<!--<!--
يعد الدستور أهم عقد اجتماعي بين الشعب والدولة بكافة سلطاتها ، فهو يضع القواعد الحاكمة للعلاقة بين المواطن والنظام السياسي من ناحية أولى ويحدد حقوق المواطنة وواجباتها من ناحية ثانية ، كما يحدد اختصاصات السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ، وينظم العلاقات بينها من خلال تحقيق التوازن بين هذه السلطات وكذلك الرقابة المتبادلة ، وتمثل هذه النقطة تحديدا أهمية خاصة حيث أن تنظيم العلاقة بين السلطات الثلاث يعنى أنه لا تستطيع سلطة تجاوز حدود اختصاصاتها .
والدستور هو مجموعة من القواعد القانونية المنظمة للنظام السياسي في الدولة ، ولعلاقة الحاكم بالمحكوم ، ويحدد شكل هذه العلاقة ( ملكي أو جمهوري ) وشكل النظام السياسي (رئاسي أم برلماني ) ويحدد شكل النظام الأقتصادى (اشتراكي أم رأسمالي )، كما يحدد الحريات العامة ( كحرية التعبير وحرية التنقل) الخ .
وتعتبر الحقوق والمقومات الاجتماعية محل عناية خاصة من لجنة الخمسين التي قامت بصياغة الوثيقة الدستورية الجديدة بعد تعديل دستور 2012 المعطل ، لأنها تتعلق مباشرة بحياة كل طوائف الشعب ، ومع ذلك لم تنل حظها من الاهتمام في ظل الأنظمة السابقة . ونستعرض أهم هذه الحقوق في الدستور الحالي (الجديد) دستور 2014 مع مقارنتها بما ورد بشأنها في دستور2012 .
1- حقوق الأسرة :
نصت المادة العاشرة من دستور 2012 على أن «الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وتحرص الدولة والمجتمع على الالتزام بالطابع الأصيل للأسرة المصرية وعلى تماسكها واستقرارها، وترسيخ قيمها الأخلاقية وحمايتها على النحو الذي ينظمه القانون". أما دستور 2014، فقد قصر حق التقويم على الدولة، حيث تنص مادته العاشرة على أن: «الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وتحرص الدولة على تماسكها واستقرارها وترسيخ قيمها». وبذلك لم يعد لأحد من المواطنين أو لطائفة من المجتمع الحق في مشاركة الدولة في مراقبة التزام الأسرة بالقيم والأخلاق والدين والوطنية، وهو ما أغلق باباً خطيرا أمام الفتنة والفوضى وضياع هيبة الدولة.
2- حقوق المسنين :
لم يرد ذكر للمسنين في دستور 2012، بينما نص دستور 2014 على حقوق المسنين في المادة (83) المستحدثة التي تقرر التزام الدولة بضمان حقوق المسنين صحيا، واقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وترفيهيا وتوفير معاش مناسب يكفل لهم حياة كريمة، وتمكينهم من المشاركة في الحياة العامة. وتراعي الدولة في تخطيطها للمرافق العامة احتياجات المسنين، كما تشجع منظمات المجتمع المدني على المشاركة في رعاية المسنين، وذلك كله على النحو الذي ينظمه القانون .
3- حقوق الطفل :
أورد دستور 2014 تعريفا للطفل ، وضمن حقوقه بشكل أوضح وأوفى مما كان عليه في دستور 2012 ، فنص على حقه في الجنسية، سواء ولد الطفل لأب مصري أو لأم مصرية، وفى النسب، وفى التعليم، وفى الرعاية الصحية والاجتماعية، وحماية الأطفال من الاتجار بهم واستغلالهم في مجالات العمل سواء في ذلك المشروعة أو غير المشروعة، وكذا حمايتهم من كل أشكال العنف ومنع تعريضهم للخطر. فنصت المادة 80 على أن "يعد طفلا كل من لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره، ولكل طفل الحق في اسم وأوراق ثبوتية، وتطعيم إجباري مجاني، ورعاية صحية وأسرية أو بديلة، وتغذية أساسية، ومأوى آمن، وتربية دينية، وتنمية وجدانية ومعرفية". وهذه الحقوق مقررة في قانون الطفل المصري وغيره من قوانين الدولة، لكن النص عليها في الدستور يرتقى بها إلى مصاف الحقوق المكرسة دستوريا، ويلزم الدولة بتفعيلها، ويمنع البرلمان من تعديل القوانين المقررة لها على نحو ينتقص منها أو يقيدها بقيود تتنافى مع طبيعتها .
