<!--<!--<!--

طبعاً عنوان طويل وغريب.. سأحكي لكم. كان اليوم يوم ثريا بالنسبة لي، علي الرغم من أنه يبدو في الظاهر يوماً عادياً جداً، والشوارع مزدحمة حتي اضطررت للنزول من الميكروباص والمشي حتي محطة مترو حتي لا أتأخر عن موعدي، وعلي الرغم من أنني نمت متأخرة أمس واستيقظت مبكراً. أي أن اليوم من قبل أن يبدأ حتي ويبدو أنه سيكون متعباً علي الأقل بسبب قلة النوم.

المهم، ذهبت إلي المترو وركبته من محطة الدقي، وكنت أريد النزول في حلوان، آااااخر محطة في المترو. ولذلك كان علي التغيير في محطة السادات. عندما تحرك المترو من محطة الأوبرا السابقة للسادات، استعددت للنزول. ولا أدري ما الذي جعلني أنظر إلي باب الصعود، فرأيت سيدات كثيرات واقفات أمام باب الصعود وهن متوجهات نحو الباب. هذا معناه أنهن سينزلن من باب الصعود. ودار بيني وبين نفسي هذا الحوار الذي لم يستغرق سوي دقائق قليلة جداً:

من أخلاق المسلم الإيجابية، هاروح أقول لهم ينزلوا من باب النزول

المترو زحمة يا هدي ومش هتعرفي توصلي لهم تكلميهم وبعدين ترجعي تاني عشان تنزلي من باب النزول

طب آهي الطرقة فضيت شوية ممكن أروح أكلمهم

خلاص مش هتلحقي، المحطة قرّبت.

طيب خلاص :( .. لا لسة، ممكن ألحق. ممكن حتي أروح أكلمهم، وبعدين أمشي لباب الطلوع اللي بعده وأكلمهم وأنزل من باب النزول التاني.

أصل الدنيا زحمة

يعني انت شايفة إن ده مبرر؟! اللي عاوز يلتزم هيلتزم وزي ما فيه ناس مش بتلتزم في الزحمة فيه باردو ناس بتلتزم

خلاص مش هتلحقي.

وبدأ المترو يتباطأ، ولاحت المحطة لي من زجاج الباب. ونزلت من باب النزول، ونزلن من باب الصعود. مشيت أكلم نفسي تاني وأنا متضايقة:

يعني إيه أسوأ حاجة هتحصل يعني؟

هتقول لي ملكيش دعوة؟

هبأي أقول لها "الله يسامحك" وخلاص، أو ماردش عليها.

لازم يا هدي متخافيش من رد فعل الناس.

آااااه فاكرة يا هدي لما سمعتِ مش فاكرة مين كان بيقول (أو بتقول) يا ريت زي ما فيه ناس في المترو بتقول للناس دعاء الركوب بصوت عالي، نقول كمان للناس يلتزموا بالطلوع والنزول من الأبواب المخصصة؟

خلاص، أنا مشواري طوييييييل، لأني نازلة في آخر محطة، ولازم يكون لي دور في الفترة اللي هاكون راكبة المترو فيها. أنا هاطلع من باب الطلوع، وهاقف جانبه. وكل ما ألاقي واحدة نازلة من باب الصعود هاطلب منها تنزل من باب النزول (لأنني لست الشخصية التي تتحدث علي الملأ، بصوت مرتفع، وموجهة كلامها إلي أشخاص كثيرين).

ثم استحضرت نيتي حتي أشجع نفسي أكثر:

- المسلم إيجابي ولما بيشوف حاجة غلط بيحاول يغيرها

- المسلم منظم

- أساهم في نهضة بلدي مصر

وفعلاً، صعدت. وكان المترو مزدحما جداً (محطة السادات بأي :))). فكلمت السيدة التي كانت واقفة بجواري: "ممكن أطلب من حضرتك طلب؟ ممكن تنزلي من باب النزول؟" فبدا لي من نظراتها أنها ترددت بسبب الزحام وخوفها من أن تفوتها المحطة دون أن تنزل، فاستكملت كلامي: "ده حتي ربنا يجازيكي خير والناس تقلدك، وإن شاء الله هتلحقي تنزلي" فاستجابت وشقت طريقها وسط صفوف الواقفات نحو باب النزول، فقلت لها: "ربنا يكرمك"

