تـكـنـولوجـيا التـعـلـيم والـمـعـلومـات

الـدكـتـور/ خــالــد فــرجــون

ورقة عمل مقدمة للمؤتمر القومي السنوي التاسع عشر  (العربي الحادي عشر)

لمركز تطوير التعليم الجامعي  بالتعاون مع مركز التعليم المفتوح بجامعة عين شمس

":التعليم الجامعي العربي وازمة القيم في عالم بلا حدود

وذلك يومي الاربعاء والخميس 16-17/ سبتمبر 2015

 

إعداد

أ.د. خالد محمد فرجون

استاذ تكنولوجيا التعليم

ووكيل كلية التربية والقائم بالعمادة

 

سبتمبر 2015

 

 

 

 

 

قيم واخلاقيات التكنولوجيا

التكنولوجيا ثلاثية الابعاد في ظل اخلاقيات مهنة التعليم

      عرفت المهن منذ قديم الزمان, وعرف معها مواصفاتها وقوانينها وأخلاقياتها.  وهذه الأخلاقيات هي التي تلزم الإنسان أن يتصرف بالشكل اللائق ويتحرك ضمن الذوق والأخلاق سواء أكان مع زملائه في العمل, أو مع الناس الآخرين الذي لهم علاقة بالعمل.  بل تعتبر أخلاقيات المهنة من القوانين والشرائع والمواصفات التي يضعها المختصون لكي يلتزم الشخص بها ويسير على نهجها وينظم علاقته بغيره من الناس وفقها.

           فعلى سبيل المثال لا الحصر, من أخلاقيات مهنة الطب أن يكون الطبيب إنسانا لطيفا يلتزم بالصدق والأخلاق, فإذا لم يتعرف على داء أو لم يستطع أن يشخص مرضا, عليه يحول الحالة التي بين يديه إلى الطبيب المختص حتى لا يسبب للمريض المعاناة نتيجة جهله بالمرض.  ومن أخلاقيات مهنة الهندسة أن يكون المهندس أمينا صادقا في تقديره لتكلفة البناء وما سيتقاضاه من أجر مقابل هندسته وتخطيطه وإشرافه لا أن يغرق المالك في بناء أكثر من طاقته وإمكانياته.  ومن أخلاقيات مهنة التدريس أن يكون المعلم مخلصا في عمله يحترم زملاءه وعلى درجة عالية من الأدب والأخلاق, ويعتبر الطلبة أمانة في عنقه, همه أن يعطي أحسن ما عنده في تعليم النشء وتربيتهم ليكونوا أعضاء صالحين في المجتمع لا أن يكون مهملا كسولا غير مبال بنتائج إهماله وما يعكسه ذلك من ضرر على طلابه.  وكذلك الحال مع العامل والصانع والصحفي والإداري إلى غير ذلك من المهنيين.

           وبغض النظر عن تلك المهنة أو ذاك, فلكل مهنة أخلاقياتها, ولكل مهنة مواصفاتها وقوانينها, وعلى الشخص العامل بها أن يلتزم بمادئها وشرائعها, فلا يتعدى على حقوق الآخرين, ولا ينتهك حرماتهم, ولا يخرق حرياتهم, ولا يزعجهم, ولا يضرهم, ولا يتجسس عليهم من أجل مآرب شخصية أو منافع مادية, بل يجب أن يتعامل معهم باحترام وتقدير بما يخدم المهنة والصالح العام, وعليه ألا يكذب أن يسرق أو يتجسس أو يتملق أو ينافق الخ من السلوكات المرفوضة اجتماعيا وأخلاقيا.

           وإذا ما اعتبرنا التكنولوجيا مهنة من المهن, فنجد أن لها أيضا أخلاقيات يجب أن يلتزم بها كل من يستخدمها أو يسوَقها أو يتعامل بها. فاستخدام التكنولوجيا بجميع أنواعها من تلفونات وحواسيب, وإنترنت, وتلفزيونات, وستالايت, وفيديوهات, وأشرطة, وكاميرات وغيرها من الأدوات, يجب أن يخضع لقوانين وضوابط وأخلاقيات. ولعل من أبسط أخلاقيات التكنولوجيا أن لا تستخدم في إزعاج الآخرين, أو إلحاق الضرر بهم, أو العمل على غوايتهم, أو إفسادهعم, أو سرقة أموالهم, أو انتهاك حرماتهم, أو الاعتداء على حرياتهم الشخصية والاجتماعية, إذ أن التكنولوجيا ما وجدت إلا لخدمة الإنسان ورفاهيته, وتسهيل حياته, والعمل على راحته وإسعاده وتطويره, ورفع جودة عمله وصناعاته, وتسريع عملية اتصاله وتواصله سواء مع أهله أو أقاربه أو أصدقائه أو العالم من حوله.

