إنشاء مزرعة سمكية على مراحل بالطريقة المصرية الكفراوية
محمد شهاب
هناك تجربة تاريخية لإنشاء مزارع سمكية على أرض بور ملحية لا تصلح للزراعة النباتية، خاصة في أراضى محيطة بالبحيرات الشمالية، و في بداية السبعينات من القرن الماضي، و ما أقدمه ما حدث في منطقة الفقهاء البحرية- محافظة كفرالشيخ- حيث كانت مياه فيضان النيل قبل بناء السد العالي، و قبل إنشاء مصرف محيط الزينى، كانت تصب في بحيرة البرلس، و تغرق مناطق كبيرة من المحافظة، و بفضل مصرف الزينى، أصبحت الأرض المحصورة بين المصرف جنوبا، إلى بحيرة البرلس شمالا جافة، و هي ارض ملحية طينية سوداء خصبة بالأملاح و المواد العضوية.
قام الأهالي المقيمين حول المنطقة، ببيع الاراضى وضع يد، فظهر المشترين من أبناء دمرو الحدادى من الصيادين المهرة مثل الحاج فوزى عبد المقصود و عبد الحميد حافظ و غيرهم، و معهم من الفلاحين أبناء عزبة الملاحة خليل صلاح و كمال عبد الهادي و غيرهم. و كان سعر الفدان بعشرات الجنيهات، و يدفع الثمن بالتقسيط، خاصة و أن من يشترى بالمائة فدان أو أكثر قليلا أو اقل قليلا.
كان المزارعين الجدد يستأجروا جرار زراعي ، يقوم بحرث الأرض، ثم يركب له طبلية في الخلف، ليرفع جزء من الطبقة السطحية، التي حرثها الجرار حرثا عميقا، فيصنع جسر ضعيف ليحجز ماء بمتوسط ارتفاع 20+50سم، و دون تسوية للتربة، و دون كبس الجسور، و كانت مساحة الفدان هي الأرض ككل، أي قد تكون مساحة الحوض 100فدان. أما الزريعة فكانت متوفرة بكثرة خاصة البوري و الطوبار، و دون حساب عددها، بالإضافة إلى ما يدخل من بيض و اصبعيات البلطي مع الماء، مع ماكينة مياه دويتز 16 ذات طلمبة 8 بوصه، أو طنبور يعمل بمحرك أو عمود الإدارة الخلفي لجرار زراعي، و دون إضافة اى غذاء، أو أي إضافات آخري. كان يترك السمك طوال فترة الصيف، مع إضافة ماء يعوض المفقود بالبخر. و في الخريف كان يتم الصيد، حيث كان البورى مرتفع السعر نسبيا، نظرا لتصنيعه كفسيخ و كانت عملية الصيد مرهقة نظرا لعدم تسوية الأرض، فكانت تحتاج لعدد كبير من الرجال الشداد.
بعد ذلك، خاصة بعد أن باع بعضهم و كسب، فدفع ديونه(باقي قيمة ثمن الأرض و ثمن الزريعة وربما ديون آخري)، مما دفعهم للتطوير، خاصة مع دخول بعض المتعلمين(الأفندية) في الثمانينات، مثل العبد الفقير إلى الله محمد شهاب كاتب هذه السطور، و كنت قد رجعت من امريكا بعد ان عملت فى مزرعه سمكية بها لمدة عامين، و المهندس السيد سرور و أخوه ضابط الفنية العسكرية محمد سرور من دمرو الحدادى، و محمد كيلانى و كان مدرسا و نسيب الحاج فوزي عبد المقصود، و الدكتور رمضان عشرة الإدكاوى صاحب صيدلية في سيدي سالم و نسيبة المهندس السكندري، و بهاء عوض ضابط الشرطة من دسوق، و محمد زكى الفقى ضابط الشرطة من عزبة الروضة بمنطقة الفقهاء البحرية، وغيرهم ممن دخلوا معمعة تلك التجربة، كذلك نتيجة لاحتكاك المزارعين ببعض موظفي هيئة الثروة السمكية الجادين، ممن سافروا في بعثات للخارج-تايوان و الصين و الفلبين و المجر و غيرها- مثل الدكتور عبد الرحمن مصطفى و المهندس مصطفى منير، و المهندس محمد شعبان و غيرهم.
