فوائد شيخنا العلامة محمد بن هادي المدخلي حفظه الله تعالى
هل الهجر لأهل البدع إذا لم يَأْتِ بالفائدة لا يصلح؟
الشيخ محمد بن هادي المدخلي حفظه الله تعالى
<!--
الجواب:
من قال الهجر لأهل البدع ما فيه فائدة؟ فيه فائدةٌ لازمة وفائدةٌ مُتَعَدِّية.
الفائدة المتعدية: هي إصلاح المهجور فإذا لم يصلح المهجور صَلُحْتَ أنت وسَلِمْتَ أنت، لأنه:
ما ينفع الجرباء قُرْبَ صحيحةٍ إليها ولكنَّ الصَّحيحةّ تَجْرَبُ
وأمَّا الاستدلال بكلام الشيخ الألباني فليس هذا مَحَلُّه، ولكن الكلام هذا إذا كنت داعيةً وجِئْتَ إلى بلدٍ الغالب عليه البدعة؛ كيف ستدعو الناس؟ لابُدَّ من مخالطتهم على باب الدعوة، لا على باب المحبة والمؤانسة والاصطفاء لهم وجَعْلِهم أصحابًا، وإنَّما كما كان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم- في دعوته مع الكُفَّار فأنتَ إذا تركت هؤلاء في هذا المجتمع أو هذا البلد الذي غلبت عليه البدعة من يُبَيِّن لهم؟ لابُد، وكيف يكون ذلك إلا بِتَغَشِّي مجالسهم، مساجدهم، نواديهم، تُحَذِّرهم من البدع والمحدثات، تُبَيِّن لهم ذلك، وليس يعنى هذا أن تتخذهم أخلاء أو أصفياء، وإذا استجابَ لكَ من استجاب فهو الأخ والخِّل والصَّفي؛ هؤلاء، هذا التعامل معهم، والكلام الذي ذَكَرَهُ علماء الإسلام في المجتمع الذي يكون فيه أهل الإسلام والسُّنة ظاهرون وأهل البدعة مقهورون، أمَّا إذا كان الأصل في هذا كُلُّه أهل البدع فأنتَ لابُد لك أن تقوم إذا كان عندك شيء من العلم، أو عندك العلم، لابُدَّ أن تدعو الناس، وتُبَيِّن للناس، والدعوة شيء والمصاحبة شيءٌ آخر، يجب أن يُعْلَمَ هذا، ولا يُخلط هذا بهذا.
وأمَّا إذا كان أهل السنة قِلَّة وفي بلدٍ هم مقهورون فإنهم يُدارون، يُدارون أهل الأهواء إذا كانت السلطة لهم وفي أيديهم، نعم يدارون ويسقط عنهم هذا، قيل لأبي عبد الله أحمد بن حنبل – رحمه الله ورضي عنه- في هجران أهل البدع؛ فقال: "اي والله"، ولكن إخواننا بخورسان لا يطيقون ذلك، في الكلام على الجهمية، يعني كانت الجهمية هي منتشرة في ذلك القُطر، والسلطة بأيديهم، وأهل السُّنة مستضعفون، فيُدَارون، وإذا لم يستطع يُدَاري والله - جلَّ وعلا- يَعْذُرُه، والمُدَارة هي بذل الدُّنيا لاستبقاء الدِّين، بأن تكشر في وجهه، تتبسم في وجهه مع بغضك له، كما جاء في أثر أبي الدرداء يقول – رضي الله عنه-: "إننا نكشر في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم" ذَكَرَهُ البخاري في الصحيح، ومُدَاراة الناس هي الحكمة والعقل، ويستبقى بهذا أهل السُّنة، وإلَّا يَتَسَلَّط عليهم أعداؤهم فيُبِيدوهم ويهلكوهم، فهذا هو الفقه ما هو فتح الباب على مِصْرَاعَيْه على أهل البدع حتى يذوب أهل السنة معهم وفيهم، هذا كلام لا يقوله من عَرَفَ طريقة السلف.
