هل يمثل الاستزراع السمكي الثورة الغذائية للقرن الـ 21 ؟
إعداد/محمد شهاب
نشرت "كريستيان ساينس مونيتور" تقريرا توقعت خلاله أن يمثل "الاستزراع السمكي" "الثورة الغذائية" للقرن الـ 21، وذلك في ظل النمو الهائل الذي يشهده القطاع من جهة والزيادة المطردة في عدد سكان العالم وما يترتب عليها من احتياجات غذائية متنامية من جهة أخرى.
وأوضح التقرير أن "الاستزراع السمكي" أصبح أسرع القطاعات الغذائية نموا على مستوى العالم، ويأتي ذلك بفضل الصين التي ضاعفت إنتاجها من الأسماك بنحو ثلاثة أمثال خلال العشرين عاما الماضية لتصبح أكبر منتج ومصدر ومستهلك للأسماك على مستوى العالم، وتسهم الدولة الآسيوية حاليا بأكثر من ثلث إجمالي الإنتاج العالمي من الأسماك، كما توفر المزارع السمكية نحو 72% من إجمالي إنتاجها من المأكولات البحرية.
وبلغت قيمة قطاع الاستزراع السمكي بالصين 66 مليار دولار في عام 2012، وتتوقع مؤسسة الأبحاث السوقية الدولية "Technavia" أن تقفز قيمة القطاع إلى 100 مليار دولار خلال الأربعة أعوام المقبلة أي ما يعادل إجمالي حزمة المساعدات الأخيرة التي حصلت عليها اليونان لإنقاذها من الإفلاس، كما تتوقع أن توفر الصين 38% من إجمالي الاستهلاك العالمي من الأسماك بحلول عام 2030.
ونتيجة لتلك الهيمنة سيكون للصين التأثير الأكبر على السوق العالمي للأسماك في المستقبل، وسيرتبط حجم المعروض السمكي العالمي بصورة مباشرة مع معدل تطور قطاع الاستزراع السمكي الصيني.
طلب متزايد
وما قد لا يعرفه الكثيرون أن مجال الاستزراع السمكي يعد مجالا ضخما يناهز المجالات الغذائية الأخرى بل ويتفوق عليها، ففي عام 2011 تجاوز إنتاج أسماك المزارع الإنتاج العالمي من لحوم الأبقار للمرة الأولى على الإطلاق، ويمثل حاليا نصف إجمالي الاستهلاك العالمي من المأكولات البحرية.
وأرجع الخبراء ذلك إلى زيادة عدد سكان الأرض وتنامي أعداد الطبقة الوسطى على مستوى مما رفع الطلب على المأكولات البحرية خلال الخمسين عاما الماضية، وتضاعف الاستهلاك السنوي من الأسماك منذ الستينيات، وتوقعوا أن تمثل المزارع السمكية معظم الإنتاج العالمي في المستقبل القريب مع التراجع الملموس في أنشطة الصيد التقليدية على مستوى العالم.
وانتقدوا الدول لعدم إدراك الأهمية الكبرى للأغذية البحرية في تأمين الامداد الغذائي العالمي، فالمسطحات المائية تمثل نحو 71% من سطح الأرض لكنها تسهم بأقل من 2% من الاستهلاك الغذائي للإنسان، من جهة أخرى يُتوقع أن يرتفع عدد سكان العالم من 7 إلى 9 مليارات نسمة بحلول عام 2050، ويعتبر توفير مصدر مستمر ومستقر للغذاء أحد أكبر التحديات على الأجندة العالمية، ودعوا الدول إلى إصلاح هذا التفاوت الخطير بزيادة الإنتاج السمكي.
الأسماك مقابل مصادر البروتين الأخرى
ودعا التقرير الجهات المعنية لزيادة الاستثمارات في مجال الإنتاج السمكي، فقد أنفق العلماء مليارات الدولارات في إطار محاولاتهم لزيادة القيمة الغذائية للبطاطس في الوقت الذي لا يلتفت فيه الكثيرون إلى القيمة الغذائية العالية المتوفرة بالفعل في الأسماك الغنية بالبروتين والأحماض الدهنية الصحية "أوميجا 3" وغيرها من العناصر الغذائية المفيدة.
