د.ايمان مهران

أعمال تهتم بالإبداع والمبدع والتواصل الإنساني عن طريق الفن

<!--[if !mso]> <style> v\:* {behavior:url(#default#VML);} o\:* {behavior:url(#default#VML);} w\:* {behavior:url(#default#VML);} .shape {behavior:url(#default#VML);} </style> <![endif]-->

<!--<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin-top:0cm; mso-para-margin-right:0cm; mso-para-margin-bottom:10.0pt; mso-para-margin-left:0cm; line-height:115%; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin;} </style> <![endif]--><!--<!--

ملخص البحث

       كانت لثورات الربيع العربي تداعيات في مجالات عديدة ، حيث انعكست تناقضات الملف السياسي و الملف الاجتماعي على الشارع العربي .

    من المجالات التي ترتبط دائماً بالوضع الاجتماعيوالاقتصادي بل والسياسي ، مجال (الحرف التقليدية) الذي يمثل مرآة للفكر المسيطر على النظم من خلال أشكاله ورموزه ودلالاته، ومن خلال المنتجات الأكثر رواجاً وقرباً لوجدان الناس.

    وهنا نتحدث عن بذوخ الإيديولوجيات الدينية وتحركها نحو الحكم الثوري في الدول التي حركها الربيع العربي، لتوجه النظام السياسي والذي بات يميل نحو نظام إسلامي. مما تسبب في بذوخ الهوية الاسلامية المنتمية للمذهب السُني في مناحي عديدة.

  كما نتحدث عن بذوخ العرقيات القديمة التي كانت تقطن المنطقة العربية، والتي هي انعكاسا لتاريخ شعوبنا القديم، فلدينا الأكراد والأمازيغ والنوبيين وغيرهم. لتتوارى بشكل متسارع الرؤية القومية الموحدة لدول الربيع العربي ومعه التوجه الوطني في مشروع تلك الثورات.

  لقد مر بتجربة الحُكم المتوجه نحو الإيديولوجية الدينية العديد من دول الربيع العربي. 

  حيث كان لكل تجربة حُكم في دول الربيع العربي سيناريو بزخ معه مساحة ما لترسيخ التوجه الديني. وكانت الهوية الدينية تدفع بحلم إقامة دولة الخلافة الإسلامية، والتي لا تؤمن بحدود الدول في المنطقة العربية، بل تتخطى بأحلامها حدود البلاد التي يقطنها مسلمين في دول مسيحية .

 وتعتمد تلك الرؤية على مرحلة تاريخية قديمة مرت بها المنطقة العربية منذ قرون، كما تعتمد على تصدير كل ما يمت بالإسلام في كافة مناحي الحياة، وهو ما يؤثر على عادات الحياة اليومية ومناحي الموروث التقليدي ، والتي تستبدل عادات ومظاهر الحياة بأخرى أكثر ارتباطا بالتاريخ الديني للجزيرة العربية لا بالتاريخ الجغرافي أو الوطني للبلاد العربية.

مشكلة البحث:

ترجع مشكلة البحث إلى:

    1.            ما هو دور التغير السياسي في تبدل المفاهيم والاتجاهات الفكرية المرتبطة بالرموز ودلالاتها في دول الربيع العربي وتحديداً مفهوم الوطن كرمز؟ 

    2.            ما هي ملامح التغير المرتبطة بظهورالإثنيات في الحرف التقليدية بالعالم العربي؟

    3.            ما هي ملامح التغير المرتبطة بالأيدولوجيات الدينية وبزوغها في الحرف التقليدية بالعالم العربي ؟

    4.            ما هي أُطر حماية موروث الحرف التقليدية في ضوء المتغيرات التي تمس الهوية الوطنية في العالم العربي ؟

أهمية البحث:

تتركز أهمية البحث في:

1.    إلقاء الضوء على أهمية قراءة الرموز وتوثيقها وربطها بالبعد الجغرافي.

2.    رصد لبعض الملامح الشعبية المرتبطة بالعرقيات في العالم العربي

3.    رصد لبعض ملامح الحياة اليومية المرتبطةبالأيدولوجياتالدينية في العالم العربي.

