كانت الجامعات المصرية والمدارس هي مصدر الفكر السياسي الواعي لما يحدث على الخريطة السياسية بمصر قبل ثورة 23 يوليو 1952 .... لكن أطل شبح آخر هدد الشعب المصري وقضى على ما تبقى لديه من أمل .. حيث تم وأد الديمُقراطية في مهدهما بمساعدة أكثر من 1500 من المخابرات العامة والحرس الجامعي ... بل وتم إذلال أعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم إلى درجة لا تسمح لهم بالتفكير الحر والإبداع ... كلٌ في مجاله ... ظلت الغالبية العظمى منهم يبحثون عن العيش على حد الكفاف دون مراعاة لما يتطلبه مكانهم ومكانتهم العلمية والفكرية ... لم يكتفِ الزعماء الذين توالوا علينا بحالة البؤس والشقاء التي أصابوا بها هذه الفئة المفكرة من المجتمع المصري بل بدأوا وعمدوا إلى تهيئة بيئة تنافسية لتلجيمهم واسكاتهم عن أية مطالب ... وصنعت مجموعة من الموالين لهم وتقليدهم المناصب الحاكمة للسيطرة على الجامعات وإسكاتها إلى أبد الآبدين .... حتى يسهل قيادة البلد دون أية منغصات ... تحدٍ سافر لإرادة هذه الفئة ... ضاربين عرض الحائط بالمبادئ العامة لشعوب العالم المتحضر وتطلعات الشعوب.
بدأ اتباع النظم السابقة بالظهور وكسب الأنصار ودغدغة عواطف الراغبين في النفوذ .... بشراء الذمم والتسويق لذاتهم والتنسيق مع بعضهم .... لتمرير كل ما يرغبون فيه من أجل بقاء النظام.
غير أن تذمر أعضاء هيئة التدريس كان قد بلغ مستوى كبيراً .... وحالة الخنوع والرضوخ بدأت تتراجع .... ومنذ ثورة 25 يناير انطلقت شرارة ثورة الجامعات التي أشعلها تضارب القرارات والتصريحات من مجلس الوزاراء أو وزارة التعليم العالي المؤقتين.
في هذه البيئة الخصبة من الفساد ... تولدت تصرفات وسلوكيات معهودة بالجامعات والكليات المصرية ... تطابق ما ورد في الفقرة "ب" من المادة الأولي لقانون الغدر .... "استغلال النفوذ للحصول على فائدة أو ميزة ذاتية لنفسه أو لغيره من أية سلطة عامة أو أية هيئة أو شركة أو مؤسسة" .... لهذا انتبهوا أيها السادة ... سينجح قانون الغدر في محاسبة كل الذين يسعون إلى مكسب مادي أو معنوي من أموال الجامعات وغيرها .... لا تسعوا إلى تحقيق إثراء وظيفي من خلال إدارة الموارد الذاتية لتحقيق مميزات شخصية ... وأعتقد أن إثبات أمور التكسب من وراء الوظيفة سهل لأن محاضر المجالس والقرارات الإدارية كلها موجودة !
دأبت القيادات على الجمع بين أكثر من وظيفة بقصد الاستفادة المادية أو الوجاهة الاجتماعية أو كليهما .... وقد ورد في المادة «٣٠٧» من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الجامعات المصرية «٤٩ لسنة ١٩٧٢» أنه «يجوز بقرار من مجلس الجامعة إنشاء وحدات ذات طابع خاص لها استقلال فني وإداري ومالي» ، وجاء أيضاً في المادة «٣١١» من ذات اللائحة «يتولى إدارة كل وحدة ، مجلس إدارة ، يراعي في تشكيله أن يكون معبراً عن الأهداف التي ترمي الوحدة إلي تحقيقها، ويتم تشكيل المجلس بقرار من رئيس الجامعة»، وحسب المادة «٣١٢» «تبلغ قرارات مجلس إدارة كل وحدة إلي رئيس المؤسسة خلال ثمانية أيام على الأكثر من تاريخ صدورها لاعتمادها وتعتبر نافذة إذا لم يعترض عليها خلال أسبوعين من تاريخ وصولها مستوفاة إلي مكتبه» ، هذا يتماشى مع نص المادة «٢٦» من القانون «٤٩ لسنة ١٩٧٢»، «يتولى رئيس المؤسسة إدارة شؤونها العلمية والإدارية والمالية .... وهو مسؤول عن تنفيذ القوانين واللوائح الجامعية وقرارات المجلس الحاكم والمجلس الأعلى للجامعات في حدود هذه القوانين واللوائح» ، ومما سبق يتضح أن رئيس المؤسسة التعليمية بصفته الوظيفية هو المسؤول عن اعتماد قرارات مجلس إدارة الوحدات ذات الطابع الخاص أو الاعتراض عليها .... لذلك فليس من المعقول ولا من المقبول منطقياً أن يقوم رئيس المؤسسة (وهو الرئيس الأعلى) برئاسة مجلس إدارة وحدة ذات طابع خاص داخل مؤسسته؟.. لأنه في هذه الحالة من الذي سيقوم باعتماد قرارات تلك الوحدة أو الاعتراض عليها؟، هل سيرفع سيادته الأمر لسيادته ليعتمد رأي سيادته أو يعترض سيادته علي رأي سيادته..!
وعلي الرغم من هذا ... وفي مصرنا المحروسة ... فإن بعض رؤساء المؤسسات الجامعية يتولون رئاسة مجالس إدارة العديد من الوحدات ذات الطابع الخاص ومراكز الخدمة العامة داخل مؤسساتهم لأن تلك الوحدات هي الفرخة التي تبيض لهم ذهباً..! ... ويختلف عدد الوحدات والمراكز من مؤسسة لأخرى وكل وحدة تدر دخلاً شهرياً ... تُخَصَصْ نسبة منه للمؤسسة والجامعة ونسبة للعاملين بالوحدة ونسبة للسادة أعضاء مجلس الإدارة ولغيرهم من أصحاب النصيب ... ويشكل دخل تلك الوحدات والمراكز جزءاً كبيراً من الموارد الذاتية للجامعات الحكومية ... وأنا أتعجب عن سر سكوت الجهات الرقابية عن تلك الأمور..!؟
لهذا السبب توجد فروق كبيرة في الموارد الذاتية ويوجد تفاوت كبير في دخل رؤساء المؤسسات الجامعية ونوابهم أو وكلائهم وخاصة في قطاع البيئة وخدمة المجتمع .. ويقال، واللهم لا حسد فإن دخل بعض رؤساء الجامعات الكبرى قد يزيد عن نصف مليون جنيه شهرياً ... لأن الجامعة فيها قرابة ١٥٠ وحدة ذات طابع خاص بينما راتب أقدم أستاذ عامل في الجامعة لا يتعدى أربعة آلاف جنيه شهرياً..! ... هل يعقل أنه تم إلغاء بدل حضور جلسات مجالس الأقسام في كليتنا مدة عام كامل منذ قرابة ثلاث سنوات علي الرغم من أن قيمته كانت خمسة وعشرون جنيها فقط لا غير بينما تمت زيادة المقابل المالي لأعضاء مجلس الكلية والجامعة من خمسون جنيهاً حتى وصل الآن إلى 450 جنيهاً للجلسة الواحدة..! ... يتم صرف الفارق من الصناديق الخاصة للجامعة التي من المفروض أن تنفق على تحسين العملية التعليمية والبحثية وليس لتحسين مستوى الدخل لرؤساء المؤسسات الجامعية و أعضاء المجالس الحاكمة بها والمقربين ... من كبار العاملين ..!