امراة سورية في فلبي

 

لابد ان الزمن قد طال وان العمر سافر مع الزمن، ولكن يبقي شريط الذكريات حيا متجددا علي الرغم  ان تجاعيد الزمن اطلت  معلنة عن  حقيقة العمر. نعم كان الزمن في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي ،حينما كنت اعمل في جامعة صنعاء وهناك تعرفت علي الدكتور عبدالكريم سوريا من مدينة حلب. كان رجلا تقينا ملم بعلوم الدين فهو استاذا للغة العربية ، اشتدت اواصر الصداقة بينا وسافرت في احدي فصول الصيف لريارته  في حلب، وهناك تعرفت علي اجمل مدن العالم من حدائق ومزارع البرتقال والمناخ البديع

كان منزل الدكتور عبدالكريم في ضاحية المدينة، وفهو منزل من طابقين وطلائه باللون الابيض، وبوابتة كبيرة من الخشب ،،وكتب عليه عبارة ادخلوا امينين. تحدثنا كثيرا في كل شئ ، ولكنه فجأة تذكر شئ جعله يتوقف وشرد عقله لفترة ،وانتظرت قليلا وسالته ماذا بك فانت ذهبت بعيدا، ولكنه فجأني قائلا نني تذكرت ابني سالم ، وبادرته قائلا ماذا به. اجاب بحسرة لم شاهده منذ خمسة اعوام، ولا اعرف ان كان حيا اوتوافه الله. وحينما بدات استرد عقلي من هذه المفاجأة ، فبادرني قائلا اخذه اللائم ، قفد تم اعتقاله من بعض شباب المدينة بسبب مظاهرة طلابية وكان في السادسة عشر من عمره. شعرت بالحرج الشديد بسبب تذكر صديقي ابنه الغائب والحاضر في ذاكرته, وهنا دخلت علينا ابنته فاطمة ذو السادسة عشر زهرة، كانت فتاة فصيرة القامة وقمحية اللون ولم ار سوي ابتسامة عرضة وهي تقول تفضل  الحلو.خرجت فاطمة ولم تذكر سوي الوجه النحيل والابتسامة الطيبة التي تنم عن ادب وخجول امراة عربية

دارات الايام ولم اسمع عن صديقي عبد الكريم ،ولكنني كنت اتابع الثورة السورية وقلبي يبحث عن عبدالكريم لعلي اسمع خبرا ونباء، خاصة ان المدن تدق والمنازل تهدم والاعراض تنهك، وكل شئ اصبح مباحا للسفله واولاد القرده ، فهم يستبيحوا كل ما لايمكن ان يتصوره عقل,   استجاب الله الي دعواتي ورأيت وجها الذي لم  يغيب عني ابدا انها فاطمة عبد الكريم ولكنها ليست لفاطمه التي عرفتها ، فهي ليست خجولة والابتسامة في مكان ما  ، ولكنها ليست مرسومة علي الفم، فكانت تحمل مدفعا رشاشا وتقف ببسالة انبل الرجال للدافع عن اطفال حلب. قالت في احدي الفضائيات استشهد والدي وهو يمسك البندقه وقال لا تدعي سلاحي يهبط الي الارض وتذكري باسم وابناء مدينتك، فحن لدينا ثائرا مع السفاح ، ولن يهدأ جسدي في قبري  حتي تاخذي بثائر لشعبنا من اطفال ونساء وكبار. السفاح لم يرحمنا السفاح فلا ترحمي الجبان وانصاف الرجال من السفله

 

 

فاطمة مثلا واقعيا للمراة العربية التي ساهمت في كل ثورات الربيع العربي، فهي في ميدان التحرير وقلب بنغازي وميادين  القتال في ليبيا، طبيبة وممرضة،و ام تعمل علي  راحة المحاربين. ادت الثورات العربية الي نقل المراة العربية الي مرحلة نوعية في مسيرة المراة، فلم تعد المراة العربية عاملا سلبيا في المجتمعات العربية، ولكنها عنصرا اساسيا في النمو الاجتماعي والاقتصادي

فاطمة تقول لنا نحن الرجال انها الام والمربية التي تصنع الاجيال، وهي المنتجة في المصنع ،والمفكرة في جامعاتنا، واخيرا حاملة السلاح للدافع عن شرف الامة. انني انحني لك يافطمة احتراما وتقديرا

بقلم الدكتور حسن عثمان دهب

عمل استاذا جامعيا في الجامعات الاتية بنغازي ، صنعاء وكوبنهاجن

Email [email protected]

 

 

المصدر: كتابات الدكتور حسن عثمان دهب
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 89 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

31,256