أهداف البحث:

يهدف البحث إلى:

1.    تحديد أطر لحماية الموروث التقليدي في بلاد الربيع العربي.

2.    إعادة قراءة الموروث التقليدي ببعده الاثنيوالأيديولوجي، كمبحث يمكن من خلاله التأكيد على التراث الوطني لأمم الربيع العربي.

فروض البحث:

يفترض البحث أنه:

1.    إن هناك إمكانية لوضع أطر لحماية الموروث المرتبط بالحرف التقليدية في مجتمعات الربيع العربي.

2.    أن الثورات العربية أدت إلى تقدم الأيدولوجية والعرقية في مواطن متعددة في الوطن العربي ، مما انعكس على مجالات عديدة منها الحرف التقليدية.

 

منهج البحث:

سيعتمد البحث على المنهج الوصفي.

الحرف التقليدية

       تمثل الحرف التقليدية الموروثة مجموع الخبرات التي ورثها الحرفيين عن آباءهم . وتعتمد الحرف على الإلمام بتقنيات يدوية وتشكيلات متميزة  فرضتها الخامة والبيئة المحيطة بها ، وهذه التشكيلات المصنوعة من خامات البيئة والمعالجة بطريقة يدوية تخضع لمجتمعاتها بما تفرزه من ثقافات  تحمل علامات ورموز هي رواسب لأزمان كانت فيها تلك العلامات محور رئيسي في أعراف ومعتقدات و ممارسات المجتمع . ليصبح لهذه الرموز دلالتها المقروءة  ووظيفتها التي استطاع الحرفي صياغتها وجذب عواطف المشاهدين لها و إيجاد وظيفة جمالية لها أيضا ، ليصبح هنا الجمال الوجداني مرتبطاً بوظيفة المنتج الأساسية كمنتج له وظيفة نفعية، و في مصر تعد الحرف التقليدية انعكاسا لكل العصور والحضارات التي نشأت على ضفتي النهر ، لنجد الرموز والأشكال هي خلاصة كل مكان استقرت فيه معرفة .([1])

       ولقد ارتبط المنتج اليدويالتقليدي بالحالة الاقتصادية والسياسية للشعوب ، وذلك لأن قوة الدولة السياسية هيالتي تؤسس للحضارة الرسمية التي تطبع تلك الدولة لتكون مبنية على تأريخ لفكرها ورؤيتها ،حيث تبدأ في رعاية مبدعيها ومنتجي كافة أشكال الحياة خاصة الموجهة للعامة ، وهو ما يعطى الطرز التى تمثل كل عصر.([2])

الأيدولوجيات الدينية

جاء في تعريف الايديولوجيا بمعجم العلوم الاجتماعية والفلسفيةبأنهامجمل التصورات والافكار والمعتقدات وطرق التفكير لمجموعة ما او طبقة أو فئة اجتماعية أو طائفة دينية أو حزب سياسي، وتكون الايديولوجيات عادة مشروطة ومحددة بالظروف المناخية والعادات.([3])
    اما المفهوم الماركسي للإيديولوجية فيعبر عن شكل وطبيعة الأفكار التي تعكس مصالح الطبقة الحاكمة التي تتناقض مع طموحات وأهداف الطبقة المحكومة خصوصاً في المجتمع الرأسمالي. ([4])

    والإيديولوجية  تعني أيضا العقيدة السياسية لحزب أو حكومة. ويمكن تحديدها بمجموعة المبادئ السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والقيم الأخلاقية التي ينتهجها حزب ما أو حكومة معينة، أو يسعيان لتحقيقها وتنفيذها بالترغيب أو الإكراه أو بكليهما معاً والسير على هداها في الحاضر وفي المستقبل.

و الإيديولوجية كعقيدة سياسية تختلف عن العقيدة الدينية فالأيديولوجية تتميز بكونها من إنتاج مفكرين يعرفون بمنظري الحزب أو الحكومة. أما العقيدة الدينية فهي مجموعة معتقدات تؤمن بها جماعة معينة وهذه المعتقدات نزلت بإرادة الهيئة وبوحي الهي في كتب مقدسة. فالإسلام والمسيحية لا يعتبران عقائد سياسية (أيديولوجيات) وإنما عقائد دينية، أما الشيوعية والرأسمالية فهما يجسدان أمثلة حية للعقائد السياسية وكذلك الاحزاب السياسية ذات التوجه الاسلامي وليس الاسلام كدين .تكمن المشكلة الكبرى في واقعنا المعاصر في ادلجة الدين كما هو الحال لدى الحركات الأصولية التي تعيد تفسير الدين وتقدم قراءات للواقع من خلال ذلك التفسير لتصبح تلك القراءات ايديولوجية دينية.

