التمرين الرابع
الإنفاق في سبيل الله
الأثنين 14/1/2013
***
لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92) آل عمران
البر هو الإحسان والكمال في الخير.. هذا معناه أننا أمام شيئا في منتهى الأهمية، فلن نجني ثمار أعمالنا إلا إذا حصلنا على البر..
لن نصل إلى درجة الإحسان في عموم حياتنا وخاصتها إلا إذا منحنا الله سبحانه وتعالى درجة البر، التى ربطها المولى عز وجل بالإنفاق مما نحب..
وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (270) إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271) لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272) البقرة.
ليس فقط الإنفاق، فنحن في كثير من الأوقات ننفق مجبرين على الإنفاق، والله تبارك وتعالى يأمرنا بأن ننفق مما نحب حتى نبرهن بذلك على صدق إيماننا بالله العلي العظيم...
وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (270)
لاحظت أثناء رحلتي مع كتاب الله، أن المولى تبارك وتعالى دائما ينوه عن الشيء وضده، كما هو الحال في هذه الآية، ذكر فريق المؤمنين وما ينفقون، ثم يوضح لنا سبحانه وتعالى أن الظالمين ليس لهم من دون الله من ولي ولا نصير..
إذا وبغير شرح أو تفسير نفهم أن الله نصير الذين ينفقون في سبيله، هو معهم بولايته إينما كانوا، ينصرهم ويتولاهم..
أخي في الله، كم من مرة كنت في حاجة لمن ينصرك؟.. كم من مرة كنت في حاجة لمن يشد أزرك ويؤيدك؟ كم من مرة تمنيت على الله أن يظهر لك الحق لتتبعه؟
وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ
لقد أجابك المولى عز وجل بقوله { وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ }.. وكأن الإنفاق مما نحب يخرجنا من زمرة الظالمين ويدخلنا في ولاية الله تبارك وتعالى ونصره.
إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271)
لك مطلق الحرية في أن تبدي الصدقات أو تخفيها، عليك أن تبديها إن كنت معروفا بين الناس بالغني حتى تكون عبرة لغيرك من الأغنياء، وحتى تتجنب حقد الفقراء وتكسب ودهم..
وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ
وزيادة في الخير أخفها وأتها الفقراء ممن تعرفهم ويعرفونك، ولا يسألون الناس إلحافا، فينالك من الله كل الخير، خيرا لا تتوقعه، خيرا عظيما لأن الذي يعطيه هو العلي العظيم.
لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272)
يقطع الله تبارك وتعالى الشك باليقين، ولا يترك في رأس مخلوق أي سؤال، يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم ليس عليك هداهم، فإن الذي يتبع الهدى سيهديه ربه، ثم يربط المولى تبارك وتعالى الهدى والخير والصلاح وحسن المكافأة من الله بالإنفاق..
وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ
كل ما ننفق من مال وجهد ووقت يجب أن يكون في سبيل الله وإبتغاء وجهه الكريم سبحانه وتعالى.. إن كنت تريد أن تكون من الذين ينعمون بالنظر إلى وجه الله فعليك إبتغاء وجه في كل ما تنفق وفي كل ما تقوم به من أعمال.
خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) التوبة.
الصدقات تطهرنا وتزكينا عند ربنا وخالقنا، خاصة إن أخرجناها طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ومصاحبة بالصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنها سيكون لها مفعول السحر في حياتنا، تطهر أنفسنا من كل ما يعوق تقدمنا في رحلة الإيمان وطريق الوصول إلى رضى الله الرحمن تبارك وتعالى.
أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10) فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (19)البلد
فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16)
عقبة ستواجهها في نفسك، دائما ستقول لك نفسك نحن في حاجة إلى هذا فلا تنفقه فأولادنا أولى به، أو تقول لك نحن أولى به لحاجتنا الشديدة إليه، أو تقول لك لقد تصدقنا كثيرا هذا الشهر، أو تقول لك علينا مدفوعات كثيرة، ستجد كل ذلك في نفسك، فلا تطعها واقتحم هذه العقبة وكأنك قد مهدت وعبدت طريقا أو جسرا تعبر عليه أعمالك الصالحة.
فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ
كل ما سبق من تمرينات، كل ما قمنا به من أعمال، كل تسبيحة واستغفار وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سيقف خلف هذه العقبة...
هل تعرفون قصة السمك،.. سمك السلمون رحلة طولها حوالي 4000 كيلومتر ليضع بيضه ثم يموت، وعندما يخرج فقس البيض ويكبر يكرر نفس الرحلة مرة اخرى قاطعا نفس المسافة، مواجها صعوبة يعجر عنها البشر، وهي القفز إلى أعلى عند شلالات المياه التى يبلغ طولها حوالي سبعة أمتار وعكس التيار.
وهناك معلومة تقول أن سمك السلمون يصوم 7 أيام ليحصل على الطاقة اللازمة للقفز 7 أمتار إلى أعلى وعكس شلالات المياه...
فلا تتطاوع نفسك واقتحم عقبتك وأنفق مما تحب إبتغاء مرضاة ربك... حتى تنعم بكل الخير وبكل ما قمت به من أعمال صالحة، التى نعتقد أنها صالحة، وهي في الحقيقة تقف خلف عقبة الإنفاق حتى نقتحمها فننال الخير كله من العلي العظيم .
معنا الآن أربعة تمرينات هي اربع عبادات:
1 ـــ الإستغفار. 2 ــ التسبيح. 3 ــ الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. 4 ــ الإنفاق إبتغاء وجه الله. 5 ـ صلة الرحم المصاحبة بالدعاء لهم.
والتمرين الخامس والآخير سيكون بإذن الله تعالى صلة الرحم والدعاء بما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما جاء في كتاب الله من دعاء الأنبياء.
أذكركم ونفسي بهدفنا الأول في هذا النادي وهو تحقيق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يخبرنا فيه كيف يجب أن نكون:....
مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى
[مسلم]
لذلك أرجو من الجميع أن يعلن الحاضر الغائب، وأن نكون جميعا أخوة في الله، يخاف بعضنا على بعض، ونسارع في تقديم العون والخير لمن أنضم ألينا هنا لنقوي عضلاتنا التى ترهلت وفقدنا بسبب هذا الترهل كثيرا من الخير.
لازال لنا بقية في هذا التمرين، سنكشف الغموض عن كثير من النقاط المهمة جدا والتى ستعيننا على التقدم في طاعة الله وعبادته على مراد الله، وتصحيح كثيرا من المفاهيم الخاطئة والعادات السيئة التى نرتكبها دون أن ندري أحيانا..
وحتى يتم هذا عليكم بقرآة سورة البلد وتدبرها والتعمق فيها فإن فيها العقبة الحقيقية التى تواجهنا الآن، وسنتناولها بالتفصيل في الأيام القادمة إن شاء الله .
وإلى هذا الحين أستودع الله دينكم وآماناتكم داعين الله عز وجل أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه... وفقنا الله وإياكم لما فيه الخير لديننا ودنيانا وآخرتنا...
ساحة النقاش