الحمد لله، له أسلمت، وبه آمنت، وعليه توكلت، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد،،،
أخرج الإمام مسلم في صحيحه عَنْ ربيعة بن كعب الأسلمي، رضي الله عنه قال: «كُنْتُ أَبيتُ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَأَتَيْتُهُ بوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ، فَقَالَ لِي: «سَلْ» فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الجَنَّةِ، قَالَ: «أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؟»، قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ، قَالَ: «فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بكَثْرَةِ السُّجُودِ»، (أخرجه مسلم).
هذا الحديث حديث صحيح أخرجه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب الصلاة، باب فضل السجود والحث عليه.
من المعلوم أن الإنسان في هذه الحياة خُلق لعبادة الله وطاعته كما قال تعالى: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ»، «سورة الذاريات: الآية، 56»، فالإنسان المؤمن يعلم أن أعمار الأمة بين الستين والسبعين والقليل من يتجاوز، لذلك، فإن المسلم يجعل له في الحياة أمنية يرجو تحقيقها، فهو يسعى من أجلها، ويحرص على بلوغها، ويضحي بكل ما لديه للوصول إليها.
عبادة الله
إن المسلم في هذه الحياة يعبد ربه آناء الليل وأطراف النهار، ويدعوه أن يحقق أمانيه بأن يجعله من أهل الجنة، ولكي يحقق الإنسان أمنيته يجب عليه أن يسير على الطريق الموصلة إلى الجنة، حتى يصل إليها بسلام إن شاء الله، فالجنة فيها مالا عينٌ رأت، ولا أُذُنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وثمَنُ الجنة غال ونفيس، فقد عَلَّمنا رسولنا، صلى الله عليه وسلم ، بأن الأمنية تحتاج إلى عمل مخلص، وطاعة صادقة، وعبادة موافقة للشرع، وصبر على مغريات الحياة حتى يفوز الإنسان بالجنة إن شاء الله، كما جاء في الحديث الشريف: «ألا إن سلعة الله غالية، ألا أن سلعة الله الجنة»، «أخرجه الترمذي»، وقديماً قالوا: ومن يخطب الحسناء لم يغله المهر، فعلينا أن نعمل من أجل مرضاة الله سبحانه وتعالى، ومن ثمَّ نيل نعيمه وجنته «وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا»، «سورة الإنسان: الآية 12».
ومما لا شكَّ فيه أن كلَّ إنسان في هذه الحياة الدنيا يتمنى السعادة ويرجو تحقيقها، ويعمل ما وسعه الجهد لبلوغها، لكنْ وللأسف نجد أن البعض يقف عند حدود التمني فقط، ويريد أن يكون سعيداً من دون أن يقوم بواجبه، ومن دون أن يبذل جهده، وهذا خطأ كبير، كما قال صلى الله عليه وسلم: «ليس الإيمان بالتمني، ولكنَّ الإيمان ما وقر في القلب وصَدَّقه العمل»، (أخرجه مسلم)، وعند قراءتنا للقرآن الكريم نجد أن الله سبحانه وتعالى يرشدنا إلى طريق الفوز بالجنة فيقول سبحانه وتعالى: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)، «سورة النازعات: الآية 40 -41»، يقول صاحب كتاب صفوة التفاسير: «وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ» أي وأما من خاف عظمة ربه وجلاله، وخاف مقامه بين يدي ربه يوم الحساب، لعلمه ويقينه بالمبدأ والمعاد «وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى» أي وزجر نفسه عن المعاصي والمحارم، وكفَّها عن الشهوات التي تودي بها إلى المعاطب (فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) أي، فإن منزله ومصيره هي الجنة دار النعيم، ليس له منزل غيرها»، (صفوة التفاسير للصابوني 3/516).
أمنية
لقد بشر القرآن الكريم المؤمنين الذين يطيعون الله ورسوله، بالثواب العظيم والنعيم المقيم، كما في قوله تعالى: (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى باللّهِ عَلِيمًا)، (سورة النساء: الآية 69-70).
