قـرى تعيش مع التماســــيح يمتطى الناس ظهورها.. وأخرى للحقائب الفاخرة!
إعداد/ محمد شهاب
كتب: صخر صدقى: حتى نكون منصفين فى حكمنا على التماسيح، ينبغى ألا يقتصر التفكير فيها كحيوانات شرسة تستوجب النفور والكراهية، متجاهلين ما تدره من ثروات هائلة على كل من استطاع تطويعها واستثمارها ببراعة ونجاح، التماسيح فعلا ثروة هائلة لا يستهان بها، وتتنوع طرق وأساليب استثمارها سياحيا وتجاريا بتنوع ووفرة الإمكانات. ومن أكثر المشاهد جاذبية رؤية التماسيح فى بيئتها الطبيعية، فكيف يكون الحال لو أن قرية بأكملها يعيش أهلها حول بحيرة بها عشرات التماسيح التى يتعايشون معها منذ زمن بعيد. القرية هى بازولى Bazoule فى دولة بوركينا فاسو.
تقول الأسطورة عن تماسيح البحيرة إنهم هبة جاءت من السماء مع الماء الذى امتلأت به البحيرة فى وقت كانت تعانى فيه المنطقة من الجفاف، النساء وقتها كن يرتحلن إلى مسافات بعيدة جدا عن أماكن إقامتهن من أجل الحصول على المياه، إلى أن جاء يوم وأثناء ترحالهن وجدن البحيرة وقد امتلأت بالمياه وفى قلبها تعيش التماسيح، ترددن فى بادئ الأمر فى ملء الجرار والأوانى بالمياه التى تسكنها تلك الكائنات الغريبة، لكن سرعان ما تشجعن عندما لم يقع عليهن أى أذي، ومنذ ذلك الزمن البعيد تمتعت تماسيح البحيرة بسيرة طيبة كرمز للخير له قدسيته، لتصير القرية بعد ذلك وبفضل تماسيحها مزارا سياحيا، وقد ارتبطت حياة الناس بالقرية بحياة التماسيح لدرجة أنه ساد الاعتقاد عند البعض منهم أن موت أى تمساح من البحيرة قد يكون مؤشرا لاقتراب وفاة أحد الأهالى .
يقول عمدة القرية كابورى بوركارى Kabore Bourkare إن من أكثر الأمور التى يوليها الاهتمام هى التأكد من أن المرشدين السياحيين الذين يتعاملون مع التماسيح ومع السياح على درجة كبيرة من الوعى ومن التدريب حتى يكونوا قادرين على ترويض التماسيح والتعامل معها بكياسة، لأنه لا يمكن الارتكان إلى فكرة أنهم حيوانات أليفة لا تستوجب الحذر خشية الأذي، فمهما تكن درجة الألفة بين أهالى القرية والتماسيح فما زالت لها طباعهم الغريزية الشرسة، ولا يخلو الأمر من ضحايا يسيئون أو يخطئون التعامل معهم، لكن الشيء الذى يدعو للاطمئنان، ويقلل من المخاطر، هو الثقافة الواسعة والوعى التام لدى المرشدين الذين يلازمون السياح خلال فترات اقترابهم من التماسيح، وتشجيعهم على امتطائها، والتقاط الصور معها، ويمكن للسائح وهو على ظهر التمساح أن يطلب أمنية، والسياح يترددون من وقت لآخر على القرية ليس فقط لمشاهدة التماسيح، ولكن أيضا ليلمسوا بأنفسهم كيف يتعايش الناس معهم حتى إنهم يجلسون فى أمان على ظهورها وهم على البر بدون أن يصيبهم أذى . ويقول العمدة إن مسئوليته كبيرة فى حفظ التوازن بين أهل القرية والتماسيح، يسهر على رعاية البحيرة، وعلى التأكد من توفير جو الأمان والسلامة للجميع. ويؤكد نمو التفاهم بين الأهالى وبين التماسيح حتى إن الأطفال يلعبون حول البحيرة ونساء القرية يغسلن الملابس دون أن ينالهم منها أى أذي، ويذكر العمدة حادثة لطفل غرق فى البحيرة، ويصف كيف كانت كل تماسيح البحيرة تصدر أصواتا كالبكاء عندما طفا جسده، وكان من الصعب انتشال جثمانه بدون مساعدة أحد التماسيح الذى أخذ يدفع به نحو الشاطئ.
وإذا ما انتقلنا من بوركينا فاسو إلى كينيا وبالتحديد من بازولى إلى منطقة مامبا Mamba فى مومباسا والكلمة مامبا تعنى «تمساح» بالسواحيلية، فسوف نقف على نوع آخر من سياحة التماسيح يشتمل من ضمن ما يشتمل على تغذيتها، محاولة صيدها، مشاهدتها فى كل أطوار حياتها، بيضها، وأطفالها، والفروق بين الذكور والإناث. تجرى تغذيتها بتعليق اللحم بخطاف تتدلى منه، وتجرى محاولة صيدها من قبل السائح أو الزائر بتوفير كل احتياطات الأمان الممكنة بما فيها الحاجز الفاصل بين التمساح وبين من يجرى محاولة الصيد الوهمية بمساعدة الحارس حيث يلقى الزائر الى التمساح بطوق معدنى وهو ممسك بالسلسة التى سيجذبه بها بعد أن تعشق أسنانه داخل الطوق. يحاول بمساعدة الحارس جره إلى أن يصل إلى الحاجز الذى تتوقف عنده المحاولة.
