هنا في قري زواج الاطفال في 6 أكتوبر والجيزة تتكاتف المصالح والعادات والأعراف ضد الفتيات الصغيرات، وتخترق القوانين تحت قراءات غير مستنيرة للدين، تري أن تحديد سن أدني لزواج البنات يزيد العنوسة ويحرم ما أحله الله ويودي بالكثير من الأطفال إلي الممارسات غير السوية.
ولم تستطع المناقشات التي دارت خلال الإعداد لتعديلات قانون الطفل أن تنتصر للرأي الفقهي الذي يميل الي تحديد الحد الأدني لسن الزواج بــ «18» سنة، وانتصرت آراء آخري تري أن الدين الإسلامي أو المسيحي لم يحددان سنا أدني للزواج.
وبقي النص القانوني يحدد فقط السن الأدني «لتوثيق» الزواج بـ 18 سنة، أملا في أن يمنع هذا من الزواج دون هذه السن خاصة للفتيات ، لكن ما حدث كان غير ذلك.
الخلاف الفقهي يدور حول الخلط بين سن التكليف بالفروض وبين سن الزواج، فمناط التكليف بالفروض (البلوغ)، بينما يرتبط الزواج بأهلية استباحة الفروج، التي اختلف الفقهاء في تحديدها، فمنهم من ذهب إلي أنها15 سنة ـ ومنهم من قال أنها 16 ومنهم من قال إنها 16 عاما، وهناك من وضعها عند سن18 سنة وهو المذهب الحنفي المأخوذ به في مصر.
لكن الدين الإسلامي وإن لم يحدد سنا صريحة لحد أدني للزواج، فقد أقر بأن أركان الزواج (الإيجاب والقبول وشاهدي العدل والإشهار)، والإيجاب والقبول هنا مرتبطان باكتمال الإرادة، التي رآها بعض الفقهاء لاتكتمل قبل الثامنة عشرة أو أكثر، وكذلك فقد حرم زواج (إسار الدين) أي تزويج الأب أو الأخ لابنته أو أخته سدادا لدينه، لأنها ليست سلعة ، وسدا لذرائع زواج المتعة أو الزواج السياحي أو الموسمي أو المسيار أو غير ذلك، وتبعا لقاعدة «درء المفسدة مقدم علي جلب المنفعة» أجاز بعض علماء الدين تحديد حد أدني لسن الزواج.
وتصف الدكتورة آمنة نصير - أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر- زواج الأطفال من مسنين عرب أو مصريين بأنه كارثة أخلاقية ووطنية بكل المقاييس، وأن تذرع الأسر بالفقر لا يبيح لهم بيع بناتهم والعودة إلي عصر النخاسة والإتجار في البشر، لأنه من باب فقر الأخلاق وعدم الكرامة والحط من قيمة بناتنا، والتلفح بالدين لمآرب غير جديرة بالاحترام لبناتهم، مطالبة بأن يطول القانون الأب والأم اللذين يفرطان في كرامة وعرض بناتهما، بما يردعهما عن إتيان هذا العمل المشين، وأن يشدد القانون علي إيقاع العقوبة علي كل الأطراف المتورطين في هذا السلوك الذي يرفضه الدين، لأن البنت في هذه الآونة تحتاج إلي قدر من العلم والثقافة والنضج لتحمل مسئولية الأمومة والحياة الزوجية، أما الرغبة في التخلص من البنات بالزواج المبكر فتخرج ولي الأمر من المسئولية التي كلفه الله بها.
ورفضت د.آمنة ما وصفته بتمييع القضية، عند النص علي تحديد حد أدني لتوثيق الزواج في القانون، وليس تحديد حد أدني للزواج، مؤكدة أن لولي الأمر أن يسن من القوانين ما من شأنه أن يحمي المجتمع، ويصونه من الانزلاق أو الالتواء أو الانحراف.
موضحة أن القياس علي زواج الرسول صلي الله عليه وسلم من السيدة عائشة في سن صغيرة، باطل، لأنها لم تكن بهذه السن الصغيرة التي يتداولها البعض، ولأن المستجدات الحالية في المأكل والمشرب والتعليم والثقافة، لا يصلح معها أن تتزوج الفتاة قبل أن تكمل تعليمها الثانوي أي في الثامنة عشرة، بالإضافة إلي أن السيدة عائشة كان لديها خصوصية حمل فقه وثقافة بيت النبوة بعد وفاة الرسول صلي الله عليه وسلم.