بسم الله الرحمن الرحيم
تعليق الشيخ محمد بن هادي المدخلي حفظه الله تعالى على خلل منهجي في قول القائل :
لا نجعــــــــــل اختلافنــــــــــا في غيرنـــــا سببٌ للخــــــلاف بيننــــا
هذا كلامٌ باطل ، هذا كلامٌ باطل لإنه قد يكون الخلاف بيني وبينك في أهل الأهواء فأنت تُزكّي صاحب البدعة وتمدحه وأنا أُحذّر الناس منه فأيُّهم الناصح لدين الله ولعباد الله ؟ أنا أو أنت؟ الذي حذَّرَ من الأهواء وأهلها هو الناصح لدين الله - تبارك وتعالى- أما الذي أوى إلى أهل الأهواء والبدع فهذا منهم ، لإن المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يُخالل
والإمام أحمد - رحمه الله تعالى- قد استدلّ على هوى الرجل وانحراف الرجل بطرحه السلام على أهل الأهواء -رحمه الله تعالى- فقال:"إذا رأيت الرجل يُسلّم على رجل من اهل الاهواء فاعلم أنه يحبه " ثم استدل بحديث:" أفلا ادلكم على شيئٍ اذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم "
فأهل الأهواء اذا كنت أنت تُزكّيهم وهذا يُحذِّر منهم وأتباعك يقولون :لا ليسوا هم أهل أهواء أوالأمر سهل والخطب يسير أولا تُفرِّقوا المسلمين أيهم أنصح لدين الله ولعباد الله ؟ لا شك أنه هو الذي حذّر منهم
فكونك تقول:
لا نجعل خلافنا في غيرنا سبباً في خلافنا
هذا غير صحيح ، بل هذا الكلام عليه تحفظ
نسأل الله العافية والسلامة من مثل هذه العبارات التي بدأت تظهر للناس اليوم ، ففرّقت أهل السُّنة
أهل السُّنة في القديم كان الخلاف بينهم وبين اهل الاهواء
أمّا الآن فاندسّ في صفوفهم بعض المشبوهين وإن تزيّنوا بالسُّنة فما فعلوا فيهم أعظم مما فعله اهل الاهواء
نسأل الله العافية والسلامة
َ ثـلاث شبهات من الشبه التي يثيرها المعتذرون لبعض أهــــــــــل الأهواء والبدع
هذا أخونا سلفي.
لا تفرقوا السلفيين.
هذه له سابقة، تنسون جهوده كلها؟! له سابقة في السلفية.
يفندها ويكشفها
فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن هادي المدخلي حفظه الله تعالى
من لقاءات طلبة العلم والذي عقد يوم الاثنين 10 محرم 1436هـ في مسجد بدري العتيبي بالمدينة النبوية.
<!--
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ الله، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين.
أمَّا بعد ..
فإنَّه ينتهِي إلى أسماعكِم ما يُثار من الشُّبَه في هذه الآونةِ الأخيرةِ، ولستُ أقصد هذه الأيّام، ولكن أقصدُ المدَّةَ الأخيرةَ التي حصلَ فيها انحرافُ بعضِ من كانَ يُزعَمُ له أنَّه على السنَّة والسَّلَفيَّة، وإذا بهِ مع هذه الأحداثِ المُتَتَابعاتِ مع الطوائفِ الخَلَفِيَّة ورُموزِهَا، أو بالأصحِّ والأدقِّ بعض رجالاتِها ورُموزِها، يَعتذرُ لهم ويُصوِّبُ لهم، ولا يريدُ أحدًا ينتقدُه على انحرافاتِهِ هذه، يَعتَذِرُ لبعضِ أهلِ الأهواءِ والبِدَعِ، عَلَنًا! مَسموعًا أو مَكتوبًا مَقروءً مَطبوعًا، في المواقع؛ إمَّا بالصَّوتِ المَسموعِ مُسجَّلًا مُنَزَّلًا فيها، وإمَّا بالمَقالِ المطبوعِ مُنَزَّلًا فيها مُتَنًقَّلًا به في بقية المواقعِ.
