أسجد الله تبارك وتعالى ملائكته لآدم، وعلمه الأسماء كلها، ودربه على الطاعة وسمح له بالمعصية ثم علمه كلمات يتوب بها عليه…
هذا هو مقام سيدنا آدم عليه السلام، وهو لكل من تاب وآمن وعمل صالحا، يعني مقامنا عند ربنا محفوظ إذا ما اتبعنا خطوات سيد ولد آدم عليه أفضل الصلاة والسلام .
حديث شريف:
سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
" إِنَّ الْحَلالَ بَيِّنٌ وَالْحَرَامَ بَيِّنٌ ، وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ ، لا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ ، فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَلِعِرْضِهِ ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ ، أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلَكٍ حِمًى ، وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ " .
زَادَ الصَّغَانِيُّ ، وَأَبُو دَاوُدَ ، وَعَمَّارٌ ، قَالَ : وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ :
" إِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلُحَتْ صَلُحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ ، أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ " .
وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ
قلوب العارفين كعيون ترى ما لا يراه الناظرون
وأجنحة تطير بغير ريش إلى ملكوت رب العالمين
إذا القلب هو طائرة الصعود، أو سفينة النجاة وهو عمدة الجوارح، وهو ملك المواهب وصاحب القرارات الحاسمة في حياة كل إنسان.
وهو محل التقوى ومحل الفؤاد وفيه تنمو وتكبر وتترعرع شجرة الإيمان، وبه نحب ونكره، وبه نرى ما لا يراه إلا المتقين.
وها هو سيد ولد آدم وخير الخلق كلهم صلى الله عليه وسلم يعلمنا أن القلب هو أثمن ما لدينا وأنه وسيلتنا المثلى للحصول على الصلاح والفلاح والنجاح، فلننظر ماذا نختزن في قلوبنا...
العلم سلاح قوي يدعمه الإيمان بالله:
وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا
هذه الآية الكريمة تجعلنا نبحث في داخلنا، لنكتشف قدراتنا الحقيقية، فكل إنسان على وجه الأرض ولد وبداخله قدرات كبيرة، راجع نفسك عند الخطر وانظر كيف يقوم عقلك وقلبك بإصدار الأوامر اللازمة لإنقاذك مثلا عندما ترى ثعبان أو خطر جسيم يهددك، وكل ذلك يحدث تلقائيا، وذلك لأن الله برمجنا داخليا لمواجهة كل مواقف الحياة !!
وراجع نفسك عندما تكون آمنا مستقرا كيف يكون مزاجك ومزاحك وروح الدعابة وانسجامك مع كل من حولك..
وراجع نفسك في الليل وفي النهار، لتتعرف على نفسك عن قرب وتكتشف قدراتك التى كلما كان اتصالك بالله قويا نمت وكبرت وترعرت، وكلما مر عليك الزمن زادت خبرتك وحكمتك بإذن الله فقد قال الله تبارك وتعالى عنك :
وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ
مقامنا الحقيقي هو عندما ندرك أن كل مالدينا من علم ونعم وإيمان من الله العزيز الحميد:
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33)وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ
{القرآن هو الروح وهو حياة الروح وهو ملاذنا وفيه حبل نجاتنا طرفه بيد الله وطرفه الآخر بيد كل من تمسك به }.
الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ
في شرح بديع لفضيلة الشيخ الشعراوي رحمه الله يقول وكأن الله تبارك وتعالى قبل أن يخلق الخلق أعد لهم المنهج الذي يحقق لله مراده في المؤمنين به سبحانه، لذلك قال :
الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ
ثم يسترسل رحمه الله في شرحه الذي يصل بنا إلى معاني كبيرة جدا وفي منتهى البلاغة في اللغة العربية وملكاتها الرائعة فيقول رحمه الله:
العقيدة هي ثلاثة مراحل :
أولا: إيمان بإله واحد.
ثانيا: ألا تأمن مكر الله أبدا.
ثالثا: ألا تيأس من روح الله أبدا.
يقول فضيلته رحمه الله أننا عندما نغذي قلوبنا بهذه الأشياء الثلاثة فسوف تتغذى كل جوارحنا وأعضاءنا وملكاتنا بهذه الأشياء مع الدم.
ساحة النقاش