القدرة على رؤية الألوان بحساسية عالية لدى إحدى أسماك أعماق البحار
إعداد/محمد شهاب
في تطور غير مسبوق، كشف بحثٌ علميّ جديد أنّ الأسماك التي تعيش في أعماق البحار والمحيطات قد طوّرت رؤية ثاقبة تتيح لها التنقّل بسهولة في بيئتها السحيقة المعتمة. فهذه المخلوقات تستطيع أن تميز الألوان على عمق 1.5 كلم تحت سطح البحر، حيث الظلمة شبه تامة في موائل طبيعية لم يكد المستكشفون يصلون اليها بعد ما يجعلها من أكثر المواقع غموضاً في العالم. ويعود الفضل في هذه القدرة إلى جينات خاصة تُتيح لها رصد إشارات الضوء المنبعثة من الأعضاء المضيئة لبعض الكائنات.
الدّكتورة فاني دو بوسيروليس، المتخصّصة في الإيكولوجيا البصريّة للبحار العميقة في جامعة كوينزلاند في استراليا، والتي شاركت إلى جانب فريق دولي من العلماء في إعداد البحث الذي نشرته مجلة "ساينس" (علوم)، تقول عن هذه الظاهرة: "يكاد المشهد في المياه العميقة يكون أحادي اللون وتكاد غالبية الأسماك لا ترى سوى الضّوء الأزرق. ولكننا اكتشفنا بعض الاستثناءات المذهلة".
والحال أن العلماء الذين قادهم البروفسور وولتر سالزبرغر من جامعة بازل، قد تمكنوا أخيراً من تحليل الخرائط الجينية لأكثر من 100 نوع من الأسماك، واكتشفوا أنّ بعض أسماك الأعماق السحيقة قد طوّرت مورثة معيّنة تدعى رودوسبين rhodopsin هي المسؤولة عن تمتعها برؤية ثاقبة.
يُذكر أن الحيوانات الفقرية بشكلٍ عام، تُميّز الألوان بالاعتماد على الصّبغات الضوئيّة الموجودة في الخلايا المخروطية لشبكيّة العين، إذ تستجيب كلّ واحدة من هذه الصبغات لإشعاعات ضوئية ذات موجات طولية محدّدة. و تكون هذه الموجات الطوليّة عند البشر ،على سبيل المثال، بالألوان الأحمر والأخضر والأزرق. ولكنّ لاتستطيع الفقاريات أن ترى الالوان إلا في الضوء خلال النهار، فهي ترصد في الظلام الدامس جزيئات الضوء حولها باستخدام الخلايا العصوية التي تحوي نوعاً واحداً من الصّبغات الضوئية أو rhodopsin، الأمر الذي يجعلها عمياء اللون في الليل.
وفي إطار تجارب مخبريّة عمليّة قاموا بها على البروتينات الخاصة برودوسبين، وجد علماء الحيوان أنّ بعض أنواع أسماك الأعماق السحيقة يمتلك عدداً زائداً من جينات رودوسبين. وتبيّن لهم كذلك أنّ سمكة الضّوري الفضيّة تتمتع بنظام بصري أفضل بدرجة كبيرة من الانظمة البصرية لدى الأسماك الأخرى ، وذلك لأنها (الضوري الفضية) تمتلك ما يزيد عن 38 نسخة من مورثة رودوسبين ، مما يرجح أنها قادرة على التمييز بين العديد من الألوان.
وقال البروفسور سالزبرغر"يبدو لنا أنّ سّمكة المياه العميقة هذه قد طوّرت نظامها البصري القائم على تعددية جينات رودوسبين ، على مراحل عدّة كلّ مرحلة منها مستقلة عن الأخرى". ويعني الوجود الكثيف لهذه الجينات بأنّ السمكة قادرة على رؤية الموجات الطوليّة "المنبعثة" من الإضاءة الحيوية. وثمة احتمال بأن تكون هذه القدرة قد تطوّرت لديها كوسيلة للبقاء على قيد الحياة.
ومن جهته، لفت الدّكتور فابيو كورتيزي من جامعة كوينزلاند إلى أنّ "المياه العميقة مليئة بأضواء حيوية متعددة الألوان، والأضواء الحيوية هي التي تتولّد وتنبعث من بعض الكائنات الحيّة وتظهر بصورة رئيسية على شكل ومضات مشعّة من أسماك أخرى. ولو أردتَ أن تُحافظ على حياتك في الأعماق، عليك أن تُقرر بسرعة ما إذا كنت بصدد رؤية حيوان مفترِسٍ محتمل أو فريسة محتملة".
ساحة النقاش