حسين عبد العزيزعبده الحسانين

المال العام وكيفية الحفاظ عليه - الجودة وإدارة المستشفيات - وخواطر أدبية - وقضايا الوطن

authentication required

الجودة والطاقة – مدخل جديد للعمل داخل المصالح الحكومية

بعيدا عن الكتب وكثرة المراجع التى تتناول موضوع الجودة ، وتجعلنا ناخذ بنماذج وافدة علينا لا تناسب – فى الغالب – أحوالنا ولا إمكانيتنا المتوفرة بين أيدينا ، وإذا كان موضوع الجودة يتلخص فى : أن يتم تقديم المنتج أو الخدمة بمواصفات يتم معها تحقيق أقصى رضاء للمستهلك او طالب الخدمة فى ظل الموارد المتاحة ، ونظل نشرح ونقدم سياسات وإجراءات لا حصر لها ، ينتهى الأمر بنا لملفات ورقية ، ووثائق منمقة تضع فى أرفف ، وعليها عنزان كبير " ملفات الجودة " ، وليس لها من الواقع نصيب ، ولا تغيير فى العمل أو السلوك ، ويؤدى الأمر فى النهاية إلى مضاعفة إهدار فى الموارد ، زيادة الإنفاق المترتبة على برامج الجودة ، وعدم الإستخدام الرشيد للموارد المتاحة لأن أثر الجود يكاد يكون مساويا للصفر .

ولا غلو أو شطط فى كلامى هذا ، ويكفى ان ينظر كل منا فى مكان عمله وموقعه ، وبكل وحدة إدارية حكومية اليوم إدارة مستقلة أو قسم عليه يافطة " إدارة الجودة " ولها هيكلها الإدارى ، إذا دخلتها تجد المكان فى حد ذاته يحتاج إلى جودة !! ، ولا تجد سوى ملفات ووثائق لا تمت للواقع داخل الوحدة الإدارية بصلة ، وإذا أتى عليهم من يراقب عملهم ، وجده هو الأخر لا يبحث عن أثر فى واقع الوحدة الإدارية ، بل جل همه البحث عن الملفات والوثائق ( المركونة ) على الأرفف ، ويتبادلون النكات والقهوة والشاى مع ( الفول والطعمية ) والوحدة الإدارية من أثر عملها برىء وينصرفون و( دار ما دخلك شر ) ( بالله عليكم ) أليس هذا هو الواقع الى نعيش فيه ؟ .

وإن كان ذلك كذلك ، فإننا نقدم مفهوما جديدا للجودة ، أجد انه أكثر واقعية ، والأخذ به يؤدى إلى تغيير الواقع للهدف المنشود وهو تحقيق أقصى رضاء للمستهلك أو طالب الخدمة ، ينتهى العمل به العمل على العنصر البشرى أولا واخيرا ، حيث العنصر البشرى ( المورد البشرى المتوفر ) هو الوسيلة التى بها أصل للغاية المنشودة ، ولا سبيل للوصول لتلك الغاية إلا إذا توفرت الوسيلة المؤمنة بتلك الغاية ، إبمانا عن إقتناع ، إقتناعا ينى على الرضا والإقناع ، فكل النماذج الموجودة للجودة تركز على الغاية وتتبع المثل الميكافيللى : الغاية تبرر الوسيلة ، وهنا نسأل : كيف نقدم اقصى رضاء كغاية بقهر الوسيلة المؤدية للغاية ؟ ، لا يمكن تحقيق ذلك الأمر إلا ذا كان هناك رضا وإقناعا وإقتناعا لدى الوسيلة .

والعنصر البشرى المتوفر لدى الجهة الإدارية يمكن النظر إليه على أنه (طاقة ) متوفرة وحية ومتحركة ومختزنة ومعبرة عن نفسها ، ولها نوازعها ومشاعرها المتباينة ، وتأتى لتعمل فى ظل ضغوط مختلفة ، هذه الضغوط مصادرها متنوعة ، قد تكون عائلية أو أسرية أو علاقات من واقع العمل الذى تعمل فى محيطه ، وصاحب العمل أو المدير لا ينظر إلى العنصر البشرى إلا أنه طالما أتى للعمل فعليه أن يعمل دونما النظر لهذا العنصر البشرى على انه بشر !! بل ألة أتت لتعمل يدوس على ترسها تنفعل له بألية و ( خلاص ) ، ربما يحقق الرضا للغاية ولكنه هنا بقهر الوسيلة ، التى لا تنفك فى الإفلات من العمل إن ذهب عنها دور الرقيب.