والأصولية التي تمارس السياسة كدين لدى أعضائها قناعة جازمة، أن استخدام السلطة السياسية في خدمة الفكرة الدينية، واجب ديني من يرفضها يدخل دائرة الكفر، فالمدلج يهيمن عليه اعتقاد انه ممثل الإرادة الإلهية، وان مسؤوليته تتمحور في نشر الدين. تسعى أغلب الأصوليات للسيطرة على الدولة لتحقيق أهدافها، وعندما تعجز عن ذلك وفق آليات سلمية، فإنها تلجأ للقوة، وإذا سيطرت على الدولة سلما أو حربا فإنها تحولها إلى أداة لقسر الناس على رؤيتها، وتعمل على تنميط أفراد المجتمع وفق ايديولوجيتها الأصولية.([5])

العرقية

العرقية هياسم مؤنَّث منسوب إلى عَرَق،وهو كمصطلح سياسي يشير إلى اعتقاد شخص ما في تفوق ثقافته أو عرقه أو حزبه السياسي.([6])

أما الأقلية العرقية هي مجموعة جزئية  من الأفراد لها أصول قبلية او عشائرية واحدة او تشترك في لغة او ديانة واحدة ضمن مجموعة أوسع ندعوها الدولة القومية. والصراعات العرقية هو النزاعات التي تكون احد اطرافها مجموعة عرقية. وقدظهر هذا المفهوم في الأساس للتحايل على الدلالات اللغوية المباشرة لمفهوم الأقلية التي تشير إلى القلة العددية، وكذلك على ميراثه التاريخي الذي يشير ولو بطريقة لا شعورية في التراث الغربي إلى مفهوم التعصب العنصري بمعنى إعلاء شأن من يمثل الأصل القومي والتمييز ضد من لا يمثله والتشكيك من ثم في صدق انتمائه.([7])

في الستينات من القرن الماضيأصدر الكاتب المغربي عبد الله العرويالجزء الأول من أهم أعماله النظرية (الإيديولوجية العربية المعاصرة)، حيث برهنت الأحداث الأخيرة محليا وعالميا على مصداقية دراساته وخطابه وصلابته التاريخية. والتي برزت في كتبه الثلاثبهدف الحفر في مظاهر التأخر التاريخي والفكري والسياسي والاجتماعي التي تعاني منه أقطار الوطن العربي. وهو يرى الخروج من هذا المأزق التاريخي، يتطلب الالتحاق بركب الحداثة الكونية، كما أن التصالح مع الذات لا يمر إلا عبر ما هو كوني وعالمي، وهذه العملية لا تتمإلا عن طرق استيعاب شامل لمعطيات الحداثة الفكرية والعلمية ومنظومة القيم التي أنجزت في إطار الحضارة الغربية والعمل على إغنائها انطلاقا من التجارب المحلية.([8])

الهوية الوطنية

 يذكر محمد سويسي أن الهوية الوطنيةهي الانتماء للأرض المستقلة المحررة التي تعني الوطن وفقاً للتعريفات التاريخية القديمة والحديثة . فالهوية الوطنية هي مجموعة من القيم والأخلاق يجب أن تنعكس أفعالاً بما تعنيه من استقرار في الوطن والدفاع عنه والتقيد بنظمه واحترام قوانينه.
كما تعني الانتظام العام في المجتمع وفق مبدأ أخلاقي ضمن نسيج مجتمعي متماسك ، قائم على التعاون والمحبة واحترام العادات والتقاليد والإسرة والبيئة والتمسك بالقيم الدينية السائدة واحترام الرأي الآخر، وهي تعنيالهوية قيام الدولة بواجباتها نحو المواطن ، التي جاءت نتيجة عقد تاريخي معه . ([9]).
وهي ليست ثابتة، ولكن تتغير باستمرار وتقوم معظم الحضارات بإعادة ترميمها وتعريفها شعورياً أو لا شعوريا لتتعايش مع واقع معين أو هروباً من تهديد ما، أو للحصول على مكاسب تضمن بقاء النوع البشري على قيد الحياة.([10])

