<!--<!--<!--<!--

لأكمل لكم يومي أمس. أخيراً وصلت محطة حلوان، وخرجت من المحطة، وكنت واقفة بالخارج مع بعض صديقاتي وزميلاتي في العمل. وبعدين عادي يعني كان هناك بنتان من أطفال الشوارع: الكبري عندها حوالي 10 سنوات، والصغري عندها حوالي 7 أو 8 سنوات.

وطبعاً البنتان ظلتا تتسولا منا أي مبلغ من المال، فبدأت صديقتي الحوار مع الكبري، واسمها علي اسم إحدي بنات النبي (صلي الله عليه وسلم). وعندما أخبرتنا باسمها، سألتها: "أنتِ عارفة اسمك ده علي اسم مين؟" فلم تعرف، فمتصدمتش أوي يعني. فحاولت أسهل لها إجابة السؤال، فسألتها سؤالاً آخر: "طب أنتِ عارفة النبي بتاعنا اسمه إيه؟" فلم تعرف، فصدمت بجد! ولكني لم أيأس، وقررت أن أوجه لها سؤالاً  آخر لأسهل عليها الإجابة: "طيب أنتِ بتقولي: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن "مين؟" رسول الله". وقلت في نفسي أكيد هتعرف بأي، ولكنها أيضاً لم تعرف. اتصدمت جداً بجد! فسألتها سؤالاً آخر من باب حلاوة الروح يعني: "ليه هو أنتِ مش يتصلي؟" فأجابت بالنفي. وهذه المرة لم أُصدَم من الإجابة لأني خلاص توقعت المستوي.

طبعاً، كل ده وهي عمالة تشحت مننا إن شا الله ربع جنيه، واحنا في برود تام عمالين نتكلم معاها في موضوعات تانية خالص. المهم، صاحبتي قعدت تقول لها مبتصليش ليه وانها لازم تصلي. فقالت "حاضر بكرة" وكان يبدو من نبرة صوتها وطريقتها وهي بتقول ذلك أنها لا تنوي أن تصلي بكرة ولا حاجة، ولكنها بتقول كده عشان تريح دماغها من زننا.

وبعدين صاحبتي ظلت تنصحها بأن تذهب إلي جمعية رسالة ليعلموها ويعطوها فلوس، فقالت: "أصل امي بتخاف عليَ" فكان الرد التلقائي والمنطقي مني أنا وصاحبتي: "وهي أمك مش خايفة عليكِ وأنتِ في الشارع كده؟!" فأشارت بيدها وقالت: "لا، أصلها قاعدة هنا".

ظلت تشحت، وظللنا مصرين علي ألا نعطيها شيئاً، وجبتها لها من الآخر: "احنا مش بندي اللي بيشحت، لو بتبيعي حاجة كنت هاشتري منك". فقالت أنها مش معاها فلوس تشتري بيها مناديل عشان تبيعها، وبعدين بعدها بشوية لما عرفت إني عاوزة مناديل، قالت لي هتروح تشتري منديل وتبيعهولي بجنيه، فسألتها: "هو أنتِ مش قلتِ إنك مش معاكي فلوس؟" فقالت: "لا معايا" وأشارت إلي جيب البنطالون، فوضعت يدي علي ركبتها حيث جيب البنطالون فوجدت أن به فلوس فعلاً. فقلت لها: ماشي، روحي اشتري كيس مناديل وأنا هشتريه منك، لأني فعلاً كنت محتاجة مناديل. فراحت اشترت واشتريته منها.

ثم غادرنا المكان. ذكرني هذا الموقف بموقف حدث مع بعض صديقاتي قريباً أثناء قيامهن بتنظيف الجدران أمام مسجد محمود. فقد قابلن ولداً وبنتاً من أطفال الشوارع. وهذه الرواية كما كتبتها صديقتي:

"واحنا بنشتغل فوجئنا بولد يمكن سن عشرة أو أحد عشر سنة جاي يقول: ماليش دعوة أنا عايز أساعدكم!!!! (يعني مساعدة بالعافية، ناهيك عن انه كان... ماسك في ايده الشمال سيجارة مخبيها!!). قلنا له روح هات فرشاة وتعال. قال ما عنديش غير فرشاة رسم صغيرة! (كان بيستخدمها في رسم الأعلام على الوشوش تقريبا!). جابها وقلنا له يعمل ايه.. والولد فعلا اشتغل بفرشاته الصغيرة وبجد.. وساعتها أعطيناه فرشاة كبيرة.. ولقيناه نادى بنت أكبر منه شوية والاتنين اشتغلوا بمنتهى الجد وما طلبوش أي فلوس.. وكل ما نقولهم طيب هاتوا نكمل يقولوا: لأ يا أستاذة انا هاكمل :))) حقيقي كان اجمل مفاجأة في اليوم على الإطلاق :))

يا تري ما الفرق بين الحالتين؟ اتنين عاوزين فلوس، واتنين عاوزين تقدير. مع إن كل الناس أكيد تحتاج إلي التقدير، ولكني أتكلم عن مواقف بعينها.

