وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. إن شاء الله تكونوا بخير جميعا .. بالنسبة للصبر الذي أخذ مني أكثر من نصف عمري ,, سمعت مثل شعبي مصري من الدكتور هدايا يقول:
(( إن صبرتم أجرتم وأمر الله نافذ.. وإن ما صبرتم كفرتم وأمر الله نافذ))
قبل أن يأمرنا الله تبارك وتعالى بالصبر جعله عطاء خفيا في داخل كل إنسان .. فبنظرة فاحصة في أحوال البشر نجد أن الإنسان يتعامل مع الصبر بطريقة عجيبة .. بفطرته .. الأم تصبر على ابنها والتلميذ يصبر على التدريس .. والتاجر يصبر وهو يبيع وهو يشتري وهو يخزن البضاعة وهو يراقب عماله وكذلك المدرس ..
بنظرة سريعة نجد أن الصبر طبيعة بشرية .. ولكن عندما يصيبنا ما نكره فإن الصبر يهرب والنفس تجزع وتبدأ الوسوسة.. طيب عارفين ده كله ليه؟؟ عارفين لماذا يحدث لنا هذا ؟؟ عارفين ليه بنلاقي الصبر مر ؟
الإجابة بمنتهى الوضوح نجدها في الآيات التالية:
(كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ )
لأننا ورثنا العلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم نفكر لحظة أنه منا وفينا ويتلو آيات الله ويزكينا ويعلمنا ... وأصبحنا نصلي عليه صلاة عابرة سطحية بغير مشاعر ..ولم نشكر الله على أنه بعثه منا وفينا .. بل لم نشعر بوجوده معنا هذا الوجود المعنوي مثل الهواء والروح نشعر بهما ولا نراهما... لذلك أعطانا الله الأمر بالتالي:
(( (152) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) )
كان الصحابة الكرام رضي الله عنهم مثل يحتذى في الصبر وجهاد النفس والشجاعة والصدق والشهامة والرجولة، ولكن يبدو أن بعضهم تأثر بفقدان عزيز لديه بموته .. فأنزل الله تبارك وتعالى يخاطب عقولهم وقلوبهم ويزيد من إيمانهم في الآية التالية :
(( وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (154)))
ومرت السنوات الطويلة وجئننا نحن أهل هذا العصر واعتبرنا الآية لهم وليست لنا .. ونسينا أن من يموت مؤمنا فهو في رحاب الله .. في عالم ليس فيه إبليس ولا شياطين الإنس والجن والكذب والغش والإستخراب.. فأصبحنا نحزن على من مات وهو في الحقيقة حي يرزق عند ربه..
ولكن من رحمة الله أن جعل باب الصبر مفتوحا على مصراعيه حتى نعوض ما فاتنا فقال عز من قال:
(( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ))
يبتلينا لأننا لم نحصل على معية الله عندما أمرنا بالإستعانة بالصبر والصلاة فلا نحن صبرنا ولا نحن صلينا كما يجب أن نصلي.. ورحنا نخاف من كل شيء نخاف من الفقر والمرض والجيران والحاكم والظلام .. ورفضنا أن نجوع تطوعا لله بالصيام فجعنا كثيرا رغم أننا لا ندع الأكل والشرب ليل نهار.
إن الله يبتلينا ليردنا إليه، لنشعر بصدق أننا له .. هو الذي خلقنا .. هو ولينا .. هو الذي يرزقنا .. هو الذي يطعمنا ويسقينا .. هو الذي يخرجنا من الظلمات إلى النور.. ثم بعد ذلك سنعود إليه حتما في يوم ما ولحظة ما ربما أقل من الثانية.
وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ))
صلوات من الله ورحمة .. لن تستطيع الإنس والجن مجتمعين أن يتصورا صلوات الله على الصابرين الذين بشرهم الله.. فنحن ممكن أن نتخيل رحمة الله من خلال ما عرفنا منها، فلا يوجد مخلوق في الأرض ولا في السماء إلا وذاق رحمة ربه.. أما صلواته جل جلاله وعظم شأنه فهي فوق كل تصور..
وهكذا نستطيع أن نُهنئ كل من صبر وتصبر واحتسب.
<!--
<!--
ساحة النقاش