاستيكا وسيلة تعبيرية ضرورية للعرض وهي القدرة التحتية الجسدية والأداة التي يعبر بها ومن خلالها الممثل بالتشكيل الحركي عن مضمون العمل الدرامي . وفي ضوء أستخدامها يتحول فضاء العرض الى مادة للبناء التشكيلي . فالديكورات والممثل والملحقات لا تستخدم بطريقتها الغائبة الواقعية . الكرسي للجلوس ، الطاولة للطعام …الخ بل ترتب بطريقة بنائية معينة تعتمد المستويات والخطوط المستقيمة والمنكسرة والمتعامدة والأشكال الصلبة التي هي عناصر بنية الشكل المطلق فيحولها الممثل بفعله الجسدي المنحتي وبحركاته الكروباتيكية البهلوانية الى مفردات تشكيل ذات دلالة توليدية وتحويلية لتعطي للتشكيل الحركي خصوصية ناتجة عن المقاربة بين الفكر الجمالي للشكل المطلق والمنتج البداعي للتشكيل الحركي عند المخرج (مايرخولد)

 

ثانيا : التشكل الحركي بين الجميل والجليل الفني

منطوق نظرية ( كانط  1724 – 1804 ) حول الجميل والجليل في الفن نظر جماليا في موضوع الجميل والجليل في الفن مجموعة من الفلاسفة المثالين منهم ( كانط – بيرك – شوبنهادر ) بأعتبارة موضوع ميتافيزيقي لتجديد الموقف الخاص بالحكم الجمالي فلقد درس في هذا الموضوع طبيعة الأختلاف الذي يحدثه الأثر الفني على موقف متلقية مما يؤثر على الذات المستقبلة وينظم أستجابتها وهذا يدلل بأن (( الأختلاف هنا يكمن في طبيعة الجانب الذاتي للرؤية الجمالية والتي وفقا لها يكون الموضوع أما جميلا أو جليلا )) (11)

تنطلق هذة النظرية الجمالية من منطوق (( ان الجميل في الطبيعة يتصل بصورة الشيء ، وهذه الصور تقوم على رسم الحدود ، اما الجليل فأنه يمكن العثور عليه في شيء أو موضوع ناقد اللامحدودية أو يثير هذه الصورة من خلال حضوره . وذلك يتم من خلال أختفاء فكرة عن كلية الشيء وبناء أ عليه ، فالجميل يبدو أنه تعبير بمثابة تمثيل المفهوم فكري من معاني الفهم محدد والجليل هو تمثيل لمفهوم عقلي غير محدد )) (12)  

 

التحليل :

تتحد علاقة الجميل والجليل في التشكيل الحركي من خلال المتلقي لأن جوهر منطوق النظرية يركز على فعل الاستقبال من حيث الاستجابة (( فالبهجة والارتياح بالنسبة للموضوع الجميل ترتبط بتصور الكيف وبالنسبة للجليل يلازمها تصور الكم )) (13)

فالتشكيل الحركي في حالة الجميل يواجه المتلقي بعلاقة طبيعة تكشف عنها تركيبات عناصر الشكل وحركة الفضاء الزمكاني عن الواقع الأجتماعي المعاش والمتعلق بشكل مباشر بالمتلقي فهو أي المتلقي يدرك التشكيل من خلال فعل تأثيري يمتلك رؤية جمالية ذاتية لها فعل أسقاطي مستنبط من الواقع المتعلق بذات المتلقي . وهذا يعني ان تلقي الأرسالات البصرية للتشكيل الحركي في حالة الجميل الفني تهتم ببناء علاقة فهم معلومة تتطابق فيها صورة التشكيل مع صورة الواقع المعاش فتعتمد المشاهدة على متلقي يكون (( في حالة تأمل هادئ وشعور بالذة والتوافق مع أرادته الذاتية )) (14)

