التراث النوبي شفهى، فالمكتوب منه شحيح جدا، من العصر الكنسي الخاص بالأدعية والصلوات في البرديات القبطية والمخطوطات الإسلامية. ولا شك أن التراث النوبي تأثر بالعابرين في تاريخه والطارئين عليه، ودول الجوار.
ويتجلي هذا في أشياء متعددة مثل:
الأزياء: تأثرت بأزياء الملوك والأباطرة من الفراعنة والإغريق والرومان والعرب. فالجرجار يشبه أزياء ملكات الأغريق خاصة في الذيل الطويل، والشقة عند الكنوز ودنقلة تشبه ملابس أباطرة الرومان حيث تنعقد عند الكتف الأيسر. وعمامة الرجال تشبه تيجان وعمائم ملوك دنقلة (780 ـ 290 ق . م) ومروي والمجموعة.
العمارة : العمارة النوبية تشبه المعابد الفرعونية والحصون والقلاع العسكرية من أسوان حتي الشلال الرابع. وعند الكنوز تأثرت بالعمارة الإسلامية في (البواكي الأندلسية)والقباب العربية في العصر الحديث لنقص المواد الأولية من النخيل وجذوعها بعد بناء خزان أسوان خاصة 1902 وتأثرت بالكنائس البازيليكية ( الكاتدرائيات الملكية) وغيرها في جنوب الصعيد.
طقوس الزواج : مأخوذة من مراسم تتويج الملوك القدامي في دنقلة (780 ق.م) ومن طقوس الزواج الكنسي حيث يعادل الأشبين الوزير (الدُشِّي) عند العريس الآن. والحلي الذهبية تقليد لحلي الأسرات المالكة النوبية عبر العصور. ويستخدم الذهب كإدخار في النوبة منذ العصر الحديث علي الأقل حيث تنعدم المصارف. (المجوهرات للأسر المالكة والذهب للفقراء).
طقوس الميلاد: يؤخذ المولود إلي النيل في اليوم السابع، وهو طقس يشبه تعميد السيد المسيح لحوارييه، وتابوت سيدنا موسي. و»السِمَّاية»أي يوم تسمية المولود طقس ملكي نوبي من دتقلة ومروي. والشلوخ. والنوبيون يتفائلون بولادة الأطفال في الشهور العربية، خاصة رمضان وشعبان وذي الحجة وشوال ورجب وربيع الأول والثاني، ومن يولد في العاشر من محرم يسمي عاشورا أو عاشورة إن كانت بنتا. وتربية الجدات للأولاد امتداد لطقوس من العصر الملكي في دنقلة ومروي، حيث كانت الملكة النوبية مشغولة بالحياة الاجتماعية والسياسية (كنداكة) وهي نتاج الأسرة الواحدة الكبيرة المتماسكة في البيت الكبير العريق.
الطعام والغذاء: وهو مستمد من النوبة ذاتها،حيث كانت الأراضي الزراعية تنتج الشعير والذرة والقمح والخضار وبعض الفواكه، وكان الخبز النوبي مصنوعا من الذرة ( كل ديو= كابيدة) وهو يشبه الخبز الإيراني الأحمر الآن. أما طقوس تناول الطعام، فالرجال يأكلون بمفردهم، ثم النساء والأطفال، ومن أشهر المأكولات النوبية الملوخية( إتّر =جلُّود)، وبالرغم من أن السمك النيلي كان في متناول النوبيين، إلا أنهم كانوا يحبون النباتات والطيور، خاصة الدجاج والحمام والقمري. وكانوا يأكلون علي الأرض خاصة في التهجير الجديد عند بعض كبار السن، وهي صحية، ويصنعون «قراقيش» تشبه البقسماط (الفايش) ويغمسونه في الشاي صباحا (منين وملتوت) وربما مساء عند البعض.
الغناء والطرب : يتغني الشاعر الشعبي بالمحبوبة والقبيلة والوطن. ويغني الغزل العفيف، والحماسيات للقبيلة وأمرائها وأبطالها. ويغني للعريس والعروس والأهل وللطبيعة ولواعج الحزن والفراق والهجران. وغناء النساء شجي في الفخر والاعتزاز برجال القبيلة الأخ والعم والخال. وما تبقي من الغناء القديم قليل، وما سجل في النصف الثاني من القرن العشرين في إذاعة ركن السودان لم يتبق منه أغنيات قليلة لعبد الله باما، وعلي كوبانا، وحسن جزولي، وعبده ميرغني.
طقوس الوفاة والدفن : تكاد تتشابه مقابر ملوك النوبة خاصة في العصر المروي (295 ق.م ـ 350 ق.م) مع المقابر النوبية الآن، والحزن علي الفقيد عند النوبي عميق، للعاطفة الجياشة الفطرية، مكانة الفقيد إذا كان العائل، والحزن عند النساء يأخذ نصف عمرهن عند فقد الأب أو الأخ الأكبر أو الزوج الكريم العطوف، ويتشحن بالسواد قرابة العشرين عاما، ( الآن تخففت لنحو خمس سنوات ) لا يحضرن زفافا ولا يتطيبن ولا يرتدين جديدا إلا في العيدين بتبديل الأسود القديم بأسود جديد. وكانت النسوة حتي عهد قريب يضعن الرماد المخلوط بالطمي علي جباههن وخدودهن، ويجثون التراب علي رءوسهن بمجرد سماع الخبر ويقلن ( ياخبار الشوم ) مصحوبا بالصراخ والعويل، وويبتعدن عن الجنائز عدة أمتار احتراما للرجال.
أما الرجال فيرخون طرف العمامة علي الجانب الأيسر (ناحية القلب) ومن تدلية هذه العزبة بعرف الجميع أن لديه حالة وفاة. وكانت العادة حتي وقت قريب أن يربط الرجال بطونهم عرضيا بالعمامة لحزنهم، وتسمي عملية البكاء بحرقة، ونحيب ( التسبيل ) أي سبل الدموع وإدرارها عند الرجال.
الرثاء والنحيب: يقول الرجال عند الوفاة «الدايم الله»، وإضافة نداء لصلة المتوفي (أخ .. والد .. أم .. إلخ )، وفي دار المناسبات يدخل الناس وحدانا وزرافات علي أهل المتوفي صائحين :«الفاتحة»، فيقرأها الجميع وقوفا، ويجلسون بعد المصافحة والعناق.
العديد: ويكون عند بعض النساء حارا ومؤثرا، ويكون باللغة النوبية دائما، وتتمتع بعض النساء بموهبة فطرية في ترديد عديد يفتت الأكباد، والبكاء طقس جماعي لا عذر لأحد في التأخر عنه أو عدم الشاركة فيه.
ومن عادات الجنازات أن الأهالي بعد دفن الميت يلقون بجريد النخيل الأخضر علي القبر ويرشون الماء وهي سنة نبوية مؤكدة. وبعد الأربعين يرمون بألف حصاة صغيرة مثل الجمرات، قرأت عليها لا إله إلا الله ألف مرة من كل طفل وصبي في الشارع الذي توفي فيه الميت، وتسمي كرامة يوزع فيها البلح علي الأطفال برعاية شيخ البلدة.