           إلا أن بعض الناس ما زال يجهل الغرض الذي اخترعت من أجله التكنولوجيا, ولا يعرف كيف يستخدمها الاستخدام الأخلاقي الصحيح, بل وانحدر به الذوق وتدنت به القيم لدرجة أنه أخذ يوظفها في إزعاج الآخرين وانتهاك حرماتهم والتعدي على حقوقهم وحرياتهم, حيث نلاحظ أن هناك نفرا من الناس يستخدم التلفون لمعاكسة الآخرين بدل أن يستخدمه كخادم أمين, ومنهم من يستخدم البريد الإلكتروني في إرسال رسائل غير هادفة بدل أن يستخدمه في إرسال رسائل ضرورية ومهمة, ومنهم من يستخدم غرف المحادثة للمحادثات غير الضرورية بدل أن يستخدمها للتبادل الفكري والاستماع للرأي الآخر, ومنهم من يستخدم الستالايت لبث برامج إغوائية بدل أن يستخدمها لبث برامج علمية مفيدة, ومنهم من يستخدم الكاميرات والنواظير للتجسس على الآخرين بدل أن يستخدمها للأغراض العلمية والمناسبات الاجتماعية المفرحة, ومنهم من يستخدم المايكروفونات لإزعاج الآخرين وقطع عليهم حبل أفكارهم وقض مضاجعهم بدل أن يستخدمها للندوات والمؤتمرات والحالات الخاصة بها, ومنهم من يستخدم الإنترنت لسرقة الأموال, وانتحال البحوث العلمية, والمقالات الأدبية والمعلومات الدينية ونسبها لأنفسهم بدل أن يستخدمها للفائدة العلمية والأغراض التجارية بأمانة وصدق وتوثيق, إلى غير ذلك من الأمثلة التي تدلل على سوء استخدام التكنولوجيا عالميا وانحرافها عن الغرض الذي اخترعت من أجله.  

            صحيح أننا لا نستطيع أن نمنع الآخرين من أن يستخدموا التكنولوجيا بشكل خاطئ أو يزعجوا بها الآخرين, ولا نستطيع أيضا أن نبرمج تصرفاتهم وفق الأصول المرعية والذوق والأخلاق الحميدة, إلا أننا نستطيع أن نربي أولادنا على الذوق والأخلاق في استخدامها ومعاملة الآخرين.  وصحيح أننا لا نستطيع أن نجبر الآخرين على استخدامها التكنولوجيا بالشكل الأخلاقي الصحيح, ولكننا نستطيع أن نتوجه إلى القضاء والشكوى ضدهم إذا ما انتهكت حرياتنا الشخصية والاجتماعية وتعرضت للخطر.  وصحيح أننا لا نستطيع أن نمنع الشركات العالمية من أن توقف برامجها الإغوائية وأعمالها العدوانية التي تجني من ورائها أرباحا طائلة, ولكننا نستطيع أن نعلم أنفسنا الانضباط والتحكم الذاتي حتى نعرف ما الذي نريده وما الذي لا نريده, وما البرامج التي نرغب بمشاهدتها وما البرامج التي لا نرغب بمشاهدتها, ونستطيع أن نجعل من ضميرنا الرقيب علينا لا أن نجعل من الرقيب الخارجي والناس الآخرين الرقيبين علينا يتحكموا بأمرنا ويشكلوا تصرفاتنا.

           وبالتالي لا بد أن نعرف أن تنمية الضمير والمراقبة الذاتية هما الأساس في التربية والتعليم وتشكيل السلوك, وأن الأخلاق يجب أن تنبع من الداخل لا أن تفرض على الآخرين من الخارج, ويجب أن يتحلى الإنسان بالأدب والأخلاق والذوق لصفاتها الجمالية وفوائدها الإنسانية ونواتجها الخيرة المريحة لا من أجل الحصول على المكافئات المادية والمعززات الخارجية التي سرعان ما تزول الأخلاق بزوالها.  فالإنسان أولا وأخيرا هو المتحكم بأمر نفسه, وهو المشكل لسلوكه وتصرفاته, وهو الراسم لإطار شخصيته ومستقبله.  أما أن  ننتظر من الآخرين أن يعدلوا ويبدلوا في أخلاقهم وتصرفاتهم وإنتاجهم لكي نتصرف ضمن الأخلاق أو لكي نحافظ على الأخلاق, أو نمنعهم من بث برامجهم الإغوائية ووقف تصرفاتهم الجنونية لكي نكون مؤدبين ورعين تقيين, فهذا هو الجنون بعينه إن لم يكن ضربا من ضروب الوهم والخيال.  فالتحكم الذاتي والانضباط الداخلي هما الأساس في أي تربية وتعليم وذوق وأخلاق, والضمير الداخلي هو الرقيب الحقيقي على الإنسان وليس الرقيب الخارجي.