هؤلاءِ حينَمَا قامُوا يثنونَ على بعضِ رؤوسِ المُبتدِعَة أو بعضِ أعلامِ الطَّوائِفِ المُبتَدِعَة لا يُرِيدون أحدًا يَنتقدُهُم، ويثيرونَ لذلك الشُّبَه، منها:
1. هذا أخونا سَلَفِي.
2. لا تُفَرِّقوا السَّلَفِيّين.
3. هذا لَهُ سَابِقة، تَنْسَونَ جُهُودَه كُلَّها؟! له سَابِقةٌ في السَّلفيّة.
إلى غير ذلك مما لم يأتِ عليه العد، ولكن من أشهرها هذه الثلاث عبارات:
- الأولى: هذا أخونا.
- الثاني: لا تُفَرِّقوا السلفية.
- الثالث: هذا له سابقة.
وهذا والله من العجب، إذ لو نظر هؤلاء المتكلمون إلى دين الله أولًا، إلى هذه الدعوة الصافية النقية؛ التي لا تقبل البدع ولا من تلطَّخ بأوضارها، من نظر إلى هذه الدعوة، وحَرَصَ عليها، وعلى صفائها، والنصيحة لأهلها؛ ما قال هذه المقالة، لا الأولى ولا الثانية ولا الثالثة.
· أمَّا الأولى وهي قولهم: هذا أخونا.
نعم، أخوك حينما يكون على ما أنتَ عليه من الديانة فإذا فارقَ ما أنتَ عليه آخى من انتقل إليه، فالذي يُلَمِّع للإخوان المسلمين أو يعتذرُ لهم، أو لرؤوسهم، فضلًا عن أن يغضب لهم, هذا أشدّ, هذا منهم ولو كتب مئات المجلدات يزعم فيها أنه سلفي، هو إخوانيٌّ, فإن من دافع عن أهل الأهواء فهو منهم، ما هو أخونا، الذي يدافع عن هؤلاء ويعتذر لهم هذا منهم، وإلَّا فما الذي يجعله يدافع عن هؤلاء وينافح عنهم؟ أو يعتذر لهم ويُبَرِّر لهم؟ إلَّا أنه يرى أنهم على صواب، التبرير لهم يرى أنهم على صواب, والدفاع عنهم أشدّ وأشدّ, يرى أنهم على صواب ويجب أن يُنصروا ويُذبّ عنهم، فمن كانت هذه حاله فهو منهم، وكتب السلف الصالح المسندة فيها ما لا يُحصى من شهاداتهم على هذا الصنف بأنه من أهل الأهواء والبدع, ومن شاء فليُراجع شرح أصول الاعتقاد للالكائي والإبانة الكبرى لابن بطة, فإنهم قد عَقَدُوا الأبواب تِلْوَ الأبواب في هذا, ولينظر إلى مقالات السلف فيمن يذب أو يُبَرِّر ويعتذر لأهل الأهواء في مقابل تحذير أهل السُّنة منهم, فإن هذا هو الذي يُؤتى من قِبَلِه، ويُخاف منه؛ على أهل السنة أشد من أهل البدعة الواضحة على أهل السنة، حتى إنهم جعلوا ما هو أقل من ذلك بكثير دليلاً على الانحراف، ألا وهو مجالسة أهل الأهواء، فقالوا: "من يُجالس أهل البدع أشد علينا من أهل البدع"، لأن صاحب البدعة الأصلي قد عُرِف؛ فالناس يَفِرُّون منه - أهل السنة- لكن هذا يهلك الناس بسببه، محسوب على أهل السنة، هذا معدود من أهل السنة، فإذا رآه بعض أهل السنة وهو يجالس هؤلاء؛ ظنوهم على خير فجالسوهم، فيكون من السبب في الضرر؟ هو، فإذا كان هذا في المجالسة فكيف بالتبرير والتلميع والاعتذار أو الدفاع؛ أشد وأشد، ما الذي يغضبه من أن يتكلم السُّني في أهل الأهواء؟ والطوائف والأحزاب القائمة على الساحة كلها ترمي أهل السنة عن قوسٍ واحدة، ويتحدون على السلفيين ويتفقون في معاداتهم إياهم، فما الذي يغضبك إذا سمعت كلام السلفي في هؤلاء، ما احْمَرَّ أنفك و لا انتفخت أوداجك إلا وفي القلب إليهم مَيْل، وما دامَ الأمر كذلك فالألسن مغارف القلوب، القلوب قدور والألسن مغارفها الذي في القلب يغرفه اللسان فَيَصِلُ إلى أسماع الإنسان، يسمعه الناس فتنكشف، وما أَسَرَّ إنسانٌ سريرةً إلَّا وأظهرها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه، تخرج وهو لا يشعر، فيكشفه الله بها.