وهذا ينطبق على تحليل التشكيل الحركي في عروض ( أندرية أنطوان 1858 – 1943 ) الطبيعة أذ أنها ترسل صورة تشكيلية منقولة نقلا فوتغرافيا عن الواقع . ويدعو ( أنطوان ) الى تنظيم فضاء عرض تشكيلي ينتمي في تحليل عناصر بنيته الى الجميل الفني كون ان متلقي التشكيل يتعامل مع مفردات استقبال بصرية ذات دلالات اصطلاحية ترتبط بالكيف النابع من تصورات الفنان وأنتاجه الإبداعي المنقول من الواقع . مما يحدث فعل تأثير يعتمد الهدوء في الاستقبال ناتج عن مشابهة الصورة التشكيلية الحركية للعرض مع صورة الحياة المنظورة من قبل ذات المتلقية .

أن الوظيفة الأساسية للتشكيل الحركي في عروض المسرح الطبيعي هي تجسيد شريحة من الحياة التي تطلب محاكاة وتقليد . فالأسلوب الأخراجي الطبيعي يلتقي مع فلسفة الجميل الفني كون أن المخرج يعتمد على التشكيل الحركي من منطلق رؤيوي يهتم بتجسيد الحقيقة كما هي دون أعادة خلق وبذلك أضفى ( أنطوان ) (( على المسرح طبيعة جديدة وبساطة وعقيدة بمسرحة الحر . وكان المخرج المسرحي في عرضة بمثابة الوصف التحليلي في الرواية القصصية ومصدرا للتعليق على الحوار وأثارة جوانبة وكان يخطط الحركة بدقة متناهية وكانت مناظره طبيعية في تطرفها أحيانا الى حد أقامة الجدار الرابع )) (15)

ان الممثل بأعتبارة العنصر الديناميكي المتحرك في التشكيل يتفاعل مع مكونات العرض البصرية بأسلوب الأداء الاندماجي ويتعامل مع كافة هذه العناصر وكأنها جزء لا يتجزء من الحياة بهدف خلق متلقي يعتمد الهدوء والأستلام الذي ينتج بدورة لذة جمالية مبنية على التوافق بين التشكيل الطبيعي من جهة وأرادة المتلقي الذاتية من جهة أخرى وهذا ما تدعو الية نظرية الجميل الفني عند (كانط) .

أما ما يتعلق بالمستوى الثاني من النظرية والخاص بـ ( الجليل الفني ) فأن الأستجابة في التلقي تخضع الى عنصر الإثارة والاستفزاز والمجابهة التي تنتج قراءات تأويلية متعددة للتشكيل الحركي قادرة على أثارة المخزون الفكري لمتلقي التشكيل بمعنى ((ان الجليل يتطلب من ملكة الأدراك الحسي فوق طاقتها ويستلزم المعيار المطلق للفعل ، ولا يرتبط الجليل مع الشعور باللذة  الأ بطريقة غير مباشرة وذلك في أعقاب الصدمة )) (16)

ان التشكيل الحركي لعروض مسرح القسوة لـ ( أنتونان أرتو 1896 – 1948 ) الداعية لبناء لغة مسرحية خالصة تعتمد شعر الفضاء المستبدلة بشعر الكلام وهي لغة تشكيلة مادية تتألف من عناصر بنائية بصرية تحاول ان تجد لها قرين مقابل للتذوق الجمالي الخاص بمنطوق الجليل الفني كون ان التشكيل الحركي ينبع من قاعدة أبداعية أساسها الحلم

فالتشكيل عند ( أرتو ) يمتلك حدودا مطلقة ينظمها فعل الإخراج الميتافيزيقي الذي يعتبر الكلمة جزءا أدبيا بسيطا تتفجر الى قرائن مادية في الفضاء لتكشف عن معطيات تشكيلية بنائية منطلقها القسوة التي تمثل بالتجسيد الروحي والفكري لمأساة أنسأن هذا العصر .