خلاقيات التكنولوجيا

نشر في تأمّلات في الحياة المعاصرة الجزء الخامس.

من أهمّ مظاهر القرن العشرين هو تطبيق العلوم الطبيعيّة في جميع نواحي الحياة البشريّة. وليس من إنسان مفكّر ينكر مدى تأثير التكنولوجيا أي تطبيق المبادئ العلميّة وتسخيرها للقيام بوظائف تسهّل حياة الإنسان وتمكّنه من التغلّب على العقبات التي كانت تعترض سبيله وتمنعه من تحقيق العديد من أحلامه. مثلاً لم يعرف أجدادنا الذين عاشوا قبل نحو مئة سنة أنّ الإنسان سيستطيع أن يتكلّم مع قرينه الإنسان عبر القارات بواسطة التلفون أو الراديو أو أنه سيتمكن من الطيران بسرعة الصوت أو الغوص تحت مياه البحار أو المحيطات! تمّت هذه الأمور الباهرة في القرن العشرين. كل شيء في حياتنا المعاصرة محاط بثمار العلوم الطبيعية وبمنتوجات التقنية أو التكنولوجيا.

ومع استفادتنا من التقدم العلمي الباهر وخاصة من تطبيقه في التكنولوجيا إلا أنه يجدر بنا أن نسأل هذا السؤال المصيري: هل تسير أمور العلم على أساس يفوق العلم أو يعلو عليه أم هل تجري أمور العلم على أساس علمي بحت؟ وماذا أقصد بعبارة: أساس علمي بحت؟ وهل هناك أخلاقيات للتكنولوجيا؟

وما ورد في الفصل السابق بخصوص الاقتصاد ووجوب ربطه بالأخلاقيات أذكره الآن في مضمار وجوب ربط التكنولوجيا بالأخلاقيات. فالعلم والتقنية ليسا من أجل العلم والتقنية! يجب أن توضع هذه الأمور في خدمة الإنسان ورفاهيته لا أن تستعبده وتجعل منه آلة صمّاء. وها هي بعض الأمثلة التي أوردها لإزالة أي غموض ربما يكون قد طرأ على كلماتي هذه:

كان الإنسان في القديم يستهلك المقدار القليل من الطاقة. فقد لجأ إلى استعمال الطاقة المستقاة من الماء والهواء والنار. لكن الإنسان المعاصر صار يتّكل على الطاقة الكهربائيّة في أكثر نواحي حياته. بدون الكهرباء تختفي الحضارة كما نعرفها الآن. ولكن كيف نولّد الكهرباء؟ إمّا بالاتكال على الطاقة المائيّة أو الفحميّة أو البتروليّة أو النوويّة.

لنكتفي بالكلام عن توليد الكهرباء بواسطة الطاقة النوويّة. يجري هذا الأمر في العديد من بلاد العام ومن البديهي أن ازدياد الحاجة إلى الكهرباء يجعل من توليدها نووياً أمراً لا مفرّ منه. ولكن ماذا إن كان منتوج الطاقة النووية الثانوي (أي المواد المشعّة) يشكّل خطراً جسيماً على الناس ليس في أيامنا هذه فقط بل في السنين القادمة؟ كنا نجهل في أواسط هذا القرن علاقة الإشعاع النووي بمرض السرطان. لكننا لم نعد نجهل ذلك الآن. ألا نرى في هذا الحقل العلمي والتقني موضوعاً يتجاوز العلم والتقنية؟ ألا نجابه وجود مشكلة أخلاقية لا يمكن التهرّب منها ونحن نبحث في توليد الكهرباء من الطاقة النوويّة؟

لنذكر مثلاً آخر. يتّكل الإنسان في حياته على البرادات وآلات تكييف الهواء التي تمكّنه من حفظ المواد الغذائية لمدّة طويلة وعلى تلطيف الجوّ المحيط به. ويستعمل في هذه الحالات غازاً نادراً للحصول على النتيجة المبتغاة أي التبريد. لاحظ بعض العلماء الباحثين في مناخ الكرة الأرضية وتقلبات الجوّ وتكاثر الجفاف، وجود علاقة مباشرة بين استعمال هذا الغاز النادر والفجوة التي تكوّنت في طبقة الأوزون المحيطة بأرضنا والتي تمنع الإشعاعات الضارّة الآتية إلينا من الشمس من الوصول إلى سطح الأرض.