· وأما الثانية؛ فقولهم لا تُفَرِّقوا السلفية، لا تُفَرِّقوا السلفيين، هل هذا القول يقال للمدافع وإلا يُقال للمهاجم للنافر و المخالف هذا و الله عجب أن يكون المدافع هو الذي يفرق والذي نفر وفارقَ السَّلفيين، وأَخَذَ ينتقدهم ليلًا ونهارًا، ويزعم أن ما هم عليه غلوٌّ وتشدُّدٌ، وما إلى ذلك لأنهم نزكوه هو، فاحترق بِنَيْزَك الحق، لأنهم نزكوه صار يرميهم بهذا، ويُقال للسَّلفيين لا تُفَرِّقوا السلفيين، لِمَا لا يُوَجَّه الكلام إلى النافر إلى المخالف إلى الشارد، وإذا قيل اسمع كلامه واحكم بيننا و بينهم، اسمع كلامه وبعد ذلك عاتبني إن أنا أخطأت عليه، يأبى، بعضهم يأبى، الكلام غير صحيح إذًا، لأن من سَمِعَ وعَلِم حُجَّة على من لم يسمع ومن لم يعلم، والقول قول من أدلى بالحُجَّة، والقول لصاحب الحجة، فالذي فارق هو الذي فَرَّق، والذي اختلف هو الذي خالف، اختلف في نهجه الآن عن نهجه بالأمس، بل بعض هؤلاء لمَّا حصل منه المخالفة الظاهرة شَرَحَ بها ما كان يُلَمِّح به قبل عشرين عامًا، أو ثنتين وعشرين سنة أو أكثر من ذلك، على حسب ما ينصّون، فمنهم من يقول من عام سبعة عشر، وهو منكر لهذا ومنهم من يقول أنه من عام اثنا عشر وهو منكرٌ لهذا، فتقدمه بخمس سنين، ومنه من جاءه؛
وإني وإن كنت الأخيرَ زمانه لآتِ بما لم تستطعه الأوائل
فقال أنا من عام ألف وأربعمائة وتسعة وأنا أُحَذِّر من هذا؛ فسبق راعي الاثنى عشر بثلاث سنين، فكل واحد يبغى الأولية في المخالفة للسلفيين، بعد هذا يُقال للسَّلفيين أنتم تُفَرِّقون؟! هذا والله العجب، وكلمات هؤلاء القوم –الحمد لله- محفوظة مرصودة بأصواتهم للأسماع، لا نزيد فيها نحن ولا ننقص، نحن علينا شيء واحد أن نُسَمِّي لمن أراد نقول له: هذا القول قول فلان روح استمع إليه في موقعه؛ حتى لا نُتَّهم بأننا بترنا، نعطيك اسمه وأنت روح اسمع تسجيله في موقعه، تجد هذا الكلام، فكلامه الذي كان يُلَمِّح به من سنين صَرَّح به الآن أنه كان منكرًا لما عليه السلفيين من يوم أن كان معهم، لكنه كان يتستر، فالآن تأتي وتقول تُفَرِّقون السلفيين؟! إذًا قول من يقول عن مثل هذا إنه دسيسة والله ما عدا الصواب؛ لأنه قد أقرَّ على نفسه أنه منكر لهذا المنهج من أربعمائة وتسعة، أربعمائة واثنا عشر، أربعمائة وسبعة عشر، هل أنا اتهمته ولا هذا تصريحه هو؟! أجيبوا؟ تصريحه هو، قولوا حتى تُبرِئوا ذمتكم: إن كان كما تقول يا محمد بن هادي، فالأمر كذا، فأنا أسألكم بالله أن تُعَلِّقوا هكذا، ولا تُحَمِّلوا أنفسكم، قولوا إن كان حتى تتأكدوا إن شئتم. من يقول مثل هذا القول، من وَجَّه إليه الاندساس في السَّلفيين والله إنه لصادق، لِمَا؟ لأنه الآن أظهر أنه من عام أربعمائة وتسعة وهو منكرٌ لهذا المنهج، من عام أربعمائة واثنا عشر منكرٌ لهذا المنهج، من سبعة عشر منكرٌ لهذا المنهج، إذًا إذا كنت منكرًا له، وهذه المدة كنت مع السلفيين، هل أنت صادق؟! هاه، أجيبوا؟ صادق؟! لا، إذا، لماذا يقال لنا حينما انكشف وكَشَفَ هو عن نفسه،ورد عليه السلفيون، يقال أنتم فرقتم السَّلفيين، لماذا لا يُعاتب هو؟! هذا المختلف المخالف، والمفارق المُفَرِّق، ما هو نحن، نحن حينئذ مثلنا معه؟! كمثل ما قال القائل:
