إعلان تأسيس تحالف عربي لحمايتهن
نسـاء للبيــع!
كتبت - سامية عبد السلام:
<!--<!--
في الوقت نفسه الذي جفت فيه حلوق المشاركين في المؤتمر الإقليمي لمناهضة العنف والاتجار بالنساء والبنات, كادت الدموع تذرف من عيونهم وهم يناقشون أحوال النساء الفقيرات اللاتي تتم المتاجرة بأجسادهن قهرا,
لأن الواقع أقسي من أي تصور.. لذلك كان أهم ما خرج به المؤتمر ـ الذي عقد بالقاهرة ـ من توصيات هو إطلاق تحالف عربي لمناهضة الاتجار بالنساء اللاتي يمثلن الغالبية العظمي من بين72 مليون ضحية علي مستوي العالم.
فحول مائدة الحوار, وعلي مدي ثلاثة أيام ـ بداية هذا الأسبوع ـ طرحت الأوراق من أبحاث ودراسات وآراء تعكس الواقع المرير ليتحول المؤتمر إلي جلسة مصارحة غير مسبوقة تتناسب مع أجواء الربيع العربي التي هبت علي المنطقة.
فالكل يعترف: نعم.. بلدنا مصدر للدعارة.. وبلدنا مستقبل لهذه الدعارة.. لدينا إساءة معاملة للعمالة المنزلية..لدينا تجارة أعضاء وزواج قاصرات.. قوانين العمل في بلدنا لا تشمل خدم المنازل..لدينا نظام سيئ لآدمية الإنسان اسمه الكفيل.. ليس لدينا قانون لمكافحة الاتجار بالبشر.. لدينا قانون ولكنه غير مفعل.
اعترافات صريحة ومؤكدة صدرت عن المشاركين من المغرب والبحرين وسوريا وتونس والأردن واليمن والسودان ولبنان ومصر, دلل عليها كل متحدث ومتحدثة, معترفا بأوجه القصور وأيضا بالجهود التي تتم لمناهضة هذه الظواهر السلبية, خاصة من قبل منظمات المجتمع المدني, الذين أكدوا أهمية دورها إلي جانب الجهود الحكومية من سفارات وبعثات دبلوماسية ووزارات معنية, لأن استغلال النساء غالبا يتم في إطار هجرة العمالة من البلدان الفقيرة إلي البلدان الثرية, وهنا تبدأ المعاناة من تدني الرواتب وعدم دفعها والتعرض للحبس والتعذيب والتحرش الجنسي والإجبار علي ممارسة الدعارة والإقامة الجبرية في ظل هذه الظروف السيئة, لأن كثيرا من هذه الدول تطبق نظام الكفيل الذي يحرص دائما علي احتجاز جواز سفر العاملة.
باب الخدم
وعلي جانب آخر, هناك شبكات دولية للدعارة تنظم سفر النساء للعمل كخدم منازل إلي دول بعينها, ثم يتم نقلهن عبر دول أخري إلي الدول المستقبلة وفقا للمواسم السياحية.
والنتيجة هي أن الدول التي تطلب عمالة منزلية تشكو لأن العمالة تهرب بعد استلامها العمل بأيام بعد أن تكون كلفت الأسر الكثير من مصروفات الانتقال ومقدم الراتب, والدول المستقبلة تشكو من الإساءة لسمعتها, والعاملات اللاتي دفعهن الفقر إلي العمل كعاهرات غير راضيات عن أنفسهن, حتي لو كان الظاهر غير ذلك, فغالبا يدور في رأس كل منهن سؤال: هل أبيع نفسي أم أترك الآخرين يبيعونني؟.. فإذا تركت هؤلاء الآخرين يتولون الأمر, فلن تقبض الثمن وستنتهك في ظل ظروف غير آدمية, أما إذا تولت هي الأمر, فستحصل علي النصيب الأكبر من الثمن, فهي مثل فريسة خيروها بين أن ينهشوا لحمها بمخالبهم وأنيابهم أو أن يأكلوه بالشوكة والسكين حتي وإن كانوا سيأكلون هذا اللحم ثم يلفظونه بكل ازدراء.. وهنا قد يقول قائل إنه ليس هناك إجبار.. فقديما قالوا: تموت الحرة ولا تأكل بثدييها دون أن يتأمل العبارة التي تؤكد أن المرأة لها الخيار, وهو أمر غائب في مثل هذه الظروف.
بيع الصبايا
شكل آخر من أشكال الدعارة بمباركة من الأهل يتم في كثير من المجتمعات الريفية الفقيرة التي تحولت إلي ما يشبه أسواق النخاسة بيع الجواري, حيث تتزوج القاصرات من الكهول مقابل حفنة من الدنانير أو الريالات لعدة أشهر أو أسابيع وأحيانا أياما, وبعد رحيل الزوج الذي غالبا ينسي ضحيته بمجرد عودته لبلده تعود الطفلة الضحية إلي الفقر من جديد وهي تحمل في أحشائها طفلا سيقاسمها الفقر والبؤس بقية عمرها.
