أحمد الشراكى يكتب: أسماك بلدنا
إعداد/محمد شهاب
صحيح أن مصرنا المباركة قد حباها الله بموقع تحسدها عليه كل بلاد الدنيا، شواطئ طويلة على البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، وبحيرات شمالية (المنزلة والبرلس وإدكو ومريوط)، وأكبر بحيرة صناعية فى العالم (بحيرة السد)، وأعظم أنهار الدنيا على الإطلاق (نهر النيل)، إلا أن الله لم يشأ أن يجعلنا على شواطئ غنية بالأسماك كالمغرب وموريتانيا على المحيط الأطلنطى، أو اليمن وسلطنة عمان على البحر العربى، فشواطئنا على البحرين فقيرة جداً فى الأسماك، وبحيراتنا ونهر النيل تعانى من الصيد الجائر والمخالف، والواقع أن إنتاج المصايد عندنا هزيل، وفى تناقص مستمر.
وقد أدرك المصرى هذه الحقيقة من زمن الفراعنة، حتى إننا نشاهد جداريات تدل رسومها على أن المصرى القديم قد بدأ فى إقامة مزارع سمكية، اعتماداً على سمكتنا الوطنية العظيمة، وهى البلطى، التى قدّسها أجدادنا الفراعنة، وأيضاً أجدادنا الأقباط فى الموروث المسيحى، والتى يتم الآن إهانتها والتقليل من شأنها بمنهجية شيطانية.
ولتعويض هذا الفقر فى المصايد الطبيعية، كان لا بد من الاهتمام بالاستزراع السمكى، حيث اهتمت الدولة بإنشاء المزارع والمفرخات السمكية من أواخر سبعينات القرن الماضى، وبعد وضع الأساس من قِبَل الدولة، أخذ القطاع الخاص على عاتقه مهمة التطوير والنهوض بهذه الصناعة دون تحمل الدولة جنيهاً واحداً فى أى شىء يخص الصناعة.
وتصاعد إنتاجنا السمكى بسرعة صاروخية غير مسبوقة فى أى نشاط اقتصادى آخر، فتنامى الإنتاج من 17 ألف طن فى أواخر السبعينات، إلى 45 ألف طن فى منتصف الثمانينات، إلى 445 ألف طن فى 2003، إلى نحو مليون و600 ألف طن حالياً، وبفضل الله وجهود المخلصين وجدنا أنفسنا نحتل ترتيباً عالمياً مشرِّفاً فى الاستزراع السمكى، فوصلنا إلى رقم 2 فى إنتاج البلطى، ورقم 7 فى إنتاج المزارع.
لكن هذا النجاح لم يعجب بعض الشياطين، فبدأت الحرب عن جهل أحياناً، وسوء نية فى أغلب الأحيان، ورغم أن الأسماك من أنظف، إن لم تكن أنظف، وأأمن منتجاتنا الغذائية، فإن الخطة الممنهجة لهدم هذه الصناعة نجحت فى إقناع الكثير من المواطنين بأن أسماك المزارع سبب فى الفشل الكلوى والكبدى وكل مصائب الشعب المصرى، ورغم تأكيدات التحليلات التى أجرتها جهات مصرية ودولية على الأنسجة المأكولة فى الأسماك، خاصة البلطى، على أنها نظيفة وآمنة وخالية من أى تلوث، فإن حملة التشهير والتلويث آتت ثمارها، فتراجع كثير من المصريين عن أكل أسماكنا، حتى إن المملكة السعودية التى كانت تستورد أكثر من 70% من أسماكنا المصدرة، أوقفت استيرادها، ليس لأنها ملوثة، فلم ترصد التحاليل عندهم أى تلوث، وإنما اعتماداً على ما يقوله الإعلام المصرى.
وفى حين أن أجهزة الدولة تحاسب إعلامياً مشهوراً على أنه تسبّب فى إهانة بغير قصد لقطاع صغير من الشعب المصرى، إلا أنها لا تحرك ساكناً تجاه من يتسبب فى تدمير اقتصادنا الوطنى وحرمان المواطن المسكين من مصدر أساسى رخيص وآمن لغذائه من البروتين، حتى إنها تساعد بطريقة غريبة فى الإجهاز على ما تبقى، فتفرض الدولة 12 جنيهاً على كل كيلو مُصدّر من الأسماك، وترفع الرسوم عن الأسماك المستوردة فى سابقة لم تفعلها أى حكومة تريد لمنتجيها وإنتاجها الوطنى أى خير.
* إنذار:
بسبب الدعاية السلبية ووقف التصدير وعدم حماية المنتِج والمنتَج من الأسماك المستوردة التى لا نعرف من أى مستنقع تلوث أتت إلينا وزيادة تكلفة الإنتاج من أعلاف وطاقة وعمالة.. إلخ، يعانى منتجونا من خسائر كبيرة أدت إلى تراجع إنتاجنا من الأسماك، مما أفقدنا ترتيبنا فى صدارة الدول المنتجة للبلطى، بعد الصين التى تنتج وحدها نصف إنتاج العالم، وسبقتنا إندونيسيا، وتراجع ترتيبنا من السابع إلى التاسع بين أهم الدول المنتجة لأسماك المزارع.
وبدلاً من قيام الدولة باستدراك ما فاتها، تصر أجهزتها على الإجهاز على ما تبقى، فتقوم -بإصرار غريب- بإزالة المزارع فى سهل الطينة، والإصرار على فرض رسوم التصدير، وإزالة الأقفاص السمكية فى نهر النيل، ومضايقة أبطال الاستزراع البحرى، والجمبرى فى منطقة دمياط، ومثلث الديبة وشطا.
ساحة النقاش