الحرية كما أرادها لنا الله في كتابه الكريم وسنة رسوله
صلى الله عليه وسلم
لقد وضع الله سبحانه وتعالى لنا أول أسس الحرية بجميع صفاتها وألوانها وبكل تصنيفاتها التي عرفناها في الثقافات الأخرى..
وضع لنا المولى عز وجل في فاتحة الكتاب .. في سبعة آيات مباركات هن أم الكتاب.. أسس التحرر الكامل، التحرر الفكري والعاطفي والعقلي ... تحرر قلوبنا وعقولنا ... وتحرير نفوسنا من كل إستعمار ثقافي، ومن كل غزو فكري، ومن كل كلمة تخرج من أفواه من غضب الله عليهم....
عندما تدخل على العزيز الجبار المتكبر ... لتصلي ... فإنك تثني عليه بما علمك في فاتحة الكتاب... بسم الله الرحمن الرحيم ...{ لست مفسرا للقرأن الكريم } ولكني أحب أن أفهم واتعمق في كلمات الله العلي العظيم .. والتى تغنيني عن كل كلام آخر...
عندما نقول بسم الله الرحمن الرحيم .... فقد حررنا عقولنا وقلوبنا وأنفسنا من كل سلطان، ومن كل عبودية لغير الله ... فلا فكر فينا ولا شعور ولا عقيدة تعلو على بسم الله الرحمن الرحيم ... كل ما فينا من السمع والأبصار والفؤاد يدخل بكل كياننا الشخصي في بسم الله الرحمن الرحيم .
وعندما نقول الحمد لله رب العالمين ... فإننا قد أقررنا بكل ما فينا من مشاعر وأفكار وكيان بأن الحمدلله رب العالمين .. وهذا في حد ذاته أكبر تحرر عقلي وفكري وعقائدي...فتصبح العقيدة الوحية الموجودة بداخلنا هي عقيدة التوحيد بالله العلي العظيم...
وعندما نقول الرحمن الرحيم ... فإننا نقر بأننا قد أدركنا أنه لا رحمة ولا رحيم في حياتنا إلا هو سبحانه وتعالى، فهو الرحمن في الدنيا والآخرة... وهو الرحيم الذي رحمنا وانعم علينا بنعمه الظاهرة والباطنة... وهذا يحررنا من كل عبودية لسواه ، سبحانه..
وعندما نقول مالك يوم الدين ... فإننا نذكر أنفسنا، ونقر ونعترف بأنه سبحانه هو ملك يوم الدين... فلا سلطان لملك سواه علينا، إلا في طاعته سبحانه ... وهذا أكبر تحرر يتطور فكر البشر ويحررهم من كل سلطان...
ثم نقر ونعترف أننا إياه نعبد، وإياه نستعين، فلا يمكن أن نعبده بغير أن يعيننا سبحانه على عبادته حق عبادة وعلى مراده الذي اراده لنا.
ثم نطلب منه سبحانه وتعالى الهداية بقولنا { إهدنا الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين } وهنا نقر ونعترف أمام مولانا أننا قد عرفنا وعقلنا وسمعنا بان العالم كله ينقسم إلى ثلاثة فئات.. فئة أنعم الله عليهم ... وفئة غضب الله عليهم.. وفئة ضلوا ضلالا بعيدا.. حتى لا يكون لنا حجة إذا ما اتبعنا أيا من تلك الفئات الضالة أو التى غضب الله عليهم..
وهذا في حد ذاته فيه صيانة لكرامة الإنسان كما اراد له مولاه وخالقه سبحانه، فلا يتبع غير الفريق الذي أنعم الله عليه ... فلا ينساق لغير فريق المؤمنين ... وهذا في حد ذاته أكبر حرية يحصل عليها الإنس والجن بإيمانهم بالله العلي العظيم.
ثم نأتي لمرحلة أخرى من خلال تتبعنا لآيات الرحمن في كتابه الكريم .. فنجد في مطلع البقرة يخبرنا بأن هذا القرآن هدى فقط للمتقين... لكي يحثنا ويدلنا على الخير الكامن في تقوى الله، فيكفينا بتقواه شر خلقه كلهم اجمعين، فلا يحتوينا فكر، ولا يغزو قلوبنا عقائد بالية جار عليها الزمن، ولا تأثرنا ثقافة معينة... فالمولى عز وجل يقول في محكم آياتة: { وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282) البقرة}.
