متوقفة عن الإنتاج منذ 8 سنوات.. عودة الحياة السمكية لـ «بحيرة قارون»
إعداد/ محمد شهاب
كتب محمود دسوقى:
في إطار حرصها على تنمية البحيرات السمكية وزيادة الإنتاج السمكي، لتلبية احتياجات المواطنين من البروتين، اتخذت الدولة العديد من الخطوات الجدية لتنمية وتطوير البحيرات السمكية والبالغ عددها 11 بحيرة سمكية على مستوى الجمهورية، من خلال أعمال التكريك والتطهير والتخلص من المخلفات الصلبة والسائلة، وكذلك وقف نزيف التعدي للحفاظ على المسطحات المائية والمحميات.وحظيت بحيرة قارون، باهتمام بالغ لإعادتها للحياة والإنتاج السمكى من جديد، بعد توقف تام دام لمدة 8 سنوات بسبب انتشار طفيل «الإيزوبودا» الذى تسبب فى نفوق الثروة السمكية فى البحيرة ومن ثم اندثارها تمامًا، لكن نجحت جهود الفريق العلمى بالدعم الكامل من محافظة الفيوم، فى مكافحة الطفيل والقضاء عليه بشكل كبير، بما يسمح بإعادة إنزال الزريعة السمكية وتحقيق الإنتاج السمكى من جديد.
وتمكن الفريق العلمى المسئول عن مكافحة طفيل «الإيزوبودا»، من الحد من انتشاره والقضاء عليه نسبيًا، وتم لأول مرة إنزال أول دفعة من أسماك «الموسى» فى البحيرة، وهى أسماك عالية في نسب التفريخ، بما يسمح بسرعة انتشار الزريعة وتحقيق الإنتاج السمكى تدريجيًا.
«الأهرام التعاوني» ترصد نجاح أول تجربة منذ 8 سنوات لإنزال الأسماك فى بحيرة «قارون»، وسط ترحيب كبير من المتخصصين والصيادين، أملاً فى أن تعود البحيرة خلال وقت قصير للإنتاج السمكى مجددًا للسوق المحلية وتوفير الآلاف من فرص العمل للصيادين، واستعراض أهم مواد العقوبات التى تضمنها قانون تنمية البحيرات السمكية ضد المخالفين ومنها حظر إنزال ناتج صيد الأسماك من المصائد الطبيعية إلا فى المناطق المخصصة وبالطرق المحددة لذلك، وبعد التأكد من الالتزام بالمواصفات وإتباع الإجراءات الفنية البيطرية والتسجيل، والتى يحددها الجهاز.
إجراءات إنزال الأسماك
تابع الدكتور أحمد الأنصارى محافظ الفيوم، إجراءات إنزال الأسماك لبحيرة «قارون» بعد التحسن النسبى الملحوظ للمياه، وفقًا للتجارب والتحاليل التى تجرى دوريًا عليها، فى ظل توجيهات القيادة السياسية بالارتقاء بجميع البحيرات السمكية ومنها بحيرة قارون، للعمل على عودة الحياة المائية والثروة السمكية للبحيرة لتعود إلى سابق عهدها واحدة من مصادر الإنتاج السمكي. وكان محافظ الفيوم، عقد اجتماعًا بمشاركة الحسين فرحات محمد المدير التنفيذى لجهاز حماية وتنمية البحيرات والثروة السمكية بمجلس الوزراء، والدكتورة نسرين عز الدين الأستاذ بكلية الطب البيطرى بجامعة القاهرة، ومستشار محافظ الفيوم لشئون الثروة السمكية، والدكتور محمد التونى معاون المحافظ، والدكتور حسام شعبان رئيس فرع جهاز شئون البيئة بالفيوم، والمهندس أيمن محمد محمود مدير عام منطقة وادى النيل للثروة السمكية بالفيوم، والدكتور عمرو هيبة مدير وحدة التنمية المستدامة بالجهاز، ومشاركة وفد من جهاز حماية وتنمية البحيرات والثروة السمكية بمجلس الوزراء الذى ضم، الدكتورة أمانى أحمد محمد، والدكتور أحمد سنى الدين صادق، والمهندس هانى محمد مبروك، والمهندس مصطفى سيد سعيد، والكيميائية نيرمين عبد الحليم، لمتابعة آخر الإجراءات للعمل على إنزال أسماك لبحيرة قارون تتوافق وطبيعتها حاليًا، بعد التحسن النسبى الملحوظ لجودة المياه بها، مع تقسيم البحيرة إلى قطاعات تبعًا لتحاليل المياه التى أجريت دوريًا خلال الفترة الأخيرة من قبل الجهات المعنية والمختصة بكل قطاع، ومناقشة آليات إعادة التوازن البيئى للبحيرة بشكل كامل، من خلال الجهود العلمية للفريق البحثى فى وضع خطة تنفيذية للقضاء على طفيل الأيزوبود وإعادة تزويد البحيرة بكميات جديدة من الأسماك.
