أ.د/ هاني جرجس عياد

اْستاذ جامعي وكاتب صحفي

<!--

<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"جدول عادي"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-fareast-font-family:"Times New Roman"; mso-fareast-theme-font:minor-fareast; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin; mso-bidi-font-family:Arial; mso-bidi-theme-font:minor-bidi;} </style> <![endif]-->

مع التطورات التي  يشهدها العالم المعاصر ،  وتقودها  دول  الشمال  ، وفى ظل المحاولات الدءوبة التي تقوم  بها  القوى العالمية لعولمة الثقافة والتعليم والدين ، وسائر مكونات  المنظومة  الحضارية التي كانت تحتفظ  باستقلال نسبى  خارج  دوائر  وقيم السوق العالمية ، تبرز الأدوار الجديدة للإعلام والاتصال المعاصر ، حيث لم تعد تكنولوجيا الاتصال و المعلومات تشغل  موقعا مركزيا فحسب في شبكة الإنتاج الصناعي ، بل بدأت تشغل موقع القلب في إستراتيجية إعادة  تنظيم العلاقة  بين الدولة  والمواطنين  ،  وبين الخبراء والممارسين ، فمنذ نهاية السبعينات بدأت الدولة الصناعية المتقدمة تشهد تغيرات جذرية في وظائف  الإعلام  ،  متواكبة مع التغيرات النوعية في تكنولوجيا الاتصال ، والثورة الهائلة في مجال المعلومات  وتقنياته  ،  وتحولها إلى سلطة  عليا  .  ولقد  ظهرت تيارات فكرية جديدة  في  سياق التغيرات  العلمية والتكنولوجية التي  شهدتها دول  الشمال  ،  سواء في مجال الاقتصاد  ،  أو المجال الاجتماعي والثقافي ، وكان لها مردودها في مجال الإعلام والاتصال ، وعلاقته بالعالم المعاصر  ،  مما أتاح لنا الكشف عن التغييرات العميقة التي طرأت على العلاقة بين النخب  المثقفة التي  تقوم بإنتاج  المعرفة  والثقافة  ،  وبين القوى الاجتماعية  التي  تستهلكها .            

كما أن التغيرات الشاملة التي طرأت على نظم وإدارة تكنولوجيا الاتصال ، وعلى الأخص في  مجال الإعلام المرئي  و المسموع خلال حقبة الثمانينات في كل من أوروبا الغربية والولايات المتحدة  ،  مضافا إليها انهيار  الاتحاد  السوفيتي ودول  الكتلة  الشرقية  ،  وما تبعها من مناقشات حادة حول ديمقراطية الإعلام في  هذه الدول  ،  كل ذلك في مجمله أدى إلى احتدام النقاش  حول  الأدوار الجديدة للإعلام ، سواء في المجال السياسي أو الثقافي أو  الاجتماعي  .  والواقع أن هذه المناقشات لم تعد مجرد أمر كمالي  ،  خصوصا بعد أن شهدت العقود الأخيرة ظهور عدة  رؤى وتصورات نقدية عن دور الإعلام والاتصال في حياة الأفراد والمجتمعات  ،  وكشفت هذه الرؤى عن الطبيعة المركبة للإعلام ، وتداخل الأدوار التي يقوم بها في مجتمع المعلومات . 

وإذا  كان من الضروري  أن نميز بين موقع الإعلام والاتصال على  خريطة السوق  العالمية  ،  و بين دوره في توحيد العالم  لصالح القوى المتحكمة في العولمة ، فان علينا أن نشير تفصيلا إلى اْدوار و وظائف الإعلام العالمي . 

ففي ظل صعود الإعلام السمعبصرى ، أصبح هو المؤسسة التربوية والتعليمية الجديدة ، التي حلت مكان كل من الأسرة والمدرسة ، والتي تقوم بدور اْساسى في تلقين النشء والأجيال الجديدة المنظومة المعرفية المنزوعة من سياقها التاريخي  ،  والقيم السلوكية ذات النزعة الاستهلاكية ، والتي تروج بأشكال متنوعة لمصالح السوق  العالمية  وإيديولوجيتها .  ومن خلال هذه الوظيفة يمارس الإعلام اْخطر أدواره الاجتماعية ،والتي تتمثل في إحداث ثورة إدراكية  ونفسية  تستهدف  إعادة تأهيل  البشر  للتكيف مع متطلبات العولمة وشروطها . 

