التداول السلمي على السلطة:
مقدمة:
أعتقد أنّ عقدة الأنظمة العربية السائدة إلى حدّ اليوم تكمن في غياب التداول السلمي على السلطة، وهو غياب نابع عن نقص في الوعي الاجتماعي كان مسيطرا على المجتمعات العربية وبدأ يزول مع انطلاق ربيع الثورات العربية وبفعل حركات توعوية مثل حركة كفاية في مصر ومثيلاتها في تونس. ذلك أنّ غياب الوعي الاجتماعي بضرورة التداول السلمي على السلطة هو السند الذي يعتمده الطغاة العرب للتحيل على الشعوب و إدخال تعديلات متكرّرة على الدساتير للبقاء مدى الحياة في السلطة وتوريثها للأقارب، غير عابئين بما يترتب عن ذلك من هيمنة أنفار من المجتمع على أرزاقه وخيراته وإذلاله. وهذا ما دفعني للمساهمة في إنارة بعض الجوانب من التداول السلمي على السلطة بتقديم المفهوم وبعض شروط تحققه على أرض الواقع.
I - تعريف التداول السلمي على السلطة:
هو آلية لصعود قوى سياسية من المعارضة إلى السلطة و نزول أخرى من السلطة إلى المعارضة ،حسب تعريف أغلب المحلّلين السياسيين. وهو حسب جان لوي كرمون « آلية تدخل تغييرا في الأدوار بين قوى سياسية في المعارضة وأخرى في السلطة، فتعتلي قوى المعارضة السلطة بفعل الاقتراع العام و قوى سياسية أخرى تتخلى بشكل وقتي عنها لكي تنزل الى المعارضة ضمن احترام النظام السياسي القائم ».
II - شروط التداول السلمي على السلطة:
فهو آلية تعتمدها الأنظمة السياسية الديمقراطية ، ويشترط لنجاحها:
1- توفّر وعي اجتماعي عام بأهمّية التداول كحصن من هيمنة الطغاة على الشعب وضمانة لعدم الالتفاف على مطالبه.
2 ـ وجود تعددية حزبية موضوعية: وهي ظاهرة تنبع من اختلافات سياسية تعبّر عن فروق فكرية في المرجعيات الإيديولوجية أو العقائدية أو فروق في البرامج السياسية بين مكونات المجتمع السياسي.
3- وجود نظام انتخابي وقانون يضمن دوريته وكيفية إجراء الانتخابات وشروط الترشح والمشاركة في العملية الانتخابية. ذلك أنّ التداول السلمي الديمقراطي على السلطة يشترط الإجراء الدوري لانتخابات حرة و نزيهة. فالانتخابات هي الأداة التي تتم بها عملية الدخول و الخروج من السلطة. وتجرى بشكل حر و عام و مباشر و سري. وهي عملية يمارس بها الشعب سيادته و دوره كفيصل و حكم بين التيارات السياسية المتنافسة على السلطة ويضمن عدم طغيان طرف سياسي معيّن وبقائه في السلطة دون رغبة الشعب.
4- توفر دستور للبلاد يتضمّن توافقا حول مؤسسات الدولة و حكم الأغلبية مع احترام الأقلية. فالتداول السلمي على السلطة لا يعني تغيير أجهزة الدولة بتغيّر الطرف السياسي الماسك بالحكومة و إنما هو تغيير للنخبة الحاكمة قصد تطبيق برامج الأحزاب السياسية الصاعدة إلى السلطة.
5- أن يتضمّن الدستور مبادئ وفصول تمنع أي تعديل على بعض مواده كالنظام الجمهوري أو شكل الحكم(رئاسي/برلماني/شبه رئاسي) أو فيما يتعلق بالحقوق الأساسية للمواطن إلاّ بشروط. ولا أنصح التونسيين هنا بالاكتفاء بشرط الأغلبية المطلقة في مجلس النواب للمصادقة على التعديل، الأمر الذي قاسينا منه الأمرّين في عهد بورقيبة وبن علي ، ولا أنصح التونسيين بالاكتفاء بشرط الاستفتاء العام لقبول التعديل اتعاضا بما جرى في بلدان أخرى، بل أقترح نموذجا مختلفا هو أن يشترط في نصّ التعديل إلى جانب الأغلبية المطلقة أو نجاحه في الاستفتاء يشترط تأجيل تطبيقه إلى ما بعد دورة انتخابية أو اثنتين كي نضمن أنّ رئيس الجمهورية أو النائب المنتخب لا يفكر في مصلحته الشخصية العاجلة.
6- أن يحترم الطرف السياسي الذي يمسك بالسلطة على إثر اقتراع عام الالتزامات التي تعهدت بها الحكومة التي سبقته في مستوى الاتفاقات الدولية والاتفاقيات مع المنظمات الوطنية كالنقابات والجمعيات، و لا يمنعه هذا طبعا من إعادة النظر في بعض تلك القرارات و الاتفاقات بالحوار مع الجهات المعنية .
فاعمل أيّها العربي على أن لا تنتخب من المترشحين لتمثيلك في الانتخابات إلاّ من تلمس منه فعلا إيمانا بفائدة التداول السلمي على السلطة لأنّه الضمان لعدم عودة الطغاة .
وبالله التوفيق
د.حسن بن علي الجمني
تونس في 20أوت2011
ساحة النقاش