<!--
<!--<!--
إن (الجندر) مفهوم تحرري يهدف للعدالة وتغيير واقع التمييز واللامساواة المبني على أساس الهوية الجنسية (ذكر أو أنثى) مع كامل الاعتراف بهذه الهوية وخصائصها البيولوجية ، ولكن ما يهدف إليه (الجندر) هو أن لا تكون هذه الخصائص البيولوجية أساسا للتمييز بين الجنسين في المكانة الاجتماعية ومن ثم الانتقاص من الحقوق السياسية والاقتصادية والثقافية . ولقد التصقت مفردة (جندر) بالنساء لأنهن_ وفي مختلف بلدان العالم وعبر التاريخ _تعرضن للتمييز السلبي ؛ وهو تمييز له تجلياته في مختلف الثقافات والعادات والتقاليد والنظم الاجتماعية ، مما جعلهن_ ولأسباب موضوعية_ في حاجة ماسة لمفهوم (الجندر) لكي يتحررن ويحققن العدالة ، ولكن من الناحية المفهومية فإن (الجندر) يشمل الرجال كذلك ، باعتباره يسعى للعدالة والمساواة.
نوع الجنس أو الجنوسة أو الجندر هو علم الجنس السوسيولوجي / الاجتماعي ؛ ويعني المصطلح دراسة المتغيرات حول مكانة كل من المرأة والرجل في المجتمع بغض النظر حول الفروقات البيولوجية بينهما وفقاً لدراسة الأدوار التي يقومان بها ، أي أن المرأة والرجل ينبغي النظر إليهما من منطلق كونهما إنسان بغض النظر عن جنس كل منهما. وهذا العلم لا يخص المرأة فحسب وإنما يعني الرجل كذلك.
في بداية ثمانينيات القرن الماضي تبلور مفهوم النوع الاجتماعي (الجندر) عبر مسيرة مستمرة للفكر النسوي ، هادفاً إلى تحرير المرأة والرجل على السواء من هيمنة النظام الأبوي ، ومن أجل إعادة صياغة الأدوار الاجتماعية بينهما ؛ لتحقيق المساواة والعدل الاجتماعي . وقد بين مفهوم النوع الاجتماعي (الجندر) أن المرأة _ ككيان مستقل عن الرجل _ لها ذاتها ووظيفتها ودورها في المشاركة المتساوية في عملية الإنتاج الاجتماعي والثقافي والسياسي ؛ جنبا إلى جنب مع الرجل الذي يمثل كياناً مستقلا أيضاً . ويبين أيضاً أن لكل منهما خصائصه البيولوجية ؛ التي لا يستطيع أحدهما القيام بها عن الآخر ، وإن كانا يكملان بعضها الآخر ، إلا أن هذا الاختلاف يجب كذلك ألا يتجاوز حدوده البيولوجية هذه ، وألا ينسحب على الأدوار والوظائف المتشكّلة اجتماعياً وثقافياً . على هذا الأساس صيغ مفهوم النوع الاجتماعي (الجندر) كأحد التيارات التحررية الجديدة ؛ الهادفة إلى حركة تنويرية ونقدية ؛ متحررة من النزعة والهيمنة الأبوية ، ومن المفاهيم والمعتقدات التي ترسخ وتعمل على تشكيل البنية والتنظيم الاجتماعي على أساس اللامساواة والتمييز القائم على النوع الاجتماعي (الجندر) . ويستند مفهوم النوع الاجتماعي (الجندر) على إعادة تشكيل وتأسيس العلاقات والبُنى الاجتماعية ، وتُوازن القوى على أسس ومفاهيم جديدة تضمن تطبيق حقوق الإنسان وحقوق كل فرد داخل المجتمع ؛ نساءً ورجالاً ؛ في الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية والمشاركة في عملية التغيير الاجتماعي.
