يعرف اللغويون التعبير الاصطلاحي بأنه: عنصر أو تركيب لغوي خاص بمجموعة لغوية معينة، ليس له مقابل شكلي دقيق في الترجمة إلى اللغات الأخرى.


ويرون أيضًا أن الاصطلاحات والترجمة لا تملك مقابلاً شكلياً دقيقًا في الترجمة إلى اللغات الأخرى.. فالاصطلاحات إذًا تشكل إحدى الصعوبات التي يصطدم بها المترجمون في الواقع، والترجمة الحرفية هنا غير مقبولة.

- إما لأنها تنتج نصًا لا معنى له، أو لا احترام للنحو فيه.

- أو لأنها تقود إلى تحويل كامل للمعنى.

- أو لأنها تؤدي إلى تغيير في مستوى اللغة "يخون" الفكرة الأصلية.

المصطلح يحمل قيم قومه:

والترجمة، كما يعرفها "مالينويسكي" هي إعادة خلق اللغة الأصلية إلى لغة ليست مختلفة تمام الاختلاف.. ومن هنا فإن الترجمة ليست استبدال كلمة بأخرى، بل هي في الواقع ترجمة سياقات برمتها

.

وليس المقصود بهذا النقل الآلي من اللغات الأجنبية إلى العربية، وإنما هو نقل المقومات المدنية الحديثة ومشخصاتها إلى اللغة العربية، لكي تتغلغل في النسيج الفكري للأمة.

والترجمة ليست ضرورة حضارية للدول المتخلفة فحسب، وإنـما لها أهميتها القصوى للدول المتقدمة أيضًا التي تحرص على معرفة ما أحرزته الدول المنافسة لها في الميادين المختلفة.. يقول الأستاذ محمد الفاسي، عضومجمع اللغة العربية بالرياض: "إن العلوم والتقنيات بلغت اليوم مبلغًا مذهلاً من التقدم، إذ العلوم أخذت تتقدم وتتوسع، والنظم السياسية والفضائية والإدارة تتطور، والصنائع تنمو وتترقى، وكل هذا استلزم إحداث الآلاف بل مئات الآلاف من الألفاظ والاصطلاحات للتعبير عنه، في الوقت الذي بقيت لغتنا على ما كانت عليه لما جمدت القرائح ووقف الفكر العربي عن الاختراع والإبداع.. بل زاد المسألة تراجعًا وتأخرًا أن المثقفين في أكثر البلاد العربية، بإقبالهم في أول اتصال بالحضارة الحديثة على اللغات الأجنبية والثقافات الغربية، أهملوا تراثهم اللغوي، وقلت المعرفة بدقائق اللغة وبمصطلحات العلوم والفنون، التي كانت بلغت درجة عالية في الدقة والاتساع، فأُهملت تلك الثروة العظيمة، وبقيت مخبأة في طيات الموسوعات والمؤلفات المختلفة، المخطوط منها والمطبوعة ".

ويعمد بعض المهتمين بوضع المصطلحات العلمية إلى اللفظ الأعجمي وينقلونه على علاته بحروف عربية، معتمدين على ادعاءٍ باطل ومغالطة لا أصل لها من الصحة، وهي أن هذه الألفاظ عالمية دولية، تستعمل في كل البلاد.

تجارب في التعامل مع المصطلحات الوافدة:

يشيد الأستاذ محمد الفاسي بالتجربة الألمانية في التعامل مع المصطلحات الوافدة، وكتب في هذا الشأن يقول: وإذا كانت اللغات اللاتينية واللغة الإنجليزية... تستعمل ألفاظًا متقاربة متشابهة، فإن باقي الشعوب لها ألفاظها الخاصة المنبثقة عن عبقريتها وخصائصها الذاتية، ولنضرب لذلك مثلاً بلغة أوروبية كان يعمها هذا الشمول، لو كان حقًا أن المصطلحات العلمية هي عالمية، ولكنها في الواقع تستعمل ألفاظ جرمانية بحتة، لنأخذ أربع كلمات عالمية وهي: تليفون، وتلـفزة، وجغرافية، وبترول، فـنرى أن الألـمان لا يستعملون واحدة من هذه الكلمات، وإنما يقولون:

للتليفون : feerns precher : أي التكلم البعيد.

والتلفزة: feernsehen: أي الرؤية البعيدة.

والجغرافية:erdkrin de : أي معرفة الأرض.

والبترول: erdol: أي زيت الأرض.

وهذا رغم كون لغتهم من فصيلة اللغات الهندية الأوروبية، وهي شقيقة اللغات اللاتينية والإنجليزية.