ويتفق معها الشيخ سيد زايد - عضو لجنة الفتوي بالأزهر ومدير مجمع الديري ببني سويف - في أن القياس علي زواج الرسول من السيدة عائشة لا يبني عليه، فالمرأة الآن تحتاج الان تعد لتكون مسئولة عن رعيتها، والطفلة في هذه السن الصغيرة غير مؤهلة لهذه المسئولية قبل أن تتعلم، وتبلغ سن الرشد وهو تقريبا18 سنة، أو 21 عاما سن الذمة المالية، معتبراً بعض علماء الدين الذين يعترضون علي تحديد سن الزواج هم معترضون فقط من أجل الاعتراض وليس إلي سند ديني حقيقي.
وتعجب الشيخ سيد من القوانين التي تجعل سن الذمة المالية 21 سنة، في حين تجعل سن الزواج أقل من ذلك، في حين أن مسئولية الزواج والإنجاب أكبر، معتبرا أن المأذون الذي يزوج الأطفال قبل 18 سنة يأكل من مصدر رزق محرم، وإذا مات الزوج قبل التوثيق تضيع الحقوق علي الزوجة (الطفلة) وأطفالها، والسنة النبوية تقول (لا ضرر ولا ضرار)، واصفا ولي الأمر الذي يرضي بتزويج ابنته في الخامسة أو السادسة عشر لثري عربي بأنه بائع (لضناه) ومفرط في مسئوليته التي أوكلها الله له (يوصيكم الله في أولادكم)، وأن مثل هذا الزواج هو جريمة بيع طفلة ومهاترات ونكاح فاسد ودعارة مقنعة، وكذلك بالنسبة للشهود، لقوله تعالي (وأشهدوا ذوي عدل منكم)، فالجريمة يتورط فيها الأب والشهود وأن هذا الزوج هو زان لا يهمه سوي الفرار من مطاردة شرطة الآداب من خلال ورقة عرفية، مؤكدا أن الزواج المبكر الآن يؤدي إلي طلاق مبكر حسبما تشير الإحصاءات والأحوال.
وطالب الشيخ سيد أعضاء مجلس الشعب الجديد خاصة نائبات الكوتة بأن يتبنوا تعديل القانون لينص علي تحديد سن أدني للزواج وليس سن توثيقية للزواج كما هو الآن، بما يتفق مع الدين والعلم والمنطق، باعتبار أن الله يزغ بالسلطان مالم يزغ بالقرآن.
بينما استدل الشيخ سالم عبدالجليل وكيل وزارة الأوقاف في موافقة الإسلام علي رفع سن الزواج إلي 18 سنة بالآية الكريمة (وابتلوا اليتامي حتي إذا بلغوا النكاح، فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم) باعتبار أن مسئولية الزواج أولي بالاعتبار من الذمة المالية، وهي تحتاج إلي بلوغ الرشد في العقل والتفكير لتحمل مسئولية الأسرة والأطفال، أما تزويج الفتاة قبل ذلك فيحمل وزرها الأب.
• سوابق قضائية
ويؤكد المستشار هاني جورجي القاضي بمحكمة المنصورة أن قانون العقوبات وقانون الطفل يكفيان لمنع هذه الجريمة، مستدركا بأن منعها لا يتم بالقوانين فقط، بل بمواجهة شاملة لأشكال التمييز ضد المرأة والفتاة، التي ينظر إليها دائما علي أنها في مرتبة أدني من أخيها، من خلال التوعية بمقاصد الشريعة الإسلامية التي تدعو لحماية المرأة، بالإضافة إلي التطبيق الجيد من خلال أعضاء النيابة العامة والقضاة الذين تدربوا بالفعل علي مكافحة أشكال العنف ضد المرأة ومن بينها زواج القاصرات.
وأسأل المستشار هاني: هل أجريت دراسات تحليلية علي مدي استفادة القضاة وأعضاء النيابة العامة من هذه التدريبات في تطبيق القانون لحماية الفتيات من هذه الجرائم، وملاحقة ومعاقبة المتورطين؟
ويجيب: مثل هذه الدراسات يقوم بها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية ومركز البحوث القضائية، لكن من الناحية الإحصائية نستطيع أن نرصد زيادة في عدد القضايا التي تحال للمحاكمة الجنائية، لتصبح هناك الكثير من الأحكام المتواترة والسوابق القضائية للتصدي لهذه الجريمة، فالدول لا تقيم فقط بمدي امتلاكها للقوانين بل بكيفية تطبيقها، وخلال إحدي هذه الدعاوي القضائية استطلع القاضي رأي مفتي الديار المصرية في زواج فتاة عمرها 14 سنة من ثري عربي في الستين، فجاءت فتوي المفتي بأن مثل هذا الزواج لايعتبر زواجا شرعيا بل هو نوع من النخاسة، وأن مثل هذا الأب ترفع عنه الولاية عن ابنته، ولهذا توقع العقوبة علي الأب والأم والزوج والسمسار والمحامي أو المأذون الذي كتب ورقة أو وثيقة الزواج، باعتبارهم شركاء في الجريمة، ويترك للقاضي تطبيق حدها الأدني أو الأقصي بحسب ظروف كل قضية، وكل هذا قد ساهم في حالات الإبلاغ عن مثل هذه الحالات سواء من أقارب الضحية أو جيرانها، بعد أن لمس الناس أن متابعة مثل هذه البلاغات أصبحت ملزمة ووجوبية ليحقق فيها أعضاء النيابة العامة تحقيقا قضائيا.