يأتي مفهوم النوع الاجتماعي (الجندر) موضوع هذا المقال ؛ ليصب في الجدل والحوار المستمر حول أولوية وأهمية تحقيق المساواة وإلغاء جميع أشكال التمييز القائمة على أساس النوع الاجتماعي . وبالرغم من أن الجدل دائماً ما ينصب على الموضوعات المعنية بتحقيق المساواة وإلغاء التمييز، إلا أنه ينصب كذلك على المفهوم ذاته ؛ حول ما يحمله من دلالات على المستوى اللغوي . ففي اللغة العربية لا يوجد _حتى الآن_ اصطلاح واحد لتسمية المفهوم ؛ فالبعض يسميه (نوع الجنس) والآخر يسميه (النوع الاجتماعي) ، وغيرهما (الجنوسة) ، وغيرهم يبقي على اللفظ الإنجليزي فيعربه كتابةً ؛ ليصير المفهوم في اللغة العربية (جندر) . ودون الدخول في الجدل اللغوي في هذا الخصوص ، فإننا نرى أن يترجم المفهوم إلى (النوع الاجتماعي) و(الجندر) على السواء، لتحقيق غايتين للاستخدام فقط ؛ الأولى منهما أن اصطلاح (النوع الاجتماعي) جرى استخدامه في علم الأنثروبولوجي للتحديد والإشارة إلى الفئات الاجتماعية والهويات المختلفة من حيث تشكُّلها الاجتماعي الثقافي ؛ القضية التي يسعى المقال هنا في توضيحها ، أما الغاية الثانية من استخدام مفردة (جندر) بتعريبها اللفظي هذا ؛ فيعود إلى شيوع وسهولة استخدام الاصطلاح ؛ كغيره من الاصطلاحات الأخرى التي هاجرت من وإلى اللغة العربية ؛ بخاصة وسط المتخصصات والمتخصصين .
كلمة نوع اجتماعي (جندر) تستعمل الآن في علم الاجتماع كمفهوم فكري ذي معنى محدد ، ففي معناه الجديد يجسد المفهوم التعريف الثقافي الاجتماعي للرجل والمرأة ، والطريقةَ التي تميز بها المجتمعات بينهما ؛ عبر تحديد أدوار اجتماعية مختلفة لكل منهما . فالنوع الاجتماعي (الجندر) يستخدم كأداة تحليلية لفهم الحقائق الاجتماعية فيما يتعلق بالمرأة والرجل .
طُرح الاختلاف بين (الجنس) والنوع الاجتماعي (الجندر) لمعالجة التوجهات العامة التي ترجع خضوع المرأة إلى تركيبتها الجسدية ، إذ ساد طويلا الاعتقاد بأن التباين بين خصائص دور المرأة والرجل ومكانة كلٍ منهما في المجتمع تحدد وفقاً للتصنيف البيولوجي للجنس المعين ، لذلك اعتبرت هذه الخصائص طبيعية وغير قابلة للتغيير. وبهذا المفهوم ؛ ظل التكوين الجسدي للمرأة_ ولا يزال_ سبباً مباشراً لخضوعها في المجتمع ، وفي حالة قبول هذا كوضع طبيعي فمن البديهي ألا تثار قضية عدم المساواة وعدم العدل في المجتمع .
إن إثارة مفهوم النوع الاجتماعي (الجندر) يساعدنا في فهم أن (الجنس) أمرا ؛ وأن النوع الاجتماعي (الجندر) أمرا آخر مختلف تماما. فمن المعروف أن الشخص يولد ذكرا أو أنثى ، وأن جنسنا يمكن أن يحدد ببساطة بالنظر للأعضاء التناسلية ، ولكن لكل ثقافة طرقها في وضع قيمها الخاصة بالبنات والأولاد ، ومن ثم تحدد لكل منهما أدوارا واستجابات ومزايا مختلفة ، فالقالب الثقافي والاجتماعي الذي يصمم للبنات والأولاد منذ النشأة الأولى ؛ هو ما يعرف بتحديد النوع الاجتماعي (الجندرة) . فكل مجتمع يحول تدريجياً الأنثى أو الذكر إلى امرأة أو رجل ، ومن ثم إلى فهم للأنوثة أو الذكورة ، وذلك عبر مستويات مختلفة من أنماط السلوك والأدوار والمسؤوليات والحقوق والتوقعات ، ويتم هذا على خلاف (الجنس) ؛ فهو أمر بيولوجي ، فهوية النوع الاجتماعي (الجندر ) للنساء والرجال تحدد نفسيا واجتماعياً ، بما يعني أن النوع الاجتماعي (الجندر) يحدد تاريخيا وثقافيا .
