إذا منعك الله شيئا فاسجد له وتضرع إليه وسوف يعوضك خير منه
………….
وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10) إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ(11)
(( سورة هود ))
لدينا حقيقة لا يختلف عليها إثنان.. وهي أننا لا نعرف قيمة الشيء إلا بعد أن نفقده.
وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9)
وربما كان هذا هو مغزى الآية الكريمة .. لأننا قد لا نشعر أننا في رحمة الله إلا بعد أن نفقدها وينزعها الله منا… ويؤكد هذا الكلام الآية التي تليها مباشرة:
وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10)
في الحالة الأولى ليئوس كفور .. وفي الثانية فرح فخور .. ليس هناك ضابط يضبط مشاعر الإنسان .. وهنا نجد أنفسنا أمام سؤال في منتهى الأهمية وهو كيف نضبط مشاعرنا في كلتا الحالتين؟
والإجابة تأتينا في الآية التي تليها وفي آيات أخرى كثيرة في كتاب الله :
إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ(11)
يا سبحان الله .. الصبر مطلوب في العطاء والمنع .. والغاية من المنع والعطاء في غاية الوضوح الآن وهي الحصول على المغفرة هنا في حياتنا الدنيا لننعم بالعيش في رحاب الصبر وعيوننا معلقة بالأجر الكبير.
وفي سورة البقرة نجد شيئا في منتهى الأهمية عن الصبر وعطاءه الكبير:
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ
وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ
الذي أعطانا وجعلنا نتذوق من رحمته هو سبحانه وتعالى الذي يبشرنا إذا صبرنا، والبشارة تكون لشيء جميل في المستقبل، ومع ذلك فهو سبحانه وتعالى لم يحرمنا من فضله وعطائه في واقعنا وحاضرنا إذا ما عرفنا وتيقنا إننا لله وإنا إليه راجعون فقال تبارك وتعالى:
أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ
صلوات من الله تفوق كل تصور .. ورحمة تحمل في طياتها أجمل وأرقى وألذ معاني الحياة.. وهي تفوق كل تصور.. وكل ذلك مصاحب بهداية من العزيز الحميد.
أما عن المغفرة واستعادة توازن الفكر والعواطف والمشاعر فقد بين الله لنا كل ذلك مع الوسائل المضمونة لتحقيقه، فقال تبارك وتعالى:
وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)
إذا عندما يذيقنا الله رحمة منه ثم ينزعها منا علينا أن نسارع إلى مغفرة منه سبحانه وتعالى.. فالنزع لو دققنا فيه سنجده أكبر من العطاء لأنه ردنا إلى الله وجعلنا نسارع إليه.
أما عن كيف نسارع إلى ربنا فهذا ما سوف نكتشفه في الآية التالية:
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)
سبب كل مشكلة أو مصيبة أو أي شيء يصيبنا يأتينا من أنفسنا أو من الناس وخير علاج هو اتباع ما جاء في الآية أن ننفق من علمنا وصبرنا وأموالنا وكل ذلك سوف يساعدنا على كظم الغيظ والعفو عن الناس لأننا نعامل رب الناس ملك الناس إله الناس.
وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136).
[ آل عمران ]
وهذه مرحلة مستقبلية سنواجهها حتما لأن بداخلنا مشاعر جياشة ونفس عزيزة وأعداء لا يغفلوا عنا من شياطين الإنس والجن ..
فإذا ما حدث ووقعنا في المحظور فعلينا بالتوبة والإستغفار وتلبية أمر الله لنا بالإسراع إليه تائبين مخبتين مستغفرين مستبشرين بعطائه ورحمته ومغفرته سبحانه.
هذا وما فيه من صواب فمن الله فهو سبحانه وتعالى أعلى وأعلم، وما فيه من خطأ فمني وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين فإنه هو الغفور وهو الرحيم وهو القاهر فوق عباده.
<!--
ساحة النقاش