هدير الصمت

هذا الموقع معني بـ: قصص ، رواية، نقد ، مقال سياسي ، مقال فلسفي ، شعر

<!--

<!--

قصيدة وقراءة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

مأساوية الواقع والاغتراب النفسي في قصيدة (ليالي)

 

للشاعر محمد فرحات الشلطامي (ليبيا)

 قراءة: عبدالجواد خفاجي

 

أولا: القصيدة:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشمس تجرحها الحراب
والنجمة الحمراء يأكلها الضباب
والقهر يطفيء في بحار الصمت أغنية الشباب
الليل عاد إليك يرتاد القرى
سكران مرتعش الخطى
ماذا ؟ وخلف سديمنا المحروق شمسك لا ترى

***
ويظل ينبتنا الحنين
ونظل نكبر .. ثم نكبر ... ثم تأكلنا السنين
كالصمت كالصبار نزهر في مقابرك الحزينة
موتى تغص بنا المدينة

***

القهر مضًك يا فؤاد،أما تكف عن النحيب ؟
في حانة الأحزان تنزف كلما عتم المغيب
لتجس ميلاد الصباح الغض في الشفق الخضيب
وتظل تذوي في الربيع ربيعك الميت الكئيب
وأظل أضرب في وهاد التيه أضرب كالغريب
فلمن سأجرع في ثراك الموت يابلدي الحبيب؟

***

للمقتفين خطاي، للجوع المدمر
للعذاب
للموت للقمر المعلق في السحاب
والنجمة الحمراء يأكلها الضباب
والشمس تطعنها الحراب،
والعسف يطفيء في بحار الصمت أغنية الضباب

 

ـــــــــــــــــــــــــ

 

ثانيا: القراءة:

 

النداء إلى كل من الفؤاد والوطن يؤكد أن معاناة الشاعر تبدأ من الوطن ، لترسم طريقها باتجاه الفؤاد المجهد، لتتشكل نصوصيًا في مجموعة من الصور والتعبيرات والتيمات التي تؤكد ـ مجتمعة ـ  تفاقم شعور الذات بأزمتها واغترابها في هذا الوطن الذي أضحي مكاناً مناسباً للموت، والموتى.. ولقد تكررت تيمة الموت، وتيمات أخرى دالة عليه بما يؤكد هذا الشعور المتفاقم بالانتهاء، ومن هذه التيمات: " مَـوْتَى ، النحيب، الميت، الحزن، الموت، الصمت"، ولتتشكل رؤية مغلفة بالسواد الملفع بالأحزان. فما بين عتم المغيب، والصباح الذي لم يولد بعد، والقمر المحجوب بين السحاب، والنجمة التي يأكلها الضباب، والشمس المطعونة، تغيب كل بادرة للضوء أو النور، ثم لتتعاظم ـ في مثل هذا الطقس الملبد بالموات، وسواد اللحظة ـ مشاعر الاغتراب النفسي، وعدم الألفة مع الواقع، والشعور بالضياع: (مَوتَى تغصُّ بنا المدينة !) ، و(أظل أضرب

في وهاد التيه ..

 أضرب كالغريب !)

يعزز هذا المنحى فقد التواصل مع واقع أمسى بلا ملامح سوى ملامح الموت، وكل ما تتمناه الذات أضحي مؤجلا أو لم يولد بعد، أو ميتاً، أو محجوباًن؛ فالربيع ميْتً، والقلب يذوي، والقمر معلق بين السحاب، والنجمة يأكلها الضباب ، والشمس مطعونة.

ثمة تيمات كثيرة دالة على التفجع ومأساوية الواقع وتفاقم شعور الذات بهذا الواقع المسيَّج بعوامل التصرم والحجب والموات، فيما أضحت كل الملامح الدالة على حياة معطلة ومستبعدة، وعليه فإن التجربة بانكفائها على الداخل الإنساني وبوحها الحزين وشعورها بالاغتراب ومناجاتها الفؤاد الذي يذوي تقع في حيز الرومانسية المتباكية الحزينة المتفجعة ، والناضحة هماً بالغ الوقع يجرف الذات باتجاه الشعور بالانتهاء.

ثمة ما يمكن أن يعزز صلة الذات بواقعها وإشكاليات الوطن الذي لم يعد وطنا مناسبا لحلم الذات الشاعرة ورغبتها في ملامسة تواجدها الحقيقي بعيداً عن العسف والخوف ، والجوع، والقهر، والحجب ، ومع هذا نلمس تجريداً شعريا يجرف التجربة نحو الداخل الإنساني المتفجع ، ليصبح الواقع ظلاً باهتا رغم أنه يقف خلف أحزان الذات ومآسيها.. فالوطن غير مجسد المعالم، وإشكاليات وملامح الواقع أضحت رموزاً، والعسف هو مجرد شعور مجرد من التمثل واقعيا في التجربة ، ومن ثم تخلو التجربة ـ نصوصيا ـ من تمثلات درامية أو محددات للواقع بطابعه الدرامي الذي نلمس معه تناقضات الواقع وطابعه الدرامي المفارق. والشأن في هذا شأن كل التجارب الرومانسية التي تهجر الواقع الذي يقف خلف أزمتها، مستبطنة همها ومطلقة شكواها وتفجعاتها وشعورها المتفام بالانتهاء.

وفي هذا المنحى الأخير كانت اللغة كافية للتعبير عن جوانيات الشاعر  وموحية بأجواء النفس ، ومدى غربتها ، كما كانت الصور المتالية متضافرة للتعبير عما توحي بهذا الطقس النفسي الحزين المتفجع في واقعه.

النص يتمتع بالشحن الإيحائي والتصويري ومعبأ بالشاعرية التي لم تترك فرصة لمزاحمة غير شعرية يمكن أن تتخلل النص. ومن هنا نتلمس الطريق إلى قدرة الشاعر على الصياغة الشعرية المحكمة ، والإمساك بخيط اللغة، وقدرتها على توظيف اللغة الموحية والتوليف بينها بما يخدم التجربة ، ومع هذا نلمس قصراً في النَّفس الشعري الذي لم يكن على قدر فداحة الواقع ولم يكن بحجم ما لمسناه من شعور متفاقم بالانتهاء .. ربما أن حرص الشاعر على تكثيف النص كان وراء ما نزعمه قصر نَفس، وربما أن تفاقم مشاعر اليأس والشعور بالموات كان وراء حبس التجربة عن التمدد .

 

 

 

 

 

 

khfajy

سترون أبيضي عندما يلوح بياض الآزمنة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 187 مشاهدة
نشرت فى 2 إبريل 2014 بواسطة khfajy

ساحة النقاش

عبدالجواد خفاجى

khfajy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

17,877