ان شعر الفضاء هو شعر تركيبي إنشائي يتألف من العديد من البنى التي هي مجموعة لوسائل التعبيرية الموظفة داخل حيز الفضاء التشكيلي للعرض كالموسيقى والرقص والنحت والإيماء والحركات والنبرات والمعمار والإضاءة والديكور فمسرح الضوء يمتلك تشكيلا حركيا يؤسس منطوقة على لغة الفضاء البصري بمعمارها الشامل من اجل إبراز فكرة الهدم والبناء ، هدم كل ما هو تقليدي جامد في العملية المسرحية إنتاجا وتلقيا وبناء فكرة جديدة عن معنى الفضاء ودورة في إرساء قوانين تلقي من شأنها أن تحول التشكيل الحركي الى عنصر فاعل في الإثارة والاستفزاز مما يتطلب أشتغال ملكة الأدراك الحسي الذوقية بأمكانيات غير أعتيادية فيؤدي فعل الأرتباط بين الجليل الفني والتشكيل الحركي في مسرح القسوة الى أحداث صدمة في معاير التلقي ناتجة عن (( تكوين مشهد يستثير مشاعر عميقة في الجمهور ، وعلى هذا الأساس فأن هذا المسرح يجب ان يكون أبداعيا لحدث جديد متميز ومؤثر ، حدث يثير الأضطراب في حد ذاته )) (17)

وهذا التحليل الجمالي للتشكيل الحركي في عروض مسرح القسوة يحقق فعل التمثيل للمفهوم العقلي غير المحدد الذي يتماشى مطروحات الجليل الفني وفعل تلقية .

 

ثالثا : النزعة الحدسية والتشكيل الحركي

برجسون 1859 – 1941 والنزعة الجمالية الحدسية 

ان النزعة الحدسية عند برجسون تشكل جوهر تنظيراته الجمالية ، فهو يعتبر الفن بمثابة عين

ميتا فيزيقية  كاشفة وفاضحة فالفن لدية (( أدراك مباشر يتيح لصاحبة النفاذ الى باطن الحياة وسير أنحوار الواقع وأزاحه النقاب عن الحقيقة التي تكمن وراء ضرورات الحياة العملية )) (18)

وعلية فأن الفن بعد من وجهة نظر ( برجسون ) عملية أعاده تركيب للواقع بطريقة حدسية . لذا فجهد الفنان الأبتكاري ينصب على أهتمامة بفعل استبدال التنظيم الداخلي الأشياء بعملية خارجية تخطيطية هي أعاده بناء  هذا التركيب بهدف أبعادة عن التقليد وبذلك يكون هذا التصوير متوقفا على أسلوب الفنان ووعية بالحقيقة من خلال الأدراك الحسي الخالص أنه لا يجعل من عين الفنان عدسة فوتغرافية تلتقط صورة كاملة للشيء بل هو يجعل منه نظر خاصة تتحيز في الموضوع مجموعة من العلاقات محاولة أبرازها كموضوع جمالي له كيان الخاص وعليه فان الشكل المنجز أبداعيا يعتمد على التجريد الذي يعتبر أساسا في معالجة الموضوعة الفنية فالشكل هنا لا يمثل الواقعة الحسية الماثلة في مجال الأدراك الأعتيادي بل هو مجموع تلك العلاقات الخاصة التي تنجزها مخيلة الفنان وحدسة لتكون بالنتيجة معبرة عن حسه الخالص في الموضوع ذاته

التحليل :

 بما أن المرتكز الأساس الذي تتمحور فية فكرة الجمال عند ( برجسون ) هو الحدس فأن تحليل التشكيل الحركي في العرض وفق الفلسفة الجمالية يعتمد على المعالجات التشكيلية البصرية المنتجة من حس المخرج الخالص ورؤياه إزاء موضوعة العرض ذاتها وباعتماد التجريد كونه الأسلوب التعبيري الأمثل الذي يعتمده المخرج بهدف الابتعاد عن المعالجات الواقعية للتشكيل .