كما نصت نفس المادة على أن " تكفل الدولة حقوق الأطفال ذوى الإعاقة وتأهيلهم واندماجهم في المجتمع " . وتنص كذلك على أن " تلتزم الدولة برعاية الطفل وحمايته من جميع أشكال العنف والإساءة وسوء المعاملة والاستغلال الجنسي والتجاري " . وان " لكل طفل الحق في التعليم المبكر في مركز للطفولة حتى السادسة من عمره ، ويحظر تشغيل الطفل قبل تجاوزه سن إتمام التعليم الأساسي ، كما يحظر تشغيله في الأعمال التي تعرضه للخطر ".
وكذلك نصت نفس المادة على أن " تلتزم الدولة بإنشاء نظام قضائي خاص بالأطفال المجني عليهم ، والشهود . ولا يجوز مساءلة الطفل جنائيا أو احتجازه إلا وفقا للقانون وللمدة المحددة فيه . وتوفر له المساعدة القانونية ، ويكون احتجازه في أماكن مناسبة ومنفصلة عن أماكن احتجاز البالغين . وتعمل الدولة على تحقيق المصلحة الفضلى للطفل في كافة الإجراءات التي تتخذ حياله " .
بينما لم يتضمن دستور 2012 تعريفا للطفل ، فضلا عن عدم شموله بالحماية السالف بيانها ، وهو ما يترتب عليه انتهاك لحقوقه ، بما يتعارض مع الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل وقانون الطفل المصري .
4- حقوق ذوي الإعاقة والأقزام :
تضمن دستور 2014 النص على حقوق هذه الفئة من المواطنين. وذلك في مادته (81) عندما نص فيها على أن " تلتزم الدولة بضمان حقوق الأشخاص ذوى الإعاقة والأقزام ، صحيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وترفيهيا ورياضيا وتعليميا ، وتوفر فرص العمل لهم ، مع تخصيص نسبة منها لهم ، وتهيئة المرافق العامة والبيئة المحيطة بهم ، وممارستهم لجميع الحقوق السياسية ، ودمجهم مع غيرهم من المواطنين ، إعمالا لمبادئ المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص " . وقد نص دستور 2014 في مادته 214 على أنشأ المجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة . وبالتالي يعد دستور 2014 أول دستور مصري يعترف بأن ذوى الاحتياجات الخاصة- وهى التسمية التي كنا نفضلها- أصحاب حقوق وليسوا مستحقي رعاية من الدولة أو من غيرها.
5- حقوق المرأة :
نص الدستور الجديد في المادة 11 على أن " تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقا لأحكام الدستور " . كما تضمنت نفس المادة على أن " تعمل الدولة على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلا مناسبا في المجالس النيابية ، على النحو الذي يحدده القانون ، كما تكفل للمرأة حقها في تولى الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا في الدولة والتعين في الجهات والهيئات القضائية ، دون تمييز ضدها " . ولم تغفل نفس المادة أن " تلتزم الدولة بحماية المرأة ضد كل أشكال العنف ، وتكفل تمكين المرأة من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل " . كما نصت أن " تلتزم الدولة بتوفير الرعاية والحماية للأمومة والطفولة والمرأة المعيلة والمسنة والنساء الأشد احتياجا ".
وللمرة الأولى تنص مادة بالدستور المصري على منح المرأة حق التعيين في الهيئات القضائية دون تمييز، وتؤكد على أن الدولة ستعمل على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلا مناسبا في المجالس النيابية على النحو الذي يحدده القانون . أما دستور 2012 فلم ينص على أي مادة تتحدث عن تمثيل للمرأة في البرلمان وتركت أمر مشاركتها من خلال ترشحها في الانتخابات البرلمانية على قوائم الأحزاب أو كأفراد في الانتخابات البرلمانية .