وأكد المحافظ، حرص الدولة على إعادة التوازن البيئى لبحيرة قارون، كونها مصدر للعمل المباشر وغير المباشر للكثير من أبناء المحافظة خاصة من الصيادين، مؤكدًا ضرورة تضافر جهود جميع الجهات المعنية بالبحيرة والعمل التشاركى فى المرحلة القادمة لتحقيق أفضل النتائج.
مشروعات حياة كريمة
وأشار محافظ الفيوم، إلى أن مشروعات المبادرة الرئاسية «حياة كريمة»، والقرض الأوربى لتنفيذ مشروعات الصرف الصحي، تعد عوامل مؤثرة بالإيجاب فى تحسين خواص مياه البحيرة وتخفيض نسبة الملوحة بها، وأن أى عمل بحثى أو تجريبى بالبحيرة يتم بالتنسيق مع محافظة الفيوم، ووزارة البيئة، وجهاز حماية وتنمية البحيرات والثروة السمكية، وأن أي أبحاث يتم تطبيقها لابد من عرض نتائجها أولاً على هذه الجهات لبيان مدى صلاحية تطبيق هذه النتائج من عدمه تبعًا لطبيعة الحياة المائية ببحيرة قارون، وبناءً على ما تم سلفًا من أبحاث وما ترتب عليها من نتائج.
خطة عمل لتنمية البحيرة
ومن جانبها، أكدت الدكتورة نسرين عز الدين، أستاذ الطفيليات بكلية الطب البيطرى بجامعة القاهرة، أنه تم وضع خطة عمل تنفيذية شاملة واضحة التفاصيل، بهدف إنزال أسماك تتلاءم وطبيعة بحيرة قارون الحالية، واتخاذ جميع الإجراءات للسيطرة على مشكلات البحيرة، وعودتها إلى سابق عهدها من الإنتاج السمكي، والقضاء على طفيل الأيزوبودا، وتنقية مياه البحيرة من الملوثات إضافة إلى تقليل نسبة الأملاح بالبحيرة، ووضع جميع المقترحات حيز التنفيذ خلال شهر، بناءً على نتائج الدراسات العلمية التى أجريت على البحيرة.
تضافر جهود الجهات المعنية
وأوضحت الدكتورة نسرين عز الدين، أن تنمية بحيرة قارون خلال الفترة الماضية جاءت على محورين، أولهما الأعمال التى قامت بها وزارة الموارد المائية والرى من أعمال تكريك وتعميق لبحر يوسف من بدايته بمحافظة أسيوط وصولاً إلى الفيوم ومنه لبحيرة قارون، وزيادة نسبة المياه العذبة الواصلة للبحيرة، وكذلك السيول التى ضربت الفيوم خلال عام 2021 وكان لها أثر إيجابي فى زيادة المياه العذبة أيضًا بالبحيرة، فضلاً عن تكريك بحر وهبى ومنع مصبات الصرف الصحى بمصرف البطس، والمحور الثانى الأعمال التى تقوم بها وزارة السكان، وما يتبعه من تنفيذ مشروعات الصرف الصحى سواء من خلال الخطة الاستثمارية أو مبادرة «حياة كريمة»، ومراجعة العديد من مصانع المنطقة الصناعية لمنع صرف مياهها للبحيرة، وإزالة المزارع السمكية المخالفة، وتم وضع الآليات لإنزال الأسماك بالبحيرة مع إحكام السيطرة على ومنع الصيد بشكل تام، والمتابعة المستمرة لنتائج التجربة بهدف التوسع المرحلى فى المساحات وأنواع الأسماك، مع إجراءات التأمين الكامل عقب إنزال الأسماك بالتنسيق بين مختلف الأجهزة التنفيذية من جانب وشرطة المسطحات المائية من جانب آخر، فضلاً عن بحث ودراسة آليات التنسيق مع مسئولى المنشآت الموجودة على ساحل بحيرة قارون لتزويدها بكاميرات المراقبة الليلية.
تراجع الإصابة بالأيزوبودا
واستعرضت الدكتورة نسرين عز الدين، نتائج الدراسات التى قامت بها لطفيل الأيزوبودا، وخطة متابعته منذ ظهوره ببحيرة قارون عام 2014 حتى تراجع هذه النسبة بشكل ملحوظ خلال الفترة الأخيرة، مؤكدة انخفاض نسبة الطفيل فى الوقت الحالي، مضيفة أن معدلات الملوحة بمياه البحيرة جيدة حاليًا، وقام الفريق العلمى بالمتابعة المستمرة لوضع الأيزوبودا ومعدلاته وكذلك معدلات جودة المياه مع تطبيقها للإجراءات العلمية الاحترازية لمقاومة والحد من انتشار الطفيل بما يمنع تسببه فى أى نفوق جماعى للأسماك بالبحيرة.