(فقد ذكر الإمام ابن كثير في تفسيره سبب نزول الآية، عن ابن جرير عن سعيد بن جبير قال: جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وهو محزون، فقال له النبي- صلى الله عليه وسلم-: «يا فلان مالي أراك محزوناً؟»، فقال: يا نبيَّّ الله شيءٌ فَكَّرتُ فيه، فقال: ما هو؟ قال: نحن نغدو عليك ونروح ننظر إلى وجهك ونجالسك، وغداً تُرفع مع النبيين فلا نَصِلُ إليك، فلم يرد النبي- صلى الله عليه وسلم- شيئاً، فأتاه جبريل بهذه الآية: (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبيِّينَ) ...الآية، فبعث النبي - صلى الله عليه وسلم- فَبَشَّره»، (تفسير القرآن العظيم لابن كثير 1/695).
أمنية عمر بن الخطاب
إن بناء النفوس وتشييدها على أساس الحق، وتزكيتها بالصلاح والطهر، مطلب عظيم وغاية عليا وهدف من أعزّ الأهداف، فقد ورد أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- وقف في مسجد النبي- صلى الله عليه وسلم- يقول لبعض الصحابة: ليذكرْ لي كلٌ منكم أعظم شيء يتمناه، قال أحدهم: أتمنى أن يكون لي مثل أُحد ذهباً أُنفقه في سبيل الله، وقال آخر: أتمنى أن يكون لي مِلءُ المدينة خيلاً أغزو به في سبيل الله، وقال ثالث: أتمنى أن يكون لي ألفُ عبدٍ أعتقهم ابتغاء مرضاة الله، وأخذ كلٌ منهم يذكر ما يتمنى، وأمير المؤمنين يدير النقاش بينهم، ثم توجهوا إليه قائلين: فماذا تتمنى أنت يا أمير المؤمنين؟ قال عمر- رضي الله عنه-: أتمنى مِلْءَ هذا المسجد رجالاً أمثال أبي بكر الصديق- رضي الله عنه-!!
لقد أصبت كبد الحقيقة يا أمير المؤمنين، فلو وُزِن إيمان أبى بكر - رضي الله عنه - بإيمان الأمة لرجح إيمان أبي بكر على إيمان الأمة.
فأبو بكر الصديق- رضي الله عنه-: هو أول من آمن بالرسول- صلى الله عليه وسلم- من الرجال، والثاني معه في الغار، ومعه في الهجرة، وهو أول العشرة الذين بشرهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالجنة، وهو أول من أخرج جميع أمواله كلها في سبيل الله، وأسلم على يديه عدد من الصحابة السابقين، ويكفيه- رضي الله عنه- شهادة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- له، حيث قال- صلى الله عليه وسلم-: «إن أَمَنَّ الناس عليَّ في صحبته، وماله: أبو بكر، ولو كنت مُتَّخذاً خليلاً غير ربي لاتَّخذتُ أبا بكر خليلاً، ولكن أخوَّة الإسلام ومودَّته»، (أخرجه البخاري)، وقوله- صلى الله عليه وسلم- أيضاً: «إن الله بعثني إليكم، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدق، وواساني بنفسه وماله»، (أخرجه البخاري).
سجود الشكر
إن سجود الشكر سنّة عند تجدد النعم واندفاع المصائب، لما رُوِي: «أن النَّبي- صلى الله عليه وسلم- كان إذا أتاه أَمْرٌ يَسُّره أو يُسَرُّ به، خرَّ ساجداً، شكراً لله تبارك وتعالى»، (أخرجه ابن ماجة).
ولما رُوِي عن عبد الرحمن بن عوف- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خرج فاتبعتُه حتى دخل نخلاً فسجد، فأطال السجود حتى خِفتُ أن يكون الله قد توفاه، فجئتُ أنظر، فرفع رأسه، قال: «ما لك يا عبدالرحمن؟» فذكرتُ ذلك له، فقال: «إن جبريل- عليه السلام- قال لي: أَلا أُبَشِّرُك؟ إن الله عز وجل يقول لك: من صَلَّى عليك صَلَّيْتُ عليه، ومن سَلَّمَ عليك سَلَّمْتُ عليه، فسجدتُ لله عزَّ وجلَّ شكراً»، (أخرجه الإمام أحمد)، فكل مسلم أكرمه الله بنعمة - كإنعام الله عليه بولد، أو مال، أو جاه، وغير ذلك، أو أنجاه الله من هلاك أو بلاء أو مرض، أو عاد إليه غائب ونحو ذلك-، عليه أن يسجد شكراً لله عز وجل، لأنه وحده المنعم (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ)، «سورة إبراهيم: الآية 7».
الدكتور يوسف جمعة سلامة
خطيـب المسـجد الأقصـى المبـارك