هل نجحت إدارة الجودة فى تحقيق الرضا المنشود ؟ هل نجحت إدارة الجودة فى أن تستحث تلك الطاقة لدى العنصر البشرى وتوجهها كحزمة موحدة تجاه عملها ؟ .

هل نجحت إدارة الجودة فى جعل سلوك العنصر البشرى سلوكا ذاتيا يعمل دون رقابة أو وصاية عليه ؟ ، لا أعتقد انه نجح فى ذلك طالما أهمل الوسيلة وجعلها تعمل قهرا ، وكيف يأتى الرضا من القهر ؟ ، وهنا يأتى مفهومنا الجديد للجودة ، ذلك المفهوم الذى يركز على العنصر البشرى المستخدم والمتوفر لدى الجهة الإدارية ، وبعيدا عن مفاهيم الجودة والتراجت (المستهدف) الذى يعيد للأذهان مفاهيم الرأسمالية فى ظل النظرية الماركسية ، وإنما يعيد للأذهان نظرية كوب ( الشاى ) لعالم الإدارة لفردريك تايلور الذى قدمه لعمال المصنع ( وهذا أمر جديد وقتها فى ظل الرأسمالية المتوحشة ) ، وأخذ يقيس الإنتاجية للعمال قبل تناول الشاى وبعده وكان الأثر إيجابيا .

فالجودة لدينا تتلخص فى :

" كيفية إستنهاض الطاقة الإيجابية وإختزال الطاقة السلبية لدى المورد البشرى المتوفر،  للعمل بأقصى كفاءة وإستغلال للموارد المتاحة ، لتحقيق المواصفات المطلوبة للمنتج أو الخدمة المقدمة " .

فالجودة بدلا من تركيزها على الغاية ، تركز على الوسيلة ، فالتركيز على الغاية فى تعريف الجودة يعيد للأذهان ثقافة أرباب ألأعمال والعمال والتناقض الماركسى بينهما فى ظل الراسمالية المتوحشة ، وتنظر للمورد البشرى على أنه طاقة مختزنة ومتحركة وواعية ومتنوعة ومتشعبة ، وهذه الطاقة عندما تخرج قد تكون سلبية أو إيجابية ، وينعكس ذلك على السلوك للعنصر البشرى بجهته الإدارية .

نجاح الجودة هنا ، فى أن تعمل على تحويل الطاقة السلبية لطاقة إيجابية ، وتوحدها تجاه العمل المنوط للعنصر البشرى القيام به ، ونجاحها أيضا أن تجعل العنصر البشرى بطاقته الإيجابية يعمل بلا رقابة عليه ، وإنما يعمل طواعية بالإقناع والإقتناع ، لا بالقسر ولإكراه أو الإذعان ، نجاح الجودة ألا تعمل فى ظل الغاية وكأن العميل أو طالب الخدمة هو ( السيد ) ، والوسيلة المؤدية للغاية هم ( العبيد ) ، نجاح الجودة فى أن تجعل غايتها الحالية ( رضاء العميل أو المستهلك أو طالب الخدمة ) إلى مجرد نتيجة طبيعية لعمل الجهة الإدارية ،  نجاح الجودة فى أن تنظر لنصف الكوب ( المليان ) لا أن تنظر للنصف ( الفارغ ) وكلما عملت على زيادة الجزء ( المليان ) كلما نجحت فى الوصول لغايتها المنشودة وهى تحقيق رضاء المستهلك للمنتج او طالب الخدمة ، لأنها فى هذه الحالة أضحت الغاية مجرد نتيجة ثانوية أو طبيعية لعمل حقيقى كله طاقة إيجابية وفى ظلال من الإقناع والإقتناع .

أما كيفية تحقيق ذلك ؟ فاللحديث  بقية إن كان فى العمر بقية إن شاء الله ، والله تعالى أعلى وأعلم .

 

husayn-abdelazi

حسين عبد العزيز عبده ..مجرد إنسان دائم البحث عن الإنسان بداخله والحفاظ عليه

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 105 مشاهدة

عدد زيارات الموقع

42,818