مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى
[مسلم]
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كل سنة وانتم بخير وسعادة وهناء.. هانحن على أبواب عيد الأضحى.. وايامه المباركة، واجتماع الأهل والأصدقاء والأحبة والآباء والأبناء على موائد الطعام.. تجمعهم المحبة والمودة والرحمة ... آدام الله عليكم نعمه وهداه وفضله..
{ مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ }
يحضرني هنا في هذه المناسبة الجميلة خاطر وموقف.. أما الخاطر فهو من وحي الحديث أعلاه.. لفت نظري تلك المشاعر الفياضة بالمودة والرحمة والعطف، ما أجمل أن يشعر الإنسان بتودد الآخرين إليه.. إنها سعادة حقيقية... تملأ القلب فرحة وسرورا..
وما أجمل أن يكون الإنسان رحيما.. يرحم من حوله ممن يعرفهم وتربطه بهم صلة رحم، أو أخوة في الله، أو عابر سبيل، أو مسكينا... عندما ترحم إنسانا أيا كان لونه وهيئته وجنسيته، فإن الله تبارك وتعالى يجمل في عينك هذه الرحمة، ويذيقك حلاوتها في نفسك، وترى أثرها في كل من يهمك أمره..
وعندما تعطف على من تحب، وعلى من هم اضعف منك، فإن الله يشملك بعطفه وحنانه، فلا تشقى بعد ذلك أبدا...
قال الدكتور محمد راتب النابلسي ذات يوم مقولة رسخت في قلبي وسكنت فيه وأراها كل يوم تكبر وتترعرع في بعض من شملهم الله برحمته وأنعم عليهم بنعمة الحس المرهف والحكمة البالغة.. قال الدكتور النابلسي: أن ترحم أبنك أو أخوك أو أحدا من ذويك فهذا شيئ عادى، ولكن البطولة الحقيقية هي أن ترحم الآخرين ممن لا تعرفهم.
مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى
وهذا في حد ذاته التفسير الدقيق للجزء الأخير من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .. أن تمتد فرحتنا بالعيد، وإجتماعنا على موائد الطعام، والزيارات والهدايا والمسرات إلى عامة المسلمين.. فتتحول هذه الموائد إلى موائد الرحمن.. نطعم فيها المسكين ونكرم اليتيم، ونتوحد بمشاعرنا، ونتقارب بعقولنا، ونصبح أمة واحدة كالجسد الواحد، نتألم بألام من يتألم منا.. ونهب لدرء الضرر عنه، ونمد له يد العون وكلمات المحبة.. هذا هو ما قصده رسول الله صلى الله عليه وسلم وفسره النابلسي.
ما سبق كان الخاطر.. أما عن الموقف فهو جد عظيم... تابعوا معي بقلوب مفتوحة متراحمة حتى تتنزل علينا رحمات ربنا..
رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)الصافات.
بعد قصة كفاح طويلة من سيدنا أبراهيم لمحاربة عبادة الأصنام، وبعد أن ألقوه في النار وأنقذه الله منها... يدعو ربه أن يهب له من الصالحين... لم يطلب ولدا أو ذرية عادية، ولكن هبة من الرحمن من الصالحين.. فبشره ربه بغلام حليم .. ما أجمل عطاءك وأعظمه يا رب العالمين.. عظيم في عطاءك.. وعظيم في منعك.. وعظيم في كل ما نعلم، وعظيم في كل ما لا نعلم.. سبحانك ربنا ما أرحمك..
فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ
فلما بلغ معه السعي.. كبر وأصبح يانعا صالحا حليما نقيا طاهرا قويا ذكيا ذو نظرة ثاقبة وعقل راجح وقلب رحيم.. جمع بين كل الصفات التى يعتز بها الأب ويتمناها دائما لإبنه.. كان إبراهيم عليه السلام فخورا بابنه.. طيب النفس شاكرا لربه على منحته وهبته العظيمة ..
قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ
هل تتصورون حالة الأب .. ثلاثة أيام وهو يرى رؤية واحدة .. أن يذبح أبنه الوحيد.. هبة ربه.. وحلم حياته.. وأمنيته التى تمناها على ربه.. ودعاءه الذي سعد كثيرا بإستجابته، الآن عليه أن يذبح أبنه...
إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ
ارى في المنام .. لم يفكر في حيلة يدخل بها على إبنه.. قال له الحقيقة كاملة .. أنها لم تكن إلا رؤية رأى فيها أن يذبحه.. هل تتخيل نفسك وأبوك يقول لك لقد حلمت أن تترك دراستك مثلا.. هل كنت ستمتثل؟ بالطبع لا .. وربما اتهمت ابوك بالجنون..
أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى
فانظر ماذا ترى... هو أعطاه الحرية الكاملة في أن ينظر في الأمر.. أمر ذبحه.. ياله من موقف!! موقف ينخلع له القلب.. ربما فقد الإنسان عقله ولبه وحكمته.. لكن خليل الرحمن كان حليما تقيا وعلى يقين من أمر ربه.. لذلك عرض الأمر على ابنه بمنتهى الصراحة.. وهو يعلم علم اليقين أن الله معه ولن يخزله أو يصدمه في ابنه..
أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى
أليست هذه قمة الديمقراطية؟ هل حدث هذا الموقف أو أقل منه في العالم؟ سأدعك تعيش بخيالك وتصورك في هذا الموقف العظيم بين الأب والأبن... ثم هيا بنا نعيش مع الرد الجميل من الشاب الحليم ذو الذكاء المفرط، والإيمان الصادق الثابت الذي لم يهتز ولم يتزحزح قيد أنملة ... ماذا قال إسماعيل عليه السلام ؟
قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ
لقد عرف اسماعيل أنه أمر من الله العلي العظيم.. لم يقل له أفعل ما ترى!! ولكن قال افعل ما تؤمر.. ولم يكتفي بهذا.. بل طمأن أبيه..{ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ } لأنه يعرف أنه يحبه..وأنه صادق وأمين.. وقد صارحه بالأمر وأعطاه حرية النظر والإختيار، فخفف على أبيه الموقف.. افعل ما تؤمر..
والله إنه لموقف عظيم.. تحار فيه العقول.. وتبكي له القلوب.. ويرتجف له كل كيان .. ويزيدنا حبا لإبراهيم وإسماعيل والصادق الوعد الأمين.. صلى الله عليهم وسلم كلهم أجمعين.
عليكم بقراءة القصة كاملة.. والتى لولا ضيق المساحة لنقلتها لكم بكل ما قيل فيها، ولكني أعرف أن شوقكم لمعرفة المزيد عن خليل الرحمن وقصته مع ابنه ستدفعكم لقراءة باقي القصة فإنها شيقة ومحببة إلى القلوب المؤمنة.
هذا وأتقدم بخالص التهاني واجمل الأماني بعيد الأضحى المبارك.. أعاده الله علينا بالنصر والرفعة والعزة لكل المسلمين. أمين والحمد لله رب العالمين ..
أخي في الله أنشرها واعمل على توصيلها خاصة بين أصدقاءك من الشباب ليعرفوا مدى حلاوة الإيمان وأنه عزة ورفعة وحصن وصيانة لكل من اعتنقه، كما إنه حبل نجاة لكل من استمسك به.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. تمتعوا بعيدكم واكثروا من الدعاء لإخوانكم الذين ينامون الآن تحت سقف النيران ووحشية الوحوش الكاسرة الذين سيسحقهم الله سحقا بإذن الله.
ساحة النقاش