ونحن هنا نقصد بالهوية الوطنية الانتماء للوطن الصغير وهو الدولة الموجودة ضمن دول الوطن العربي وهو الوطن الكبير الناطق بالعربية ، بعيداً عن الايدلوجية الدينية أو العرقية الأثنية.

أزمة الهوية الوطنية في العالم العربي

تختلف أزمة الهوية الوطنية لسكان الوطن العربي في حدتها من دولة إلى أخرى، وبنسب وتأثير ونمو وتشابك متفاوت، حيث وصل في بعض الدول لمرحلة الأزمة. وهي تخضعللتركيبة السكانية والمذهبية والتجنيس والهجرة والطبيعة والموقع الجغرافي وولادة المجتمعات الرقمية والعلوم الحديثة، والثورة التكنولوجية في الاتصالات والتواصل، وكل ما يتعلق بنمط الحياة العصري.([11])  

وترتبط أزمة الهوية ارتباطاً وثيقاً بالذاكرة التاريخية ، والناس في الشرق الأوسط والأدنى لديهم ذاكرة تاريخية قوية لها تأثير هائل على عقليتهم، وعلى علاقاتهم مع الآخرين والشعور بالكرامة والتفوق ولذلك أصبحت النسخة المتطرفة من الإسلام ملجأ للهوية، وكذلك الكرامة للكثير من المسلمين، وكأنها الملاذ الأخير لاحترامهم لذاتهم بالرغم من عولمة الاتصالات التي أعادت تجميع الناس إلى قبائل عالمية، وتدفق المعلومات وتبادلها الدائم خلال ثوانٍ معدودة، ومتاح للجميع مما يسهل انتقال الذاكرة التاريخية، التي بنيت على العصبية القبلية والقومية الإقصائية والانفصالية المذهبية والمصلحة السياسية والنخبوية الطبقية وأسطورة الرمز، وتسييس وتمييع معنى الوطنية.([12])

الرمز

آثر البشر إحاطة أنفسهم دائماً بالرموز وما زالوا حتى الآن يحافظون على هذه الرغبة سواء كنا نقرأ أو نسير تقع أبصارنا على رموز ولو كنا لا نعيرها أي انتباه وتلك هي الحالة بالنسبة للعلامات المستعملة في الكتابة أو بالنسبة إلى الكثير من الصور الإعلانية على واجهات المتاجر.([13])

ماهية الرمز
يمكن تتبع أثر الرموز عند الإنسان الاول ورسوماته داخل الكهوف، وعند قدماء المصريين، وفي الكتابة السومرية، ولدى الكلدانيين والبابليين والآشوريين وفي الثقافة السودانية ومختلف ثقافات العالم. كما يمكن تتبعه من خلال الكلمة المطبوعة والنحت الغائر والطبوغرافي الى تكنولوجيا القرن العشرين، من الصور والمتحركة، السينما، التلفزيون وعبر الانترنتوهذه الرموز والرسومات الايضاحية تؤدي الى العملية الاتصالية بنفس الطريقة التي يمارس بها الإنسان الاتصال والتواصل، سواء أكان ذلك عن طريق المخاطبة او بالكلمة المنطوقة او غير المنطوقة او المكتوبة، وخصوصاً أولئك الاشخاص الذين لا يعرفون الكتابة والقراءة،فهذه الرموز والرسومات تعطي تأثيراً قوياً لدى المشاهد والمتلقي وترسخ في ذهنه المعاني والافكار والمعلومات، بصورة اكبر.([14])

الحرفي وتبدل الرمز

والفنان او الحرفي او الصانع، يكون دائماً مدفوعاً بالظروف من حوله ليمثل عالمه، ويمثل المجتمع، والمكان الموجود فيه، يمثله كما يراه هو، لذلك يأتي انتاجه انعكاساً للعصر الذي يعيش فيه، معابده، تماثيله، صوره، وحتى اشعاره، بالإضافة الى ذلك فإنه كعضو في المجتمع فهو المفكر، يحلم ويتخيل ويحس، ويتواصل في هذه البيئة. وما نرمي اليه هو الارتباط الوثيق بين الفن والافكار.

