<!--
<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"جدول عادي"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin-top:0cm; mso-para-margin-right:0cm; mso-para-margin-bottom:10.0pt; mso-para-margin-left:0cm; line-height:115%; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-fareast-font-family:"Times New Roman"; mso-fareast-theme-font:minor-fareast; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin; mso-bidi-font-family:Arial; mso-bidi-theme-font:minor-bidi;} </style> <![endif]-->
طبيعة الإنسان الخطأ، ويتميز العقلاء بالعودة للصواب ولكن يرتقي الإنسان ويتميز نبله بقدرته على الاعتذار لمن اخطأ بحقه وان كان اصغر منه عمرا أو مكانة ، والاعتذار يمثل مظهرا حضاريا وهو انعكاس لمستوى النضج والثقة في النفس .
إن الاعتذار تقويم لسلوك سلبي ، يظهر من خلاله مدى شجاعة الفرد على مواجهة الواقع . حقيقة أن هذه الثقافة غائبة لدى أغلب أفراد مجتمعاتنا العربية ، حيث يعتبر الشخص المخطأ أن الاعتذار " تقليل شأن " ، بينما العكس صحيح . فالاعتذار قوة شخصية ، واتزان التفكير ، وهو القدرة على المواجهة في الحياة .
و ينقسم الناس في إدراكهم لثقافة الاعتذار إلى ثلاثة أصناف :
الصنف الأول : هم أصحاب الاعتذار السريع ، وهم من يراجعون النفس مباشرة عند وقوع الخطأ الغير مقصود أو السلوك السلبي عند حالة الغضب .
الصنف الثاني : هم أصحاب الاعتذار بعد مراجعة النفس ، وهو ما يأتي متأخرا نوعا ما ، بعد أن يقضي المخطأ حالة مراجعة للموقف ومحاكاة النفس ، حيث ينتابه حالة تأنيب الضمير ، وقد يبدى اعتذارا رسميا أو يدبر موقفا غير مباشر ليبين رغبته في تصحيح سلوكه .
الصنف الثالث : وهو ما نعانيه في مجتمعاتنا ، وهنا الشخص يكون مدرك تماما لحجم أخطاءه ، لكنه يكابر و يمتنع عن الاعتذار ، ويطالب الناس أن تتقبله كما هو . انه بلا شك ان النوع الثالث من الناس يعاني من ضعف الشخصية ، وعدم القدرة على مواجهة المواقف ، وكذلك يمكن ان نصفه بـ " الغرور " .
وهناك مجموعة من الأمور التي تتعلق بثقافة الاعتذار:
أولاً: الحذر من الكبر
لا يمكن للقلب أن يكون على استعداد دائم للاعتذار عن أي خطأ يقع فيه في حق الآخرين إلا إذا كان هذا القلب بعيدًا كل البعد عن الكبر، فالإنسان الذي يشعر أنه غير قادر على رؤية الحقيقة طالما أنها لا تصب في مصلحته ويتكبر عن الاعتراف بالواقع ويرفض أن يتعامل مع الناس من منطلق المصداقية والمنطق هو إنسان من المستحيل أن يقدم الاعتذار عن أخطائه، وكذلك الإنسان الذي يحتقر الآخرين ولا يرى لهم فضلاً ويستخف دائمًا بما يقدمونه وما يدافعون عنه وينحازون له كمبادئ وقيم لا يمكن أن يتقدم لهم باعتذار لو صدر منه ما يؤذيهم لأنه في داخله يريد أن يتغافل عن فضلهم ووجودهم ولا يرى إلا نفسه فقط .
ثانيًا: اختيار التوقيت
من الضروري عندما نقرر تقديم الاعتذار أن نتخير الوقت المناسب ففي بعض الأحيان يكون من الضروري أن نعطي الطرف الآخر الذي يستحق منا الاعتذار فسحة من الوقت حتى يستطيع أن يفرغ طاقة الغضب والانفعال في داخله ثم بعد ذلك ننتظر قليلا حتى يهدأ ثم نبدأ في تقديم الاعتذار، لأن عدم اختيار الوقت المناسب للاعتذار سيجعله بلا جدوى وغير ذي تأثير.