وقد يقول قائل: ما نجابهه هو مشكلة تقنية. وأنا أسايرك على رأيك ولكنني أزيد قائلاً: نعم تجابهنا مشكلة تكنولوجية ذات أبعاد هائلة ولكنها ليست تكنولوجية بحتة. هناك أيضاً موضوع الأخلاقيات التي يجب أن تصاحب العلوم والتكنولوجيا. فنحن ما إن نكتشف وجود خطر على صحة الإنسان أو على مستقبل البشرية جمعاء ينبثق عن مصدر تكنولوجي حتى يترتب علينا أن نذكّر العلماء أنّه من واجبهم النظر إلى جميع أعمالهم واختباراتهم من وجهة نظر أخلاقية. لا يجوز لهم أن ينادوا بالطلاق بين العلم والأخلاق.

وفي النهاية لا بدّ لنا من الإقرار أننا عندما نتكلم عن أخلاقيات التكنولوجيا أو أخلاقيات الاقتصاد علينا أن نذهب إلى أبعد من ذلك فنقول إنّ الأخلاقيات ذاتها يجب أن توضع ضمن نطاق يعترف بسلطان الله على كل نواحي الحياة والكون. ليس الإنسان بمالك للدنيا ولا بمسير لأمورها وكأنه سيد العالم المطلق. الإنسان هو وكيل استأمنه الله على جميع موارد ومقدّرات الأرض ليعمل فيها بكل مسؤولية. فإن أساء الإنسان استعمال وكالته يجلب على نفسه وعلى نسله أخطاراً عديدة. فحاجتنا القصوى إذاً أن ننادي بأهمية الاعتراف بالله وبشريعته وبعمله الخلاصي الجبار في المسيح يسوع ولصالح البشرية المعذبة. ومتى قمنا بذلك فإننا نرى العلاقة الوثيقة بين التكنولوجيا والأخلاقيات، لا الأخلاقيات المبنية على فلسفة منكرة لله، بل على أخلاقيات تنبع من الإيمان الحيّ بالله القدير.

 

بين الفرد المستخدم للتكنولوجيا والآخرين

 

 

التكنولوجيا بجميع أشكالها وأنواعها في العصر الحاضر وبخاصة الحديثة منها، مثل أجهزة الكومبيوتر والإنترنت والهواتف المحمولة والكاميرات الرقمية وألعاب الفيديو، قد وجدت لتسهل وتيسر للإنسان والمجتمع حياته ورفاهيته. لكن الواقع الحالي يؤكد على أن هناك من يجهل أو يتجاهل الأهداف الأساسية من اختراع وتطوير هذه التكنولوجيات، كما لا يعرف كيفية استخدامها استخداما أخلاقيا سليما، والمثال على ذلك، الاستخدام غير الأخلاقي لشبكة الإنترنت، من اعتداء على الخصوصيات والتجسس المعلوماتي وسرقة الهويات الشخصية وانتهاك حقوق الملكية الفكرية، وسرقة البعض للنتاج الفكري للآخرين من بحوث ومقالات ونسبها لأنفسهم، أو سرقة الأرصدة والأموال البنكية عبر التحويل الإلكتروني، أو سرقة البرامج أو إعادة نسخها، أو إتلاف وإزالة وتشويه والتلاعب بالبيانات والمعلومات، أو التخريب والتدمير الإلكتروني لأنظمة الكومبيوتر أو الترويج لمواد ومحتويات ضارة غير هادفة عبر رسائل بالبريد الإلكتروني أو في الإساءة إلى أشخاص وتلويث وتشويه سمعتهم، والمخاطر التي تنجم عن التحاور مع الآخرين عبر مواقع المحادثة أو ما يسمى بغرف الدردشة (الشات). وكذلك من يستخدمون الهواتف الجوالة لإزعاج الآخرين بالمعاكسات أو نشر صور مخلة بالآداب عبر كاميرات هذه الهواتف.

ويقصد بأخلاقيات التكنولوجيا، الأخلاقيات المتعلقة بمستخدميها التي تحكم تصرفاتهم وسلوكياتهم نحوها، وتتضمن مجموعة من القواعد والقوانين لكي يلتزم بها الأفراد وتبنى عليها قراراتهم وأفعالهم عند استخدام هذه التكنولوجيا. وقد تكون هذه الأخلاقيات بين الفرد المستخدم للتكنولوجيا ونفسه أو بينه وبين الآخرين، هذا بالإضافة إلى أخلاقيات بين المستخدم والمكونات المادية للتكنولوجيا، والتي تشمل الحرص على سلامة الأجهزة ومحتوياتها من التكسير والإتلاف.

وحول أخلاقيات التكنولوجيا، صدر حديثا كتاب بعنوان «التكنولوجيا والأخلاقيات: خلافات وتساؤلات واستراتيجيات لأخلاقيات الحوسبة»، للبروفسور هيرمان تافاني، أستاذ الفلسفة بكلية ريفير، بولاية نيوهامبشير الأميركية، ورئيس الجمعية الدولية للأخلاقيات وتكنولوجيا المعلومات، التي تأسست في ولاية فيرجينيا الأميركية عام 2000، والذي يعد من المتخصصين في مجال أخلاقيات التكنولوجيا، فقد قام بتأليف وتحرير 5 كتب عن الجوانب الاجتماعية والأخلاقية لتكنولوجيا المعلومات.