6- الحق في الصحة والتعليم :
فبالنسبة للصحة، فقد أغفل دستور 2012 تقدير الإنفاق الحكومي على الصحة، كما أغفل النص على تحسين أوضاع الأطباء وهيئات التمريض والعاملين في القطاع الصحي، وحالهم من السوء لدرجة لا تخفى على كل ذي بصيرة . أما دستور 2014 فنصت المادة 18 منه على أن " لكل مواطن الحق في الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة وفقا لمعايير الجودة، وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التي تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافي العادل " . وقد نصت نفس المادة على أن " تلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للصحة لا تقل عن 3 % من الناتج القومي الإجمالي تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية " . كما نصت المادة نفسها على أن " تلتزم الدولة بإقامة نظام تأمين صحي شامل لجميع المصريين يغطى كل الأمراض ، وينظم القانون إسهام المواطنين في اشتراكاته أو إعفاءهم منها طبقا لمعدلات دخولهم " . وأكدت نفس المادة على أن " يجرم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان في حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة " ولم تغفل المادة 18 من الدستور الجديد أوضاع الأطباء وهيئات التمريض وكل العاملين في المجال الصحي حيث نصت على أن " تلتزم الدولة بتحسين أوضاع الأطباء وهيئات التمريض والعاملين في القطاع الصحي " كما نصت على أن " تخضع جميع المنشآت الصحية ، والمنتجات والمواد ، ووسائل الدعاية المتعلقة بالصحة لرقابة الدولة ، وتشجع الدولة مشاركة القطاعين الخاص والأهلي في خدمات الرعاية الصحية وفقاً للقانون " .
أما بالنسبة للتعليم، فهو حق لكل مواطن طبقا للمادة 19 من الدستور الجديد ، التي نصت على أن " التعليم حق لكل مواطن ، هدفه بناء الشخصية المصرية ، والحفاظ على الهوية الوطنية ، وتأصيل المنهج العلمي في التفكير ، وتنمية المواهب وتشجيع الابتكار ، وترسيخ القيم الحضارية والروحية ، وإرساء مفاهيم المواطنة والتسامح وعدم التمييز ، وتلتزم الدولة بمراعاة أهدافه في مناهج التعليم ووسائله ، وتوفيره وفقا لمعايير الجودة العالمية " . وقد حددت نفس المادة نهاية مرحلة التعليم الالزامى بقولها أن " التعليم الالزامى حتى نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها ، وتكفل الدولة مجانيته بمراحله المختلفة في مؤسسات الدولة التعليمية ، وفقا للقانون " . وكذلك حددت نفس المادة نسبة الإنفاق الحكومي للتعليم ، حيث أنها قررت أن " تلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للتعليم لا تقل عن 4% من الناتج القومي الاجمالى ، تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية " . وقد أعطت المادة 19 للدولة الحق في مسئولية الإشراف على التعليم الالزامى حينما قالت " وتشرف الدولة عليه لضمان التزام جميع المدارس والمعاهد العامة والخاصة بالسياسات التعليمية لها " .
بينما لم ينص دستور 2012 على أي نسبة للإنفاق الحكومي على التعليم . وعلى كل حال ، فالعبرة ليست بما يرد في نصوص الدستور، لكن بما ترصده الدولة فعلا من ميزانية في ضوء ظروفها الاقتصادية في الوقت الحاضر. لذلك جاءت المادة (238) من الدستور الجديد بحكم انتقالي، يسمح للدولة بالتدرج في تخصيص الحد الأدنى لمعدلات الإنفاق على التعليم والصحة والبحث العلمي، لكنها تلتزم به كاملا في موازنة السنة المالية 2016- 2017 .
وقد قصر دستور 2012 التعليم الإلزامي على المرحلة الإعدادية، وضمن مجانيته في كل مؤسسات الدولة التعليمية. أما دستور 2014 فقد جعل التعليم الإلزامي حتى نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها، وتكفل الدولة مجانيته في مراحله المختلفة في مؤسساتها التعليمية . لكن مجانية التعليم التي كانت حقيقة منذ ثورة يوليه 1952 ، أضحت حلما وخيالا منذ أن تبنت الدولة المصرية سياسة الانفتاح الاقتصادي، فهل تقوى نصوص الدستور الجديد على دفع الدولة نحو الوفاء بالتزامها بدعم التعليم ، أفلح الدستور إن صدق .