وأضافت الدكتورة نسرين عز الدين، أن اختيار نوع الأسماك لإنزالها بالبحيرة جاء نتيجة دراسات علمية مستفيضة لطبيعة هذه الأسماك وقدرتها على التفريخ فى ظل تحسن المياه بالبحيرة، وكذلك طبيعة طفيل الأيزوبودا، وأنه تم إنزال الأسماك إلى البحيرة بعد التنسيق المشترك بين المحافظة والجهات المعنية، خاصة أن المدير التنفيذى لجهاز حماية وتنمية البحيرات والثروة السمكية بمجلس الوزراء، أبدى استعداد الجهاز للتعاون البناء والمثمر، وتوفير كافة الأسماك المطلوبة كمرحلة أولى، وثمن جهود المحافظة للارتقاء ببحيرة قارون، كمصدر مهم للإنتاج السمكى وتوفير فرص عمل للصيادين.
إنزال أسماك الموسى
وأشارت الدكتورة نسرين عز الدين، غلى أنه تم إنزال عدد ١٣٦ من أمهات اسماك الموسى وسط فرحة كبيرة لصيادى البحيرة، وتم اتخاذ القرار من محافظ الفيوم وبالتشاور مع الفريق العلمى ممثلاً فى رئيس الفريق ومستشار المحافظة لشئون الثروة السمكية والباحث حول نتائج التحاليل والإحصاءات التى قام بها الفريق بالبحيرة، والتى أظهرت التحسن الملحوظ فى معايير جودة المياه بالبحيرة، وكذلك التراجع الكبير والمستمر والسيطرة على معدلات الإصابة وانتشار طفيل الأيزوبودا، الذى غزا البحيرة من نهاية ٢٠١٣ وأسهم مع ارتفاع معدلات التلوث فى تدمير المخزون السمكى بالبحيرة.
ما هو طفيل الأيزوبودا
وأوضحت الدكتورة نسرين عز الدين، أن «الأيزوبودا» عبارة عن حيوان قشرى عديد الأرجل، يطلق عليه الصيادين لقب «آكل لسان السمك»، ويعيش الطفيل فى المياه المالحة، ولا يتحمل العيش فى المياه العذبة، وينتعش فى درجات ملوحة فوق 18 ألف جزء فى المليون، ويتحمل درجات ملوحة مرتفعة تصل إلى 40 ألف جزء فى المليون، وظهر فى البحر المتوسط فى فترة الثمانينيات، وليس للطفيل أى تأثير مباشر أو غير مباشر على الإنسان فى حالة تناول أسماك مُصابة به، خاصة وأن طرق طهى الأسماك فى مصر سواء عن طريق الشوى أو القلى والنقع فى الخل والثوم، كفيلة بقتل الطفيليات والميكروبات، وللاطمئنان يفضل قطع رأس السمكة قبل الطهي؛ لأنه يحتوى على اللسان والخياشيم بوصفهما مكان الإصابة.
التصدى للصيد الجائر
وفى سياق متصل، أكد حمدى جودة، رئيس جمعية قارون للثروة السمكية، والمشرف على جمعية وادى الريان للثروة السمكية، وعضو مجلس إدارة الاتحاد التعاونى للثروة المائية، أن الجهود التى تمت فى بحيرة قارون غاية فى الأهمية، لإعادتها للحياة والإنتاج السمكى من جديد، فى ظل ما تعانيه البحيرة من توقف شبه كُلى للإنتاج السمكي.
وشدد عضو مجلس إدارة الاتحاد التعاونى للثروة المائية، على ضرورة التصدى بقوة لجميع أشكال الصيد الجائر بالبحيرة، حيث يستخدم بعض الصيادين شباك ضيقة جدًا لصيد الأسماك الصغيرة لبيعها كغذاء للأسماك فى المزارع السمكية أو لاستخدامها كطعوم للأسماك فى عمليات الصيد، فمثل هذه الممارسات تتسبب فى تدهور الإنتاج السمكى واندثار الأسماك فى البحيرة.
وأشار حمدى جودة، إلى أن بحيرة قارون كانت من أهم مصادر الإنتاج السمكى قبل اندثار الأسماك منها، لكن عانت البحيرة من الصيد الجائر والتجريف وكذلك زيادة معدلات التلوث بالصرف الصحى غير المعالج والصرف الصناعى والصرف الزراعي، ومع عدم تجدد مياه البحيرة تأثر الإنتاج السمكى بشكل كبيرة وتوقف الإنتاج بشكل شبه كامل.