وتعتبر آن أوكلي من الأوائل في مجال الفكر النسوي ممن تناولوا مفهوم النوع الاجتماعي (الجندر) قائلة : يعتبر النوع الاجتماعي (الجندر) أمرا ثقافيا ، فهو يعود إلى التصنيف الاجتماعي للرجال والنساء على نحو ذكورة وأنوثة ؛ فالناس عادة يحكم على أنهم ذكور أو إناث بالرجوع إلى المدلول البيولوجي ، ولكن الحكم على الذكورة أو الأنوثة لا يمكن أن يتم بالطريقة ذاتها ، فالمعيار هنا ثقافي يختلف باختلاف الزمان والمكان معا . وعليه فإن ثبات الجنس يجب الإقرار به ، ولكن يجب أيضا الإقرار بالتغير في النوع الاجتماعي (الجندر) . وفي النهاية خلصت آن أوكلي إلى أن النوع الاجتماعي (الجندر) ليس ذا أصل بيولوجي ، وأن الارتباط بين (الجنس) والنوع الاجتماعي (الجندر) ليس في الحقيقة ارتباطا طبيعيا على الإطلاق.
وفيما يلي الاختلافات الأساسية بين مفهومي النوع الاجتماعي (الجندر) والجنس :
- النوع الاجتماعي (الجندر) عبارة عن ثقافة اجتماعية من صنع الإنسان .
- الجنس شيء طبيعي .
- النوع الاجتماعي (الجندر) ثقافة اجتماعية تعود إلى قيم الذكورة والأنوثة ، وأنماط السلوك ، والأدوار والمسؤوليات... الخ .
- الجنس خاصية بيولوجية تعود إلى الاختلافات البائنة في الأعضاء التناسلية المتعلقة بعملية الإنجاب ووظيفته .
- النوع الاجتماعي (الجندر) متغير ، ويتحول من وقت إلى آخر ومن ثقافة إلى ثقافة ، بل حتى بين أسرة وأخرى .
- الجنس ثابت ويظل ثابتا في أي مكان .
- النوع الاجتماعي (الجندر) يمكن أن يتغير .
- الجنس لا يمكن أن يتغير .
من هذا المفهوم ، إن الفرق في الجندر أو بين الأنواع الاجتماعية ليس من الضروري نابع من الفروقات البيولوجية بين الذكر والأنثى ، إنما هي فروقات مترجمة عن نظرة المجتمع والحضارة للنوع الاجتماعي بشكل أساسي (بحيث كان رجل أو امرأة أو غير ذلك) وعلى التوقعات التي يبنيها المجتمع نفسه من النوع الاجتماعي الآنف ذكره . أي أن نظرة المجتمع والتوقعات الجندرية فيه هي التي تبني وتصمم مراحل تطوّر الذكر كرجل والأنثى كامرأة ، وهي نفسها التي تصمم الطبقية المجتمعية القائمة على تفوّق لصالح الرجل عن المرأة . في غالب الحالات يرى أن المرأة هي النوع الاجتماعي الذي يحتاج إلى تعديل دوره الاجتماعي .
وهناك علاقة قوية بين الجندر والاقتصاد حيث أن مجتمع الجندر ينبغي أن تتساوى فيه فرص التعليم بين الإناث والذكور وما يتبعها من تساوي فرص العمل والأجر ، كذلك هناك تساؤل حول مصير النسبة الكبيرة للإناث قياسا للذكور في كل دولة خصوصا دول العالم الثالث ومدى الخسائر الاقتصادية الناجمة عن إقصاء دور النساء من الإدماج الكامل في نشاطات العمل وما يحمله من خسائر للدول والمجتمعات .
ساحة النقاش