الأخبــــار الرمادية
كثيراً ما تصل إلى المواطن البسيط على يد البعض من الإعلاميين والصحفيين العديد من الأخبار المفبركة أو قل المختلقة الأخبار (المصنوعة)
وتلك ( الأخبار المختلقة) قد يصل الى الأذهان أن بعضها مُرسل نصا (أو قل موصى به).
المهم أنه فى أغلب الأحيان ينجح الإعلامي فى طرح قضية معينة لجذب اهتمام الناس وإبعادهم عن أمور أخرى ذات أهمية بالغة بل وأجدر بالاهتمام، وفى سبيل ذلك يتم تسويق خبر مغلوط للإسائة الى شخصية بعينها أو حزب أو حتى جمهور كرة قدم.
دعونا نتذكر اندلاع بعض القضايا فجأة من العدم حتى أصبحت الشغل الشاغل للمجتمع ، الغريب ان مروجى الخبر أو مثيرى القضية لديهم القدرة إنهاء الحديث عنها وإدخال الناس فى قضية أخرى وفق المتطلبات الجديدة.
وحتى لا أطيل عليكم أن من أخطر هذه الأخبار ما يعرف باسم الأخبار الرمادية
ما هى خطورة هذا النوع من الأخبار ؟
تكمن خطورة هذا الأخبار الرمادية فى أنها تنطلق من أساس به قدر من الحقيقة لإعطائه قدرا من المصداقية، ثم يتم بناء الأكاذيب فوقه، الغريب أنه يتم ترويج الخبر باعتباره حقيقة مؤكدة.
والمتابع للخبر (الوهمي) المصنوع بلمسة من الحقيقة يجد أنه أصبح أهم أخبار الساعة، وأن الناس يتناقلونه وكأنه الحقيقة كلها.
بطبيعة الحال مع انتشار شبكات الاتصال الاجتماعية أصبح نشر مثل هذه الأخبار (الرمادية) أكثر سهولة بكثير، ويكفي هنا أن يتلقفه أحد مشاهير (تويتر) أو (فيس بوك) لينتقل في لمح البصر إلى الآلاف ومئات الآلاف، ويعاد إنتاجه وبثه مرة ومرات حتى تضيع حقيقته الأصلية.
أمثلة الأخبار الرمادية.
هل تتذكرون خبر تناقلته جرائدنا وصحفنا ومواقع الانترنت الذى كان يقول أن البرلمان المصري يناقش قانون يتيح للزوج مضاجعة زوجته بعد وفاتها في اختراع سمي (مضاجعة الوداع)..
وبغض النظر عن الخيال المريض وراء هذه الفكرة القذرة التى لا تحتاج الى قانون ومن يرغب في أن يفعلها لن يجد عائقا أمامه، إلا أن البعض تعامل معها بجدية بالغة خاصة وأن نواب البرلمان الإسلاميين بأدائهم (الرديء) على مدار تواجدهم تحت قبة البرلمان حملوا سمعة سيئة في إمكانية التفكير في أي قانون حتى لو كان خارج حدود العقل والمنطق.
على كل الأحوال. بمتابعة هذا الخبر، وجدت أنه يندرج تحت بند الأخبار (الرمادية) بامتياز كبير، وأصله الأول والأساسى هو مقال صحفى يدعى عمرو عبد السميع في الأهرام.
بداية لا تؤخذ الأخبار من مقالات الرأي بشكل عام، خاصة عندما (ينفرد) كاتب المقال بهذا الخبر ولا يصل إليه شخص غيره.
أما الكاتب شخصيا فربما يكون الأسهل على المتابعين أن يبحثوا عنه عبر الإنترنت و يقرءوا لمحة من تاريخه أو كتاباته.
ما علينا، في مقال عبد السميع، والذي هو عبارة عن دفاع عن حقوق المرأة (في الشكل العام)، يبدأ الفقرة التي تهمنا كالتالي (إذ بتنا نسمع ـ في هذه الأيام السعيدة ـ من يتحدث عن ضرورة صدور تشريع يسمح للبنت بالزواج في سن الرابعة عشرة، أو قانون آخر يقر ما سماه البعض (مضاجعة الوداع) التي تسمح للزوج بمواقعة زوجته خلال الساعات الست التي تلي وفاتها .لا حظ هنا أن الكاتب بدأ بـ (بتنا نسمع) أي أن ما سيذكره مجرد أشياء سمعها ولم يتحقق منها، يلي ذلك مباشرة (صدور تشريع يسمح للبنت في الزواج في سن الرابعة عشرة) وهذه إشاعة باتت شأنها شأن الحقيقة صدقها الناس لكثرة الترويج لها وباتت كالخبر الحقيقي ، وهكذا مهد الصحفى الأرض للكذبة التي سيلقيها عندما هيأ القارئ أولا بإشاعة صدقها الناس، ثم أطلق كذبته الكاملة في السطر التالي بالحديث عن مضاجعة الوداع هذا الصحفى بخبرته الطويلة في قدم لنا خبرا رماديا بامتياز، مهد له بخبر يمكن للناس ان يصدقوه وألحق خبره المختلق ليعتقد القارئ أن الأخبار كلها صحيحة.