وأوضح عضو مجلس إدارة الاتحاد التعاونى للثروة المائية، أن صيادى البحيرة والذين فقدوا عملهم فى البحيرة ولجأوا للصيد فى وادى الريان، على أمل كبير أن تعود الحياة السمكية لبحيرة قارون، فهناك أكثر من 250 مركب كانت تعمل فى البحيرة يقوم عليها آلاف الصيادين، وفى حالة عودة الإنتاج السمكى مجددًا للبحيرة سيكون ذلك بمثابة توفير فرص عمل لآلاف من صيادى محافظة الفيوم.
مطالب الصيادين
أكد على رمضان، صياد فى بحيرة قارون، أن البحيرة تحتاج إلى محطة معالجة على مصرف «البطس»، حيث يتسبب فى جلب مخلفات صلبة من 13 مصنعا، منها 6 مصانع قننت أوضاعها و6 مصانع أخرى لم تقنن أوضاعها حتى الآن، فالبحيرة التى تبلغ مساحتها 55 ألف فدان، يظهر بها السمك ثم ينفق بسبب ارتفاع معدلات التلوث.
وأضاف على رمضان، أن الصيد متوقف فى الوقت الراهن بالبحيرة بسبب إنزال الزريعة، مضيفًا أن سمكة الموسى وحدها لا تكفى ولابد من إنزال أنواع أخرى من الأسماك، كما أن الزريعة التى تم نقلها تأخرت عن موعدها المناسب، فموعدها كان 15 نوفمبر الماضى إلا أنه نُقلت فى نهاية ديسمبر، كما أن النقل يتم من مصدر صيد من خلال الشِباك مما يتسبب فى نسبة عالية من النفوق، وبالتالى لابد من النقل من المفرخات مباشرة حتى نتجنب نسب النفوق العالية، ولابد أيضًا من إنزال زريعة الجمبرى بمختلف أنواعه، وما يمنع ذلك هو التخوف من الصيد الجائر الموجود بالفعل.وأوضح على رمضان، أن بحيرة قارون كانت تستقبل سنويًا 27 مليون زريعة سمكية، وبالتالى لابد من زيادة أعداد الزريعة بالمعدلات المناسبة لضمان زيادة الإنتاج السمكى بها، فالخطة الحالية تتضمن إنزال 2000 زريعة من سمكة الموسى قادمة من بحيرة البردويل لكن هذه الكمية قليلة للغاية ولا تتناسب مع مساحة البحيرة.
تشريعات حماية البحيرات
وفى إطار الحرص على حماية وتنمية البحيرات السمكية وضمان استمرار إنتاجها، استهدف قانون تنمية البحيرات والثروة السمكية، حماية البحيرات ومسطحاتها وشواطئها، لكونها أحد الموارد الطبيعية ذات الأهمية الاقتصادية والبيئية، فضلاً عن تنظيم نشاط مباشرة الصيد وحماية واستغلال وتنمية الثروة السمكية، كما نص القانون على عقوبات رادعة على المخالفين.
وحدد القانون بعض المحظورات لمنع التعدى على الأراضى الخاضعة لإشراف الجهاز واستغلالها أو إقامة أية منشآت أو إجراء أية أعمال أو ممارسة أي أنشطة على الأراضى الواقعة داخل حرم البحيرات وبواغيزها، ومن هذه المحظورات، حظر وجود شباك أو آلات أو مواد غير مرخص بها أو غير مسموح الصيد بها على المركب، كما يحظر حيازة هذه الآلات والأدوات والمواد فى مواقع الصيد، وحظر صيد أو بيع أو حيازة أسماك أو أحياء مائية أخرى فى حالة طازجة أو مجمدة أو مجففة أو مملحة تقل أطوالها وأحجامها عن الأطوال والأحجام التى يصدر بتحديدها قرار من الجهاز، ويحظر طحن أو عصر الأسماك بجميع أحجامها إلا بترخيص من الجهاز، وحظر ممارسة الصيد لأسماك الزينة من المياه البحرية إلا بترخيص من الجهاز، وحظر التصرف فى الأسماك بالبيع داخل البحيرات والمياه البحرية والداخلية، كما يحظر حيازة أية أداة من أدوات وزن الأسماك على المركب، وحظر إنزال ناتج صيد الأسماك من المصائد الطبيعية إلا فى المناطق المخصصة وبالطرق المحددة لذلك، وبعد التأكد من الالتزام بالمواصفات واتباع الإجراءات الفنية البيطرية والتسجيل، والتى يحددها الجهاز.
ساحة النقاش