• ثغرات في الميدان
وتضع د.عزة العشماوي مديرة وحدة منع الإتجار في البشر بوزارة الأسرة والسكان يدها علي ثغرة في جهود منع الإتجار في البشر خاصة ما يتعلق بمنع زواج الفتيات دون 18 من مسنين مصريين أو عرب، تتمثل في عدم وجود خطة لمتابعة بعض الفئات التي تتلقي تدريبا علي مكافحة الزواج المبكر وزواج القاصرات، من خلال تعريفهم بمؤشرات التعرف علي الضحايا ومساعدتهم، مما يعوق تضافر الجهود بين الجهات المختلفة، معتبرة أن في غياب هذه الخطط تهدر الكفاءات البشرية، بالإضافة إلي قلة التنسيق بين الجهات المختلفة التي تعمل في أبعاد هذه القضية، والتي تركز عملها مع الفئات المهمشة والفقيرة.
وتوضح د.عزة أن الخطة الوطنية لمكافحة الإتجار في الأطفال تركز علي إمداد الأسر بالمعلومات التي تفيدهم في معرفة أبعاد هذه الظاهرة، بالإضافة إلي تمكين الفتيات من تنمية مهاراتهن ومواهبهن، ليثقن بأنفسهن، ويصبحن أكثر قدرة علي رفض هذه الثقافة التي تدعم الزواج المبكر، وأكثر قدرة علي المطالبة باستكمالهن التعليم، ومن ثم الحصول علي فرصة عمل، حتي لايضطررن لقبول مثل هذه الزيجات أو الفرح بها، والأمر ليس مسئولية جهة بعينها، بل هو مسئولية مشتركة بين المدارس ووزارة الأسرة والسكان ووزارة الصحة وغيرها من الجهات التي تضمنتها الخطة الوطنية لمكافحة الإتجار بالأطفال
فتوي مفتي الديار المصرية
اعتبر مفتي مصر الدكتور علي جمعة أن زواج القاصرات زني، وأفتي «بأن زواج القاصرات يعتبر استغلالا جنسيا للأطفال ويجب معاقبة من يفعله أو يقوم به سواء كانوا الأبوين أو المحامين أو الوسطاء (السماسرة) ، مؤكداً أن «الأب الذي يزوج ابنته القاصرة لرجل في عمر جدها يعتبر «فاسقا»، وتسقط ولايته علي أبنائه، ولابد من عقاب الأب والأم والوسيط والمحامي والزوج، وأن يكون العقاب رادعاً لمواجهة هذه الظاهرة.
حبس مأذونين بشبين القناطر لتزويجهما القاصرات
ألقت مباحث الأحوال المدنية القبض علي مأذونين بشبين القناطر والشرقية احترفا تزويج الفتيات القاصرات اللاتي لم يبلغن سن الزواج عن طريق تزوير أعمار الفتيات في صور شهادات ميلادهن، وتبين أنهما قاما بتزويج مائة وخمسين فتاة نظير تقاضيهما مبلغ ألف جنيه عن كل زواج، وأمر اللواء مصطفي راضي مساعد أول الوزير لمصلحة الأحوال المدنية بإحالتهما إلي النيابة التي أمرت بحبسهما.. وكشفت التحقيقات عن قيام مأذون بمنطقة بندر شبين القناطر بتزوير صور شهادات ميلاد القاصرات اللاتي لم يبلغ أعمارهن ثلاثة عشر عاما وذلك بتدوين سن أكبر من عمرهن الحقيقي وأنه قام بتزويج خمس وخمسين فتاة بهذه الطريقة.. وأضافت التحقيقات قيام مأذون بمركز ههيا بالشرقية بتزويج فتاة قاصر عمرها 12 سنة بموجب صورة ضوئية من شهادة ميلاد شقيقتها الكبري نظير تقاضيه ألف جنيه وتبين أن المأذون احترف التلاعب في صور شهادات الميلاد لتزويج الصغار.. حتي افتضح أمر المأذونين عندما توجها لمصلحة الأحوال المدنية لتسجيل وقائع الزواج علي أجهزة الحاسب الآلي، وتبين اختلاف أعمار القاصرات المتزوجات في وثائق الزواج عن أعمارهن المدونة علي الحاسب الآلي، وأحيلا إلي النيابة التي أمرت بحبسهما.
ساحة النقاش