الحديث الأول: عن زيد بن ثابت الأنصاري -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه سلم: "يا طوبَى للشام، يا طوبَى للشام، يا طوبَى للشام1, قالوا: يا رسول الله! وبِمَ ذلك؟ قال: تلك ملائكة الله باسطو أجنحتها على الشام". قلت: هو حديث صحيح, أخرجه الترمذي "2/ 331, طبع بولاق"، وقال: "حديث حسن", وزاد في بعض النسخ: "صحيح". والفسوي في "التاريخ" "2/ 301"، وابن حبان في "صحيحه" "2311, موارد الظمآن"، والحاكم في "المستدرك" "2/ 229"، وأحمد في "المسند" "5/ 184"، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" "1/ 112-115", وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين", ووافقه الذهبيّ، وهو كما قالَا, وقال المنذري في "الترغيب" "4/ 63": رواه ابن حبان في "صحيحه"، والطبراني بإسناد صحيح. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 في أكثر الروايات: "طوبى لأهل الشام". ص -10- الحديث الثاني: عن عبد الله بن حوالة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "ستنجدون أجنادًا، جُنْدًا بالشام، وجُنْدًا بالعراق، وجندًا باليَمَنِ", قال عبد الله: فقمت، قلت: خِرْ لي يا رسول الله! فقال: "وعليكم بالشام، فمن أبى فليلحق بيمنه، وليستق من غُدُرِه، فإن الله -عز وجل- قد تكفَّل لي بالشام وأهله". قال ربيعة: فسمعت أبا إدريس يحدث بهذا الحديث، يقول: ومن تكفَّل الله به فلا ضيعة عليه. قلت: حديث صحيح جدًّا؛ فإن له أربعة طرق: الأولى: طريق المُصنف، وهي من طريق مكحول, عن ابن حوالة, على خلافٍ عليه فيه. أخرجه الحاكم "4/ 510"، وأحمد "5/ 33"، وابن عساكر "1/ 47-56", وقال الحاكم: ص -11- "صحيح الإسناد"، ووافقه الذهبي. والطريق الثاني: أخرجه أبو داود "1/ 388"، وأحمد "4/ 110" من طريق أبي قتيلة, عن ابن حوالة. وإسناده صحيح. والثالث: أخرجه أحمد أيضًا "5/ 288" من طريق سليمان بن شمير عنه. والرابع: أخرجه الطحاوي في "مُشْكَل الآثار" "2/ 35", عن جبير بن نفير عنه. وله طريق خامس رواه المُصنّف، وسيأتي الكلام عليه في الحديث التاسع. وله شواهد من حديث أبي الدرداء وغيره. ص -12- الحديث الثالث: عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إني رأيت عمودَ الكتاب انْتُزِعَ من تحت وسادتي، فنظرتُ فإذا هو نورٌ ساطعٌ عُمِدَ به إلى الشام، ألا إنّ الإيمان -إذا وقعت الفتن- بالشام". حديث صحيح, أخرجه الفسوي "2/ 290-291 و300 و311 و523"، والحاكم "4/ 509"، وأبو نعيم في "الحلية" "5/ 252"، وابن عساكر "1/ 92-98"، وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين, ووافقه الذهبي. وقد وَهِمَا في قولهما: "إنه على شرطهما، وإنما هو صحيح فقط؛ لأن في السند يونس بن ميسرة بن حلبس، ولم يخرِّج له الشييخان شيئًا، وهو ثقة. والحديث أورده الهيثمي في "المجمع" "10/ 58"، وقال: "رواه الطبراني" في "الكبير" و"الأوسط" بإسنادين، ص -13- وفي أحدهما ابن لهيعة، وهو حسن الحديث، وقد توبع على هذا، وبقية رجاله رجال الصحيح. وله عند ابن عساكر طريق أخرى، وحسنه. وله شواهد من حديث عمرو بن العاص وأبي الدرداء. رواهما أحمد "4/ 198 و5/ 198 و199"، وإسناده الثاني صحيح. ومن حديث عبد الله بن عمر, وعبد الله بن حوالة عند المُصنِّف, وسيأتي الكلام عليهما، فانظر الحديث التاسع والعاشر. ص -14- الحديث الرابع: عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "الشام أرض المحشر والمنشر". قلت: حديث صحيح, تفرَّدَ المُصنِّفُ بإخراجه من هذا الوجه, وهو ضعيف الإسناد جدًّا. لكن أخرجه الإمام أحمد "6/ 257"، ومن طريقه ابن عساكر "1/ 164", من وجهٍ آخر في حديثٍ لأبي ذر موقوفًا عليه، وفيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أقره على ذلك، ولم ينكره عليه، فهو في حكم المرفوع، بَيْدَ أن إسناده ضعيف. لكن له طريق أخرى في حديث آخر لأبي ذر، أخرجه ابن عساكر "1/ 163-164"، وقد صححه الحاكم "4/ 509" على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، وهو في "صحيح الترغيب" "رقم 1162". وله شاهد أخرجه أحمد "6/ 436"، وابن ماجه "1/ 429 و430", من حديث ميمونة بنت سعد مولاة النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: يا نبي الله! أَفْتِنَا في بيت المقدس؟ فقال: "أرض المحشر والمنشر..." الحديث. ص -15- وإسناده صحيح، كما قال الحافظ أحمد بن أبي بكر البوصيري في "زوائده"، وقوَّاه النووي في "المجموع"، وقد تكلمنا عليه مفصلًا في كتابنا "الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب" في "المساجد". تم تبيَّنَ لي أنه معلول، ولذلك نقلته من "صحيح أبي داود" إلى "ضعيفه" "68". وبالجملة؛ فالحديث بشاهده وطريقه الأخرى صحيح قويّ؛ لذلك نرى أن الأستاذ/ صلاح الدين المُنجد, قد أخطأ حين أورد الحديث في الأحاديث الموضوعة التي نَبَّه عليها في مقدمة الكتاب "ص10"1, وليس يسوغ له ذلك قوله في خاتمتها: "ونحن في ترجيحنا أن هذه الأحاديث موضوعة, قد اعتمدنا على النقد الداخلي، أعني: نقد المتن في الحديث, ولو صحَّ سنده"؛ لأنه: أولًا: ليس لهذا النقد الداخلي قواعد محررة، وضوابط مقررة, يمكن الاعتماد عليها، والرجوع ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 كتاب "فضائل الشام ودمشق". ص -16- الاختلاف إليها، خلافًا للنقد الخارجي، أي: نقد السند، فقد وضع له علماؤنا -رحمهم الله- من القواعد والضوابط ما لا يمكن الزيادة عليه، كما تَجِدُ ذلك مفصلًا في كتب مصطلح علم الحديث، ومن أجمعها "قواعد التحديث" للشيخ جمال الدين القاسمي -رحمه الله. وثانيًا: أن الأستاذ لم يبيّن وجه كون الحديث موضوعًا متنًا حتى يمكن النظر في ذلك، ومجال الكلام في هذا البحث الخطير لا يتسع له هذا الملحق. ص -17- الحديث الخامس: عن معاوية