ولكن تبقى مشكلة أيضا، فعدد قراء الأهرام، وعدد قراء السيد عبد السميع لن يسمحا له بتمرير هذا الخبر الرمادي وإحداث التأثير المطلوب وهو تشويه سمعة نواب البرلمان بخبر مكذوب جملة وتفصيلا
لذا كان لابد من الترتيب للمرحلة الثانية من حلقات صناعة الخبر الرمادي.وتتمثل فى الآتى:
يتلقف مذيع وصحفي، عبر قناة تليفزيونية لها نصيب من المشاهدة، هذا المقال، ثم يبدأ في قراءته على الهواء ويصاب المشاهد بالفزع وهو يسمع هذا الكلام، وينسى بعد ثوان قليلة أن المذيع نفسه أبدى تحفظاته على الخبر وعلى مدى مصداقيته فتجد المذيع يقول : أرجو ان الخبر ده مايكونش حقيقى وياريتنى أكون فاهم غلط ثم يعيد قراءة الخبر ونشر جزءً منه على شاشة التلفزيون، ليبقى في الذهن فقط أن النواب يناقشون تشريعا يسمح للزوج بمضاجعة زوجته المتوفاة!
ومع ذلك، فإن العرض التليفزيوني لا يحقق الأثر المدمر المطلوب، لأن البرنامج ربما ليس له حضورا يذكر مع المشاهد العادي، أو يذاع في وقت لا يسمح لقطاعات واسعة بمتابعته.
هنا تأتي المرحلة الثالثة والمرحلة الثالثة في صناعة الوهم تتم بتسجيل تلك الفقرة، ونشرها على يوتيوب لتكون متاحة أمام الجميع في أي وقت، ويسهل مشاركتها عبر الشبكات الاجتماعية وتحويل الوهم إلى خبر له شكل آخر يتناقله الجميع بمنتهى السهولة، بحيث يصبح الأساس البسيط الذي يرتكز عليه القارئ أو المتابع: ان هذا الخبر طلع فى التليفزيون!! ببساطة شديدة، لم يناقش البرلمان هذا الشئ، ولم يطرح مثل هذا الكلام حتى من أكثر النواب تخلفا!
ببساطة شديدة، عمرو عبدد السميع وبخبرته الطويلة في (أخبار الأجهزة) و(الأخبار الموجهة) صنع خبرا رماديا بامتياز وبحرفية عالية، من الوهم الكامل، ونشره باعتباره حقيقة وهو محض أكذوبة!
ببساطة شديدة، استُخدم، جابر القرموطي، أو تورط أو أغراه الموضوع في نشر المقال باعتباره (خبرا) في برنامج تليفزيوني فأكسب الخبر الوهمي مساحة جديدة من المصداقية!
وببساطة أكبر، استسهل رواد الشبكات الاجتماعية نقد وانتقاد وهجاء نواب الإسلام السياسي على خبر مكذوب بدلا من إرهاق أنفسهم في انتقادهم على ما يرتكبوه من مآسٍ ومصائب حقيقية في حق الشعب الذي انتخبهم!
هذه باختصار شديد قصة كيفية إنشاء خبر رمادى مع ذكر احد الأمثلة والتى ساهمت ضمن مساهمات عديدة فى الإطاحة بنظام بات غير مرغوباً فيه بالنسبة لهم مع قليل من الخبرة بقذارة الاعلام ولا أقول دهائه
-------------
هذا مثال وهناك عشرات الأمثلة التى قد لا يتسع المجال لذكرها
لكن ما عليك لكى تتعرف على رمادية الخبر من عدمه الا ان تفعل الآتى
- تتبع مصادره
- حجم الحقائق المخلوطة بالخبر
- كيفية انتشاره
م . جمال حافظ
ساحة النقاش