أما النوع الآخر من استثمار التماسيح فهو يقوم أساسا على التجارة فى جلدها، وفى لحمها، وهى بالتأكيد تجارة مربحة خاصة عندما يتم التصدير إلى أصحاب الماركات العالمية، والعلامات التجارية البارزة للمنتجات الجلدية الفاخرة، الأحذية، والأحزمة، والحقائب وسوار الساعات والمنتجات الأخرى من جلد التماسيح التى يتخايلون بأبهتها على منصات عروض الأزياء فى العواصم الأوروبية.
تماسيح النيل، هى أكبر التماسيح حجما فى إفريقيا وأكثرها شراهة، والاستثمار فى مزارع التماسيح آخذ فى الانتشار فى دول إفريقية عديدة تتقدمها جنوب إفريقيا، زامبيا، وكينيا.. فى جنوب افريقيا بدأت مزارع التماسيح منذ نهاية عام 1960 وأخذت فى الانتشار حتى وصلت إلى قرابة 80 مزرعة تصدر منها أطنانا من اللحوم ومن الجلود هذا بخلاف تلك المخصصة للسياح ولم تسجل كمزارع تجارية، ومن المعروف أن إقامة مزارع التماسيح لا يتعارض مع اتفاقية «سايتس» طالما أن الإنتاج والتكاثر للنوع مستمر خارج نطاق البيئة الطبيعية التى جاءت منها، واتفاقية «CITES» هى اتفاقية دولية للحفاظ على الحياة البرية نباتات وحيوانات من خطر الانقراض، ومن حسن الحظ أن تماسيح النيل تتكاثر بمعدلات كبيرة سواء فى بيئتها الطبيعية أو فى المزارع بما يضمن عدم التهديد بالانقراض. فى إثيوبيا تنتشر تماسيح النيل بالمئات فى بحيرة شامو، وفى زيمبابوى تماسيح عديدة تنتشر فى نهر زامبيزى حول شلالات فيكتوريا، وفى نيانيانا Nyanyana ببحيرة كاريبا Kariba lake أكبر بحيرة صناعية فى إفريقيا حيث للشركة المالكة ثلاث مزارع تحتوى على أكثر من 150 ألف تمساح نجد التماسيح آكلة اللحوم وقد صارت نباتية بتبديل نوع تغذيتها فى تجربة مدهشة يراعون فيها التغذية السليمة بالكرات النباتية الغنية بكل العناصر الغذائية التى تتوافر فى اللحوم ، وكانت البداية بخلط تلك الكرات مناصفة باللحوم إلى أن صارت نباتية بشكل كامل، وذلك من أجل جودة الجلد الذى ينتهى كأحذية وكحقائب فاخرة . ومن أشهر مزارع التماسيح فى زامبيا مزرعة كالميبا Kalimba فى لوساكا.. يقول المسئول عن المزرعة بيل توماس Bill Thomas إنها أنشئت عام 1984 وان ما تنتجه مزرعته من جلود يتمتع بسمعة طيبة لدى بيوت الأزياء العالمية، ويقول بفخر إن أشهر الماركات العالمية تشترى جلد التماسيح من زامبيا ويعلل ذلك بأنهم يراعون عدم التكدس فى أحواض تربية التماسيح لتجنب أن يظهر على الجلد خدوش أو كدمات أو ندبات كنتيجة للعراك، وكلها من الأمور التى تقلل من جودة المنتج وبالتالى تنال من سمعته. فى كينيا العديد من المزارع ومن أشهرها مزرعة كولينز مويكى Collins Mueke فى بلدة كيتوى Kitui شرق نيروبى ويمتلك منها ما يقارب الأربعين ألف تمساح، وما تضعه من بيض بالآلاف يباع الفقس لمزارع أخري، هذا بالعلاوة على استثمار لحمها، والشائع عن لحم التمساح بأنه أبيض، لين، وبطعم لحم الدجاج، ويتم استهلاك غالبية المنتج منه داخل البلاد فى الفنادق والمطاعم السياحية ويصدر الباقي.
وللحصول على لحم لين تذبح التماسيح فى عمر صغير من عامين إلى خمسة أعوام. ويراعى فى تربيتها توفير بيئة مشابهة إلى حد كبير لبيئتها الطبيعية، كما يراعى تجنب الازدحام فى البحيرة مع الأخذ فى الاعتبار تحقيق التوازن بين أعداد الإناث وأعداد الذكور، وتقوم التغذية على توليفة حيوانية نباتية هى خلطة من أسماك وحبوب الذرة المغموسة بالدماء وبعض اللحوم الأخري. بالمزرعة عشرات العمال المدربون على صيد التماسيح لذبحها وأيضا على جمع ما يتم وضعه من بيض ليتم تفريخه فى أحواض خاصة للصغار.. النظافة والعناية وتجنب الأمراض الفتاكة يشرف عليها أطباء بيطريون. يقول صاحب المزرعة ردا على سؤال حول تكاليف إنشاء مزرعة بأنها بالتأكيد تكاليف باهظة، لكن لا شك أيضا أن العائد مجز.
ساحة النقاش