ميكانيكا حيوية: كيف تشعر الأسماك بتيارات المياه
إعداد/محمد شهاب
أجرى أوتيزا وزملاؤه تجارب معملية، سبَحت فيها يرقات سمك الزرد Danio rerio في أنبوب أسطواني شفاف، تُضخ فيه المياه بسرعة ثابتة. كان الاحتكاك بين الماء وجدار الأنبوب يُبطئ الماء على الجوانب، وهو ما يخلِق تدرجًا مكانيًّا في سرعة التدفق من مركز الأسطوانة، الذي يكون التدفق فيه هو الأسرع، إلى المياه الثابتة الملاصِقة لجدران الأنبوب.
وعلى نحو يتفق مع دراسات سابقة، أكد الباحثون أن سمك الزرد يستطيع وضْع نفسه في الأنبوب، بعيدًا عن الجدران، وتوجيه جسمه للسباحة ضد اتجاه تيار المياه. ولأن المهارتين مفيدتان لأغراض حفظ المحل، وتجنُّب العقبات في الطبيعة، تتيح تجارب المختبر نظامًا مفيدًا لمحاكاة وبحث عمليات السباحة المرتبطة بالحياة في البرية. وعن طريق القيام باستئصال كيميائي للخط الجانبي، وإجراء التجارب في الظلام؛ لإلغاء أثر الإشارات البصرية، أوضح الباحثون أن نظام الخط الجانبي كان ضروريًّا لتحقيق الحركة الموجَّهة، استجابةً لتدفق المياه (وهي عملية تُعرف باسم الانجذاب في اتجاه التيارrheotaxis، وهذا التوجيه لا يمكن أن يكون معتمِدًا على لمس أو استشعار التسارع المنتظم لكتلة المياه المحيطة.
إذا كان بإمكان السمكة السابحة أن تدمج معرفتها بسرعة تدفق المياه على طول أجزاء مختلفة من جسدها - وهي مهمة ممكنة، بفضل الآليات التي يوفرها الخط الجانبي - فإن المعلومات التي تجمعها كافية لاستنتاج التدرج المحلي في سرعة التدفق. إنّ التدرج ذا الصلة بنظرية كلفين-ستوكس في هذا السياق مرتبط بنزوع السائل المحلي للدوران، وهي خاصية تُعرف باسم "الاضطراب الدَّوّامي للمياه".
من خلال تطوير محاكاة حاسوبية توضح قوة استنتاجاتهم عند نمذجة الوضع في تيارات شبه مضطربة، إلا أن البيئات المائية الحقيقية تفرض تحديات أخرى، مثل التدفق المائي ثلاثي الأبعاد، الذي لا يمكن الملاحة فيه بالانعطاف فقط في مستوى أفقي. وإضافة إلى ذلك، فإن نظرية كلفين ستوكس - التي تعتمد عليها الاستراتيجية المقترَحة لاجتياز المياه - يمكن أن تفشل إذا كانت هناك مصادر ضخ أو شفط للمياه في منطقة مجاورة، مثل تيار الشفط الذي تستخدمه حيوانات مفترسة؛ لالتهام فرائسها4. ومن المفارقات أن الآلية المقترحة للانجذاب في اتجاه التيار قد تقود السمكة كذلك إلى اتجاه مناطق تدفُّق، ربما تكون لها - في الوقت نفسه - سرعات تدفق كبيرة ومنتظمة، تفوق قدرة الأسماك على الهروب من تلك التيارات القوية، على الرغم من أنها تُظْهِر تدرُّجًا صغيرًا للتدفق. ولذا فإن الآلية التي وصفها أوتيزا وزملاؤه مقترنة على الأرجح باستراتيجيات استشعار أخرى - لم تُكتشَف بعد، وربما تستخدم أيضًا الخط الجانبي - تمكِّن الأسماك من الخوض في عالَم ما تحت الماء.. ذلك العالَم المعقد. وكلما أصبحت الفصول الكاملة لمهارات الاستشعار والتحكم واضحة؛ لن نعرف المزيد عن إيكولوجيا الأسماك فحسب، ولكننا أيضًا قد نكتسب رؤى لأنواع جديدة من الملاحة الحيوية الروبوتية في المياه والهواء، على حد سواء.
ساحة النقاش