ونظرا لانتشار هذه الظواهر حرص مركز وسائل الاتصال الملائمة من أجل التنمية( آكت) علي تنظيم هذا المؤتمر باعتباره إحدي مؤسسات المجتمع المدني التي تتبني مشروع مكافحة أشكال العنف ضد النساء في مصر ومساندة النساء المعنفات.
وقد أوضحت عزة كامل مديرة المركز أنه إذا كانت الدول العربية لا تعترف بوجود ظاهرة الاتجار بالنساء بها, وتقول إنها مجرد حالات, فإن منظمات المجتمع المدني بهذه الدول تجري دراسات علي الأنواع المختلفة عن الاتجار تشمل زواج القاصرات وعمل خادمات المنازل والدعارة وأي عمل به استغلال للنساء والبنات, وكذلك الوافدات من الدول الأخري اللاتي تجلبهن شبكات للدعارة, تثبت وجود الظاهرة وتبحث عن كيفية التصدي للانتهاكات التي تتعرض لها النساء في ظل تجاهل قوانين العمل لهن, وذلك وفقا لتقارير منظمة العمل الدولية التي تؤكد أن اثنتين من بين كل ثلاث نساء يتم الإساءة إليهما واستغلالهما.. ووجود هذه الشبكات أكدته خولة مطر مديرة مركز الأمم المتحدة للإعلام في مصر.
القانون المصري افضلهم
وبالنسبة لمصر ـ والكلام مازال لعزة كامل ـ فيها قانون( رقم64 لسنة2010) لمكافحة الاتجار بالبشرة يعد من أفضل القوانين التي صدرت في هذا الشأن, فإن هناك نصوصا في قوانين أخري تعوق تطبيق بعض بنوده مثل قانون العقوبات, وذلك باعتراف المنظمات الدولية.
هذا الاعتراف جاء علي لسان توحيد باشا مدير البرامج بالمنظمة الدولية للهجرة الذي عرض جهود المنظمة في العديد من الدول ومن بينها مصر, حيث توفر المنظمة أماكن لضحايا الاتجار من النساء والأطفال لتلقي الرعاية الصحية والنفسية في مكان سري بالقاهرة ورصدت ميزانية لهذا الغرض وخصصت وحدة لرعايتهن صحيا بمستشفي أهلي في المعادي, وأن هناك تعاونا مع وزارة العدل ومكتب النائب العام لرصد الحالات وملاحقة الجناة قضائيا وتدريب القضاة ووكلاء النيابة علي كيفية تطبيق القانون الجديدة, وأن المنظمة تركز اهتمامها في المرحلة المقبلة علي منطقة الشرق الأوسط. وأكد من جهة أخري, أهمية تعاون المنظمة مع مؤسسات المجتمع المدني لأنها الأقدر علي الوصول للضحايا ومساعدتهم علي توفير مناخ الحماية, خاصة لمن لا يستطيع اللجوء للجهات الرسمية.
وقد أتاح تأكيد توحيد باشا علي أهمية دور مؤسسات المجتمع المدني الفرصة لممثلي هذه المؤسسات للدخول في حوارات وطرح رؤي وأفكار وكان من بينهم مريم الرويعي من البحرين, وفاطمة أبو طالب من المغرب, وتريزة ريان من الأردن, التي أشادت بدور السفارة المصرية في عمان في مكافحة الظاهرة وحماية النساء, ومن مصر شاركت د. إقبال السمالوطي رئيسة جمعية حواء المستقبل التي تتبني مشروعا عن زواج القاصرات في البدرشين والحوامدية, وصابر عبده جزر رئيس جمعية تنمية المجتمع بمنيل شيحة التي تتولي بناء قدرات البنات المعرضات للزواج من الأثرياء العرب.
وكانت نتيجة النقاش الخروج بمجموعة من الاستراتيجيات تتمثل في الوقاية والحماية والتشريع وتتلخص في دفع السياسات الحكومية في اتجاه مكافحة الاتجار بهن بالمناهج الدراسية وتشكيل لجان وطنية عربية لرسم السياسات التي تحد من الظاهرة وتوفر المأوي والرعايا للضحايا وتنظم الحملات لحث الدول التي لم تصدق علي الاتفاقية الدولية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الحدود للتصديق عليها, ودفع الدول التي لم تصدر قوانين لمنع الاتجار بالبشر إلي إصدارها وإصدار قوانين تجرم العنف الأسري وإيجاد إطار قانوني لتنظيم حقوق العمالة المحلية والوافدة, بالإضافة إلي إطلاق تحالف عربي لوضع قضية مناهضة الاتجار بالنساء والبنات علي رأس أولويات الحكومات والرأي العام والشبكات والتحالفات والملتقيات غير الحكومية.