نادي العضلات الإيمانية للقراءة والتنمية

{ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } هذا ما سوف نحاوله

بسم الله الرحمن الرحيم 

االلهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم .. اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما  علمتنا . وادخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

عزيزي القارئ 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... يسرني ويشرفني أن أخبركم عن بداية برنامج جديد تحت عنوان الدين والحياة ( قصص من واقع حياتنا اليومية ) 

ولقاءنا سيكون يوم الأحد من كل أسبوع  إن شاء الله .. ويسرنا متابعتكم لنا نفيد ونستفيد .. 

كما إني أطلب من حضراتكم أن من عنده قصة من واقع الحياة بها موعظة وعبرة فأرجو أن يتصل بي لنشرها هنا وعلى موقعي بالفيسبوك وبدون ذكر أسماء أو زمان أو مكان ... وبدون ذكر أي تفاصيل .. فقط سنذكر الحدث والعبرة منه .

واليوم هو أول لقاء لنا بأمر الله ويسرنا متابعتكم ثم الدعاء لهذا الرجل الذي وصل لنهاية العمر يختم حياته في رحمة كبيرة من الله العلي العظيم .

بسم الله الرحمن الرحيم

هو في السبعينات من عمره .. تعرفت عليه في أحدى رحلاتي بالغرب.. عرفني عليه أحد أصدقائي ،  كنا نتحدث كعادتنا أمام المسجد بعد صلاة العصر..

شخصية محترمة .. متدين ملتزم .. تحدثنا كثيرا عن مصر بلدي الحبيب .. تكرر لقاءنا .. عرفت أنه مقيم بالبلد وكنت أنا فقط في زيارة عمل ..

أجمل ما فيه أنه لم يحدثني في السياسة.. مما شجعني على معاودة اللقاء .. وكنا نتحدث دائما في مواضيع عامة.. ولكن عندما يتطرق الحديث إلى بلدنا الحبيب أشعر بنبرة حنين قوية لمصر ..

كنت أود أن أسأله إن كان له أولاد .. ولكني تركت ذلك مخافة الإحراج .. وإذا به يحدثني عن أبنه الكبير، ذو مركز مرموق بمصر ومتزوج وله أولاد كبار ..

وبدأ يحكي عن ابنه الكبير أثناء سفره للخارج في بعثة تعليمية.. وكيف أنه كان من الأوائل .. لدرجة أن الدولة تكلفت بمصاريف بعثته كاملة...

بدأ يحكي عن تلك الأيام التى قضاها مع أبنه وزوجته وأحفاده .. بحنين منقطع النظير .. وكأنه يتكلم عن الجنة .. سعدت جدا لسعادته .. ولكن بدأت الأسئلة تحيط برأسي ..

لست من النوع المتطفل .. لا أبدأ أبدا بسؤال شخصي .. واترك الحرية كاملة للطرف الآخر في أن يحكي أو لايحكي .. ليس عدم اهتمام ولكن احترام حرية الآخرين في اتخاذ قراراتهم الشخصية.

كنت أريد أن أسأله لماذا ترك مصر ؟؟ وكنت أريد أن أسأله ماذا كان يعمل في مصر قبل أن يتركها ؟ وكنت أريد أن أسأله كيف استطاع أن يترك أبنه وأحفاده ويعيش في بلد ليس بلده ولمدة طويلة؟ ولكن لم أفعل .. لم أوجه إليه أي سؤال..

وذات مرة فوجئت بأنه يتكلم عن عمله في مصر وكيف أنه احتال وبذل مجهود جبار ليستطيع الخروج من مصر ..

كان يعمل بأحدي الشركات قبل التأميم .. وكانت الشركة التى يعمل بها لا تسمح له بأجازة طويلة .. أو لم تسمح له بتصريح السفر ..

ولكنه حصل على تصريح السفر وغادر مصر .. تاركا زوجته وأولاده الثلاثة .. وبيتا أنيقا بالقاهرة على ما أعتقد..

كان نفسي أسأله لماذا ترك بيته وزوجته وأولاده الثلاثة وأحفاده ؟؟ ولكني لم أجد في نفسي الشجاعة الكافية ..

هو لم يسألني بالتالي عن أي شيء .. كنت أنا دائما الذي يحكي باقتضاب شديد حتى لا أعطى لنفسي فرصة تبادل الأسئلة التى في رأسي ..

تباعدت فترات لقاءنا .. نظرا لظروف سفري المستمر .. ولكني استقريت في نفس البلد فترة  من الزمن وكنا نلتقي دائما في المسجد ..

وظل يطلب مني بإلحاح أن نشرب القهوة سويا بالقهوة.. وكنت أكره بشدة وبعنف الجلوس على أي مقهى في أي بلد ..

وتحت إلحاحه الشديد اخترت مكانا كأنه مطعم ولكنه يقدم الشاي .. فكنا نجلس يوميا ونتكلم .. بدأ يحكي لي عن سوء معاملة زوجته ..