وعلى ضوء ذلك فإن المبنى بالنسبة للفنان ليس مجرد اكوام من الحجارة مهما كان الشكل الذي يظهر به، ولكنه اتباع خطوات ممن سبقوه في هذا المضمار والمتخيل في ذهنه.. فالنحت والتلوين يمثلان رؤية عصره كفرد له احلامه ومخاوفه، والتعبير عن اشكاله ورموزه.([15])

ثورات الربيع العربي

لقد تسببت ثورات الربيع العربي في ظهور متغيرين شديدي الحساسية:

الأول : المتغير المرتبط بالعقيدة وردتها لرؤية مرحلية قديمة.

الثاني : المتغيرالمرتبط بالقبلية والجذور القديمة لتلك المجموعات الثقافية.

هنا تم إستدعاء جانباً من التراث المندثر المرتبط بالجزيرة وتاريخ ظهورالإسلام، ليتم إستحضاره ، لكن في  إطار ذلك بدأت الإشكاليات التالية:

        ·            التهجير الإجباري للعديد من أصحاب المعتقدات الأخرى.

        ·            الإعدام للمختلفين معهم في المذهب أو الذين لا يتفقون مع مفاهيمهم.

        ·            النزوح الجماعي والخروج القصري من الأوطان العربية.

        ·            الهجرة النوعية للدول الغربية الأكثر استقرارا (العلماء ورؤوس الأموال)     لتتغير الخريطة السكانية في العديد من المناطق العربية خاصة سوريا وليبيا واليمن  بالإضافة لوضع العراق والسودان .

لقد تسبب الوضع الموجود الآن في العالم العربي ، لحدوث خلل كبير في مناحي الحياة اليومية . خلل مس العديد من المجالات الموروثة المرتبطة بالخصوصية الثقافية، ومنها الحرف التقليدية كواحدة من أهم المجالات المرتبطة بأدوات الاستخدام اليومي والرموز التي تعكس هوية الشعوب وتوجهاتها .

دور التغير السياسي في دول الربيع العربي

في تبدل مفهوم الوطن كرمز

لقد تسببت التجربة السياسية بعد ثورات الربيع العربي في تبدل الكثير من الرموز ، وفي مصداقية إحساس المواطن بمواطنته.

مما كان له أثر سلبي في تقدم الهويات الإثنيةو العرقية على السواء، و على حساب الهوية المرتبطة بالوطن، فقد ساهمت الكثير من الحوادث المرتبطة بتطاول الإسلاميين  المتشددين ، و على الكثير من الحقوق التي تنص عليها المدنيات الحديثة أن فقد المواطن الامان مع نظامه السياسي الجديد المرتبط بضعف في حماية المواطنين.

مما رسخ لوجود سلطات فرضتها عناصر ليس لها علاقة بمفهوم الدولة الذي يحمى المواطن .

ملامح الإثنيات في الحرف التقليدية بالعالم العربي

تظهر ملامح الاثنيات في الحرف التقليدية من خلال كافة المنتجات المستخدمة في الحياة اليومية والتي تنتجها السيدات أو المنتجات ينتجها الحرفي ، وسنتحدث عن ملامح رئيسية ترتبط ببعض الثقافات التي تقطن بعالمنا العربي ولها جذورها القديمة.

نماذج من بعض الثقافات  العرقية التي تقطن في العالم العربي

أولاً : ملامح من نتاج الحرف التقليدية للأكراد([16])

يقول المؤرخ الاثنوجرافي ( ب . ليرخ ) عن الكرد بأنهم هندو . أوربية أي أحفاد أولئك الفرس الإيرانيين ، ويقول المؤرخ التاريخي هيرودوت بأن الكرد من منطقتهمالحالية وتسمى بلاد الكاردوفوي وحتى يومنا هذا نسميهم بهذا الاسم نسبة الى جبل الجودي .ويدلي العالم هنريفيلد بان الأكراد مجموعة من العروق المختلفة، الارمني منها والبلقاني، ومنها أيضاً من حوض المتوسط والأناضول والالبى، ولا ينحدرون من أصل واحد صاف جميعا.ويقول مارك سايسك في كتابه أرمينيا، الأكراد والفرس هم من أصل واحد.