يرى "فيخته " أن الألمان بمحافظتهم على أصالتهم، أي لغتهم الأصلية، التي بقيت متعلقة بجذورها، أمة، بينما الشعوب الجرمانية الأخرى التي هي من أصل واحد والشعب الألماني، ولكنها تخلت عن اللغة الأصلية أو خلطتها بلغات أخرى، ليست إلا قبائل، جرمانية حقًا، كالأمة الألمانية، ولكنها تبقى قبائل وأشتاتًا وليست أمة مثلها؟؟.

المصطلحات ولغة الأمة:

ففي شتى بلدان العالم يسعى الغيورون على اللغات الوطنية لتأكيد أصالتها من خلال التعامل مع الـمصطلحات الأجـنبـية وفـق ما يقتضيه حال لغتهم، والبحث عما يقابله في اللغة الأصلية أولاً.

وهكذا، أثناء زيارة لألبانيا -ذاك البلد الصغير- أعلمني مرافقي ونحن على متن السيارة، أن الحصة الإذاعية الجاري بثها، هي الآن بصدد الحديث عن مسألة الكلمات الدخيلة، وأنهم يسعون لاستبدالها بالألفاظ والكلمات ذات الأصل المحلي، حفاظًا على لغتهم من الذوبان في لغات أمم التكنولوجيا الحديثة.

وفي فرنسا -مثلاً- توجد عشرات الهيئات الرسمية والخاصة تقوم بالمحافظة على اللغة الفرنسية، وإبعاد الكلمات الدخيلة التي غزتها هذه السنين الأخيرة، خصوصًا الإنجليزية، حتى أطلق أحد الأساتذة الفرنسيين المشهورين وهو الأستاذ Etiemble عـلى لغـة فرنـسا فـي الوقت الـحاضر لفظ "الفرانكلية le frenglais" ، أي الفرنسية الممزوجة بالإنجليزية.. وعلى رأس هذه المؤسسات المجمع الفرنسي، الذي لا يدخل في قاموسه إلا ما كان سليمًا من حيث الأصل الفرنسي، وموافقًا للذوق والأساليب الفرنسية.

إن غيرة الألمان والفرنسيين والألبان العارمة وغيرهم على لغتهم، يقابله -للأسف- عن وعي أو غير وعي، نوع من التهاون من العرب على لغتهم، حيث أصبحنا نجد في بعض الأحيان الشيء الواحد نطلق عليه تسميات عدة، ومن ذلك مثلاً : في مصر يقولون بندول الساعة لكلمة pendulum ، وفي العراق "رقاص"، وفي سوريا "نواس "، وفي الأردن "خطار "، فينبغي أن تختار الدول العربية ترجمة واحدة للمصطلح الواحد.

وأمام هذا الطوفان الجارف من التكنولوجيا الحديثة والاختراعات التي تمس شتى مناحي الحياة، يجد الإعلاميون العرب أنفسهم أمام الأمر الواقع، فهم -هنا- ونتيجة لمقتضيات النقل السريع للأحداث الوافدة من كل أصقاع المعمورة، قد يجبرون على استخدام المصطلح كما ورد، أو يبحثون عن أقرب معنى له.

إن آلاف الألفاظ والتراكيب التي لا نعرف لها واضعًا ولا صانعًا أصبحت من صميم اللغة العربية وثروتها الواسعة، التي لا تعرف حدًا، هي من عمل رجال الصحافة وابتكارهم، إما بالترجمة من اللغات الأجنبية، وإما باستعمال المجاز والاستعارة وتوسعًا في دلالات الكلمات، وإما بالوضع الموحي الذي يجيئ عفو الخاطر ويكون مطابقًا للقواعد وأحكام اللغة من اشتقاق وتعريب وغيرهما.

وقــد يرى بعـض الـمهتـميـن أن كـثرة الاشتــقاق تفـسد اللـغـة، أو تؤدي إلى تسممها، ويذهب الدكتور حسن ظاظا أستاذ علم اللغة إلى القول: إن اللغة تستطيع أن تستوعب حتى 40% من الأسماء الحديثة، وحتى 10% من الأفعال، وحتى 2% من الحروف، ولكنها بعد هذه النسب تتعرض للتسمم.

وتعتبر الترجمة من أخطر التحـديـات الـتي تواجـه العـربية، حيث تعتمد أغلبية وسائل الإعلام على الطرق البالية، وبالتالي لا يمكن التجاوب مع التقنيات الجديدة والمعطيات العصرية، وبهذا فـهي تعتمد على الـمصادر الأجنبية في الحصول على المعلومات ونقل التصنيفات والتعريفات التي تقدمها لنا المصادر الأجنبية دون تبصر.