العيال دول هيكبروا لا عندهم قيم ولا أخلاق، بل بالعكس هيكبروا وهم عندهم قيم غلط. وهيتجوزوا ويخلفوا ويطلعوا ولادهم بنفس الطريقة - إلا من رحم ربي. طب دول مش خطر علي المجتمع؟ ودول مش طاقة بشرية مهدرة؟

طب يا تري ما الحل؟ الولاد دول محتاجين إيه؟ محتاجين يعيشوا عيشة طبيعية زي الناس. محتاجين: لقمة عدلة ياكلوها، مكان آدمي يعيشوا فيه، رعاية صحية، تقدير، تعليم، تربية. وفي نفس الوقت اللي يصعبوا فيه علي الواحد، هم مش سهلين أكيد وفي رأيي محتاجين تعامل مؤسسي. يعني يكون فيه مؤسسات هي اللي تتولي جمع الولاد دول وتأهيلهم عشان يكونوا مصدر خير وليس مصدر خطر للمجتمع.

طب احنا دورنا إيه؟

1-      لا نعطي المتسولين لأننا بذلك نساعدهم علي الاستمرار في التسول ومعروف أن التسول في ديننا أمر مرفوض. فسؤال الآخرين لا يجوز إذا كان فيه تذلل، أو مهانة للنفس، أو جرح للمشاعر أو نيل من الكرامة. والسائل المقصود في قوله تعالي: "وأما السائل فلا تنهر" هو طالب العلم أو من يسأل ليسد جوعه. وبمجرد سد جوعه، يتوقف عن السؤال. أما من نراهم في الشوارع فهؤلاء المستكثرون الذين يطلبون مني، ومنك ومنه ليحصلوا علي المزيد والمزيد.  والنبي (صلي الله عليه وسلم) يقول: "مَن سأل الناس أموالهم تكثرًا فإنما يسأل جمرًا فليستَقِلَّ أو ليستكثر ".ويقول: "لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس في وجهه مُزْعة لحم" أي قطعة لحم، ومعناه أنه يأتي يوم القيامة ذليلاً لا كرامةَ له عند الله.

2-      نساعد من يستحق المساعدة حقاً من أقارب أو جيران أو معارف، أو حتي نعطي أموالنا إلي جمعيات خيرية موثوقة تتولي هي توزيع هذه الصدقات. ويمكن أن نعطي جمعية "مصر الخير" لأن بها ميزة مهمة جداً وهي أنها تخصص صندوقاً أو حساباً لتقبل الزكاة وآخر لتقبل الأوقاف. والفرق، لمن لا يعرف، أن في الزكاة يتم استخدام  الأموال نفسها. أما في الأوقاف، فيتم تشغيل هذه الأموال في مشروعات. ومن أرباح هذه المشروعات، يتم الإنفاق علي مختلف أوجه الخير. كما أن الزكاة يستفيد منها المسلمون فقط، أما الأوقاف فيستفيد منها الجميع، المسلم وغير المسلم. وهذا موقع المؤسسة: http://www.misrelkheir.com/index.html وهذا رقم الهاتف: 16140

3-      نربي ونعلم قيمة العمل، والاعتماد علي النفس ومباديء الدين الصحيح. يعني من يستطيع الوصول إلي هذه الطبقة البسيطة التي لم تصل بعد إلي درجة التسول، ويغرس في الأطفال القيم الدينية فليفعل لأن التدين الحق هو أكبر ضامن لألا يتحول هؤلاء إلي متسولين أو مجرمين.

4-      بذلك، نكون علمنا قيمة العمل وقدمنا مساعدات مادية. ولكن هذا لا يكفي، حيث يبقي أن نعلمهم كيف يعملون ويحصلون علي المال من خلال العمل. نحتاج إلي مساعدة كل واحد أن يكتشف إمكاناته وقدراته ليوظفها في عمل ينفع به نفسه والآخرين، ويحصل من خلاله علي مال. وأثناء قيامنا بذلك، نحتاج إلي القيام بذلك مع أنفسنا. يعني أنا لو مش فاهمة نفسي ولا عارفة إمكانياتي مش هاقدر أساعد غيري في ذلك. ومسألة اكتشاف الواحد لقدراته هذه مسألة مهمة جداً ليس فقط من الناحية المادية، بل من الناحية النفسية والاجتماعية، لأن الإنسان عندما يكتشف قدراته، ويوظفها ويري نتائج هذا التوظيف في نفع الناس تزيد ثقته بنفسه، ويشعر أن له قيمة، وأن له هدفاً، وأن لحياته معني، ويشعر بنعمة الله عليه أن وهبه هذه الموهبة أو تلك فيشكره عليها. وهذا مقال كنت كتبته بعنوان "رحلة إلي الأعماق" تحدثت فيه عن طرق عملية تساعد الإنسان علي اكتشاف مواهبه: http://kenanaonline.com/users/self-development/posts#http://kenanaonline.com/users/self-development/posts/151092

5-      حاسة إن كل النقاط اللي فاتت دي حلول غير مباشرة أو يعني بمعني أدق وقائية لنحافظ علي الآخري من التحول إلي التسول. بصراحة، ليس لدي حل مباشر. ممكن اللي مهتم يحاول يتواصل مع الجمعيات الخيرية أو مؤسسة مثلاً زي مصر الخير ويشوف لو بيعملوا حاجة لأطفال الشوارع ويساعد فيها بوقت أو بجهد أو بفكر. ممكن كمان اللي يحب، يضع تصوراً لحل المشكلة ولتأهيل هؤلاء في حدود قدراته ويبتدي، أو يكتب التصور ده ويبعته علي صفحة حكومة د. عصام شرف مثلاً.

المحطة الأخيرة: عند مسجد محمود. انتظروا الجزء الثالث والأخير :)

  • Currently 25/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
7 تصويتات / 181 مشاهدة
نشرت فى 8 مارس 2011 بواسطة hoda-alrafie

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

47,986