 

 



 

نماذج تظهر تنوع أزياء الكرد الشعبية

ثانياً: ملامح من نتاج الحرف التقليدية للآشوريين

وُجِدوا الآشوريون ([17]) قبل المسيح بسبعة آلاف سنة، وهم من أقدم الشعوب التي اعتنقت المسيحية منذ القرن الأول الميلادي. وقد ساهموا في نموّ هذه الديانة لاهوتياً ونشرها في مناطق آسيا الوسطى والهند والصين. سكنوا بلاد ما بين النهرين، العراق وسوريا وتركيا وبأعداد أقل في إيران.
الآشوريون من سلالة سام أب آشور، وهو مذكور في تكوين الفصل العاشر (سام ابن نوح). والامبراطورية الاشورية هزمت الكثير من الجيوش ومنحت حضارتها الى الكثير من الأمم الأخرى، الا ان نهايتها كانت مؤسفة في ربيع عام 612 ق .م . حين قام البابليون والميديون بهجمات قوية لفتح نينوى، ويقول انه "بعد سقوط نينوى أسس الاشوريون بأنفسهم حكماً آخر أصغر بكثير، وذلك بالاتفاق مع الرومان الاقوياء في ذلك الوقت،  واستمر هذا الحكم الى سنة 336 ميلادية حين نشبت حرببين الروم والفرس، وانهزم الروم وسقطت مدينة اورهي بيد الفرس عندئذ طرد الاشوريون  من مملكتهم وانتهت المملكة.

 

 

 

إشتهرت الحلي الآشورية والتي تحمل رموزها التي ترتبط بالمعتقدات المسيحية وتاريخ الدولة الآشورية

ثالثاً: ملامح من نتاج الحرف التقليدية للأمازيغ([18])

يقطن الأمازيغ شمال أفريقيا ، في المنطقة الجغرافية الممتدة من غرب مصر القديمة إلى جزر الكناري، ومن حدود جنوب البحر الأبيض المتوسط إلى أعماق الصحراء الكبرى في النيجر ومالي. ولم يعرف أي شعب سكن شمال أفريقيا قبل الأمازيغ. مع حلول الإسلام في أفريقيا ودخول العرب استعربت اقلية نخبوية من الأمازيغ بتبنيها اللغة العربية. وللأمازيغ ثقافتهم التي تملأ متاحف العالم من أزياء وحلي ورقصات وأغان وآلات، كما أنهم يشتهرون بطقوس ترتبط بثقافاتهم القديمة تنعكس على رموز الحنة والنقش والتطريزو غيرها.

وللأمازيغ عمارتهم الشعبية ومدنهم كقلعة شاليبمصر.

 

الحلي الأمازيغية تشتهر بالتنوع والتطعيم بالأحجاروالطرق بنقوش مختلفة، والأمازيغية تستخدم الحنة وفنون النقش على الجسد بكافة رموز وعلامات الثقافة الأمازيغية.

 

الموسيقى الأمازيغية جزء من عناصر الثقافة الأمازيغية تشاركهم طقوسهم وحياتهم اليومية.

 

نقش الحنة بالرموز الأمازيغية تزين يدين بنات الأمازيغ.

 

رابعاً: ملامح من نتاج الحرف التقليدية للنوبين

تعددت الآراء([19]) وتضاربت دراسات علماء الاثار من خلال حفريات التنقيب واوراق البردى حول اصل النوبيين ومراحل تاريخهم.
_يقول الدكتور محمد عبد الغنى (الشعب النوبي القديم من نفس السلالةالتي ينتمى اليها المصريون القدماء ) اذا فالنوبيون بقية من العنصر الحامي، بينما اعتقد بعض الباحثين ان المصريون جاليه نوبيه نزحت من الجنوب للشمال ، واعتقد البعض الاخر منهم الى ان النوبيين اصلهم مصريون نزحو من مصر للجنوب .
_منهم من قال انهم مجموعه قبائل مهاجرة ومن خلال الاندماج والتجانس كونت منها التركيبة النوبية او ان الاثر الزنجي واضح فى اختلاطه بالأثرالحامي او انهم من "البجة “وهم بدو من اصل حامى