ويـمكن أن تصاحب المصطلحات الأجنبية القيم الإخبارية لأصحابها، وتفسيراتهم للأحداث، والتي تعكس انتماءاتهم الحضارية والمذهبية.. ومن أجل ذلك ينبغي الحذر عند ترجمة المصطلحات الوافدة من عند الشعوب الأخرى.

وفي هذا السياق، يقول الأستاذ أكرم محمود قنوص: "إن الأسماء العربية للمخترعات لا تلغي الأسماء الأجنبية، وإنما تدفعها إلى الدرجة الثانية، فيتقدم عليها مصطلح لغتنا، وهو حق لنا ولكل أمة أن تسمي الأشياء بلغتها لا بلغة غيرها من البشر.. حتى تدخل وعي أبنائها ".

ونختتم هذا الفصل ببعض الملاحظات التي نرمي من خلالها إلى ترشيد عمليات التعامل مع الترجمة والاصطلاحات الأجنبية، وذلك حتى يتسنى للغة العربية أن تساير مستجدات العصر، وفي الوقت ذاته لا تتخلى عن مقوماتها التي تتميز بها:

- تحوي اللغات الأجنبية عشرات من الكلمات والمصطلحات التي تتقارب في معانيها وتتفاوت في دلالتها، ومن الملاحظ أن المراجع الأجنبية كثيرًا ما تستعمل الكلمة الواحدة لأكثر من معنى ومدلول، وعلى سبيل المثال نأخذ كلمة : Fort

مدينة منيعة: Ville Forte صوت جوهري: Voix Forte

مقدار كبير: Forte Dose نظر ثاقب: Des Yeux Forte

كيل واف: Mesure Forte عنيد: Forte tete

ورق كثيف: Papier Fort أسلوب بليغ: Style Fort

- ومن حسن حظ العربية أنها غنية جدًا بالمترادفات، وأنها من أغنى لغات الأرض بالمدلولات والألفاظ والأقيسة، وكانت الطريقة الوحيدة هي جمع هذه الأشياء وتسليط الأضواء عليها، واستنباط المدلولات الحقيقية لها، والغوص في المعاجم لاستخراج الكلمة الملائمة، وتعميم الاستعمال والتزامه.

- ومن الطبيعي أن تصاحب عملية التعريب سلبيات كثيرة يـمكن معالـجتها بالدراسـة والتقـويـم، وإيجـاد الـحلـول الـمناسـبة لها في حينه.. أما الاكتفاء بالحديث عن السلبيات من غير بدء خطوات جادة نحو التنفيذ، فإنه لا طائل منه غير تثبيط الهمم، وتوسيع الهوة الـموجودة بيـن الأمـة وحـضارة العصـر، لأن كل يوم يـمر يشهد ابتكارات واختراعات جديدة في شتى العلوم، يواكبها طـوفـان يزيـدها تعـقيدًا، ويـسلب الأمـة وسيـلة مـن أهـم وسـائلها، ألا وهي لغتها، لمقاومة ما تعرضه العولمة من تحديات حضارية تهدد هويتها وكيانها.

- أما الأعلام الأجنبية، كأسماء الأشخاص وأسماء الأدوية وأسماء البلدان، فهذه لا مندوحة في قبولها بألفاظها، ولا مجـال للاعـتراض عليها لعـدم إمـكان ترجمتها.. والمحذور الخطير في الأمر ما يفعله ترديد المفردات الدخيلة في المكتوبات العربية، وتداولها على الأسماع، وتهيئة الجو المناسب لها حتى تنتشر وتتمكن بين الجماهير العربية، ويصير الدخيل هو الأصل، إذ تتقبله الألسن وتنسجم معه الأفكار، ومن شأن هذا الأمر أن يعبد الطريق أمام موجات جديدة من المفردات الأجنبية العديدة، التي يراد لها أن تغزو لغتنا العربية.

- لقد كان لغياب التنسيق على مستوى المؤسسات الإعلامية والعلمية ومجامع اللغة العربية في مجال الترجمة الأثر السيء، حيث أدى إلى تكرار الجهود، وإهدار الأموال فيما لا طائل منه، كما أدى إلى شيوع ظاهرة تعدد المصطلح العربي المقابل للمصطلح الأجنبي، وبالتالي خلق التشتت اللغوي بين الناطقين بالعربية.

ونرى هنا أهمية إنشاء خلية ترجمة على مستوى المجالس ومجامع اللغة العربية، من مهامها الأساس متابعة المصطلحات الجديدة على مستوى وسائل الإعلام العربية، وتزويدها باللفظ العربي المقابل، ومناشدتها لتوظيفه واستخدامه.

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 650 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

245,741