ومن بين التساؤلات المهمة التي يطرحها الكتاب: هل هناك خصوصية في عالم الهواتف المزودة بكاميرات والشبكات اللاسلكية؟، وهل تهدد التكنولوجيا حرياتنا المدنية؟، وكيف ستؤثر علينا تقنية المعلوماتية الحيوية (بيوإنفورماتيكس Bioinformatics) (الجمع بين تقنية المعلومات والتقنية الحيوية)، وتقنية النانوتكنولوجي (التقنيات المتناهية في الصغر)؟

يشير الكتاب إلى أن عصر المعلومات الحالي يفرض العديد من الأسئلة الجادة والخطيرة والمعقدة، في مجال أخلاقيات الفضاء الإلكتروني والتي تتعلق بالعديد من القضايا مثل الخصوصية والأمن والملكية الفكرية، حيث يتناول المؤلف من خلال التداخل والتكامل بين مختلف العلوم والتخصصات، القضايا الأخلاقية الجديدة من جوانب ورؤى متعددة، تقنية واجتماعية وفلسفية وقانونية والتي تفيد المهتمين بعلوم الكومبيوتر من متخصصين وغير متخصصين، للتعرف على التحديات الجديدة في الفضاء الإلكتروني.

على مدى 12 فصلا للكتاب، يتناول المؤلف العديد من الموضوعات والقضايا الحديثة المهمة المتعلقة بأخلاقيات التكنولوجيا في الفضاء الإلكتروني، مثل الخصوصية والأمن والجريمة الإلكترونية والملكية الفكرية، والهوية الشخصية، والتجارة الإلكترونية والكلام في الفضاء الإلكتروني، والجوانب الأخلاقية للتكنولوجيات الناشئة والمتقاربة، مثل التأثيرات المتداخلة بين النانوتكنولوجي وتقنية المعلومات الحيوية، بالإضافة إلى تحليل لقرارات خاصة بقضايا حديثة في المحاكم متعلقة بمجالات التكنولوجيا.

في الفصول الأربعة الأولى من الكتاب يتناول المؤلف مقدمة لأخلاقيات الفضاء الإلكتروني: المفاهيم، الرؤى والأطر المنهجية، والمفاهيم والنظريات الأخلاقية، ومهارات التفكير النقدي والحجج المنطقية باعتبارها أدوات لتقييم قضايا أخلاقيات الفضاء الإلكتروني.

أسباب اختيار مصطلح «أخلاقيات الفضاء الإلكتروني» (Cyberethics)، ويشير بالقول إلى أن العديد من المؤلفين يستخدمون مصطلح «أخلاقيات الكومبيوتر»، للتعبير عن القضايا الأخلاقية المتصلة بتكنولوجيا الكومبيوتر والمعلومات، والبعض الآخر يستخدم تعبير «أخلاقيات المعلومات» للإشارة إلى الأخلاقيات المتصلة بتدفق المعلومات، سواء المعززة لها أو القاصرة على تكنولوجيا الكومبيوتر، ونظرا للقلق والاهتمام بالقضايا الأخلاقية المتعلقة بشبكة الإنترنت، فقد استخدم البعض مصطلح «أخلاقيات الإنترنت»، أما المؤلف فيرى أن استخدام مصطلح أخلاقيات الفضاء الإلكتروني أكثر دقة وصحة، وأكثر شمولية، وغير محدود، ومناسب بدرجة أكبر عن مصطلحي أخلاقيات الكومبيوتر وأخلاقيات الإنترنت، وذلك لتناوله مدى واسع من قضايا الأخلاقيات المتضمنة تكنولوجيا الفضاء الإلكتروني «السيبري» (Cybertechnology) (أجهزة الاتصالات والحوسبة)، مثل القضايا الأخلاقية والاجتماعية والقانونية.

