<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"جدول عادي"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-fareast-font-family:"Times New Roman"; mso-fareast-theme-font:minor-fareast; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin; mso-bidi-font-family:Arial; mso-bidi-theme-font:minor-bidi;} </style> <![endif]-->
مع التطورات التي يشهدها العالم المعاصر ، وتقودها دول الشمال ، وفى ظل المحاولات الدءوبة التي تقوم بها القوى العالمية لعولمة الثقافة والتعليم والدين ، وسائر مكونات المنظومة الحضارية التي كانت تحتفظ باستقلال نسبى خارج دوائر وقيم السوق العالمية ، تبرز الأدوار الجديدة للإعلام والاتصال المعاصر ، حيث لم تعد تكنولوجيا الاتصال و المعلومات تشغل موقعا مركزيا فحسب في شبكة الإنتاج الصناعي ، بل بدأت تشغل موقع القلب في إستراتيجية إعادة تنظيم العلاقة بين الدولة والمواطنين ، وبين الخبراء والممارسين ، فمنذ نهاية السبعينات بدأت الدولة الصناعية المتقدمة تشهد تغيرات جذرية في وظائف الإعلام ، متواكبة مع التغيرات النوعية في تكنولوجيا الاتصال ، والثورة الهائلة في مجال المعلومات وتقنياته ، وتحولها إلى سلطة عليا . ولقد ظهرت تيارات فكرية جديدة في سياق التغيرات العلمية والتكنولوجية التي شهدتها دول الشمال ، سواء في مجال الاقتصاد ، أو المجال الاجتماعي والثقافي ، وكان لها مردودها في مجال الإعلام والاتصال ، وعلاقته بالعالم المعاصر ، مما أتاح لنا الكشف عن التغييرات العميقة التي طرأت على العلاقة بين النخب المثقفة التي تقوم بإنتاج المعرفة والثقافة ، وبين القوى الاجتماعية التي تستهلكها .
كما أن التغيرات الشاملة التي طرأت على نظم وإدارة تكنولوجيا الاتصال ، وعلى الأخص في مجال الإعلام المرئي و المسموع خلال حقبة الثمانينات في كل من أوروبا الغربية والولايات المتحدة ، مضافا إليها انهيار الاتحاد السوفيتي ودول الكتلة الشرقية ، وما تبعها من مناقشات حادة حول ديمقراطية الإعلام في هذه الدول ، كل ذلك في مجمله أدى إلى احتدام النقاش حول الأدوار الجديدة للإعلام ، سواء في المجال السياسي أو الثقافي أو الاجتماعي . والواقع أن هذه المناقشات لم تعد مجرد أمر كمالي ، خصوصا بعد أن شهدت العقود الأخيرة ظهور عدة رؤى وتصورات نقدية عن دور الإعلام والاتصال في حياة الأفراد والمجتمعات ، وكشفت هذه الرؤى عن الطبيعة المركبة للإعلام ، وتداخل الأدوار التي يقوم بها في مجتمع المعلومات .
وإذا كان من الضروري أن نميز بين موقع الإعلام والاتصال على خريطة السوق العالمية ، و بين دوره في توحيد العالم لصالح القوى المتحكمة في العولمة ، فان علينا أن نشير تفصيلا إلى اْدوار و وظائف الإعلام العالمي .
ففي ظل صعود الإعلام السمعبصرى ، أصبح هو المؤسسة التربوية والتعليمية الجديدة ، التي حلت مكان كل من الأسرة والمدرسة ، والتي تقوم بدور اْساسى في تلقين النشء والأجيال الجديدة المنظومة المعرفية المنزوعة من سياقها التاريخي ، والقيم السلوكية ذات النزعة الاستهلاكية ، والتي تروج بأشكال متنوعة لمصالح السوق العالمية وإيديولوجيتها . ومن خلال هذه الوظيفة يمارس الإعلام اْخطر أدواره الاجتماعية ،والتي تتمثل في إحداث ثورة إدراكية ونفسية تستهدف إعادة تأهيل البشر للتكيف مع متطلبات العولمة وشروطها .