في الوقت نفسه تمتاز على مصادر البروتين الأخرى بتوفير الطاقة والتكاليف اللازمة لإنتاجها، فإنتاج كيلوجرام واحد من لحوم الأسماك يحتاج لإطعام الزريعة كيلوجرام واحد من الغذاء مقابل 2 كيلوجرام للدجاج و7 كيلوجرامات للأبقار، كما أن عوادم الكربون التي تنتجها مزارع الأسماك أقل كثيرا من تلك التي تنتجها المزارع الحيوانية الأخرى.
مشاكل الاستزراع السمكي
ولا تخلو عملية تربية أسماك المزارع من المشاكل، فمعظم المزارع السمكية تقع في بحيرات المياه العذبة مما يثير المخاوف من تلوث المياه نتيجة مخلفات الأسماك مما يهدد الكائنات البحرية الأكثر هشاشة مثل الشعاب المرجانية.
كما تعد أسماك المزارع أكثر عرضة للإصابة بالأمراض مما يهدد بانتقال العدوى إلى مجموعات الأسماك البرية القريبة، ويتم حقن تلك الأسماك بكميات كبيرة من المضادات الحيوية التي ما زالت تداعياتها على صحة الإنسان قيد البحث.
ويمثل غذاء الأسماك أكبر العوائق أمام القطاع، فالمزارع تعتمد على صيد الأسماك البرية لإطعام الزريعة لديها مما نتج عن تراجع كبير في أعداد بعض أنواع الأسماك كالسردين، ويحاول القطاع تطوير أنواع جديدة من الغذاء مثل فول الصويا لمواجهة هذه المشكلة.
الصين الأكثر إنتاجا والأعلى تلوثا
وتتجلى تلك المشاكل في قطاع الاستزراع السمكي الصيني، فقد نتجت كثافة الإنتاج عن تلوث الكثير من البحيرات العذبة ومساحات واسعة من السواحل الصينية، كما أزالت الصين مساحات هائلة من أشجار "المنجروف" للتوسع في إنشاء مزارع "الجمبري"، لذلك أصبحت الصين أكبر مستورد لغذاء الأسماك في العالم.
ويعمل الخبراء الصينيون حاليا على تطوير أساليب جديدة للاستزراع تحقق ثلاثة أهداف دفعة واحدة وهي "زيادة الإنتاج مع توفير الطاقة" و"خفض معدلات الكربون" و"تقليص استخدام وجبات الأسماك".
قد يبدو ذلك شديد الصعوبة لكن بعض المزارع بدأت تطبق أساليب فعالة في هذا الإطار مثل إضافة زريعة أسماك "الشبوط" إلى الأراضي الزراعية المنتجة للأرز والتي تحتاج إلى كميات هائلة من الماء لسقيها، فمن جهة ستعمل فضلات الأسماك كسماد طبيعي للأرز فيما تقضي على الحشرات والطحالب الضارة التي تنمو في المياه الضحلة، ومن جهة أخرى ستنمو تلك الأسماك لتوفر الغذاء اللازم لمزارع الأسماك، وقد استخدم الصينيون القدماء هذا الأسلوب منذ أكثر من 2500 عام.
توسع عالمي
وبدأت تلك الممارسات تستخدم على نطاق واسع في العالم من كندا وحتى إندونيسيا، وتخطط العديد من الدول مثل النرويج وروسيا والولايات المتحدة لزيادة استثماراتها في مجال الاستزراع السمكي في الفترة المقبلة.
فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تسيطر على مساحات واسعة من المسطحات المائية أكثر من أي دولة أخري فإنها تستورد نحو 91% من استهلاكها من المأكولات البحرية، فهي تحتل المركز الثالث في العالم في مجال الصيد التقليدي لكنها تحل في المركز الـ 15 من حيث انتاج المزارع السمكية التي توفر 7% فقط من استهلاك مواطنيها.
ساحة النقاش