لم أتوقف، ولكني التفتُّ إلي الفتاة التي كانت تقف أمامي، واستأذنتها أن تنزل من باب النزول. لا أتذكر ردها بالضبط، ولم أسمعه جيداً أصلاً، ولكن يهيأ لي أنني سمعت كلمة "زحمة". فقلت لها: "ماهو لو الناس التزمت بالنزول من باب النزول والطلوع من باب الطلوع، احنا أول ناس هنرتاح". لا أتذكر باقي الحوار، ولكنها في الآخر، قالت لي: "طيب" أو "حاضر" وعلي ملامح وجهها قدر بسيط من الضيق، ثم أدارت وجهها أمامها، فتأكدت أنها "عملت ودن من طين وودن من عجين".

التفتُّ للبنت التي تقف بجواري، ثم قلت لنفسي: "ماهي سمعت الكلام اللي قلناه، لو عاوزة تتحرك هي وتنزل من الباب الصح هتنزل منه".

وأخذت استراحة قصيرة حتي المحطة التالية :)) وطبعاً كل هذه الحوارات لم تستغرق سوي دقائق بسيطة، لأن كل هذا في أول محطة :))

خلا المترو، فوقفت مستندة إلي الكرسي المجاور للباب، وأخرجت كتاباً من حقيبتي، وشرعت في القراءة. واتخذت الوضع المناسب استعداداً لمواصلة مهمتي التنظيمية التي أسندتها إلي نفسي هذا الصباح.

تكرر موقف كثيراً، ولا أنكر أنني رغم أنني حققت نجاحاً عدة مرات إلا أنني أحياناً كنت أشعر بالتردد. لا أدري لماذا؟

هل غرور "عملتي شغل حلو أوي، كتر خيرك، كفاية كده"!!! يعني ده اسمه كلام؟! أليس من المفترض الإكثار من الخير خاصة وأنني خضت الموقف عدة مرات ونجحت بفضل الله؟ شيء غريب! هل هذا هو التفسير؟ لا أعرف....

هل خوف؟ لماذا؟ لقد جربت ولم ألقَ ما يسوءني حتي هذه اللحظة. إذن هو خوف غير مبرر.

ماذا أيضاً قد يكون سبب هذا التردد؟؟ لا أعرف الآن، ولكني المرةالقادمة التي سأشعر فيها بمثل هذه المشاعر سأنتبه أكثر إلي الأفكار التي تدور برأسي وقتها فتحرك هذه المشاعر.

المهم، أحياناً كنت أترك بعض السيدات ينزلن دون أن أعلق (ولا أعرف إن كان هذا صواباً أم أن هناك ما هو أصوب) عندما تكون مثلاً امرأة تحمل طفلاً، والمحطة خالية فلا يوجد من يزاحمها علي الباب وقد يسبب لها ضرراً.

أريد الآن أن أذكر لكم بعض الردود التي كانت تأتيني من الناس، وسوف أقسهما إلي الردود المستجيبة والردود الرافضة.

أولاً: الردود المستجيبة:

- يا سلام.. بس كده؟ - شكراً - عندك حق

- "حاضر": وهذه الكلمة كانت مصحوبة بابتسامة تكررت من أكثر من شخصية، أحاول حتي الآن تفسير المشاعر التي تختبيء خلفها، ولكني لا أستطيع الوصول إلي التفسير الذي يريحني وأطمئن إليه. ولكن ممكن مثلاً نقول: كأنها تريد أن تقول "عندك حق" أو خجل من النفس ورغبة في الحفاظ علي ماء الوجه في نفس الوقت. ولذلك، كنت أحرص أن أشكر كل من تستجيب بابتسامة صافية :)

- "هو ده باب إيه؟" قد يكون هذا السؤال لحفظ ماء الوجه فتتظاهر بأنها لا تعرف حتي لا تبدو أنها مخطئة، وكانت إجابتي أن هذا باب الصعود + ابتسامة بريئة :))). ولكني قلت لنفسي: "ليه سوء الظن؟ ما يمكن تكون مش عارفة فعلاً". لا أتذكر إن كان هناك ملصق بجوار الباب يحدد إن كان باب نزول أو صعود أم لا. وهذا أتي لي بفكرة الآن أنني يمكنني الاحتفاظ في حقيبتي بقلم (طبعاً مش قلم جاف ولا رصاص!) لأكتب بجوار الباب "صعود" أو "نزول" إذا لم يكن الملصق موجوداً كي ندحض هذه الحجة.