ثم من خلال عدد 103 آية في سورة البقرة، يعرفنا الله سبحانه وتعالى نوعيات البشر من كل الديانات.. وكذلك يقص علينا بلغة القرآن الراقية والتى تسكن القلوب المؤمنة، ما كان من الأمم السابقة.. كيف كانوا يفكرون، وكيف كانوا يمالطون ويكذبون، ثم يوضح لنا المولى عز وجل نهايتهم المؤلمة، حتى نتعظ...
وفي الآية رقم 104 من سورة البقرة.. ينادي علينا المولى عز وجل لنتحرر من كل الفرق التى سبق وحدثنا عنها في 103 آية..وليدلنا على الطريقة المثلى لبناء شخصية إسلامية تؤمن بالله العلي العظيم ...فيقول سبحانه في أول نداء لمن به آمن :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) } ينادي علينا لنترك كل ما حولنا مما بينه لنا من احوال الأمم السابقة.. وليعطينا لقب مؤمن بالله موحد به سبحانه .. وهذا لا يكون بحال من الأحوال إلا إذا صححنا مسار أفكارنا ومشاعرنا وعقيدتنا بإنتقاء الكلمة الطيبة الذكية الصادقة والتى تعبر عن ما يدور بداخلنا.
ثم يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكمل المسيرة.. مسيرة فهم القران والعمل به عن إقتناع وتعقل وتقبل لمنهج الله سبحانه وتعال فيقول صلى الله عليه وسلم :
{ لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ، و لا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ، و لا يدخل رجل الجنة لا يأمن جاره بوائقه.
الراوي: أنس بن مالك المحدث: الألباني - المصدر: السلسلة الصحيحة - الصفحة أو الرقم: 2841 خلاصة حكم المحدث: رجاله ثقات رجال مسلم غير الباهلي وهو حسن الحديث }
وهناك أحاديث كثيرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن أهمية الكلمة وقوتها ومدى تأثيرها في حياة الإنسان ، بل وفي حياة الأمم... فهي تحدد مصيره إما إلى جنة، وإما إلى نار، وقد وضح الله سبحانه وتعالى لنا قيمة الكلمة في أجمل وأشمل وأحلى ما قيل عن الكلمة :
{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25)}سورة ابراهيم .
ثم ضرب لنا مثل الكلمة الخبيثة فقال سبحانه :
{ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) }غبراهيم .
ثم يوضح لنا طوق النجاة من كل تلك الفلسفات والثقافات البالية التى جار عليها الزمن وفضحها، رغم بريقها وقوة تأثيرها في قلوب غير المؤمنين.. فقال سبحانه وتعالى:
{ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27) }.إبراهيم . كل ما علينا أن نحرر قلوبنا وعقولنا ونفوسنا من كل ما سوى الله ، ثم نؤمن به سبحانه وتعالى ونلبي نداءه ، وبعد ذلك هو سيتولى أمرنا في الدنيا والآخرة . ولكي تصدق هيا بنا نعيش معا الآية:
{ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257) }البقرة.
وبهذا اختم حديثي عن الحرية التى درت من أجلها بلاد وقرى وعادات وتقاليد.. فلم أجد غير هذه الحرية المنضبطة، والتى تحافظ على كرامة الإنسان وتنور قلبه وتحرر فكره وتسوقه إلى جنة عرضها كعرض السماء والأرض.
هذا وما به من صواب فمن الله .. وأحمد الله عليه .. وما به من خطأ فمني واستغفر الله لي ولكم ....
أخي في الله لو وجدت فيها ضالتك فاعمل بها وانشرها بين اصدقائك من الشباب فهم ذخيرة المستقبل وهم عماد الدول والأمم. وهم أملنا في بناء أمة الإسلام من جديد بعقول واعية وفكر متحرر وكرامة ضمنها لنا الله سبحانه وتعالى .
ساحة النقاش