ثالثًا: كيفية الاعتذار
قد تكون النية صادقة في الاعتذار ولكن أسلوب اختيار الكيفية التي نقدم بها هذا الاعتذار هو المهم ففي بعض الأحيان يكون تقديم الاعتذار من خلال الهاتف أو عبر البريد الإلكتروني بمثابة إهانة جديدة للشخص الذي نعتذر له إما لمكانته الخاصة أو لطبيعة الموضوع نفسه الذي يستدعي تقديم الاعتذار.
إن ثقافة الاعتذار ممارسة نحتاج كثيرا لان تكون جزءا من تكوين علاقاتنا الاجتماعية بحيث نمارس الاعتذار بكل أريحية ودون تردد أو شعور بالخجل أو اعتباره ممارسة ضعف.
إننا نحتاج كثيرا لنشر ثقافة الاعتذار فهي مستوى من مستويات الشجاعة الأدبية وهي سلوك النبلاء وتمثل حصانة قوية للابتعاد عن الخطأ واللا مبالاة بمشاعر الآخرين.
اعتذر لطفلك أو ابنك أو ابنتك أو الخادمة أو السائق، لا تكتفِ بالاعتذار لرئيسك أو لمن يفوقك قوة ، نحن في حاجة لثقافة الاعتذار وفق احترام الآخر وليس الخوف من الآخر.
هو معنى من أهم المعاني الإنسانية التي تزيد من درجة السمو والرقي في التعامل مع الآخرين، وهو ثقافة كاملة لو تحلت بها المجتمعات لاستطاعت أن ترتقي في سلم الحضارة والتقدم، لأنه يساهم في خلق مناخ من التراحم والتسامح والقدرة على تجاوز الصعاب، إنه معنى الاعتذار.
الاعتذار قيمة إنسانية نبيلة لا يمكن لمجتمع كامل أن يتحلى بها وتصير ثقافة حقيقية له راسخة في جذوره، ما لم تكن هذه القيمة تعيش بالفعل داخلنا كأفراد وجماعات، لأن القدرة على الاعتذار تحتاج إلى تربية معينة وقدرة على نسيان حظ النفس والشعور بتقدير واحترام الآخرين.
ليس صعبًا أن يكتسب الإنسان صفة الاعتذار ويجعلها طبعًا أساسيًا في شخصيته، لأن القدرة على الاعتذار غاية يمكن الوصول إليها من خلال تهذيب النفس وترويضها وتعليمها ضرورة رؤيسة الآخرين والتفكير في مشاعرهم وآلامهم وأحزانهم.
كما أنه لم يشكر الله من لم يشكر الناس فكذلك لا يمكن أن يستغفر الله من لا يستطيع أن يعتذر للناس، ذلك أن الإحساس بالندم والرغبة في التوبة والشعور بالأسى على خطأ معين أو ذنب ما لابد أن يكون نابعًا من قلب يتسم بالصدق والإحساس ومن لوازم هذا الصدق أن يكون ذلك القلب قادرًا على تقديم الاعتذار للآخرين بدون تكلف أو غضاضة.
( فليس عيبا أن يخطأ الإنسان ، ولكن العيب أن نستمر في الخطأ)
أتمنى من مدارسنا أن تعلم أبناءنا وبناتنا ثقافة الاعتذار عبر ممارسات القدوة، أنها ثقافة مهمة قد لا يغرسها البيت وهو مقصر فيها، فالمدرسة مؤسسة تنشئة اجتماعية تعالج نواقص الأسرة خاصة في ثقافات ربما تغيب عن الأسرة المصرية مثل ثقافة الاعتذار وثقافة احترام الرأي الآخر ، مع ملاحظة أن أسرنا تنعم ولله الحمد برصيد كبير من القيم الجميلة والأصيلة ولكن أيضا نحتاج أن نغرس قيما أخرى تضيف لنا كمجموعة وكأفراد الكثير من الجمال، والأجمل لو ارتقت ثقافة الاعتذار لمستوى أسمى بحيث لا نقع في الخطأ وخاصة تلك الممارسات غير الحضارية فلسنا مضطرين للاعتذار لعامل النظافة لو لم نلقِ ورقة أو منديلا في الطريق، ولن نكون مضطرين للاعتذار لرجل المرور لو لم نقطع أشارة المرور ، ولكن سيكون جميلا لو اعتذرنا لهم على خطأ ولم نعد له.
ساحة النقاش