 

الأطباق النوبية تزين جدران بيوت النوبين كجزء من الرموز التشكيلية النوبية

 

الغناء النوبي الذي حفظ اللغة النوبية ، جزء أصيل من  ممارسة العادات المرتبطة بدورة الحياة بالنوبة.

 

العمارة النوبية من أجمل ما رسخته الفنون النوبية في تراث العمارة التقليدية.

 

النيل إرتبط بممارسات ترتبط بخصوصية علاقة النوبة بماء النهر.

 

الرسوم الجدارية المرتبطة بالمنازل النوبية ظلت شاهد على خصوصية الرموزالنوبية في مصر.

ملامح التغير المرتبطة بالأيدولوجيات الدينية في الحرف التقليدية بالعالم العربي .

ارتبطت ملامح التغير المرتبطة بالأيدولوجيات الدينية في الحرف التقليدية بالعالم العربي ، بالعادات واستبدالها بما يسمح به الموروث السني والشيعي والمرتبط بحقب تاريخية .

وطال معه العديد من مظاهر التشكيل الشعبي ، كالملابس والحلي والاثاث والاشكال، كما كان له تأثير على  اللون والاختزال في الزخرف.

وكان لذلك تأثيره على بعض الحرف كفن الخيامية في مصر الذى بدأ يتبدل ويتوارى للخلف.

كما أثرت الاتجاهاتالأيدولوجية في بذوخ بعض الألعاب التقليدية المرتبطة بسلوك الفكر الوهابي السلفي، فالدمية (فلة)السورية السنية ترتدى الحجاب وتلتزم في البيت، بينما الدمية الايرانية (سارة)ترتدي العباءة السوداء الإيرانية ، وهي تجذر للفكر الديني الشيعي بكل تفاصيله.

حماية الموروث الحرفي التقليدي في ضوء المتغيرات في العالم العربي

كان لكاتبة السطور بحث منشور بمجلة الثقافة الشعبية عن مصداقية تنمية الحرف التقليدية في العالم العربي، حيث توصلت الكاتبة لعدم وجود رؤية عربية مشتركة في إدارة ملف الحرف التقليدية  بالمنطقة، والآن وبعد التغير السريع في  المنطقة العربية ترى الكاتبة صعود العرقية والايدولوجية على حساب النمط المحلى المرتبط بثقافة الدولة ذات سيادة لها وزاراتها المعنية التي تدير ملف حرفها ضمن منظومة الحفاظ على التراث الشعبي.

 وهو يعنى خطر يهدد الثقافة المحليةبتنوعها الثقافي، بل بات التفتت الثقافي خطراً قد يواجه مجتمعاتنا العربية.

خطر التفتت الثقافي وانعكاسه على الحرف التقليدية

تقصد الباحثة بالتفتت الثقافي ، تفتت العناصر والأشكال وتمزقها وإعادة بعض الرموز التي لها جذور قديمة وكانت قد تراجعت في الاستخدام، بهدف إحياء عرقية ما أو إيديولوجية ما..

يأتي ذلك أمام انشغال دول  ثورات الربيع العربي بالملف السياسي على حساب الملف الاجتماعي والثقافي بل الإعلامي، فالأخيرراح يروج وينشر لغته ومفاهيمه ، والتي تصدر الرموز والعلامات والاشكال التي تنتمي لفكرة ما ، التي ستفرز حتماً ثقافتها الاستهلاكية مع الوقت. فقد بات هناك سوق لها ، بدءاً من الميدالية البسيطة التي هى بمثابة احتضان الفكرة وجدانيا، و التي تحمل شعار ما ومنفذة بخامات ا�

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 105 مشاهدة
نشرت فى 10 يونيو 2015 بواسطة imanmahran

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

65,764

د.إيمان مهران

imanmahran
فنانة تشكيلية وكاتبة »