اللِّصُّ في داري وبين محارمييئدُ النفوس ويكتم الأنفاسَ
ويقال لي قف لا تحرك ساكنًا أبدًا ولا تجرح له إحساسَ!
ما شاء الله- يسرق ما يشاء، ويقتل ما يشاء، ويفعل ما يشاء، وأنتَ لا تفعل شيء في الذب عن دين الله - جلَّ وعلا-، فإذًا، الذي فَرَّق هو الذي فارق، والدَّليل على ذلك: ائت بكلامه في تلكالمدة تجده كلام مشايخ الدعوة السلفية ما اختلف، وانظر إلى كلامه الآن مع كلام مشايخ الدعوة السلفية تَجِد كلامه هو الذي اختلف، فمن الذي اختلف وفارق؟! فاللَّوْم يُوَجَّه إليه ما يوجه للسَّلفيين، ولا يوجه لأهل السُّنة، يُوَجَّه لمن ذهب إلى أهل الأهواء، ومالَ إليهم، وأصبح منهم، وما كان يعرفه بالأمس صار اليوم منكرًا، وما كان ينكره بالأمس صارَ اليوم معروفا، فإن الرَّزية كل الرَّزية أن تعرف ما كنت تُنكر، وتُنكر ما كنت تعرف.
— الأمر الثالث؛ وهو قولهم له سابقه، نحن نقول إذا كانت له سابقه فهذه السابقة لا تمنع من أن يُرَدَّ عليه باطله، وأي حسنة أعظم من حسنة الإسلام! وإذا ارتد المرءَ عنها بكلمة؛ لأن الرِّدة قد تكون بكلمة بقول أو عمل هل يُقال له سابقة ونسكت؟! والبدع التي حصلت ووقع فيها من وقع من أرباب البدع، فارَقُوا أهل السُّنة والجماعة، كلُّ طائفة فارقتهم في مسألة، فأهل القدر فارقوا في القول بالقَدَر، والخوارج في تكفير صاحب الكبيرة؛ أوَّل أمرهم، والمرجئة في إدخال الأعمال في مسمى الإيمان، خالفوا أهل السنة في عدم إدخالها، فالمسألة واحدة إدخال الأعمال في مُسَمَّى الإيمان خالفوا فيها وهكذا قُل، وإلَّا بقية الأبواب عنده مستقيمة، هذا في أول نشوء البدع؛ ومع ذلك ما سكت عنهم أهل السنة - رحمهم الله-، ما قالوا فلان له سابقة، إذا رأوه حَذَّروه، فإذا استمر حَذَّرُوا منه، وإذا بَلَغَ العالم من علماء السُّنة القول عن واحدٍ قد انحرف نَصَحَ له، فإن أَبَى ألحقه بمن انحرف إليهم، وهكذا عُدْ من ذلك وكتب السُّنن شاهدة، فقولك: له سابقة؛ فالسابقة تحصل للإنسان ويستمر عليها على حَدِّ قوله - جلَّ وعلا-: ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ﴾، فإذا تَمَّ على السابقة حتى يَتَوَّفاهُ الله فهذا على الخير، نرجو له الخير، أمَّا إذا بَدَّل وغَيَّر؛ لا، فالمرء إنما يمدح بالسابقة والثبات عليها إلى الممات، والدليل قال -جل وعلا-: ﴿مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّـهَ عَلَيْهِ﴾مَدَحَهُم بالصِّدق، ﴿فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ﴾وهو على ما عاهد الله عليه على هذا الصدق، ﴿وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ﴾ الذي قضى نحبه على الصدق خلاص عرفناه، والذي ينتظر؟ اسمع التزكية له ﴿وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾، فالسابقة لابد وأن تستمر وترتبط باللاحقة، إذا لم يُبَدِّل ولم يُغَيِّر فالمدح في مكانه، أمَّا إذا بَدَّل وغَيَّر فإنه لا يدخل في هذا المدح، فقوله: ﴿وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾ إتمامٌ لهذا المدح لأصحاب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم- ورضي الله عنهم وأرضاهم، فالعبرة في الثبات على الحق حتى تفارق هذه الدنيا.
نسأل الله الثبات على ذلك، وألَّا يزيغ قلوبنا، ولهذا النبي -ﷺ- في الحديث الصحيح الذي تعرفونه يقول: «إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا»فين السابقة؟ راحت لأن الأعمال سيأتينا في الحديث هذا تتمته «وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا»، إنما الأعمال بالخواتيم، ولهذا يقول: القعقاع -رضي الله عنه-: "لا أشهد لأحدٍ بعد حديثٍ سمعته من رسول الله – ﷺ – حتى أنظر ماذا يُختم له، قالوا: ماذا سمعته يقول؟، قال: سمعت رسول الله – ﷺ – يقول:«لَقَلْبُ ابْنِ آدَمَ أَشَدُّ تَقَلُّبًا مِنَ الْقِدْرِ اسْتَجْمَعَتْ غَلَيَانَها»"، يقول: أنا ما عاد أقول في أحد شيء حتى أنظر ماذا يُختم له، إذًا فالثَّنَاء الصحيح للإنسان إنما يكون بثباته على الحق وعدم تَغَيُّره وتبديله، وعدم الرَّوَغَان عنه كروغان الثعالب، وإذا شُهد لِحيّ فيقول: هذا الذي أعلمه إلى هذه اللحظة، والله أعلم بحال عباده، ولا أدري ماذا يُختم له، ولا أُزَكِّي على الله أحدا، لابُدَّ أن يحترز لنفسه، وهذه الشبهة التي يَرَوْنُها حُجَّة يُبطل بها كثير من الأحكام، يُبطل بها الهجر لله – جلَّ وعلا –، بهذه الدعوى يُبطل الهجر لله – جلَّ وعلا -، النبي – صلى الله عليه وسلم– لمَّا كان غَزاة تبوك، ألم يهجر الثلاثة؟ كعب بن مالك، ومُرارة بن الربيع، وهلال بن أمية الواقفي – رضي الله عنهم جميعًا -، كعب بن مالك من هو؟ أليس شاعر رسول الله – صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنه، وكم نافح ودافع وذب عن رسول الله – ﷺ - وعن دين الله؟ بقصائده وأشعاره، وكم جاهد وضرب بسيفه في سبيل الله – رضي الله عنه –، فلمَّا صار منهم ما صار أمر النبي – ﷺ - بهجرهم، حتى أنزل الله – جل وعلا – توبتهم، مع صدقهم – رضي الله عنهم – ومع ذلك هجرهم الرسول – ﷺ – وأمر بهجرهم، على قاعدة هؤلاء اليوم من خالف له سابقة ما يُهجر، هؤلاء لهم أعظم السوابق في نصرة الدِّين، ومع ذلك هجر النبي – ﷺ - حتى نزلت توبتهم – رضي الله عنهم - وهم الصادقون ،وقصة كعب - رضي الله عنه- فيها الصدق الواضح الذي يتجلى في أسمى وأوضح صِوَرِه، وصَبَر - رضي الله تعالى عنه- واحتسب خمسين ليلة!