ان الدعوة الى شعرية المسرح والبحث عن خصوصية للغة المسرح الخالصة انطلقت من فلسفة هي (( ان الفن وليد معارف أعلى وأرقى وأكثر شمولا من بديهيات الحياة الأرضية . أن الفن وليد الأدراكات الروحية العليا لما وراء الحقيقة المادية المستكينة وانه بهذا المعنى لا يمكن التعبير عنه الأمن خلال التناول الشعري )) (19)

ولكي نحقق مقاربة تحليلية بين نظرية الحدس الجمالية عند ( برجسون ) وبين المنطلقات الفلسفية التي أعتمدها المخرج السويسري ( ادولف أبيا 1862 – 1928 ) بعده نموذج للتعبير عن الحس الخالص ، لابد لنا أن نتعرف على المبدأ الذي يحكم منجزة الإبداعي المسرحي . فهو يسعى الى تحقيق الوفاق في بناء تشكيلة فضاء العرض التجريدي باعتماده الموسيقى والإضاءة ليخلق اتحاد وتفاعل بين فنون الزمان والمكان .

وعليه فان الصورة المسرحية التي تمثل جوهر التشكيل الحركي تتأسس عند ( ابيا) من خلال الوجود الحي للممثل . فالممثل هنا عنصر أساس من عناصر التكوين المشهدي نحو الصورة الشاعرية التعبيرية التي تهيئ عملية التفاعل بين حركة الجسم الحي وحركة الديكور ولأضاءه لتأتي الموسيقى كي تثبتها وتكملها .

لقد سعى ( ابيا ) في معالجاته المشهدية إلى محاولات التخلص من تصوير الواقع السطحي للتشكيل الحركي بهدف تحقيق تصوير المناخ الداخلي للحدث داخل المكان من خلال توظيف عناصر تعبيرية تجريدية كالضوء والظل واللون والمرتفعات والستائر … الخ ، لذا فالمشكلة الجمالية للتقييم المشهدي عنده هي مشكلة تشكيلية هدفها أيجاد علاقة سببية بين الأشكال في الفضاء التي تمتلك حالات متعددة من الحركة والسكون وبهذا أعتمد على قوانين محددة ومعلومة لتأكيد اشتغال العناصر التشكيلية في التصميم المشهدي والتي تتكون من (( المشهد المرسوم المتعامد الخطوط والأرضية الأفقية والممثل المتحرك والفضاء المضاء الذي يشمل الجميع )) (20)

وبما أن حركة الممثل هي الجزء الحي في التشكيل فقد فسح أمامها مجالات أوسع للانتقال من خلال الحركة المزدوجة بين العنصرين التشكيليين الآتيين:

1-              النور والظل من ناحية ( التصوير )

2-              الكتل التكعيبية التي تكون مستويات رأسية في الفراغ من ناحية أخرى ( نحت )

فقد أضاف ( ابيا ) قيما جديدة للفراغ المسرحي أكدت عمق المعالجات الحدسية من خلال عملية أعاده تركيب المنجز التشكيلي وبالاعتماد على الناحية البصرية وقوانين فعلها التجريدي . فهو يهدف بمعالجاته الى البحث عن معمار مسرحي يتشكل من الحركة والموسيقى والإضاءة والذي يعده نوعا تجريبيا حدسيا يعتمد السحر في خلق مناخات نفسية وحسية خاصة تبرز قيمة الدراما كبنية مشهديه وبذلك فالتشكيل الحركي عند ( أبيا ) لا يعتبر انعكاسا لذلك الواقع الحسي الماثل في الأدراك العادي بل هو منجز بصري إبداعي مخلوق من مخيلة الفنان وحدسه . فالتشكيل الحركي هنا عالم من عوالم السحر والشاعرية جرد من اتصالاته التشكيلية الدالة على أيقونية المعالجة وأعتمد الإشارة والرمز كمحاور أستبدل أسس عليها تركيب العلاقات الفضائية الخالصة والناتجة عن الحس والحدس وبذلك فقد أرتقى هذا التشكيل الحركي الى منطق النزعة البرجسونية .