  ويقوم الإعلام بدور اْساسى في الترويج للسلع والخدمات التي تقدمها السوق العالمية ، من خلال الإعلانات التي تتضمن محتوياتها قيما وأنماطا للسلوك الاستهلاكي ، تستهدف الدعاية للسلع الأجنبية ، مما يلحق أضرارا فادحة بالاقتصاديات المحلية ، علاوة على التأثير السلبي للإعلانات على حرية الإعلام والصحافة في دول الجنوب ، والمعروف أنها تستهلك ما يزيد عن (45%) من  الزمن المخصص للبث في الإعلام السمعبصرى المحلى والفضائي، عدا الساعات التي تحتجزها في الصحف ، والتي تزيد عن (60%)  في معظم الصحف . 

وتقوم وسائل الإعلام السمعبصرية من خلال البث المباشر ،  بدور مركز في اختراق منظومة القيم الثقافية لدول الجنوب ، من خلال المسلسلات والأفلام وبرامج المنوعات الأمريكية  ،  خصوصا في ظل عدم  الالتزام بالمواثيق الدولية  ، التي نصت على ضرورة التزام  البرامج المبثوثة عبر الأقمار الصناعية  باحترام الطابع المميز للثقافات المختلفة ( وابرز هذه المواثيق إعلان اليونسكو عام1978 ، وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة عام1982) . وقد نجحت أمريكا خلال العقدين الأخيرين في اختراق الأنظمة الثقافية لدول الجنوب ، وقدمت لشعوبها النموذج الامريكى كغاية مثلى .

 وتقوم وسائل الإعلام العالمية باستقطاب النخب المثقفة  للترويج لفكر العولمة  و إيديولوجيتها  ،  عبر  الحوارات  التليفزيونية والمقالات الصحفية  ، والمؤتمرات والندوات  ، حيث يتم تكثيف جهودهم من اْجل إعادة تشكيل الراْى العام العالمي  ، لمساندة السياسات الاقتصادية للثلاثي الذي يقوم بإدارة اقتصاد العالم (البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي ، ومنظمة التجارة العالمية) ، والدفاع عن المعايير المزدوجة للشرعية الدولية  ،  والإسهام في إعلاء شاْن الثقافة الأمريكية  ،  وتهميش ثقافات الجنوب ، والترويج لعالمية السوق  ،  متجاهلين التفاوت الحاد بين المستويات الاقتصادية  لكل من دول الشمال والجنوب  ،  علاوة على الترويج لما يسمى ب  "القرية العالمية"  ،  مغفلين عن عمد التفاوت الرهيب بين معدلات التطور الاتصالي بين أجزاء  العالم  شمالا وجنوبا ، سواء تمثل ذلك في مستويات الإشباع الاعلامى ، أو معدلات التقدم التكنولوجي .

وتشير  الدراسات  إلى تزايد  أهمية الأدوار التي تقوم بها الشركات المتعددة الجنسية في الأنشطة الإعلامية والثقافية ، ويتجلى ذلك في توظيف  وسائل الإعلام الدولية والمحلية ك "أحزمة ناقلة" ،  يتم من خلالها ترويج القيم الاجتماعية والثقافية الغربية ونشرها في دول الجنوب  ،  مما  يتسبب في إحداث بلبلة واضطراب شديد في منظومة القيم المميزة  لثقافات الشعوب ،  والتي تتعرض لهذه التأثيرات  ،  وتمارس هذه الشركات بالتنسيق مع البنك الدولي ضغوطا متواصلة على دول الجنوب  ،  لاستخدام  قروض البنك في استيراد التكنولوجيا الاتصالية والمعلوماتية ، مما يسهم في إحكام الحصار على الإعلام الجنوبي.                                                    

في ضوء التفاوت الهائل بين الشمال والجنوب ، سواء في موارد الاتصال ، أو مصادر المعلومات ، والتعرض لوسائل  الإعلام  ، وصنع الصورة الإعلامية وأنماط التدفق الاعلامى الراْسية القادمة من الشمال ،  والمفروضة على شعوب  الجنوب   ، نلاحظ  أن الثورة الاتصالية لم تمس إلا عددا قليلا من شعوب العالم ، ولم تتلق شعوب الجنوب الدعوة للمشاركة في عوائدها   ،  وهنا  تجدر بنا أن نتوقف قليلا لمناقشة المفهوم الشائع الذي تروج له وسائل الإعلام العولمية  حول ما يسمى  ب "القرية الاتصالية" العالمية ، باعتبارها اْبرز ثمار الثورة التكنولوجية المعاصرة ، والذي يعنى في جوهره إحاطة الجماهير في كافة أنحاء المعمورة  بكل ما يدور في العالم من أحداث وأفكار وصراعات ،  وانجازات  بشرية ،  وان  يتم  ذلك  بشكل  يتسم  بالموضوعية  والتكامل  والمصداقية ، بحيث يخلق معرفة شاملة وحقيقية بما يدور في الكون .