كان التطوير على كافة المجالات، الأرض قسمت لأحواض أصغر و حضانات لتخزين الزريعة، و استخدمت البلدوزرات و الكراكات لزيادة لتسوية الأرض و عمل مصرف داخل الأرض يتجه نحو فتحة الصرف،كما استخدمت تلك المعدات الثقيلة في زيادة ارتفاعات الجسور، و عمل فتحات و وضع مواسير ري و صرف، مع الاهتمام بتوسع الممر أعلى الجسور، لتمر عليها سيارات و جرارات.
اتبع طريقة حساب عدد الزريعة، عند نقلها من الحضان لأحواض التربية، و اصبح من الممكن نقل الزريعه في أكياس بلاستيك معبأة لثلثها بالماء المشبع بالأكسجين، لأستخدمها في نقل الزريعة لمسافات أبعد، و كذلك أمكنهم نقل الزريعة و الإصبعيات في عربات نصف نقل جهزت بواسطة فرش مشمع عازل في ظهر سيارات نصف نقل و تملأ بالمياه، أو استخدام خزان مياه يوضع على ظهر عربية نقل أو نصف نقل و بواسطة اسطوانة أكسجين، موصلة بخرطوم للخزان، فأمكن نقل الزريعة و الإصبعيات لمسافات طويلة، كما أن البعض زرع أنواع مثل القاروص و الدنيس و غيرها من الأنواع الأكثر ربحية.
أما التغذية، فتم استخدام سباخ حيوانات و طيور، و معها اليوريا و الفوسفات، و أحيانا قبل شهر أو أكثر من الصيد، يلقى للسمك في حوض التربية، كسر المكرونه و ربما بعض كسر الحبوب، ثم تتطور الأمر باستخدام علف متخصص.
بالنسبة لرفع المياه، فقد استخدمت الماكينات الأكبر مثل ماكينات 12 بوصه، و أستعين بالطارة (عجلة الساقية)التي تدار بمحركات أو جرارات. كما أن البعض عرف أهمية المياه من الناحية الكم و الكيف، فشقوا ترع تأخذ من بحيرة البرلس مباشرة، و من ترع أو مصرف المحيط.
بالنسبة للتمويل أصبح تجار السمك في رشيد، و أصحاب حلقات السمك(أسواق شراء و بيع السمك بالجملة)، أصبحوا ممول رئيسي، ليس فقط بالشراء، و لكن تمويل كافة عمليات تتم في المزرعة، فكان يتم التمويل، مقابل شراء المحصول، بعمولة حوالي 10-15%، من سعر البيع بالجملة لتجار التجزئة في سوق رشيد، التي كانت مثابة بورصة السمك بالمنطقة، و بعض التجار الكبار في رشيد كان يرسل السمك لتجار في الإسكندرية، و كان تجار دمرو الحدادى و غيرهم يوردوا حصيلة ما يشتروه من مزارعي السمكة و الصيادين، إلى تجار أكبر في رشيد، و أحيانا لأسواق اكبر في القاهرة.
نتيجة لما سبق، تحول الكثير من أبناء المنطقة، و التي كانت تضم نوعيات مختلفة من البشر، تحولوا لزراعة السمك، و الأعمال المرتبطة بها، مثل سمسرة الأراضي و مقاولي و سائقي و ميكانيكية معدات ثقيلة و جرارات زراعية و سائقي سيارات النقل و نصف النقل، و تجار ماكينات المياه و تجار العلف و غيرها...ألح. سببت الانتعاشة لمزارع كفرالشيخ و باقي مزارع مصر السمكية مشكلة خطيرة، و هي تطلع صفوة مصر من كافة المهن و التخصصات، من ضباط شرطه و جيش إلى قضاه و كبار موظفين و مشايخ أزهريين و تجار و رأسماليين، تتطلعوا للاستيلاء على تلك الأراضي، التي كانت في معظمها وضع يد، و استخدمت كافة الحيل من قبل الصفوة. عموما لم يتغلب على تلك المذبحة غير من استطاعوا الصمود من مزارعي السمك، من ذوى القدرات المالية الكبيرة نسبيا، خاصة و أن غالبية الصفوة ليست مشهورة بأنها منتجة، فقط تبيع أوراق تلك الأراضي لمن يشترى!!!
ساحة النقاش