وجدير بالذكر أن

مصطلح «الفضاء السيبري» (Cyberspace)، قد وضعه لأول مرة كاتب الخيال العلمي الأميركي الكندي وليام غيبسون المولود عام 1948، في روايته «نيورومانسر» (Neuromancer) عام 1984، والتي نالت العديد من جوائز الخيال العلمي، وتعد من أشهر روايات حركة «السيبربنك» (Cyberpunk Movement)، ويعني المصطلح الفضاء المتخيل الذي نعبره عندما ننتقل في أرجاء شبكة الإنترنت وكل ما يتعلق به من استخدامات، وقد تحدثت الرواية عن عديد من المفاهيم مثل الذكاء الصناعي والواقع الافتراضي وهندسة الجينات، في الثمانينات، وقبل أن تصبح شائعة في عالم اليوم. وتعد حركة «السيبربنك» من أهم اتجاهات الخيال العلمي حاليا، وتعني ثورة الكومبيوتر أو الآلة، وتعبر عن تمرد الأفراد على البقاء داخل النظام الذي يتحكم بالجميع، وهيمنة استخدام مؤسسات السلطة لأجهزة الكومبيوتر بصورة متزايدة. ومصطلح «سيبربنك» يتألف من كلمتين، «سيبر»، و«بنك»، وكلمة « سيبر» مشتقة من مصطلح «سيبرنيتكس» (علم التحكم الآليCybernetics)، وتشير إلى العالم الرقمي أو الإلكتروني، أما كلمة «بنك» فتشير إلى الثائر والمشاغب بالمعنى الاجتماعي الذي يرفض القيود والقواعد والنظم الاجتماعية، والمصطلح وضعه كاتب الخيال العلمي الأميركي بروس بيثكي المولود عام 1955، كعنوان لقصة قصيرة له نشرت في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1983 في مجلة قصص الخيال العلمي المذهلة.

 

 

لا أحد يستطيع أن ينكر ما توصل إليه العالم اليوم من تقدم في مجال التكنولوجيا التي جنى منها ثمارا كثيرة، وتجرع بسببها أيضاً كؤوس الخراب والدمار والمشكلات التي تتفاوت في تأثيرها على الإنسان والأكوان؛ فكلما تقدم العلم وتعقدت الحياة يصبح الناس في رخاء تصاحبه مشاكل تكدر صفوه.

ومن المشكلات التي تصاحب التكنولوجيا في عصرنا الحاضر مراعاة البعد الأخلاقي في استخدام التكنولوجيا التي من الممكن توظيفها لهدم الإنسان والبنيان كما يمكن استخدامها للعمران أيضا، والهدم – كما هو معروف -أسهل بكثير من البنيان.

ويؤكد هذه النظرة الدكتور أحمد زويل في كتابه عصر العلم الذي يتناول في طياته التحديات التي تواجه العلم، المتمثلة في التدخل الأجنبي والإرهاب وعلاقة العلم بالدين، وهذه الثلاثية تدور حول الأخلاق التي تحرص على احترام خصوصيات الآخرين وعدم التدخل في شؤونهم، وتحث على عدم ترويع الناس وإرهابهم، وتكتشف من خلال بيان علماء الدين العلاقة بين العلم والدين، تلك الجدلية التي تمتد جذورها لمئات القرون ولم يتم الفصل فيها حتى الآن.

وأتناول ثلاثة نماذج للتقدم في محال التكنولوجيا مبينا الاستخدام السلبي والإيجابي لها، لأطرح في النهاية رؤية لحل هذه الإشكالية الأخلاقية التي لا يقتصر أثرها على الأفراد بل يمتد خطرها ليشمل الشعوب، ويلتهم الحضارات.

أولا: في مجال الهندسة الوراثية:

من فوائد الهندسة الوراثية في زيادة الإنتاج من الغذاء والكساء والدواء، وهي حاجات ضرورية للإنسان، فمن خلالها استطاع الأطباء مثلا أن يوفروا الأنسولين لمرضى السكر عن طريق استخراجه من العجول الرضيعة ومحاولة استنساخ كميات كبيرة لإنقاذ مرضى السكر.

والبعد الأخلاقي يتمثل في استطاعة القائمين على الهندسة الوراثية أن يضروا الإنسان، فعن طريق الهندسة الوراثية من الممكن أن تنتج نباتات مسببة لأمراض كالسرطان، وعن طريقها من الممكن استنساخ بشر على غرار النعجة دوللي، وذلك ما حدث منذ أيام عندما أعلنت العالمة الفرنسية بريجيت بواسولييه العضو في طائفة الرائيليين التي تعد الاستنساخ أساس الإيمان الرائيلي؛ بغية خلود البشرية في الأرض عن ولادة أول طفلة عبر تقنية الاستنساخ البشري في ميامي بالولايات المتحدة.

وهناك في الولايات المتحدة وأوربا بنوك للجينات حتى يستطيع الأطباء استنساخ بعضها التي تحمل صفات وراثية معينة وزرعها في رحم أم لولادة طفل ليس لأبيه حاملا صفات وراثية لشخص قد يكون قد مات منذ فترة طويلة.

وهذا شبيه بما كان يحدث في الجاهلية بنكاح الاستبضاع الذي كانت تذهب فيه المرأة إلى رجل قوي البنية وسيم الوجه لكي تنجب منه طفلا يحمل هذه الصفات. وقد جاء الإسلام لتحريم مثل هذه الأخلاقيات الفاسدة التي تهلك الحرث والنسل.