 وتشير الدراسات إلى استفادة العولمة من استمرار النظام الاعلامى الراهن ، الذي يتسم بالخلل و أوجه التفاوت الخطيرة ، سواء على المستويات المحلية أو العالمية والتي تتمثل في الانسياب غير المتوازن للمعلومات ،  مع  رسوخ  الاتجاه  الراسي  الاْحادى  الجانب للإعلام من الشمال إلى الجنوب ، ومن المراكز إلى الأطراف ، ومن الحكومات إلى الأفراد ، ومن الثقافات المسيطرة  إلى الثقافات التابعة ، ومن الدول الغنية تكنولوجيا في الشمال إلى الدول الأفقر في الجنوب  .   وقد لوحظ  أن  التدفق  الاعلامى  من الشمال إلى الجنوب مائة مرة في مقابل مرة واحدة من الجنوب .             

مما تقدم ، تتضح الطبيعة المركبة للإعلام ، وتداخل الأدوار التي يقوم بها في  مجتمع المعلومات ،  إذ أصبح  يشغل موقعا  مركزيا في الاستراتيجيات والسياسات التي تستهدف إعادة بناء المجتمعات المعاصرة  ، سواء في الشمال أو الجنوب  ،  وقد يكون ذلك أكثر وضوحا في  المجتمعات الصناعية المتقدمة  ،  حيث يبرز دوره في إعادة توزيع  مراكز  القوى  السياسية والاجتماعية ، والقوى المضادة داخل  هذا المجتمع . ويبدو ذلك جليا في مختلف المواقع ، بدءا بالأسرة  والمدرسة  والمصنع والمستشفى  ،  ثم مواقع العمل والترفيه على مستوى الأقاليم ، ثم مستوى الدولة ككل .  وفوق ذلك أصبح الإعلام  مسئولا  عن الأدوار  الحاسمة في تدويل أو عولمة  الاقتصاد  والثقافة  ،  حيث يبرز دوره كمحرك رئيسي في خلق وتشكيل منظومة  العلاقات الدولية  ،  سواء على المستوى الرسمي  بين الحكومات  والأنظمة  ،  أو  على المستوى  الحضاري بين الثقافات  المختلفة ،  بإعلاء شاْن ثقافات معينة على حساب ثقافات أخرى  .  ولعل اخطر هذه الأدوار ما يقوم به  الإعلام في تشكيل أنماط معينة من السلوك الانسانى  ،  وتهميش أنماط أخرى من خلال لغة الصورة ورموزها ، هذا وقد أدركت الحكومات في دول الشمال الصناعي  المتقدم أهمية  الأدوار الجديدة التي يمكن أن تقوم بها وسائل الإعلام كبديل للممارسة الديمقراطية ، خصوصا بعد أن احتل الإعلام المساحة  المخصصة  لممارسة الفعل الديموقراطى ، إذ أصبحت هذه المساحة هي ذاتها المخصصة للإعلام ، ولذلك لم يعد الإعلام يمثل السلطة الرابعة أو الخامسة ، بل أصبح يشغل المجال الشفاف بين الفعل السياسي والثقافي ، و رد الفعل الجماهيري . ومن هنا أصبح ينظر إلى الإعلام باعتباره المعيار الذي يقاس به كفاءة الأداء السياسي والاقتصادي للنظم المعاصرة .

                                                                                 

 

                                            

                                              

 

                                                                                                               

                   

                                                                                  

                                  

المصدر: منشور فى مجلة العلوم الاجتماعية – المملكة العربية السعودية – بتاريخ 27-10-2013 م
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 42 مشاهدة
نشرت فى 19 مارس 2015 بواسطة hany2015

ساحة النقاش

أ.د/ هاني جرجس عياد

hany2015
اْستاذ جامعي وكاتب صحفي »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

20,461