وكان دستور 2012 يفرض تدريس مادة اللغة العربية بكافة المؤسسات التعليمية . واكتفى دستور 2014 بتدريس اللغة العربية في التعليم ما قبل الجامعي، حتى يتفرغ الطلاب في التعليم الجامعي لتعميق التخصص وفقا لسوق العمل . وفى تقديرنا أنه كان من الواجب الإبقاء على ما ورد في الدستور السابق بالنسبة للغة العربية، إنقاذا لها من المستوى المتدني الذي وصلت إليه لدى طلاب الجامعات . كما كان دستور 2012 ينص في المادة 12 منه على أن " تعمل الدولة على تعريب التعليم والعلوم والمعارف ". أما دستور 2014 ، فتوجه إلى تشجيع الترجمة ، حيث تنص المادة 48 منه على أن " تشجع الدولة حركة الترجمة من العربية وإليها ". والفارق بين المادتين لا يخفى على كل ذي بصيرة ، فدستور 2012 كان يطمح إلى تعريب التعليم في المجالات التي ما يزال التدريس يتم فيها بلغة أجنبية مراعاة لطبيعتها، أما دستور 2014 فيبقى على هذه المجالات كما هي، مع تشجيع حركة الترجمة المزدوجة، للإفادة من علوم الدول المتقدمة ونقل علومنا ومعارفنا إليها .
7- الحق في العمل :
نص دستور 2014 على الحق في العمل الخاص والعام ( مادة 12 وما بعدها ) . فالعمل حق وواجب وشرف تكفله الدولة ، وتلتزم الدولة بالحفاظ على حقوق العمال ، والوظائف العامة حق للمواطنين والمواطنات على أساس الكفاءة ودون محاباة أو وساطة أو تمييز، والإضراب السلمي حق ينظمه القانون.
كانت هذه قراءة متأنية للبعد الاجتماعي في دستور مصر الجديد ( دستور 2014) ، وهى قراءة بحكم تخصصنا في علم الاجتماع والاهتمام بالنواحي الإنسانية ، ولكن لابد من الإشارة إلى أن الدستور المصري الجديد ينافس الدستور الفرنسي، حيث أفرد فصلا كاملا هو الثالث للحقوق والحريات والواجبات العامة . فللمرة الأولى يعتبر الدستور التعذيب بجميع صوره وأشكاله جريمة لا تسقط بالتقادم . وجعل الدستور المصري الجديد المواطنين المصريين متساويين في الحقوق والواجبات ، وذلك بعد أن كفلت مواده حرية الاعتقاد المطلقة ، وحرية ممارسة الشعائر الدينية . وأكد أن الكرامة حق لكل إنسان لا يجوز المساس بها وللحياة الخاصة حرمة وهي مصونة لا تمس ، هذه الحرمة تطال المراسلات البريدية والبرقية والإلكترونية والمحادثات الهاتفية وغيرها من وسائل الاتصال . كما حمى الدستور المواطنين من المداهمات التي كانت تقوم بها قوات الأمن في العهود السابقة، إذ نص في المادة 58 على أن للمنازل حرمة، ولا يجوز دخولها وتفتيشها إلا في حالات الخطر والاستغاثة . هذا بالنسبة للحريات العامة، أما الصحافة فقد باتت الرقابة بأي وجه محظورة عليها، لكن طبعاً ليس في زمن الحرب والتعبئة العامة وفق المادة 71 . أما صدور الصحف فبات يقتصر على الإخطار، وكفل حق ملكية وإصدار الصحف ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة ووسائط الإعلام الرقمي . كما حررت المادة 73 المواطنين من سطوة الأمن، بعد أن كفلت حق الاجتماع الخاص دون الحاجة إلى إخطار ولا يجوز لرجال الأمن حضوره ومراقبته والتصنت عليه .
ساحة النقاش