خاتمة :

أن تمظهر التشكيل الحركي للعرض المسرحي كونه الفعل العياني الذي يعتمد علية المخرج في تصميم المشهد وتكوين عناصره التشكيلية ضمن بنية تعبيرية تمثل الدالة البصرية للعرض لايعني أنه حالة تقنية أو تنظميه يقوم بها المخرج بأعتبارة منظما فنيا للعمل والقائم على أيجاد الوحدة الفنية بين عناصر المنجز المسرحي الأدبية والفنية .بل ان التشكيل الحركي كما أوضحته التحليلات المقترحة في دراستنا يمتلك بعدا جماليا يستنبطه المخرج من مجموعة العوامل الفكرية والاجتماعية التي تمثل عصرة وفهمه لدور ووظيفة الفن الجمالية في المجتمع كي يؤسس بالنتيجة ذائقة جمالية للتلقي مبنية على أساس منطلقات هذا الفهم .وعلية فأن تحليل التشكيل الحركي لابد من أرتباطة بالعمق المرجعي لفلسفة الفن الذي ينعكس بدورة على المنجز الإبداعي للمخرج ويميز أسلوبه وطريقته في التعامل مع تنظيم هذا الفضاء التشكيلي .

 

الهوامش :

1-                 د . حسين محمد حسن . مذاهب الفن المعاصر . الرؤية التشكيلية للقرن العشرين ( القاهرة دار الفكر العربي ) ص

2-                 المصدر السابق  ص

3-                 الكس بويوف . التكامل في العرض المسرحي . ترجمة شريف شاكر و أخرون  ( دمشق : وزارة الثقافة والأرشاد القومي .  1976 ) ص 221

4-                 عبد الستار أبراهيم . ثلاثة جوانب من التطور في دراسة الأبداع . مجلة عالم المعرفة

( الكويت ) المجلد الخامس عشر العدد الرابع يناير فبراير مارس 1985 ص 39

5-                 هربرت ريد . معنى الفن . ترجمة سامي خشبة ( بغداد . دار الشوؤن الثقافية العامة . 1986 ) ص75

6-                  كمال عبد . مدرسة الأفراح عند ستاسلافسكي مجلة المسرح ( القاهرة ) العدد السادس السنة الأولي يونيو 1964 ص 98

7-                 اللكسندر لين أسس الأفراح المسرحي ترجمة سعدية غيم , القاهرة الهيئية المصرية العامة للكتاب 1983 ص

8-                 حسين مروة . دراسات نقدية في صفوء المنهج الواقعي ( بيروت مكتبة المعارف ) ص 105

9-                 فيزيفولدماير خولد . في الفن المسرحي . ترجمة شريف شاكر ( بيروت دار الفارابي 1979 ص31 )

10-              المصدر السابق ص 206

11-              سعد توفيق ميتا فيزيقيا . الفن عند شوهار ( بيروت دار التنوير للطباعة 1983) ص163

12-              أوقي شولتر . ترجمة سعد رزق ( بيروت المؤسسة العربية للدراسات والنشر سلسة أعلام الفكر العالمي ) ص 192

13-              المصدر السابق ص 192

14-              أسعد توفيق المصدر السابق ص 164

15-              فرانك م هواينتج . المدخل الى الفنون المسرحية . ترجمة كامل يوسف وأخرون ( القاهرة دار المعرفة 1970 ص 203

16-              أوقي شولتر . المصدر السابق ص 193

17-              أور بان بنج . موت المؤلف المسرحي ترجمة سالم فكري ( القاهرة منشورات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي ) ص 17

18-              زكريا أبراهيم . مشكلة الفن ( القاهرة دار مصر للطباعة 1976 ) ص 187

19-              سعد أورشي . المصدر السابق ص 83

20-              أريك بنتلي . نظرية المسرح الحديث . ترجمة يوسف عبد المسيح ثروة ( بغداد دار الشؤون للثقافة العامة 1975  ) ص 22 

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 2385 مشاهدة
نشرت فى 13 نوفمبر 2010 بواسطة kreem

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

12,601