بن قُرَّةَ, عن أبيه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إذا هلك [أهلُ] الشام فلا خيرَ في أُمتي، ولا تزالُ طائفة من أُمتي على الحق يقاتلون الدجال". قلت: هو بهذا اللفظ ضعيف؛ تفرَّدَ به المُصنِّفُ، وفي إسناده عمران بن إسحاق أبو هارون، قال الذهبي في "الميزان": "لا يُدْرَى من هو". قُلت: ومن طريقه, أخرجه ابن عساكر "1/ 254"، وأشار إلى جهالته. والصحيح في لفظه ما أخرجه الطيالسي في "مُسنده" "ص145 رقم 1076", عن شعبة, عن معاوية به مرفوعًا: "إذا فسدَ أهلُ الشامِ فلا خيرَ فيكم، لا تزالُ طائفةٌ من أُمتي منصورين، لا يضرُّهم من خَذَلَهم حتى تقومَ الساعةُ". وإسناده صحيح. ص -18- ومن طريقه, أخرجه الترمذي "2/ 30"، وقال: "حديث حسن صحيح". وأخرجه أحمد "3/ 436 و5/ 35"، وروى ابن ماجه "1/ 6-7" الشطر الثاني، وابن حبان في "صحيحه" "2313- موارد"، وأبو نعيم "7/ 230-231"، والخطيب "8/ 417 و418 و10/ 182" الشطر الأول، والفسوي "2/ 295"، وابن عساكر "1/ 292-294"، وقال: "وتَفَرَّدَ به شعبة". قلت: وهو ثقة حجة إمام. وللشطر الثاني منه شواهد كثيرة في "الصحيحين" وغيرهما عن جَمْعٍ من الصحابة، يأتي تسميتهم قريبًا. ص -19- الحديث السادس: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم:$ "لن تَبْرَحَ هذه الأمةُ منصورين أينما توجهوا، لا يضرُّهم من خَذَلَهم من الناس حتى يأتي أمر الله، أكثرهم أهلُ الشام". حديث صحيح دون قوله: "وأكثرهم أهل الشام"؛ فإن هذه الزيادة منكرة عندي، تَفَرَّدَ بها المصنف بهذا الإسناد، ورواه ابن عساكر أيضًا "1/ 244-245"، وفيه جبير بن عبيدة الحمصي، وهو راويه عن أبي هريرة, قال الذهبي في ترجمته: "لا يُدرى من ذا". ولا يغتر بتوثيق ابن حبان إياه، فإن من عادته في كتابه "الثقات", توثيق المجهولين عند الأئمة الأثبات، كما نبَّه على ذلك الحافظ في مقدمة "اللسان"، وابن عبد الهادي في "الصارم المنكيّ"، ثم بيَّنا ذلك في ردِّنَا على الشيخ الحبشيّ "ص19-21", ثم في الطبعة الجديدة بـ "تمام المنة" "ص 20-25", لكن ليس ذلك على إطلاقه كما يظنُّ كثيرٌ من ص -20- الباحثين، بل فيه تفصيل ذكرته في "تمام المنة" "ص 204-207"، طبعة المكتبة الإسلامية. وقد روى هذا الحديث عن أبي هريرة عمير بن الأسود، وكثير بن مرة الحضرميّ, عند ابن ماجه "1/ 7"، وأبو صالح عند أحمد "2/ 321 و340 و379"، وليس في حديثهم تلك الزيادة. وكذلك صحَّ الحديث عن عمر بن الخطاب، وثوبان، وعمران، وجابر بن سمرة، والمغيرة بن شعبة، وعقبة بن عامر، وجابر بن عبد الله، ومعاوية، وغيرهم، وقد ساق بعضها ابن عساكر "1/ 249-257"، وأحاديثهم مُخَرَّجَةٌ عندي1، وبعضها في "الصحيحين"، لكن في حديث معاوية عندهما عن معاذ بن جبل أنه قال: "وهم بالشام". ويشهد له ما رواه مُسلم وغيره من حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعًا: ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 انظر تخريجها في كتابي "سلسلة الأحاديث الصحيحة" "برقم 270 و1956". ص -21- "لا يزال أهلُ الغربِ ظاهرين على الحقِّ حتى تقوم الساعةُ" على اعتبار أن أهل الغرب هم أهل الشام، كما قال الإمام أحمد، وأيَّدَه شيخ الإسلام ابن تيمية في "فضل الشام وأهله"1 من وجهين: الأول: ورود ذلك صراحةً في بعض الأحاديث. الثاني: أن لغته -صلى الله عليه وسلم- وأهل مدينته في أهل الغرب؛ أنهم أهل الشام, فراجعه فإنه مهم، ومفيد جدًّا، ولعل من نفى ذلك من المعاصرين، وذهب إلى أن المُراد بذلك "المغاربة" الذين يسكنون شمال غرب "أفريقية"؛ لم يقف على لغته -صلى الله عليه وسلم- المذكورة. وقد روي الحديث عن أبي هريرة من وجهين آخرين بزيادة أخرى قريبة من هذه في المعنى، ولا تصحُّ أيضًا، كما سيأتي في الحديث السابع والعشرين، والتاسع والعشرين. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 انظر رسالته الملحقة بـ "منادمة الأطلال" "ص 427". ص -22- الحديث السابع: عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "أهْلُ الشام وأزواجهم وذريَّاتُهم وعبيدُهم وإماؤُهم إلى منتهى الجزيرة مرابطون1 في سبيل الله، فمن احتل منها مدينة من المدائن فهو في رباط، ومن احتلّ منها ثغرًا من الثغور فهو في جهادٍ". قلت: حديث ضعيف؛ لأن راويه عن أبي الدرداء لم يُسَمَّ، فهو مجهول، ومن طريقه رواه الطبراني كما في "المجمع" "10/ 60"، وابن عساكر "1/ 169"، وقال: "وقد روي بإسناد آخر أمثل من هذا؛ إلّا أنه غريب". قلت: ثم ساقه بنحوه، وفيه شهر بن حوشب، وهو ضعيف. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 في الأصل: "مُرابطين"، وما ذكرناه من "مجمع الزوائد"، وهو الذي يوافق اللغة. ص -23- الحديث الثامن: عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: صلَّى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الفجر، ثم أقبل على القوم، فقال: "اللهم بارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في مُدِّنَا وصاعِنَا، اللهم بارك لنا في حَرَمِنَا، وبارك لنا في شَامِنَا". فقال رجل: وفي العراق؟ فسكت, ثم أعاد, قال الرجل: وفي عراقنا, فسكت، ثم قال: "اللهم بارك لنا في مدينتا، وبارك لنا في مُدِّنَا وصاعِنَا، اللهم بارك لنا في شامِنَا، اللهم اجعل مع البركة بركةً، والذي نفسي بيده, ما من المدينة شِعْبٌ ولا نَقْبٌ, إلا وعليه ملكان يحرسانها تقدموا عليها..." وذكر الحديث1. قلت: حديث صحيح, وإن كنت لم أقف عليه بهذا ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 زاد ابن عساكر: "قال رجل: والعراق يا رسول الله؟ قال: من ثَمَّ يطلع قرن الشيطان، وتهيج الفتن". ص -24- التمام فيما عندي من كتب السنة، وإنما وقفت عليه مفرَّقًا من حديث ابن عمر دون قوله في آخره: "اللهم اجعل مع البركة بركة..."