كما وصف الله ،حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وضاقت عليهم أنفسهم،فهذه المقالة مقالة باطله، المقصود منها إبقاء أهل الانحراف وعدم الإنكار عليه، ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ أُولَـٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّـهُ إِنَّ اللَّـهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾أين ذهبت؟! هذا من إنكار المنكر،ثم يُضاف إلى ما تَقَدَّم، لماذا يُغضب للمخالف؟! السُّني الصادق والسَّلفي الصادق هو الذي لا يغضب لشيءٍ من البِدع إذا ذُكِرَت عنده، فإذا كان هذا يُبَرِّر لأصحاب البدع ولبعض أهل الأهواء ويعتذر لهم، وإذا رُدَّ عليه قيل له سابقة! أو قيل لا تُفَرِّقوا السلفيين! أو قيل هذا من إخواننا! كلام فارغ هذا، هذا كلام غير صحيح، لا يستقيم إذا وُزِن بالميزان الشرعي، من أحبَّ أخاه لله؛ من زعم أنه أحب أخاه لله ثمّ إذا هو أحدث حدثًا لم يُبغضه عليه لله لم تكن محبته له لله، يقول أبو سفيان الثوري: تدرون من أين هذا منزوع؟ منزوع من قوله - ﷺ-: «أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا، وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْمًا مَا» هذا الحديث في الترمذي وهو حسن، فقد ينقلب الحبيب ويتغير فتَدَعُه لله، وقد يقرُبُ العدو ويتغيَّر فتحبّه لله، بعدما كنت بالأمس تبغضه لله، وهذا أمره عائدٌ إلى الله - جلَّ وعلا- لأن القلوب بين إصبعين من أصابعه – سبحانه وتعالى- يُقَلِّبُها كيف شاء، فهذه الدعاوى الآن التي ظهرتْ علينا؛ إِنَّما يُراد بها السّكوتْ على الخطأ وعلى الباطل، وهذا لا يُمكن بِحالٍ مِن الأحوال، وهذا واللهِ إنْ دلَّ على شيء؛ فإنّهُ والله يدلُّ على صِدق السَّلفيين، وأنَّهُم لا يُحابون في دينِ الله أحدًا، فالقريب إذا خالف وترك السُّنّة؛ ولَوَا عُنقَهُ وركِبَ رأسهُ وهواه؛ لا يمنعهُم مِن أن يرُّدوا عليهِ، ولا فرق بينه وبين البعيد، كلُّهم في دينِ الله سَوَا، لأنَّ المِقياس عندهُم: هو هذا الدِّين والإتباع لهُ، هذه الدعوة النقيّة والسّير عليها، ولهذا بذلوا أعراضهُم في سبيل الله رخيصةً، ما بالوْا بالمادِح؛ ولا انتظروا مدحه، ولا بالوا بالقادِح؛ ولا همَّهُم قَدْحهُ، فأسأل الله - سبحانه وتعالى- بِأسمائه الحُسنى؛ وصفاتهِ العُلى وباسمهِ الأعظمِ خاصّة؛ الذي إذا دُعيَ بهِ أجاب، وإذا سُئلَ به أعطى، أن يُثبِّتنا جميعًا وإيّاكم على الحقِّ والهدى، حتى نلقاهُ سبحانه، وأن يجعلنا مِمن صدق ربّه، ولم يُبدِّل تبديلا، إنَّه جوادٌ كريم.
وصلَّى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبيّنا محمد، َ كيف تكون معرفة الله في الرخاء ؟
للشيخ العلامة د. محمد بن هادي المدخلي حفظه الله تعالى
التعرف إلى الله بالرخاء أو في الرخاء يكون بأداء العبادات والنوافل قبل أن ينزل بك البلاء، يكون بأداء الفرائض وأداء النوافل قبل أن ينزل بك البلاء لا كحال المشركين]
﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾[العنكبوت: ٦٥
<!--