ويقوم الإعلام بدور اْساسى في الترويج للسلع والخدمات التي تقدمها السوق العالمية ، من خلال الإعلانات التي تتضمن محتوياتها قيما وأنماطا للسلوك الاستهلاكي ، تستهدف الدعاية للسلع الأجنبية ، مما يلحق أضرارا فادحة بالاقتصاديات المحلية ، علاوة على التأثير السلبي للإعلانات على حرية الإعلام والصحافة في دول الجنوب ، والمعروف أنها تستهلك ما يزيد عن (45%) من الزمن المخصص للبث في الإعلام السمعبصرى المحلى والفضائي، عدا الساعات التي تحتجزها في الصحف ، والتي تزيد عن (60%) في معظم الصحف .
وتقوم وسائل الإعلام السمعبصرية من خلال البث المباشر ، بدور مركز في اختراق منظومة القيم الثقافية لدول الجنوب ، من خلال المسلسلات والأفلام وبرامج المنوعات الأمريكية ، خصوصا في ظل عدم الالتزام بالمواثيق الدولية ، التي نصت على ضرورة التزام البرامج المبثوثة عبر الأقمار الصناعية باحترام الطابع المميز للثقافات المختلفة ( وابرز هذه المواثيق إعلان اليونسكو عام1978 ، وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة عام1982) . وقد نجحت أمريكا خلال العقدين الأخيرين في اختراق الأنظمة الثقافية لدول الجنوب ، وقدمت لشعوبها النموذج الامريكى كغاية مثلى .
وتقوم وسائل الإعلام العالمية باستقطاب النخب المثقفة للترويج لفكر العولمة و إيديولوجيتها ، عبر الحوارات التليفزيونية والمقالات الصحفية ، والمؤتمرات والندوات ، حيث يتم تكثيف جهودهم من اْجل إعادة تشكيل الراْى العام العالمي ، لمساندة السياسات الاقتصادية للثلاثي الذي يقوم بإدارة اقتصاد العالم (البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي ، ومنظمة التجارة العالمية) ، والدفاع عن المعايير المزدوجة للشرعية الدولية ، والإسهام في إعلاء شاْن الثقافة الأمريكية ، وتهميش ثقافات الجنوب ، والترويج لعالمية السوق ، متجاهلين التفاوت الحاد بين المستويات الاقتصادية لكل من دول الشمال والجنوب ، علاوة على الترويج لما يسمى ب "القرية العالمية" ، مغفلين عن عمد التفاوت الرهيب بين معدلات التطور الاتصالي بين أجزاء العالم شمالا وجنوبا ، سواء تمثل ذلك في مستويات الإشباع الاعلامى ، أو معدلات التقدم التكنولوجي .
وتشير الدراسات إلى تزايد أهمية الأدوار التي تقوم بها الشركات المتعددة الجنسية في الأنشطة الإعلامية والثقافية ، ويتجلى ذلك في توظيف وسائل الإعلام الدولية والمحلية ك "أحزمة ناقلة" ، يتم من خلالها ترويج القيم الاجتماعية والثقافية الغربية ونشرها في دول الجنوب ، مما يتسبب في إحداث بلبلة واضطراب شديد في منظومة القيم المميزة لثقافات الشعوب ، والتي تتعرض لهذه التأثيرات ، وتمارس هذه الشركات بالتنسيق مع البنك الدولي ضغوطا متواصلة على دول الجنوب ، لاستخدام قروض البنك في استيراد التكنولوجيا الاتصالية والمعلوماتية ، مما يسهم في إحكام الحصار على الإعلام الجنوبي.