، فإنما هو من حديث أبي سعيد الخدري في حديثٍ له أخرجه مسلم "4/ 117"، لكنه قال: "... البركة بركتين". وأما حديث ابن عمر فأخرجه أبو نعيم "6/ 133"، وابن عساكر إلى قوله: "وفي العراق"، وزاد: فأعرض عنه، فقال: "فيها الزلازل والفتن، وبها يطلع قرن الشيطان". وإسناده صحيح. ورواه الطبراني في "الكبير" "3/ 201/ 1" من طريق أخرى عن ابن عمر، وسنده صحيح. وقد أورده في "المجمع" "3/ 305"، وقال: "رواه الطبراني في "الأوسط"، ورجاله ثقات". وأخرجه أحمد "2/ 143" مختصرًا عنه بلفظ: "قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يشير ص -25- بيده يؤم العراق: ها إن الفتنة ههنا -ثلاث مرات- من حيث يطلعُ قرن الشيطان". وإسناده صحيح على شرط مُسلم، وقد أخرج في "صحيحه" "8/ 181" نحوه. وفي رواية له من وجه آخر, عن سالم بن عبد الله قال: "يا أهل العراق! ما أسألكم عن الصغيرة وأركبكم للكبيرة؟!" سمعت أبي عبد الله بن عمر يقول: فذكره. وأخرجه البخاري ومسلم أيضًا من وجه آخر عن سالم به مرفوعًا. وأخرج البخاري "13/ 38, بشرح العسقلاني"، وأحمد "2/ 118"، وابن عساكر من طريق نافع عن ابن عمر مرفوعًا: "اللهم بارك لنا في شَامِنَا، اللهم بارك لنا في يَمَنِنَا, قالوا: وفي نَجْدِنَا, قال: هناك الزلازل..." الحديث. وأخرجه الترمذي وصححه، وعزَّاه المنذري في "الترغيب" "4/ 61" للترمذي وحده، فوهم. ص -26- وله عند أحمد "2/ 126" طريق أخرى عن ابن عمر. ولحديثه الأول عند أبي نعيم شاهد من حديث ابن عباس, ساق لفظه الهيثمي، وقال: "رواه الطبراني في "الكبير" "12/ 84/ 12552"، ورجاله ثقات. وروى بعضه الخطيب في "تاريخه" "1/ 24 و25"، ومن طريقه ابن عساكر من حديث معاذ بن جبل. فيُسْتَفَادُ من مجموع طرق الحديث أن المراد من "نجد" في رواية البخاري, ليس هو الإقليم المعروف اليوم بهذا الاسم، وإنما العراق، وبذلك فسَّره الإمام الخطَّابِيّ والحافظ بن حجر العسقلاني، وتجد كلامهما في ذلك في "شرح كتاب الفتن" من "صحيح البخاري" للحافظ. وقد تحقق ما أنبأ به -عليه السلام، فإن كثيرًا من الفتن الكبرى كان مصدرها العراق، كالقتال بين سيدنا علي ومعاوية، وبين علي والخوارج، وبين علي وعائشة، وغيرها مما هو مذكور في كتب التاريخ؛ فالحديث من معجزاته -صلى الله عليه وسلم- وأعلام نبوته. ومن ذلك تعلم أن الأستاذ/ صلاح الدين المُنجد, أخطأ في حشر هذا الحديث في الأحاديث الموضوعة في المقدمة, والله المُستعان. ص -27- الحديث التاسع: عن عبد الله بن حوالة أنه قال: يا رسول الله! اكتب لي بلدًا أكون فيه، فلو أعلم أنك تبقى لم أختر على قربك. قال: "عليك بالشام "ثلاثًا". فلما رأي النبي -صلى الله عليه وسلم- كراهيته للشام فقال: "هل تدرون ما يقول الله -عز وجل؟ يقول: يا شامُ يا شامُ! يدي عليم يا شامُ, أنت صفوتي من بلادي، أُدخِلُ فيكِ خيرتي من عبادي، أنت سيفُ نقمتي، وسوطُ عذابي، أنت الأندرُ، وإليك المحشرُ. ورأيت ليلة أسرى بي عمودًا أبيض كأنه لؤلؤٌ تحملُه الملائكةُ, قلتُ: ما تحملون؟ قالوا: نحملُ عمودَ الإسلامِ، أُمرنا أن نضعَه بالشامِ. ص -28- وبينا أنا نائم رأيت كتابًا اخْتُلِسَ من تحت وسادتي، فظننت أن الله تخلَّى من أهل الأرض، فأتبعت بصري، فإذا هو نور ساطع بين يدي، حتى وُضِعَ بالشام، فمن أبى أن يلحق بالشام، فليلحق بيمنه، وليستق من غُدُرِهِ، فإن الله قد تكفَّل لي بالشام وأهله". قلت: حديث صحيح دون قوله: "يا شام يا شام! يدي عليك يا شام!"، وقوله "أنت سيف نقمتي، وسوط عذابي، أنت الأندر"، فإن هذا القدر مما لم أقف عليه في غير هذا الحديث. وفي إسناده أبو عليّ خفيف بن عبد الله الغازي. وقد ذكره ابن عساكر في "تاريخه"، ولم يذكر فيه تعديلًا؛ فهو علة الحديث, وساق له هذا الحديث وحده من طريق المُصنف. ثم وجدت لخفيف هذا متابعين كما يأتي، فبرئت عهدته منه، وإنما علته صالح بن رستم أبو عبد السلام، وهو مولى بني هاشم في رواية المؤلف، وهو مجهول، وهو غير أبي عبد السلام الذي روى عن ثوبان على الصحيح؛ كما ص -29- قال الحافظ في "التقريب". وقد أورده الهيثميّ مفرقًا في موضعين "10/ 58 و58-59"، وقال: "رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح، غير صالح بن رستم، وهو ثقة". فهذا من أوهامه؛ لأن ابن رستم هذا مجهول؛ كما عرفت آنفًا. وروى ابن عساكر "1/ 101-102" منه قوله: "رأيت ليلة أسرى بي..."، إلى قوله: "حتى وُضِعَ بالشام", وزاد: "فقال ابن حوالة: يا رسول الله! خِرْ لي, فقال: عليك بالشام". وهي عند الطبراني. وعنه رواها ابن عساكر، قال: ثنا أحمد بن المعلَّى الدمشقيّ, عن هشام بن عمار, شيخ خفيف بن عبد الله، وأحمد هذا ثقة. ثم رواه ابن عساكر "1/ 62" من طريق الطبراني أيضًا: نا أحمد بن المعلّى, وأحمد بن أنس بن مالك: نا ص -30- هشام بن عمار بسنده المذكور عند المؤلف إلى ابن حوالة.. الحديث بتمامه. وأما سائر الحديث فصحيح؛ لورود بعضه من طرق أربعة، وقد سبق ذكرها في الحديث الثاني. وقوله: "وإليك المحشر" معناه في الحديث الرابع. وقد رُوِيَ من حديث أبي أمامة عند الحاكم :4/ 509"، وصححه، وخُولِفَ، والطبراني، ومن حديث العرباض بن سارية, رواه الطبراني، ورواته ثقات؛ كما قال المنذري "4/ 62", والهيثمي "10/ 59", ومن حديث ابن حوالة نفسه بلفظ: "... عليك بالشام، فإنه خيرة الله من أرضه، يجتبي إليها خيرته من عباده". رواه أبو داود وأحمد بسندٍ صحيح؛ كما تقدَّم في تخريج الحديث الثاني. ومن ذلك تعلم أن الحكم على الحديث بالوضع -كما فعل الشيخ الغماري في "المغير" "ص61-62" لمجرد الضعف الماشر إليه في حديث أبي أمامة, لا يخفى بعده عن القواعد الحديثية، فإن مجيء الحديث من عدة طرق -ولو ضعيفة- يخرجه عن الوضع، فكيف وبعضها صحيح؟! ص -31- الحديث العاشر: عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال لنا النبي -صلى الله عليه وسلم- يومًا: "إني رأيتُ الملائكة في المنامِ أخذوا عمود الكتاب، فعمدوا به إلى الشام، فإذا وقعت الفتنُ فإن الإيمان بالشام". قلت: حديث صحيح، فإنه بمعنى حديث عبد الله بن عمر المتقدِّم وغيره. والحديث رواه ابن عساكر من طريق المُصنِّف، ودلَّت روايته على أنه قد سقط من إسناد الكتاب ثلاثة أشخاص: ريحان بن سعيد, نا عباد بن منصور عن أيوب، وذلك بين يحيى بن محمد بن السكن, وأبي قلابة. ثم رواه ابن عساكر من طريق أخرى عن ريحان بن سعيد به، ثم قال: "بشير هو ابن كعب". ورُوِيَ من وجهٍ آخر عن أيوب, عن أبي قلابة, عن عبد الله بن عمرو, من غير ذكر بشير، ثم ساقه من طريق معمر عن أيوب به. ص -32- الحديث الحادي عشر: عن سالم بن عبد الله عن أبيه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "ستخرج نار في آخر الزمان من حَضْرَمَوْت تحشرُ الناس، قلنا: فماذا تأمرنا يا رسول الله؟ قال: عليكم بالشام". حديث صحيح، أخرجه أحمد "2/ 8 و53 و69 و99 و119", والترمذي في الفتن وصححه، وابن حبان في "صحيحه" 2312. وإسناده عند أحمد صحيح على شرط الشيخين، وفيه التصريح بتحديث يحيى بن أبي كثير, وأبي قلابة الجرمي. وكذلك رواه ابن عساكر "1/ 75 و76 و77", والفسوي "2/ 303". ص -33- الحديث الثاني عشر: عن ابن عباس -رضي الله عنهما- يرفعه، قال: قال رسول لله -صلى الله عليه وسلم: " مكة أية الشرف، والمدينة معدنُ الدين، والكوفة فسطاطُ الإسلام، والبصرة فخر العابدين، والشام معدن الأبرار، ومصر عشُّ إبليس وكهفه ومستقره، والسِّنْدُ مرادُ إبليس، والزنى في الزنج، والصدق في النوبة، والبحرين منزل مبارك، والجزيرة معدن الفتك، وأهل اليمن أفئدتهم رقيقة، ولا يعدوهم الرزق، والأئمة من قريش، وسادة الناس بنو هاشم". قلت: حديث منكر، تفرَّدَ بروايته المصنِّفُ عن شيخه أبي الحسن علي بن القاسم الطرسوسي، وقد ترجمه الخطيب في "تاريخه" "7/ 377"، وكذا ابن عساكر، ولم يذكرا فيه توثيقًا، فهو مجهول الحال، وكذا شيخه أبو علي الحسن بن عبد الله بن محمد الأزهري، فإني لم أجد له ترجمة. وأخرجه ابن عساكر "1/ 282" من طريق المؤلف. ص -34- لكن بعض الجمل منه صحيح، فقوله: "وأهلُ اليمن أفئدتهم رقيقة". معناه في الصحيحين" وغيرهما من حديث أبي هريرة مرفوعًا: "أتاكم أهل اليمن؛ هم ألينُ قلوبًا، وأرقُّ أفئدةً ..." الحديث. وهو مخرَّجٌ في "الروض النضير" "1034". وقوله: "الأئمة من قريش" صحيح أيضًا، جاء بهذا اللفظ من حديث أنس بن مالك عند أبي داود الطيالسي في "مسنده" "رقم 2123"، وغيره بإسناد صحيح على شرط البخاري. وله طريقان آخران عنه في "مسند أحمد" و"المستدرك"، وصحح الحاكم أحدهما، ووافقه الذهبي. وجاء أيضًا من حديث أبي برزة الأسلميّ عند الطيالسي أيضًا "رقم 928" وغيره، وسنده حسن. ومن حديث علي بن أبي طالب, عند الطبراني في "المعجم الصغير" "ص85"، والحاكم "4/ 75، 76"، وله. ص -35- شواهد أخرى كثيرة جدًّا؛ فقد قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: "وقد جمعت طرقه في جزءٍ ضخم عن نحو أربعين صحابيًّا". وذكر في بعض مؤلفاته -ولعله "شرح النخبة" أنه حديث متواتر، وهو حريٌّ بذلك. وفيه رَدٌّ من لا يشترط القرشية في الخليفة من الشعوبيين وبعض الأحزاب الإسلامية. ص -36- الحديث الثالث عشر: عن بهز بن حيكم بن معاوية القشيري, عن أبيه, عن جده قال: "قلت: يا رسول الله! أين تأمرني؟ فقال: ها هنا، وأومأ بيده نحو الشامِ، قال: إنكم محشورون رجالًا وركبانًا، ومُجْرَون على وجوهِكم". حديث صحيح, وأخرجه أحمد "5/ 3 و5"، والترمذي في "الفتن"، وفي "الزهد", والحاكم "4/ 564"، وابن عساكر "1/ 82- 86" من طرق عن بهز. وقال الحاكم: "صحيح الإسناد"، ووافقه الذهبي. ص -37- الحديث الرابع عشر: عن أبي أمامة, عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه تلا هذه الآية؛ قوله -عَزَّ وَجَلَّ: {وَآَوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ}1، ثم قال: "هل تدرون أين هي؟ قالوا: الله ورسوله أعلمُ, قال: هي بالشام، بأرض يقال لها: "الغوطةُ"، مدينة يُقالُ لها: "دمشقُ"؛ هي خيرُ مدن الشامِ". قلت:حديث ضعيف جدًّا، بل هو موضوع؛ لأنه من رواية مسلمة بن عليّ، وقد قال الحاكم فيه: "روى عن الأوزاعي والزبيد المناكير والموضوعات". والحديث عزاه السيوطي في "الدر المنثور" "5/ 8" لابن عساكر، وقال: "سنده ضعيف". قلت: وفيه تساهل لا يخفى على اللبيب؛ فإنه عند ابن عساكر "1/ 192" من طريق مسلمة أيضًا. لكن قد صحَّ من الحديث فضل دمشق من حديث أبي الدراداء، وهو الذي يليه. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 المؤمنون: الآية 50. ص -38- الحديث الخامس عشر: عن أبي الدرداء -رضي الله عنه: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم قال: "فُسطاطُ1 المسلمين يوم الملحمةِ بـ"الغوطة"، إلى جانب مدينةٍ يُقال لها: "دمشق"؛ من خيرِ مدائنِ الشامِ". وفي رواية ثانية قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم يقول: "يومُ الملحمةِ الكبرى؛ فُسطاطُ المسلمين بأرضٍ يقالُ لها:"الغوطة"، فيها مدينةٌ يقالُ لها "دمشق"؛ خير منازِل المسلمين يومئذٍ". حديث صحيح, أخرجه أبو داود "2/ 210"، والفسوي "2/ 290"، والحاكم "4/ 486"، وأحمد "5/ 197"، وقال الحاكم: "صحيح الإسناد", ووافقه الذهبي، وأقرَّه المنذريّ "4/ 63"، وهو كما قالوا. ورواه ابن عساكر "1/ 219-222"، وروى عن يحيى بن معين أنه ليس في حديث الشاميين أصحّ من هذا الحديث في ملاحم الروم. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 الفُسطاط بالضم والكسر، المدينة التي فيها مجتمع الناس، وكل مدينة. ص -39- الحديث السادس عشر: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "أربعُ مدائنَ في الدنيا من الجنةِ: مكةُ، والمدينةُ، وبيتُ المقدس، ودمشقُ، وأربعُ مدائن من مدائن النار في الدنيا، روميةُ، وقسطنطينيةُ, وصنعاءُ، وأنطاكيةُ". قلت: حديث موضوع، في إسناده الوليد بن محمد الموقري، قال ابن حبان وغيره: "روى عن الزهريّ أشياء موضوعه لم يروها الزهري قط". قلت: وهذا من روايته عن الزهري، وقد أورده ابن ص -40- الجوزي في "الموضوعات" "2/ 51"، فأصاب كما قال الشوكاني في "الفوائد المجموعة" "ص 158"، وقال ابن الجوزي: "لا أصل له، الوليد كذاب". قال السيوطي في "اللآلئ المصنوعة" "1/ 238": "قلت: قال ابن عدي: هذا منكر؛ لا يرويه عن الزهري غير الموقري". ثم ذكر أنه رُوِيَ عن غير الموقري، وأن ابن عساكر قال: "إنه غريب، والمحفوظ حديث الموقري". قلت: وفي إسناد هذا الوجه من لا يعرف، فمثله لا يزيد الحديث إلّا وهنًا على وهن، وهو عند ابن عساكر من الوجهين "1/ 209-210". ص -41- الحديث السابع عشر: عن الحسن بن يحيى الخُشَني أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ليلةَ أُسْرِيَ بي صُلِّيَ في موضع مسجد دمشق". قلت: حديث ضعيف معضل؛ لأن الخشني هذا ليس بصحابيّ، ولا تابعيّ، فإنه مات بعد التسعين والمائة، كما قال الحافظ في "التقريب"، ولذلك قال ابن عساكر في "تاريخه" بعد أن ساقه: "وهذا منقطع". وفيه علة أخرى، وهو أن الخشنيّ كثير الخطأ، وساق له الذهبي في "الميزان" أحاديث منكرات، قال ابن حبان في بعضها: "باطل موضوع". وأورده ابن الجوزيّ في "الموضوعات"، فلا يبعد أن يكون هذا منها, والله أعلم. "تنبيه": نص الحديث في ابن عساكر: "أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ليلة أُسْرِيَ به صُلِّيَ في موضع مسجد "دمشق". وهذا مغاير -كما ترى- لنص الكتاب, والظاهر أن فيه تحريفًا. ص -42- الحديث الثامن عشر: عن واثلة بن الأسقع -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "ستكون دمشقُ في آخر الزمان أكثرَ المدنِ أهلًا، وهي تكونُ لأهلها معقلًا، وأكثرَ أبدالًا، وأكثر مساجد، وأكثرَ زهّادًا، وأكثر مالًا، وأكثر رجالًا، وأقلَّ كفارًا، ألا وإن مصر أكثرُ المدن فراعنة, وأكثر كفورًا، وأكثرُ ظلمًا، وأكثرُ رياءً، وفجورًا، وسحرًا، وشرًّا، فإذا عمرت أكنافُها بعث الله عليهم الخليفة الزائد البينانِ، والأعور الشيطان، والأخرم الغضبانَ، فويلُ لأهلهِا من أتباعهِ وأشياعهِ، ثم قرأ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم: {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ}1، فإذا قُتِلَ ذلك ص -43- الخليفة بالعراقِ، خرجَ عليهم رجلُ مربوعُ القامة، أسودُ الشعر، كثُّ اللحية، برَّاقُ الثنايان, فويلٌ لأهلِ العراق من أشياعِه المراقِ، ثم يخرجُ المهديُّ منَّا أهل البيت، فيملأ الأرض عدلًا كما مُلِئَتْ جوراً..." وذكر باقي الحديث. قلت: حديث منكر، تفرد بروايته محمد بن إبراهيم، وهو محمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى أبوعبد الله الغساني، نُسِبَ في رواية المصنِّف إلى جده، ونُسِبَ إلى أبيه في رواية بن عساكر من طريق أخرى عنه، نقلها السيوطي في "الحاوي" "2/ 464"، وترجم له ابن عساكر، ولم يذكر له تعديلًا، فهو مجهول الحال، وسائر رواة الحديث ثقات غيره، فالحمل فيه عليه، ويظهر من أحاديثه التي يرويها عن الثقات أنه منكر الحديث، كهذا الحديث والحديث الآتي بعده. غير أن حديثه هذا فيه جملة صحيحة ثابتة عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم، وهي خروج المهديّ, والأحاديث في ذلك كثيرة جدًّا، وأشهرها حديث عبد الله بن مسعود مرفوعًا: ص -44- "لا تذهبُ الدنيا حتى يملكَ رجلٌ من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، يملأ الأرض عدلًا وقسطًا، كما مُلِئَت جَوْرًا وظلمًا". رواه أبو داود ط2/ 207"، والترمذي "2/ 27"، وأحمد "1/ 376و 377و 430و 448"، والطبراني في "الكبير" و"الصغير" "ص 245", من طريق زر بن حبيش عنه. وقال الترمذي: "حسن صحيح"، وصححه الذهبي في "التخليص" "4/ 442". ورواه ابن ماجه "2/ 517"، والحاكم "4/ 264", من طريق أخرى عن ابن مسعود نحوه، وإسناده حسن. ورواه أبو داود، وأحمد "2/ 773" من حديث علي، وإسناده صحيح. ورواه الترمذي، وابن ماجة، والحاكم "4/ 557"، وأحمد :3/ 17و 27و 36" من حديث أبي سعيد الخدري, وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين", ووافقه الذهبي، وهو ص -45- كما قالَا. وقد أخطأ ابن خلدون خطًأ واضحًا، حيث ضعَّفَ أحاديث المهديّ جُلّها، ولا غرابة في ذلك؛ فإن الحديث ليس من صناعته. والحق أن الأحاديث الواردة في المهدي فيها الصحيح والحسن, وفيها الضعيف والموضوع، وتمييز ذلك ليس سهلًا إلى على المتضلِّع في علم السنة ومصطلح الحديث، فلا تعبأ بكلام من يتكلم فيما لا علم له به. ص -46- الحديث التاسع عشر: سمعت علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم, وسأله رجل عن الأمارات1 بدمشق، فقال: "بها جبلُ يقالُ له: "قاسيون"، فيه قَتَلَ ابنُ آدمَ أخاه، وفي أسفِله من الغربِ ولدَ إبراهيمُ، وفيه آوى عيسى ابن مريم وأمه من اليهود، وما من عبدٍ أتى معقل روح الله فاغتسل وصلّى ودعا لم يرده الله خائبًا". فقال رجل: يا رسول الله! صفه لنا، قال: "هو بالغوطة، مدينة يقال لها: دمشق، وأزيدكُم أنه جبلُ كلَّمَه الله، وفيه وُلِدَ أبي إبراهيمُ، فمن أتى ذلك الموضع فلا يعجزُ في الدعاءِ". فقال رجل:يا رسول الله! أكان ليحيى بن زكريا معقلًا؟ قال: "نعم, احترسَ فيه يحيى بنُ زكريا من هدَّار، رجلُ من عادٍ، في الغارِ الذي تحتَ دمِ ابنِ آدمَ المقتول، وفيه ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 الأمارة: العلامة. ص -47- احترس إلياسُ النبي -عليه السلامُ- من مَلِكِ قومِه، وفيه صلَّى إبراهيمُ وموسى وعيسى وأيوبُ، فلا تعجزوا في الدعاء فيه، فإن الله -عزَّ وجلَّ- أنزلَ عليَّ: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}1". فقال رجل: يا رسولَ الله! ربُّ يسمعُ الدعاءَ, أم كيف ذلك؟ فأنزل الله -عزَّ وجلَّ: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}2. قلت: حديث منكر، ظاهر النكارة، رجاله كلهم ثقات، غير محمد بن أحمد بن إبراهيم، وهو مجهول الحال كما بينا في الحديث قبله. وفيه علَّة أخرى؛ فإن فيه الوليد بن مسلم عن ابن جريج عن عروة، والوليد وابن جريج -على جلالتهما- مدلسان، وقد عنعنا. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 المؤمن: الآية: 60. 2 البقرة: الآية 186. ص -48- الحديث العشرون: قال معاوية -رضي الله عنه: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم, وسأله رجل عن دمشق؟ قال: "بها جبلٌ يُقَالُ له: قاسيون". وذكر قريبًا من الحديث الأول. قلت: حديث منكر، وهو الذي قبله؛ إلّا أن بعض الرواة خالفوا في الإسناد، فذكروا معاوية مكان علي، ومداره على محمد بن إبراهيم، وقد علمت حاله. ص -49- الحديث الواحد والعشرون: عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اجتمع الكُفار يتشاورون في أمري، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: يا ليتني بالغوطِة، بمدينةٍ يقالُ لها: دمشقُ، حتى آتي الموضع؛ مستغاثَ الأنبياء، حيث قَتلَ ابنُ آدم أخاه، فأسألُ الله أن يهلكَ قومي، فإنهم ظالمون، فأْتاه جبريلُ، فقالَ: يامحمد! ائتِ بعضَ جبالِ مكةَ، فأوِ إلى بعض غاراتِها، فإنها معقِلُك من قومِك, قال: فخرجَ النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر -رضي الله عنه- حتى أتيا الجبلَ، فوجدا غارًا كثيرَ الدَّوابِّ، فَجَعَلَ أبو بكر -رضيَ الله عنه- يُمَزِّقُ رداءَهُ، ويِسُدُّ الثغورَ والثقب، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقولُ: اللهم لا تنساها لأبي بكر..." وذكر الحديث بطوله. قلت حديث منكر؛ مداره على رجل لم يسم، ورواه عن وهب بن منبه عنه. وحديث هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- مشهور مستفيض من وجوه شتّى، وليس في شيء منها ما في هذا الحديث من تمنِّيه -صلى الله عليه وسلم- ص -50- أن يكون بالغوطة، ليأتي مستغاث الأنبياء، فيدعو على قومه! ولست أشك أن هذا القدر منه مكذوب موضوع على رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فقد عَلِمَ كل مُطَّلِع على السُّنَّة أنه لم يكن من هديه -عليه السلام- تتبع آثار الأنبياء، والدعاء عندها، بل هذا مما نهى عنه الفاروق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وغيره. وقد ورد عنه ذلك في ثلاث قصص: 1- عن ابن سويد قال: خرجت مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب من مكة إلى المدينة، فلما أصبحنا صلى بنا الغداة، ثم رأى الناس يذهبون مذهبًا، فقال: أين يذهب هؤلاء؟ قيل: يا أمير المؤمنين! مسجد صلَّى فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم، هم يأتون يصلون فيه، فقال: "إنما هلك من كان قبلكم بمثل هذا، يتبعون آثار أنبيائهم، فيتخذونها كنائس وبيعًا، من أدركته الصلاة في هذه المساجد فليصلِّ، ومن لا فليمض، ولا يتعمدها". رواه سعيد بن منصور في "سننه"، وابن وضّاح القرطبي في "البدع والنهي عنها" "ص 41و 42" بإسناد صحيح على شرط الشيخين. ص -51- 2- عن نافع, أن الناس كانوا يأتون الشجرة، فقطعها عمر. رواه ابن وضَّاح "ص42-43"، ورجال إسناده ثقات، وروى عنه شيخه عيسى بن يونس مفتي أهل طرطوس أنه: "قطعها لأن الناس كانوا يذهبون فيصلون تحتها, فخاف عليهم الفتنة". 3- ما وقع في عهده -رضي الله عنه- من تعمية قبر دانيال, فيما رواه أبو خلدة خالد بن دينار، قال ما مختصره: حدثنا أبو العالية قال: "لما فتحنا تُسْتَر؛ وجدنا في بيت مال الهُرْمُزان سريرًا عليه رجل ميت، قلت: فما صنعتم بالرجل؟ قال: حفرنا بالنهار ثلاثة عشر قبرًا متفرقة، فلمَّا كان الليل دفناه, وسوَّينا القبور كلها لنعميه على الناس لا ينبشونه, قلت: وما يرجون منه؟ قال:كانت السماء إذا حبست عنهم أبرزوا السرير، فيمطرون, قلت: من كنتم تظنون الرجل؟ قال: رجل يُقَالُ له: دانيال". رواه ابن إسحاق في "مغازيه", ورواه غيره على وجوه ص -52- أُخَر، وفي بعضها أن الدفن كان بأمر عمر. ومن هذا الباب ما ورد عن علي بن الحسين -رضي الله عنهما, أنه رأى رجلًا يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي -صلى الله عليه وسلم, فيدخل فيها فيدعو, فنهاه فقال: ألا أحدثكم حديثًا سمعته من أبي, عن جدي, عن رسول لله -صلى الله عليه وسلم؟ قال: "لا تتخذوا قبري عيدًا، ولا بيتوكم قبورًا، فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم". رواه الضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة"، ورواه أبو يعلى في "مسنده", وفي إسناده رجل من أهل البيت مستور، وبقية رجاله ثقات، وهو صحيح بطرقه وشواهده، وقد خرجتها في "تحذير الساجد" "98-99". ففي هذه الآثار النهي عن قصد قبور الأنبياء، وتتبع آثارهم للصلاة والدعاء عندها، وذلك سدًّا للذريعة، وخشية الغلو فيهم, المؤدي إلى الشرك بالله تعالى، ولذا لم يكن ذلك من فعل السلف الصالح -رضي الله عنهم، بل قال شيخ الإسلام في "اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب ص -53- الجحيم" "ص186-187" ما ملخصه: "كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار؛ يذهبون من المدينة إلى مكة حجَّاجًا وعُمَّارًا ومسافرين، ولم ينقل عن أحد منهم أنه تحرَّى الصلاة في مُصليات النبي -صلى الله عليه وسلم، ومعلومٌ أن هذا لو كان عندهم مستحبًّا، لكانوا إليه أسبق، فإنهم أعلم بسنته، وأتبع لها من غيرهم.. أيضًا فإن تحري الصلاة فيها ذريعة إلى اتخاذها مساجد, وذلك ذريعة إلى الشرك بالله، والشارع قد حسم هذه المادة بالنهي عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها، وبالنهي عن اتخاذ القبور مساجد، فإذا كانت قد نهى عن الصلاة المشروعة في هذا المكان وهذا الزمان سدًّا للذريعة، فكيف يستَحبُّ قصد الصلاة والدعاء في مكانٍ اتفق قيامهم فيه أو صلاتهم فيه من غير أن يكونوا قصدوه للصلاة فيه والدعاء فيه؟ ولو ساغ هذا لاسْتُحِبَّ قصد جبل حراء والصلاة فيه، وقصد جبل ثور والصلاة فيه، وقصد الأماكن التي يقال: إن الأنبياء قاموا فيها؛ كالمقامين اللذين بطريق جبل "قاسيون" بدمشق، اللذين يقال: إنهما مقام إبراهيم وعيسى، والمقام الذي يقال: إنه مغارة دم قابيل، ص -54- وأمثال ذلك من البقاع التي بالحجاز والشام وغيرهما. ثم ذلك يفضي إلى ما أفضت إليه مفاسد القبور، فإنه يقال: إن هذا مقام نبي، أو قبر نبي، أو ولي، بخبر لا يُعْرَفُ قائله، أو بمنام لا تُعْرَفُ حقيقته، ثم يترتَّب على ذلك اتخاذه مسجدًا، فيصير وثنًا يُعْبَدُ من دون الله تعالى: شرك مبنيّ على إفك، والله سبحانه يقرن في كتابه بين الشرك والكذب، كما يقرن بين الصدق والإخلاص، ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: "عدلت شهادة الزور بالإشراك بالله مرتين، ثم قرأ قوله الله تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ، حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ}1"2. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 الحج: الآيتان 30 و 31. 2 قلت: في تصحيح هذا الحديث نظر؛ فإن في إسناده جهالة واضطرابًا، واستغربه الترمذي, كما بينته في "الأحاديث الضعيفة" "1110"، وأزيد هنا فأقول. قد رواه الطبراني في "الكبير" 9/ 114/ 8569" من طريق وائل بن ربيعة, عن ابن مسعود موقوفًا عليه، وإسناده حسن كما قال الهيثمي "4/ 201"، فهذا هو أصل الحديث موقوف، أخطأ في رفعه بعض المجهولين، = ص -55- ثم قال مثل هذا القول في الكتاب المذكور "ص203-204", ثم قال "ص208-209": "وقد صنَّف طائفة من الناس مصنفات في فضائل بيت المقدس، وغيره من البقاع التي بالشام، وذكروا فيها من الآثار المنقولة عن أهل الكتاب، وعَمَّنْ أخذ عنهم ما لا يحل للمسلمين أن يبنوا عليه دينهم. وأمثل من يُنقل عنه تلك الإسرائليات كعب الأحبار، وكان الشاميون قد أخذوا عنه كثيرًا من الإسرائليات، وقد قال معاوية -رضي الله عنه: "ما رأينا في هؤلاء المحدثين عن أهل الكتاب أمثل من كعب، وإن كنا لنبلوا عليه الكذب أحيانًا". وقد ثبت في "الصحيح"1 عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ = وقد فاتني التنبيه على ذلك سابقًا، وهذا من فوائد هذه الطبعة، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. 1- قلت: هذا الإطلاق يعني أنه في أحد "الصحيحين" بهذا التمام، وهو سهو، فإنه إنما رواه البخاري من حديث أبي هريرة دون قوله: "فإما أن يحدثوكم..."إلخ, وهو مخرج في "الصحيحة" "423"، وإنما رواه بهذه الزيادة نحوها أبو داود وغيره من طريق أخرى، وهو مخرج في المصدر المذكور برقم "2800". ص -56- "إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم؛ فإما أن يحدثوكم بباطل فتصدقوه، وإما أن يحدثوكم بحقٍّ فتكذبوه". ومن العجب أن هذه الشريعة المحفوظة المحروسة مع هذه الأمة المعصومة التي لا تجتمع على ضلالة، إذا حدث بعض أعيان التابعين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بحديث، كعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، وأبي العالية, ونحوهم، وهم من خيار علماء المسلمين، وأكابر أئمة الدين؛ توقَّفَ أهل العلم في مراسيلهم, وهؤلاء ليس بين أحدهم وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- إلّا رجل أو رجلان أو ثلاثة مثلًا, فكيف بما ينقله كعب الأحبار وأمثاله عن الأنبياء، وبين كعب وبين النبي الذي ينقل عنه ألف سنة أو أكثر أو أقل!؟ وهو لم يسند ذلك عن ثقة بعد ثقة، بل غايته أن ينقل عن بعض الكتب التي كتبها شيوخ اليهود، وقد أخبر الله عن تبدليهم وتحريفهم، فكيف يحلُّ لمسلم أن يصدق شيئًا بمجرد هذا النقل؟ بل الواجب أن لا يصدق ذلك ولا يكذبه إلّا بدليلٍ يدل على كذبه، وهكذا أمرنا النبي -صلى الله عليه وسلم. وفي هذه الإسرائيليات مما هو كذب على الأنبياء, أو ما ص -57- هو منسوخ في شريعتنا ما لا يعلمه إلّا الله. ومعلوم أن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- السابقين الأولين، والتابعين لهم بإحسانٍ قد فتحوا البلاد بعد موت النبي -صلى الله عليه وسلم، وسكنوا بالشام والعراق ومصر وغير هذه الأمصار، وهم كانوا أعلم بالدين, وأتبع له ممن بعدهم، وليس لأحد أن يخالفهم فيما كانوا عليه، فما كان من هذه البقاع لم يعظموه, أو لم يقصدوا تخصيصه بصلاة أو دعاء أو نحو ذلك، لم يكن لنا أن نخالفهم في ذلك، وإن كان بعض مَنْ جاء بعدهم من أهل الفضل والدين فعل ذلك؛ لأن اتباع سبيلهم أولى من اتباع سبيل من خالف سبيلهم، وما من أحد نُقِلَ عنه ما يخالف سبيلهم إلّا وقد نقل عن غيره ممن هو أعلم وأفضل منه أنه خالف سبيل هذا المخالف، وهذه جملة جامعة لا يتسع هذا الموضع لتفصيله، وقد ثبت في الصحيح: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما أتى بيت المقدس ليلة الإسراء صلّى فيه ركعتين"، ولم يصل بمكان غيره، ولا زاره". ص -58- الحديث الثاني والعشرون: عن أوس بن أوس الثقفي -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ينزل عيسى ابن مريم -عليهما السلامُ- عند المنارةِ البيضاء شرقي دمشق". قلت: حديث صحيح، وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" "1/ 217/ 590"، وابن عساكر "1/ 215-216" من طرقٍ عن محمد بن شعيب: نا يزيد بن عبيدة, حدثني أبو الأشعث, عن أوس بن أوس الثقفي به. قلت: وهذا إسناد صحيح، ومحمد بن شعيب هو ابن شابور. وقال الهيثمي "8/ 205": "رجاله ثقات". ويشهد له الحديث الآتي: ص -59- الحديث الثالث والعشرون: عن كيسان -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ينزلُ عيسى ابنُ مريم -عليهما السلام- عند المنارةِ البيضاء شرقيّ دمشقَ". قلت: إسناده صحيح، ورواه ابن عساكر "1/ 216-217", وله شاهد يأتي بعد حديث، وآخر تَقَدَّمَ آنفًا. الحديث الرابع والعشرون: عن نافع بن كيسان صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه سلم: "ينزلُ عيسى ابنُ مريم -عليه السلامُ- عند بابِ الشرقي". قلت: هو بهذا اللفظ منكر، وإسناده مسلسل بالمجاهيل، والصواب فيه: "عند المنارة البيضاء شرقيّ دمشق"، كما في الحديثين قبله، دون ذكر الباب، وكذلك هو في "صحيح مسلم" وغيره، وهو "الحديث الآتي". ص -60- الحديث الخامس والعشرون: عن النواس بن السمعان الكلابيّ قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ينزلُ عيسى بنُ مريم -عليه السلام- عندَ المنارةِ البيضاء شرقيّ دمشق". حديث صحيح, أخرجه مسلم "8/ 197"، وأبو داود/ "2/ 213"، وابن ماجه "2/ 508-512"، وكذا الترمذي "2/ 37"، والحاكم "4/ 492-494، وأحمد "4/ 181"، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح", وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين", ووافقه الذهبيّ. وقد وهما؛ فإنما هو على شرط مسلم وحده؛ لأنه من رواية يحيى بن جابر الطائي، ولم يخرّج له البخاريّ في "صحيحه", وإنما أخرج له في "الأدب المفرد" فاشتبه عليهما الأمر. ص -61- الحديث السادس والعشرون: عن أوس بن أوس الثقفي -رضي الله عنه, أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ينزلُ عيسى بنُ مريم -عليه السلامُ- عندَ المنارةِ البيضاء شرقيِّ دمشقَ، عليه ممصَّرتان1، كأنَّ رأسَه يقطُر منه الجُمان2". قلت: حديث صحيح؛ فإن معناه في حديث النواس بن سمعان الذي قبله، عند مسلم وغيره، وهو رواية لابن عساكر "1/ 216" من حديث أوس المتقدم قبل ثلاثة أحاديث. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 الممصَّرة من الثياب: التي فيها صُفرة خفيفة. 2 الجمان: صغار اللؤلؤ، وقيل: حب يتخذ من الفضة أمثال اللؤلؤ. "نهاية". ص -62- الحديث السابع والعشرون: عن أبي هريرة -رضي الله عنه, عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تزالُ طائفةٌ من أمتي يقاتلون على أبواب بيتِ المقدس وما حولها، وعلى أبواب أنطاكية وما حولها، وعلى أبواب دمشق وما حولها، وعلى أبواب الطالقان1 وما حولها، ظاهرين على الحق، لا يبالون من خذلهم ولا مَنْ يضرهم، حتى يخرج الله لهم كنزه من الطالقان، فيحيي به دينه كما أُمِيتَ من قبل". قلت: حديث ضعيف بهذا السياق، وفي سنده عبد الله بن قسيم, عن السريّ بن بزيع، ولم أجد من ترجمهما. ثم هو من رواية الحسن, عن أبي هريرة، والحسن هو البصري، وقد اختلفوا في سماعه منه، وقد حقق الحافظ في "تهذيب التهذيب" أنه سمع منه في الجملة، لكنه على جلالته معروف بالتدليس، وهذا رواه عنه بالعنعنة، فلا يُحْتَجُّ به، هذا لو صح الإسناد إليه. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 بلدة بين "مرو الروذ" و"بلخ"، مما يلي الجبل، وهي أيضًا ولاية عند قزوين، يقال لها: "طالقان قزوين". ص -63- وقد ورد الحديث من طريق أبي صالح وغيره من الثقات, عن أبي هريرة, دون ذكر الأبواب والكنز، وقد تقدَّمَ ذكر من أخرجه عند الحديث السادس، حيث رواه المصنِّف عن أبي هريرة أيضًا بزيادةٍ أخرى في آخره ضعيفة، وبيَّنا هناك القدر الذي صحَّ من الحديث، فراجعه. الحديث الثامن والعشرون: حدث أبو هريرة -رضي الله عنه, أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا وقعت الملاحِمُ بعث الله من دمشقَ بعثًا من الموالي, أكرمَ العرب فرسًا، وأجودهم سلاحًا، يؤيدُ الله بهم الدين". قلت: حديث حسن، وأخرجه ابن ماجه "2/ 520"، والفسوي "2/ 291", وابن عساكر "1/ 258"، والحاكم "4/ 548"، وقال: "صحيح على شرط البخاري". وفي "التلخيص" للذهبي أنه على شرط "م" أي: مسلم، ولعله محرف من "خ" أي: البخاري، وأيًا ما كان؛ ص -64- فالحديث ليس على شرط أحد الشيخين؛ لأنه من طريق عثمان بن أبي العاتكة، ولم يخرِّج له الشيخان شيئًا، وإنما أخرج له البخاري في "الأدب المفرد", وفيه كلام لا ينزل حديثه من رتبة الحسن، ولذا قال البوصيري في "الزوائد": "هذا إسناد حسن". الحديث التاسع والعشرون: عن أبي هريرة -رضي الله عنه, عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تزالُ عصابة من أمتي يقاتلون على أبوب دمشق وما حولها، وعلى أبواب بيت القدس وما حولها, لا يضرهم خذلانُ من خذلهم، ظاهرين على الحقّ إلى أن تقوم الساعة". قلت: حديث ضعيف بهذا السياق، وهو من رواية إسماعيل بن عياش, عن الوليد بن عباد، وإسماعيل هذا ضعيف؛ إلّا في روايته عن الشاميين، ولا ندري هذه منها أم لا؟ فإن شيخه الوليد بن عباد؛ قال الذهبي في "الميزان": "مجهول". ص -65- وقد ساق له ابن عدي في "الكامل" "7/ 2545" عدة أحاديث، فقال: "ليس بمستقيم، لا يروي عنه غير إسماعيل بن عياش، وقد روى هو عن قومٍ ليسوا بالمعروفين". ثم ساق له هذا الحديث. وأما ابن حبان فأورده في الثقات "7/ 551" بناءً على قاعدته، كما سبق بيانه. ثم إن راوي الحديث عن أبي هريرة هو أبو صالح الخولاني، ولم أعرفه، وفي الرواة بهذه الكنية جماعة، لم ينسب أحد منهم هذه النسبة: "الخولاني", والله أعلم. والحديث أورده الهيثميّ �

المصدر: الجامع لتراث الامام الالبانى
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 28 مشاهدة
نشرت فى 16 إبريل 2015 بواسطة ibrahim2013

smaili mohamed

ibrahim2013
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,023