إن كنت راعي فأنت مربي
وإن كنت مربي فلبي نداء ربي
مدرسة يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا
النداء الأول
أول درس من الرحمن في كتالوج صيانة الإنسان:
ينادي الله العزيز الحميد على شباب عصرنا هذا الذي جرفته تيارات الهوى والتفت حوله مغريات الحياة، وأصبح غريبا وسط أهله وبلده، ولم يجد أمامه إلا الهروب إلى عالم الشاشة الكبيرة أو الصغيرة، تاركا وراء ظهره أشياء كثيرة لم يعد يعرف مدى نفعها من ضررها.
على هؤلاء جميعا ينادي ربهم الذي خلقهم ليُنقذهم ويرحمهم ويهديهم ثم يعطيهم ما يُثبتهم به على دينهم الذي ارتضى لهم، ليصبحوا مؤهلين لمواجهة تحديات الحياة بتفوق وتميز تعجز أمامه كل قوى الفساد في العالم.
<< يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ِ >>
[ سورة البقرة آية رقم 104 ]
حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
<< إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ>>
قال الله تبارك وتعالى:
<< أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ(26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ >> [ سورة إبراهيم]
ربما عرفنا الآن من الآيات خطورة الكلمة وأهميتها، لذلك علينا أن نُكثر من سبحان الله وبحمده سبحان الله العلي العظيم فإن الحسنات يُذهبن السيئات.
<< مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ >>
[ سورة فاطر آية رقم 10 ]
هناك حكمة تقول : ما تسمعه الأذن يحكيه اللسان .. ذلك أن عقلنا يقوم بفبركة الكلام حسب ما يسمع وتجري به العادة بين الناس، فنحن نتكلم بصورة تلقائية حسب ما يجهزه لنا عقلنا من ردود الفعل سلبا وإيجابا.. لذلك نبهنا ربنا إلى شيء في غاية الأهمية فقال سبحانه وتعالى ليلفت نظرنا:
<< وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ >>
[ سورة فصلت آية رقم 33 ]
وكأن القول الحسن والعمل الصالح أحسن وسيلة للدعوة إلى الله وأقرب طريق لكسب قلوب الناس ومحبتهم، ولكن هذا يحتاج لقليل من الصبر وتدريب اللسان.
<< وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا >>.
( 53 الإسراء)
وهذه نقطة أخرى في منتهى الأهمية وهي أن الشيطان يحاول دائما بث العداوة والبغضاء بيننا، والفطن هو الذي يُدرك أن الذي أساء إليه وقع فريسة في شبكة الشيطان، فالعفو عنه يوفر علينا مشقة العداوة والبغضاء، فتتآلف القلوب ولا تتنافر.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
<< لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه، ولا يستقيم لسانه ولا يدخل الجنة حتى يأمن جاره بوائقه >>
رواه أنس ابن مالك.
<< إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ >>
[ الأحقاف 13 ]
الآن لدينا فترة تدريب كافية نتدرب فيها على ضبط اللسان وقول الحلو من الكلام حتى نستقبل رمضان إن شاء الله وقد تعودنا الصيام عن سيء الكلام، ومن ثم لا خوف من المرض ولا من كورونا ولا من أي شيء إذا استقمنا على أمر الله فهو سبحانه يتولى الصالحين.
الآن لدينا بعض مواقف من القرآن الكريم نتعلم منها كيف نتصرف التصرف اللائق مع كل فئات المجتمع:
<< وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَن تَقُولُوا قَوْلًا مَّعْرُوفًا ۚ >>
وهذه للشباب (( أحفظ الله يحفظك )).. (( أفعل ما شئت فكما تُدين تُدان )).
<< وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا >> ( النساء 9 ).
وثيقة تأمين على الأولاد صبيانا وبنات، فالقول السديد هو القول الثابت ظاهره مثل باطنه ويدل على حُسن نية قائله وحُسن سريرته، ولا يدع مجالا للشك أو الريبة.
<< وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا >> [الفرقان 63]
<< وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًاۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا >>
[ الإسراء 23 ]
<< وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلًا مَّيْسُورًا >>
[ الإسراء 28 ]
<< فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ >> [ طه 44 ]
ليونة الكلام من معطيات السلام .. وأحسن ما يمكن أن يتعود عليه اللسان.
<< يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ ۚ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا >> [ الأحزاب 32 ]
وهذه لكل نساء المسلمين .. أن لا يخضعن في القول خاصة في هذا الزمان ومن تفعل ذلك ستنزلق حتما إلى ما لا يُحمد عقباه.
<< يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا >> [س الأحزاب ]
مكافأة عظيمة من الله .. فلا توجد قوة على وجه الأرض تستطيع أن تُصلح لنا أعمالنا في الماضي، فقط المولى عز وجل هو ولي ذلك والقادر عليه، فالقول السديد فيه صلاح للأحوال والأولاد.
وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه فنحن جميعا في حاجة إلى تلبية نداء ربنا لأن فيه كتالوج صيانة الإنسان وحصن آمان من الغفلة والنسيان.
<!--النداء الأول في أدب اللسان.
<!--والنداء الثاني فيه أكبر عطاء من الرحمن جمع فيه الله بين الصبر والصلاة.
<!--والنداء الثالث في أدب الطعام ( كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله ).
<!--والنداء الرابع في قانون القصاص ( كُتب عليكم القصاص ).
<!--والنداء الخامس في الحكمة من الصيام ( لعلكم تتقون ).
وهكذا نرى أن الله تبارك وتعالى يجهزنا ويدربنا لاستقبال رمضان وقد قمنا بتطبيق نداءاته الخمسة. فلا تجعلها تقف عندك فهي صدقة جارية لك بإذن الله. ( أطبع منها وانشر وأجرك على الله ). فإن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم.
ساحة النقاش