في ضوء التفاوت الهائل بين الشمال والجنوب ، سواء في موارد الاتصال ، أو مصادر المعلومات ، والتعرض لوسائل الإعلام ، وصنع الصورة الإعلامية وأنماط التدفق الاعلامى الراْسية القادمة من الشمال ، والمفروضة على شعوب الجنوب ، نلاحظ أن الثورة الاتصالية لم تمس إلا عددا قليلا من شعوب العالم ، ولم تتلق شعوب الجنوب الدعوة للمشاركة في عوائدها ، وهنا تجدر بنا أن نتوقف قليلا لمناقشة المفهوم الشائع الذي تروج له وسائل الإعلام العولمية حول ما يسمى ب "القرية الاتصالية" العالمية ، باعتبارها اْبرز ثمار الثورة التكنولوجية المعاصرة ، والذي يعنى في جوهره إحاطة الجماهير في كافة أنحاء المعمورة بكل ما يدور في العالم من أحداث وأفكار وصراعات ، وانجازات بشرية ، وان يتم ذلك بشكل يتسم بالموضوعية والتكامل والمصداقية ، بحيث يخلق معرفة شاملة وحقيقية بما يدور في الكون .
وتشير الدراسات إلى استفادة العولمة من استمرار النظام الاعلامى الراهن ، الذي يتسم بالخلل و أوجه التفاوت الخطيرة ، سواء على المستويات المحلية أو العالمية والتي تتمثل في الانسياب غير المتوازن للمعلومات ، مع رسوخ الاتجاه الراسي الاْحادى الجانب للإعلام من الشمال إلى الجنوب ، ومن المراكز إلى الأطراف ، ومن الحكومات إلى الأفراد ، ومن الثقافات المسيطرة إلى الثقافات التابعة ، ومن الدول الغنية تكنولوجيا في الشمال إلى الدول الأفقر في الجنوب . وقد لوحظ أن التدفق الاعلامى من الشمال إلى الجنوب مائة مرة في مقابل مرة واحدة من الجنوب .
مما تقدم ، تتضح الطبيعة المركبة للإعلام ، وتداخل الأدوار التي يقوم بها في مجتمع المعلومات ، إذ أصبح يشغل موقعا مركزيا في الاستراتيجيات والسياسات التي تستهدف إعادة بناء المجتمعات المعاصرة ، سواء في الشمال أو الجنوب ، وقد يكون ذلك أكثر وضوحا في المجتمعات الصناعية المتقدمة ، حيث يبرز دوره في إعادة توزيع مراكز القوى السياسية والاجتماعية ، والقوى المضادة داخل هذا المجتمع . ويبدو ذلك جليا في مختلف المواقع ، بدءا بالأسرة والمدرسة والمصنع والمستشفى ، ثم مواقع العمل والترفيه على مستوى الأقاليم ، ثم مستوى الدولة ككل . وفوق ذلك أصبح الإعلام مسئولا عن الأدوار الحاسمة في تدويل أو عولمة الاقتصاد والثقافة ، حيث يبرز دوره كمحرك رئيسي في خلق وتشكيل منظومة العلاقات الدولية ، سواء على المستوى الرسمي بين الحكومات والأنظمة ، أو على المستوى الحضاري بين الثقافات المختلفة ، بإعلاء شاْن ثقافات معينة على حساب ثقافات أخرى . ولعل اخطر هذه الأدوار ما يقوم به الإعلام في تشكيل أنماط معينة من السلوك الانسانى ، وتهميش أنماط أخرى من خلال لغة الصورة ورموزها ، هذا وقد أدركت الحكومات في دول الشمال الصناعي المتقدم أهمية الأدوار الجديدة التي يمكن أن تقوم بها وسائل الإعلام كبديل للممارسة الديمقراطية ، خصوصا بعد أن احتل الإعلام المساحة المخصصة لممارسة الفعل الديموقراطى ، إذ أصبحت هذه المساحة هي ذاتها المخصصة للإعلام ، ولذلك لم يعد الإعلام يمثل السلطة الرابعة أو الخامسة ، بل أصبح يشغل المجال الشفاف بين الفعل السياسي والثقافي ، و رد الفعل الجماهيري . ومن هنا أصبح ينظر إلى الإعلام باعتباره المعيار الذي يقاس به كفاءة الأداء السياسي والاقتصادي للنظم المعاصرة .
ساحة النقاش