وكلما مرت الأيام زادت مرارته .. وزاد تأثري وحزني من أجله فكنت أرى ملامح الأسى في نبرات كلامه وفي عينيه التى كانت دائما مليئة بدموع قد جفت منذ زمن.. ربما من كثرة البكاء..

فلم أجد بدا من سؤاله .. قلت له لماذا لا تقوم بأجازة وتنسى زوجتك ومشاكلها ومشاكلك وتذهب لمصر لترى ابنك وأحفادك ...

ألم يطلبك  ابنك بالتليفون ؟ قال نعم بالأمس وكأنه حاسس بي وبمشكلتى .. أيضا بناتي كلموني .. وهنا خرجت من فمي الكلمات وكأنها طلقات نارية ..

إذا لماذا لم تسافر لترى أولادك وأحفادك؟ ..

سكت ولم يجب ..

هل عندك مشكلة مع زوجتك في مصر ؟

قال لا أنها ست عظيمة جدا .. لم تسبب لي أي مشكلة .. حتى إنها لا تسأل إلا عن صحتي وإذا كنت مبسوط من عدمه

أنا بصراحة تعجبت أكثر .. فكررت السؤال إذا لماذا لا تذهب لتقضي معهم وقتا ممتعا [ ما حدش ضامن الحياة من الموت ]

نظر إلى وفي عينيه أسى مرير .. وفي صوته حزن شديد .. وبدأ يشكو لي من زوجته الحالية .. مر الشكوى ..

طلبت منه ألا يشكوها لي وأن يتركها وشأنها ويذهب لبلده وقتا ما حتى تهدأ النفوس .. ثم يقرر بعدها إن كان سيعود ليستأنف حياته معها أو يظل في بلده مع أولاده..

وهنا بدأ يحكي لي عن ظروف عمله .. كان يعمل محاسب بأحدى الشركات .. لفترة زمنية معينة .. ثم أفلست الشركة ..

وأصبح يحصل على معاش بسيط لأنه بمحض إرادته لم يبلغ التأمينات براتبه الحقيقي .. ولكنه أوضح تقريبا نصف راتبه الأصلي .. لذلك فمعاشه بسيط جدا ..

قلت على أي حال الحمد لله .. أنت الآن تستطيع أن تعيش في مصر ملك زمانك بهذا المعاش .. أبحث عن شخص تثق فيه واعمل له توكيل ليرسل لك المعاش كل شهر ..

أو عليك بالتفاهم مع البنك تبعك ليحول معاشك إلى مصر .. لم يفيدني بشيء .. وقلت مقابلتنا .. لأنني في كل مرة أقابله يشكو لي مر الشكوى من زوجته .. حمدت الله في نفسي أنه لم يكن لديهم أطفال .. ولكن هي من عائلة غنية ولها وظيفة محترمة وشقة تمليك وسيارة ..

كنا في كل مرة نتقابل .. أحاول جاهدا نصحه بأن يتجه بأحزانه إلى الله .. ولكنه كمعظم الناس عنده الدين لا يخرج عن كونه صلاة وصياما وزكاة وحج البيت إن استطاع.. ثم دعاء عند الحاجة.

هذا هو الدين عند معظم الناس .. كاد عقلي يفط من دماغي .. لديه في مصر كل أسباب السعادة .. معاش بسيط من البلد الغريب .. وأولادا ثلاثة وأحفادا وزوجة ..

وباختصار شديد آخر مرة زرته بمنزله .. كدت أن أبكي .. ركعت لله متضرعا أن يخفف عنه.. ودار في ذهني أشياء كثيرة.. لم أكن أتخيل أن يتلجم لسانه.. يريد أن يتكلم .. ولكنه لا يفعل رغم مقدرته على الكلام ...

ذهبت لزيارته أكثر من مرة .. ولم يفتح لي الباب .. وفي المرة الثالثة قلت في نفسي لن أبرح حتى يفتح لي الباب لأنني عرفت من البواب أنه مريض جدا وأنه في المنزل وأيضا زوجته ..

طرقت الباب عدة مرات .. وفي كل مرة كانت تزداد قوتي لأعلنهم عن إصراري وأنني لن أنصرف هذه المرة كالمرات السابقة...

أخيرا فتحت لي زوجته .. مرحبة بكلام دبلوماسي .. واعتذرت عن أصراري في رؤية الحاج صديقي قالت تفضل بالدخول ..

دخلت فإذا بصديقي العجوز يجلس في المطبخ وعليه بيجامة !!! جالس على كرسي خشب صغير أكبر شوية من كرسي الحمام ..

وأمامه كأس شاي بارد .. نظر إلى وحاول أن يبتسم .. هي قد أجلستني في مواجهته بالمطبخ، ولكني لم استطع النظر إليه ..  فجلست بجواره ..

