بفوز د.محمد مرسى انتصرت قوى التغيير، وبدأت أولى الخطوات لتفكيك النظام القديم ودولة الفساد وبناء مصر الثورة. التحدى الآن كبير ويحتاج إلى جهد وعمل ومثابرة. الدولة العميقة بتعريفاتها المختلفة لا تمثل إجمالا دولة فساد لكن جزءا منها يمثل مجموعة مصالح لمئات الآلاف من العاملين والوسطاء الذين يعيشون فى منظومات فساد تراثية مقننة أدت إلى أن تحتل مصر المركز 112 من 182 دولة فى مؤشر الفساد لمنظمة الشفافية الدولية لعام 2011. هؤلاء المنتفعون سوف يدافعون عن النظام بصفته أمرا واقعا، ولنا فى الصناديق الخاصة والخبز المدعم وأنابيب البوتاجاز أمثلة من مئات تكلف الدولة على الأقل 38 مليار جم سنويا طبقا لآخر تقارير منظمة النزاهة الدولية و63 مليار جم طبقا لدراسة فى جامعة القاهرة.
تتطلع الثورات إلى تغيير أوضاع حرجة طالت قطاع أو قطاعات عدة داخل المجتمع، القطاع المعبر عن التغيير فى مصر الآن يتجاوز فى نسبته معظم الكتل الحرجة فى المجتمعات التى تمر بمراحل تغيير، وهذه الكتلة تتطلع الى تغيير يلمس حياتها اليومية ومستوى معيشتهم.
●●●
السؤال الآن: هل يستطيع الرئيس تغيير الاوضاع أو بمعنى أصح هل تبدأ جماعة الإخوان المسلمين فى تفكيك دولة الفساد واستبدال مسئولين الدولة بآخرين يعملون لصالح خدمة الجماعة أم لخدمة مصر عامة والقطاعات التى تنتظر التغيير؟ وفى حالة التفكيك لصالح الجماعة، هل تكون الاجهزة التنفيذية هى ذراع أكبر وأكثر فاعلية لتقديم الخدمات المعيشية والمجتمعية التى تقدمها الجماعة فى بعض الدوائر دون أخرى لكسب رضى الناخبين، ويكون ذلك من ميزانية الدولة لقطاعات معينة متناسية لمبدأ عدالة التوزيع؟
أنا متفائل إذا وُجدت النية لتغيير المسئولين من الأساس، فالرئيس الجديد فى دلالة على استمرارية الدولة القديمة، التقى وزير الداخلية وعدة مسئولين مفصليين فى الدولة، وبالتالى صارت جماعة «الإخوان المسلمين» ضمن وسائل الدولة المركزية. الرئيس أيضا ممزق بين ولاءات عدة وعليه أن يتخذ قراره فى الولاء لمصالح المجلس العسكرى داخل أجهزة الدولة المدنية أو الجماعة أو جموع المصريين، لاسيما أن طبيعة وتاريخ الإخوان الإصلاحية وخبرتهم ممزوجة بطاقتهم التفاوضية لا تبشر بالتغيير الهيكلى، لكن دعونا نتفاءل بأن أى تفكيك للفساد سيصب فى الصالح العام بشكل او بآخر.
على القوى الآخرى مهما كانت صغيرة وضعيفة إيجاد نفسها داخل آليات هذا التفكيك وإعادة البناء فمحاولة المشاركة والدخول فى بناء دولة جديدة أسهل بكثير من وجود هذه القوى الصغيرة كتيار معارض ضد دولة فساد كانت ستعاود الحياة من جديد بفوز شفيق. على هذه القوى أن تستثمر كل ما لديها بفوز د.مرسى للوجود داخل الماكينة الجديدة، عليها أن تناوش وتصارع من أجل مكاسب على جميع المستويات داخل أروقة الدولة حتى لا نفاجئ بحزب وطنى جديد فى ظل برلمان قادم سيكون فيه نسبة لا يستهان بها من الإخوان إضافة إلى نسبة أخرى ربما تكون أعلى فى المجالس الشعبية المحلية. اذا كانت المجالس الشعبية المحلية بأكثرية إخوانية تتوازى مع مسئولين فى الأجهزة التنفيذية (التى تراقب عليها هذه المجالس والبرلمان) فأنا أسحب تفاؤلى واعتذر عنه!!
على كل المترددين والمشككين فى أداء د.مرسى الدفاع عن مصالحهم. فالمحزن الآن عقد جلسات مع رجال أعمال وموظفين لديهم تخوفات من ضخ استثمارات جديدة إلى أن يتحسسوا الوضع الاقتصادى والسياسى فى حكم الجماعة بل واتجاه البعض للتفكير فى الهجرة! من يدافع عن مصالحهم إذا كانوا يرفضوا المشاركة؟
لا أرى أى مبررات للدولة لإعطاء الحقوق أو الحفاظ على أخرى مكتسبة طالما لا يوجد من يطالب، ويعبر عنها بشكل مصيرى، فليس من المعقول من الحكومة تبنى تحقيق العدالة الاجتماعية ولا توجد نقابات وقواعد شعبية تطالب بها.
●●●
تغيير مصر لا يأتى بانتخاب رئيس أو نائب برلمانى ونسيانه بعدها، على الأحزاب والحركات والهيئات المعبرة عن أى قطاع العمل على اكتساب حقوقها المشروعة وعلى الأفراد أيضا أن يعملوا أما بشكل فردى أو بالانضمام إلى هذه الأقطاب لإثراء كتلتها والاسراع بكسب حقوقها، أما هذا أو تتفكك الدولة لصالح الجماعة وتصبح مصر هى الجماعة والجماعة هى مصر.
هذه القوى المعبرة هى الضمانة الأقوى لعدم تسييس الدولة لصالح تيار بعينه، الآن ومستقبلا. فنجاح الدولة واستقرارها يأتى من حياد موظفيها تجاه مواطنيها أى كانت اتجاهات الاثنين.