ثانياً: الردود الرافضة:

- مش قادرة أمشي

- "أصل الباب بعيد عني": مع إني أخذت بالي أن بعض هؤلاء المتحججات بهذه الحجة كن جالسات في الكنب الذي هو بين باب الصعود وباب النزول، أي أن كلا البابين علي نفس المسافة منها تقريباً.

ولمثل هؤلاء، كنت أقول: "ده قريب، مش بعيد ولا حاجة". ولإحدي السيدات، أضفت علي الرد السابق: "ده حتي المشي رياضة" ولكن كان الرد منها أن المضوع ليس موضوع رياضة لأنها لا تستطيع أن تمشي، فدعوت الله لها أن يهديها الصحة. وبصفة عامة، لم أكن أجادل أو ألح مع من لا تستجيب.

وأخيراً، تركت مكاني بجوار الباب وقررت الجلوس للاستراحة عندما اطمأننت أن الأمن استتب، إذ كانت المحطات الأخيرة خالية ولم يكن هناك صاعدة ولا نازلة.

أعرف أنني أطلت جداً في هذا الجزء، "ولسة هاطول" :)))

الآن أريد أن أعلق علي أحداث المترو:

1-      أسعدني أن معظم الناس كانوا يستجيبون، وهذا ينفي إلي حد ما نظرية "ماهم عارفين الصح من الغلط". حتي لو يعرفون، فإن هذا لا يغني عن النصيحة. وهذا قد يكون مؤشراً أيضاً أن الناس ليسوا "وحشين" و"غلسين" كما يصور لنا خيالنا أحياناً عندما نقبل علي مثل هذه المواقف.

2-      أسعدني جداً أيضاً أن حتي السيدات اللاتي رفضن كن يجبنني بأدب، ولم تقل لي واحدة "وانت مالك؟" أو "ملكيش دعوة" أو أشياء من هذا القبيل.

3-      معظم الرافضات كن من السيدات (الأكبر سناً) وليس من الفتيات.

4-      مرة أخري: كثير من مخاوفنا وهمية، وكثير من مخاوفنا نعطيها أكبر من حجمها. هل تذكرون عندما حكيت لكم في مقال آخر عن "الست بتاعة القرنبيطة" و"الراجل بتاع اللب"؟ اللي مش فاكرهم أو ماقرأش المقال أصلا، ممكن يقرأه هنا (بس بعد مايخلص المقال ده :)))

http://kenanaonline.com/users/self-development/posts/223342

5-      ماذا نفعل لنتغلب علي مخاوفنا؟

أولاً: وضح مخاوفك لنفسك. وكن صريحاً مع نفسك. لا تبرر مخاوفك قبل أن توضحها لنفسك أصلاً. اسمع نفسك.

ثانياً: اسمع تبريراتك ومخاوفك وناقشها مع نفسك بمنطقية. وخليك مؤدب مع نفسك، يعني بلاش تاخدها عافية وتقول لنفسك "إيه الكلام الفاضي ده؟ إيه الخوف ده؟...." وتفضل توبخ في نفسك. ده مش هيجيب نتيجة كويسة. فعلا فعلا لازم نحترم نفسنا :)))

ثالثاً: فكر في أسوأ سيناريو ممكن يحدث، وفكر إزاي هتتعامل معاه لو حصل فعلاً.

رابعاً: استحضر نيتك "ليه هاعمل كده؟" لتشجع نفسك.

خامساً وأخيراً: اعمل الحاجة اللي أنت خايف منها.

سادساً معلش: ادعُ لي :)

كفاية علي كده النهارده عشان أقوم أتعشي وأتفرج علي التليفزيون. علي فكرة، أنا كده لسة مكملتش باقي اليوم "في المترو، خارج المترو، وعند مسجد محمود". أنا كده يا دوب حكيت لكم "في المترو" بس :))

وبصوا أنا مش قادرة أراجع المقال قبل ما أنشره، ومش قادرة أستني لحد ما أراجعه وبعدين أنشره. هانشره وخلاص. ماشي :)))

  • Currently 35/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
11 تصويتات / 281 مشاهدة
نشرت فى 7 مارس 2011 بواسطة hoda-alrafie

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

50,615