بناء الفرد ودور الآباء «دور التنشئة الاجتماعية في تشكيل السلوك السوي للأبناء» للباحثة مهرة سالم القاسمي
صدر حديثا عن دار الفكر العربي كتاب «دور التنشئة الاجتماعية في تشكيل السلوك السوي للأبناء» للباحثة مهرة سالم القاسمي. ويناقش الكتاب عددا كبير من المراجع العربية والأجنبية الحديثة بلغة أكاديمية اعتمدت التبسيط قدر الإمكان، خصوصا في الفصلين الأخيرين: التنشئة الاجتماعية، وجوهر التعامل بين الآباء والأبناء، بينما غلبت «الأكاديمية» و«فلسفة البحث» على أسلوب الكتابة في الفصول الأولى، مما يجعل الكتاب يُصنف في خانة المراجع الأكاديمية ربما أكثر مما هو للقارئ العادي غير المتخصص. جاءت الفصول الثلاثة الأولى: المفاهيم والمسلمات الأساسية، تفسير السلوك الإنساني وفق المنظور النفسي، ثم السلوك الإنساني ومحركاته، لتشكل جميعها خلفية لا غنى عنها لفهم الفصلين الرابع والخامس في تدرج منطقي. فتبدأ الباحثة بتعريف مفاهيم أساسية استندت إليها الدراسة مثل مفهوم الذات، التوافق النفسي والتكيف الاجتماعي، ثم تسرد وتناقش بعد ذلك نظريات التحليل النفسي المفسرة لتلك المفاهيم بما فيها نظرية فرويد الشهيرة في تحليل السلوك ودور مرحلة الطفولة والبيئة المحيطة بتركيب شخصية الفرد عموما. ونجد هناك إشارات، وإن كانت بسيطة، لتطبيق تلك النظريات على شخصية الفرد في المجتمع العربي، تجلت من خلال مناقشة بعض المصادر العربية التي اعتمدتها في الدراسة في هذا الصدد تحديدا. وتركز الباحثة في الفصلين الأخيرين على دور الأسرة، والمدرسة، ووسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني في التنشئة الاجتماعية والنفسية للفرد. وهنا تصبح لغة الكتاب أكثر سهولة وبساطة، لأن هذين الفصلين يتناولان موضوعات تربوية واجتماعية نعيشها ونلمسها كل يوم مثل الكذب والغيرة والسلوك العدائي، عند الطفل، الذي سيصبح فيما بعد فردا ناضجا في المجتمع. الخاتمة كانت بمثابة التطبيق العملي (المجتمعي) للنظريات والتحليلات السابقة ولكن من منظور أخلاقي. وربما لهذا السبب، بدت الخاتمة أكثر خصوصية من مجمل الكتاب، الذي اتخذ مسارا علميا وموضوعيا عاما، فالأخلاق غالبا ما ترتبط بالمكان والزمان، فنلاحظ هنا نبرة الصوت العربي المسلم، كما تبرز الهوية القومية والإسلامية إلى حد ما. فنجد معظم المراجع هنا تدعم قناعات وطموحات محددة مسبقا، خصوصا تلك المستقاة من القرآن الكريم وسيرة الرسول والصحابة. ومثال على هذا الاختلاف في المنهج (بين الخاتمة وفصول الكتاب الأخرى) ذلك الربط بين الدين والأخلاق: «وجود أي منهما في الإنسان يفترض اتصافه بالأخرى»، وهو ما بدا بعيد الصلة ربما بمنهج الكتاب عموما وبافتتاحية فصل الخاتمة بشكل خاص، الذي يبدأ بشهادة أرسطو ( 322 - 384 ق.م) بأن الأخلاق «تتعلق بتلك الملكة العاقلة التي تميز الكائن العاقل عن غيره من الموجودات. وبالتالي، فإن الفعل الخُلقي هو ذلك الذي يكون أساسه الحكمة العقلية والتدبر والرؤية». الباحثة مهرة سالم القاسمي هي من النساء الناشطات في مجالات الثقافة والتعليم وحقوق المرأة في الخليج العربي ودولة الإمارات العربية تحديدا. وفي عام 1990، جسدت قناعاتها وطموحاتها بتأسيس «مكتبة اليقظة العربية للمرأة والطفل»، بدوافع وجهود ذاتية منها مع مجموعة من السيدات المتعلمات لتعزيز دور الثقافة لدى المرأة العربية. هذا الكتاب هو الجزء الأول ضمن مجموعة من الأبحاث التي تعنى بالمجتمع ودوره في تعزيز هوية الفرد، وسوف يتبع لاحقا بالأجزاء الأخرى التي أجرتها الباحثة قبل وأثناء دراستها للدكتوراه في علم الاجتماع في إنجلترا.
|
|||
ساحة النقاش