حوكمة للمحميات الطبيعية
إعداد/ محمد شهاب
كتب ثابت أمين عواد:
الكثير منا لا يعلم ما تتمتع به بلادنا من موارد بيئية طبيعية فوق الأرض وعلى الشواطئ وتحت سطح البحار، فما نملكه من هذه الكنوز يفوق في جماله وقيمته ما نملكه من آثار، فلدينا من موارد السياحة البيئية والمحميات الطبيعية ما لا يمتلكه أحد، تؤكده استفتاءات خارجية محايدة، صنفتها بأنها الأفضل والأكثر تفردًا وجمالًا، إقليميًا وعالميًا. الحديث هنا حول شواطئنا ومحمياتها الطبيعية، التي تتعرض من وقت إلى آخر، لانتهاكات وتعديات مخالفة للقانون وللطبيعة، وهو ما أثار المعنيين بالشأن البيئي الرسمي وغير الرسمي، عبر عقد حوار مجتمعي عقد بالقاهرة مؤخرًا، شاركت فيه د. ياسمين فؤاد وزيرة البيئة، ونظمته الشبكة العربية للبيئة والتنمية "رائد"، وجمعية المكتب العربي للشباب والبيئة، لمناقشة الوضع البيئي في محمياتها الطبيعية، بحضور د. علي أبوسنة الرئيس التنفيذي لجهاز شئون البيئة، ود. عماد عدلي رئيس المكتب العربي للشباب والبيئة، ونواب من مجلسي النواب والشيوخ، وعدد من الجمعيات العاملة في مجال المحميات، والخبراء والأكاديميين.
ولكي نحافظ على المشهد الهادئ في المحميات مع تواجد السلاحف شديدة الحساسية، والدلافين الوديعة، وغابات المانجروف، وموائل الأحياء البرية والمائية، ومنها المهدد بالانقراض، ولحماية محمياتنا من التعديات والضجيج، كما حدث في "محمية الغابة المتحجرة" بالقاهرة منذ نحو 3 سنوات، وكما حدث مؤخرًا لـ "رأس حنكوراب" بمحمية وادي الجمال بالبحر الأحمر، والتي تتميز بتنوعها البيولوجي الفريد، وأنظمتها البيئية، وشعابها المرجانية فائقة الندرة.
كشف خبراء الغوص أن الشعاب المرجانية تفقد ما بين نصف إلى سنتيمتر واحد من الشعاب لكل غواصة واحدة من الغواصين المحترفين ناهيك عن الهواة، في حين أن 1 سم من الشعاب المرجانية قد يحتاج إلى حوالي 30 - 70 سنة حتى ينمو.
ويتوقع العلماء أن الشعاب المرجانية ستنتهي في السبعين سنة القادمة، باستثناء البحر الأحمر والخليج العربي، وأحد الأمثلة على ذلك، هو تعرض نسبة 50٪ من الحاجز المرجاني العظيم في أستراليا إلى الهلاك، حيث معدل استرداد الحياة البحرية في البحر الأحمر مرتفع للغاية.
نقترح وضع مدونة سلوك بيئية - Environmental Code of Conduct" ملزمة في المحميات الطبيعة، تستمد عناصرها من مبدأ "الحوكمة"، وذلك لضبط عمليات تأمين وحماية المحميات من التعديات والتلف والتغير المناخي وتقادم الزمن.
والحوكمة هنا بمثابة وضع أساس للممارسة، سواء للإدارة، أو الأفراد المعنيين، للإدارة بوضع مستويات تتسم بالفعالية، والأمانة، والشفافية والمساءلة، واللامركزية، والأفراد "المواطن - السائح"، الالتزام والمشاركة والمساهمة في المسئولية، وتبنى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مفهومًا أشمل وأعم للحوكمة وهو مفهوم "التنمية الإنسانية"؛ حيث يركز على الإنسان، فـ "الحوكمة" يجب أن تكون موجهة نحو تحقيق "التنمية البشرية" وليس فقط النمو الاقتصادي، وبالتالي فإن الهدف الرئيسي من تطوير المؤسسات والقواعد الحاكمة يجب أن يكون الارتقاء بحياة الأفراد، بما يسهم في إيجاد محيط وواقع مستدام، بما يحفظ صحة النظم الإيكولوجية ورفاهية الإنسان، في وقت تتزايد فيه التهديدات البشرية مثل الصيد الجائر والمفرط، وفقدان التنوع البيولوجي، والتلوث، والنمو السكاني، وتغير المناخ، وتدمير الموائل.
وكان “الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة – “ IUCN قد اقترح في عام 2020 ضرورة تغطية 30٪ في المناطق البحرية المحمية، حتى إن بعض منظمات الحفظ تسعى لنسبة 50٪. ولتوفير حماية مستدامة لمواردنا الطبيعية بالمحميات، يجمع الخبراء على ضرورة حمايتها بناسها، أي ترشيد الاستعانة بالمجتمعات المحلية، وهم السكان الأصليون لتلك المناطق، وغالبًا ما تتجاوز خبراتهم المتراكمة ما يعلمه بعض العلماء والخبراء، وليس منطقيًا ألا يشارك المجتمع الأهلي في 31 محمية طبيعية تستوعب 2 و 1 مليون متر مكعب من الجمهورية بواقع 15٪ من المساحة، سوى القيام بالحراسات وقطع تذاكر للزائرين.
نقترح مدونة سلوك للمحميات تضع خطط وبرامج لمحميات منتجة وبؤرة نشاط لتنمية مستدامة بمشاركة الشباب ينفذون برامج تعتمد على التدريب والتعليم، والتشبيك وتبادل الخبرات بين الجمعيات، ولدى وزيرة البيئة تجربة إيجابية لدمج السكان المحليين في محيط المحميات الطبيعة، كما يحدث بسانت كاترين بجمع النباتات الطبية، وفي الفيوم ووادي الجمال بتقديم الصناعات الحرفية والبيئية، وتتحقق التنمية المستدامة، والاهتمام برفع الوعي بأهمية الاستخدام الرشيد للمحميات ومواردها، وتلك المجتمعات هي الحارس الأول للمحميات.
خلال رحلة عمل في العاصمة الكينية نيروبي العام الماضي، شاهدنا كيف أن حماية الطبيعة وغابات السفاري والحدائق الوطنية هناك تعد من المقدسات، ولا نقاش حولها، والأهم هو سرعة وحسم وإزالة أية تشوهات تحدث فيها. نعم.. تحتاج كنوزنا الطبيعية التي التطوير والاستثمار، ولكن لأنها تختلف وتتميز وتتفرد وتمتلك من نعم الله الكثير، فلابد أن يتم هذا التطوير والاستثمار بشكل مختلف يتناسب مع خصوصيتها، احترامًا وتطبيقًا لقانون المحميات الطبيعية، والاتفاقيات الدولية لحماية التنوع البيولوجي. مؤكد أن المجتمع المدني لديه اقتراحات لبلورة وصياغة خطط وبرامج مستدامة، كما يمتلك "المرونة" في تقديم الرؤى والمعالجة، والمساهمة في التنفيذ، مقارنة بباقي أطراف المعادلة، حتى لا نفاجأ غدًا، بتعديات جديدة لمحمية جديدة، فنحن جميعًا جزء من الحل.. وسلوكنا هو كل الحل.
ساحة النقاش