وسألته كل الأسئلة المعتادة عن كيف حالك وعامل إيه وكانت إجابته المقتضبة بالحمد لله .. خرجت مني كلمة أقسم بالله أني لا أتذكرها وفوجئت به يقول لي ردا على كلمتي هو ..

قلت من هو؟ نظر إلى وفتح فمه وكاد أن يحكي شيئا ولكن لم يزد عن كلمة هو ..

جاءت هي وسألتني ماذا أشرب قلت لها بحزم وإصرار لا شيء البتة .. أنا لا أشرب شيئا مطلقا في هذه الساعة ..

خرجت وتركتنا وحدنا في المطبخ .. فكررت السؤال عن صحته قال الحمد لله .. حاول ثلاثة محاولات للوصول إلى كأس الشاي .. وقد نجح في المرة الثالثة ..

جاءت هي وبطريقة تمثيلية أرادت أن ينتهي من كأس الشاي .. فأخذت بيده ورفعتها حتى فمه ولكن هو أعاد الكأس وكأنه يرفض ..

ومع ذلك ظل صامتا .. ولما شعرت هي بما في خلدي من أفكار خرجت وتركتنا .. حاولت أن أفتح معه حوارا بأي طريقة ولكني فشلت ..

عرفت أنه الآن تحت سيطرتها .. الآن هو لن يستطيع أن يشكوها لأحد .. هي إمرأة في الستينات من عمرها ولكنها لا زالت إمرأة ...

منعت نفسي من الأسئلة .. كنت أريد أن أسأله عن أولاده .. ولكني تذكرت أنه لا يستطيع الكلام ولا أعرف لماذا .. صوته مبحوح .. ينظر إليك ليتكلم ولكنه لا يفعل ..

هل حزنه يقف حاجزا قويا أمام كلماته ؟

هل فقد قدرته على الكلام نسبيا ؟

هل مكانه الطبيعي أصبح في التراسة أو المطبخ؟

لقد حزنت جدا من أجله .. ولكني لم أملك إلا أن أدعو الله له .. وقلت في نفسي على الأقل أنه سينهي حياته في منزلها و تحت رعايتها فهي زوجته أمام الله والمجتمع .

هذه قصة صديقي .. بها كثيرا من النقاط الغامضة .. لا أملك الإيضاح أكثر من هذا .. أولاده في مصر ولا أعرف عنهم شيئا ..

هذه هي حياة إنسان في آخر أيام عمره .. عاش الدين صلاتا وصوما وزكاة  .. وكلام كتير من كل نوع، لا أستطيع أن أقول أكثر من هذا ...

لكن من وجهة نظري ومن خلال فهمي وتجاربي بالحياة أستطيع أن أجزم بشدة وبيقين أن الدين هو أوسع وأكبر وأجمل مما نعيشه نحن الآن ..

الدين هو الحياة قبل الموت وبعده .. الدين هو تحقيق الأماني .. الدين هو تحقيق الأهداف .. الدين هو الإتصال بالواحد القهار والتحلي بصفاته مثل الرحمة والعطاء ومحاولة الوصول للكمال .

فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ

الدين هو رسالة الأنبياء .. وهو النور .. وهو الحب .. وهو الأمن والآمان .. وإذا حدثتنا أنفسنا بغير ذلك فوجب علينا أن نبحث عن الجانب الآخر للحياة فدائما هناك وجهان .. فهناك الليل والنهار.. وهناك النور والظلام .. وهناك الأمل والرجاء ..وهناك السعادة والشقاء .. والدين هو الجانب المنير الإيجابي.

الدين هو نقطة على الخط البياني التصاعدي ويستمر في الصعود حتى بعد الموت .. الدين هو وسيلتنا لنعرف الله ذو الملكوت والجبروت والعزة والكبرياء، وهو وسيلتنا لتحقيق كل أحلامنا الجميلة.

وهناك الإيجابيات بما فيها من عمل وإنجاز وقبول التحديات القوية .. صاحب هذه القصة واجه تحديات كثيرة جدا ونجح فيها ..

ولكن ماذا عن !!!!! هناك ألف سؤال وسؤال .. والله هو المستعان .

سأترك لحضراتكم الباب مفتوحا على مصراعيه .. لنتعظ .. هناك حكمة بالغة بالغة بالغة .. وهناك موعظة وعبرة وحياة حقيقية من وراء كل حياة ظاهرية .

 

ولا تنسوا الدعاء له جزاكم الله خيرا

 

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 253 مشاهدة
نشرت فى 6 سبتمبر 2015 بواسطة ibrahimelmasry

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

249,362

Ahmed Ibrahim

ibrahimelmasry
إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (6)[ سورة يونس]. لنا في كتاب الله آيات وفي أنفسنا وفي الناس وفي الأحداث والأقدار وفي الأيام والليالي وفي قلوب الناس وأحوالهم، وفي السماء والسحاب والنجوم .. آيات إذا ما انتبهنا إليها وقرأناها فهي من »