 

ثانيا: في مجال الاتصالات والإعلام

في مجال الإعلام نلمس ذلك التطور المذهل الذي حول العالم قرية صغيرة، وأصبح التواصل سهلا ميسورا، وغزا الإنسان الفضاء، وكل هذه إيجابيات لا شك كانت لها فوائدها الجمة، ولكن في الوقت نفسه ألغيت كلمة"ممنوع من النشر" من القاموس؛ فكل شيء متاح، الحسن والقبيح، النافع والضار، فالإنترنت والتلفيزيون قد سيطرا على عقول كثير من الناس واستغلت هذه الوسائل في هدم الأخلاقيات؛ فأنفقت الأموال الطائلة لتصميم مواقع وقنوات تنشر الفساد وتحض على الرذيلة، ضمن حرب شرسة يشنها أهل الشر على أهل الخير، وأصبحت التربية الأخلاقية شيئا صعبا للغاية؛ فرب الأسرة لم يعد قادرا على مراقبة السلوكيات بشكل مناسب كما مضى فوسائل إخفاء الفساد كثيرة، وطريقة اكتشافها شيء عسير خاصة على الذين لا يعرفون طريقة استخدامها أو كان استخدامها لهذه الوسائل ضعيفا –كما هو واقع كثير من الناس اليوم- 

 

ثالثا: في مجال استخدام الطاقة النووية:

أما في مجال الطاقة النووية التي من الممكن توظيفها في الطب لعلاج المرضى واستخدامها لإنتاج الكهرباء وتحلية مياه البحر واستخدامها كمصدر جديد للطاقة التي تتناقص مواردها واحتياطياتها فإننا نجدها تستخدم كسلاح يهلك الحرث والنسل كما حدث في هيروشيما ونجازاكي في اليابان، وكما حدث في العراق وأفغانستان.

إن النماذج المقدمة كانت آية على طريقة استخدام التكنولوجيا بشكل يضر بالمجتمع، ومن السهل تعلمها في عصر السماوات المفتوحة؛ فمن السهل جدا التوصل لكيفة تصنيع قنبلة أو أي شيء يضر الإنسان من أسلحة كيماوية وبيولوجية عن طريق المواقع الإلكترونية؛ مما يجعل المشكلة تدق ناقوس الخطر لمعالجتها، التي أرى أنها من الممكن أن تعالج بالوسائل التالية:

أولا: الاهتمام بالبعد الأخلاقي في التربية؛ حتى يكون عامل الردع داخليا عند الإنسان فهو أقوى من تعيين شرطي عليه.

ثانيا: أن يقوم المسؤولون عن التكنولوجيا في مختلف تخصصاتها بصنع ميثاق شرف يرقى إلى دستور يلتزم به بحيث يتتبع كل من يخالفه وتصدر ضده عقوبات رادعة.

ثالثا: أن يراقب أهل كل بلد ما يصدر إليهم من معلومات ويحاولوا إيجاد طريقة لحظر ما يرونه ضارا منها، وهذه صعبة ولكنها ليست مستحيلة.

تلك مشكلة أطرحها حتى يتفاعل معنا من يهمهم الأمر لإبداء الرأي ومعالجة الأمر بأقصى سرعة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أخلاقيات التعامل مع الموارد التقنية والاتصالية

 

 


 

 

مقدمة

التكنولوجيا بجميع أشكالها وأنواعها من أجهزة حواسيب  وشبكة أنترنت  وهواتف محمولة عادية وذكية  وكاميرات رقمية وألعاب الفيديو، وجدت لتسهل وتيسر للإنسان والمجتمع حياته ورفاهيته. لكن الواقع الحالي يؤكد عكس ذلك فهناك من يجهل أو يتجاهل الأهداف الأساسية من اختراع وتطوير هذه التكنولوجيات، كما لا يعرف كيفية استخدامها استخداما أخلاقيا سليما، والمثال على ذلك، الاستخدام غير الأخلاقي لشبكة الإنترنت، من اعتداء على الخصوصيات والتجسس المعلوماتي وسرقة الهويات الشخصية وانتهاك حقوق الملكية الفكرية، وسرقة البعض للنتاج الفكري للآخرين من بحوث ومقالات ونسبها لأنفسهم، أو سرقة الأرصدة والأموال البنكية عبر التحويل الإلكتروني، أو سرقة البرامج أو إعادة نسخها، أو إتلاف وإزالة وتشويه البيانات والمعلومات أو التلاعب بها ، أو التخريب والتدمير الإلكتروني للأنظمة المعلوماتية  أو الترويج لمواد ومحتويات ضارة غير هادفة عبر رسائل البريد الالكتروني أو من خلال المواقع الالكترونية أو غرف المحادثة ،  أو في الإساءة إلى أشخاص وتلويث وتشويه سمعتهم، ناهيك عن المخاطر التي تنجم عن التحاور مع الآخرين عبر مواقع المحادثة أو ما يسمى بغرف الدردشة (الشات). وكذلك من يستخدمون الهواتف المحمولة لإزعاج الآخرين بالمعاكسات أو نشر صور مخلة بالآداب عبر كاميرات هذه الهواتف أو إستخدامها في نشر الشائعات.

في ظل كل ذلك ظهرت الحاجة إلى إيجاد مجموعة من المبادئ والأخلاق تجعل من وسائل تقنية المعلومات والاتصالات  بكافة أنواعها  وسائل  فعالة راقية للاتصال وتبادل المعلومات والمعرفة النافعة. وهي غير مرتبطة بوسائل تقنية المعلومات والاتصالات كوسائل في حد ذاتها وإنما متعلقة بالمستخدم ذاته الذي يعقل أفعاله. و لا تتعلق بالأنظمة التي تقنن استخدام وسائل تقنية المعلومات  بقدر ما هي متعلقة بالخلق  الموجود في نفوسنا الذي سيحكم كيفية تصرفنا عندما لا يكون هناك نظام مفروض.

وقد تكون هذه الأخلاقيات بين الفرد المستخدم للتكنولوجيا ونفسه أو بينه وبين الآخرين، هذا بالإضافة إلى أخلاقيات بين المستخدم والمكونات المادية للتكنولوجيا، والتي تشمل الحرص على سلامة الأجهزة ومحتوياتها من التكسير والإتلاف.

.

 

 

الضوابط والأحكام


أخلاقيات التعامل مع وسائل تقنية المعلومات والاتصالات قد تكون  بين الفرد المستخدم للتكنولوجيا ونفسه ، وقد تكون بينه وبين الآخرين، هذا بالإضافة إلى أخلاقيات بين المستخدم والمكونات المادية للتكنولوجيا، والتي تشمل الحرص على سلامة الأجهزة ومحتوياتها من التكسير والإتلاف

إذن نستطيع أن نقسم  أخلاقيات التعامل مع وسائل تقنية المعلومات والاتصالات إلى ثلاثة أقسام على النحو التالي:

 

القسم الأول . أخلاقيات التعامل بين الفرد المستخدم للتكنولوجيا ونفسه:

ينبغي على أي مستخدم لأي وسيلة من وسائل تقنية المعلومات أو الاتصالات  وهو بصدد استخدام هذه التكنولوجيا أن يراعي :

<!--تقوى الله ومراقبته والإيمان الصادق بأن الله يعلم السر وأخفى.

<!--أن تتفق استخداماته مع تعاليم الأديان السماوية .

<!-- احترام الذات والقيم والمبادئ والعادات والتقاليد.

<!--تجنب الدخول الى المواقع المشبوهة الضارة والالتزام بالمواقع التي تتناسب مع العمر  وتحقق الأهداف وتحقق الحاجات.

 

القسم الثاني أخلاقيات التعامل بين المستخدم للتكنولوجيا  وغيره من المستخدمين :

 

<!--يتعين على مستخدمي التكنولوجيا التعريف بأنفسهم بشكل واضح وصريح في كل المراسلات والاتصالات الإليكترونية حيث يعتبر إخفاء الهوية أو إخفاء الانتماء الإداري أو انتحال شخصية الغير تصرفات منافية للأخلاق ..

<!--احترام الاخرين واحترام افكارهم واراءهم وعدم السخرية منهم وتجنب  الاساءة اليهم او جرح مشاعرهم عند التواصل معهم عبر  وسائل تقنية المعلومات والاتصالات وتجنب  التحاور الالكتروني عندما يكون جدلا بلا غاية.

<!--توخ الدقة والمباشرة والايجاز  في طرح الافكار ومحاورة الاخرين.

<!--الابتعاد عن التزوير والخداع.

<!--مراعاة حقوق النشر أو التأليف ، و حقوق الملكية الفكرية لأي بيانات أو معلومات ..

<!--تجنب  انتهاك خصوصيات الغير أو التعدي على حقهم في الاحتفاظ بأسرارهم.

 

margin-right: 75.4pt; mso-add-space: auto; text-align: justify; text-indent: -75.4pt; mso-text-indent-alt: -18.0pt; mso-list: l3 level1 lf

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1583 مشاهدة
نشرت فى 19 مارس 2016 بواسطة khaledfargoun

ساحة النقاش

أ.د.خـالـد محـمد فـرجـون

khaledfargoun
اســتاذ تـكنولوجيا التعليم والمعلومات المتفرغ (حاليا) - رئيس قسم تكنولوجيا التعليم ووكيل كلية التربية لشئون التعليم والطلاب وقائم بعمادة كلية التربية بجامعة حلوان (سابقا) »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

171,064