authentication required

القوى والعمليات الداخلية

 

تمهيــد :

لعل الحقيقية المؤكدة والثابتة فى علوم الجيولوجيا هو أنه لا يوجد شئ ثابت على وجه الأرض . فمنذ أن استوت الأرض واتخذت مدارها حول الشمس لم تستقر على حال ولم يثبت لها سطح فالجبال الشاهقة أصبحت أثرا بعد عين وربما حل محلها واد أو سهل أو ربما صارت منخفضات . وما انخفض من الأرض صار جبلا أو ربما سلسلة من الجبال . فالتغيير شامل لا يختص ببقعة دون غيرها أو مكان بعينة .
وقد لا يلحظ الإنسان مثل هذا التغيير أو قد يراه أحيانا غير ذى شأن لضآلته غير أن الحكم هذا ليس حكما على غير أساس فحسب بل أنه حكم خاطئ جملة وتفصيلا إذ أن التغيير الذى يستغرقه طيلة عمر الإنسان . إنما هو تغيير غير محسوس ، وأن التغيير الذى نعنيه هنا يستغرق ملايين السنين . وهو تغيير دائم قد يبطئ أحيانا وقد يسرع فى أحيان أخرى إلا أنه لا يتوقف على الإطلاق .
وعلى هذا فالأرض التى نقف عليها الآن لم تكن كذلك فى الماضى ولن تكون كذلك فى المستقبل . وربما تدفعنا هذه الحقيقة إلى تساؤل عن السبب أو الأسباب فى هذا التغيير . والحقيقة أنه ليس سببا واحدا وإنما هى جملة أسباب قد تعمل أحيانا فرادى وقد تعمل أحيانا مجتمعه . ولقد استقر الأمر فى نهاية المطاف على أن السبب فى تغيير وجه الأرض ـ أو بلغة الجيولوجيا ـ تشكيل معالم سطح الأرض يكمن فى نوعين من مجموعات القوى . قوى داخلية وقوى خارجية . وتختص القوى الداخلية بكل ما يجرى دون السطح أى ما يجرى فى باطن الأرض من حركات الألواح أو الصفائح المكونة لسطح الأرض تلك الحركات التى اشتهرت باسم الألواح التكتونية Plate Tectonic وما يتسبب عنها من تكون الجبال وحدوث الطيات والصدوع والبراكين والزلازل التى يظهر تأثيرها على سطح القشرة الأرضية.
أما القوى الخارجية فيمكن التعبير عنها بانها نتاج الصراع الأبدى والدائم بين الرياح والمياه من جهة ضد اليابسة من جهة أخرى .
ذلك الصراع الذى يعبر عنه بلغة الجيولوجيا بالتجويه Weathering بنوعيها الميكانيكى والكيميائى وما يتبعها من نقل نواتجها وترسيبها وكذلك دور الأنهار والبحار فى تشكيل معالم سطح الأرض والتى من أثارها أيضا الدور الذى تلعبه المياه الجوفية فى هذا الشأن .

الانجراف القارى :
من التساؤلات التى شغلت الباب العلماء والباحثين . تلك التساؤلات التى تتعلق بالأرض وما عليها من قارات . غير أن سؤالا واحد قد حظى بقدر كبير من الاهتمام وهو ، كيف نشأت القارات ؟ وعلى الرغم من كثرة الفروض والنظريات التى هى أقرب ما تكون إلى الاجتهاد فى الرأى إلا أن أيا منها لم يصمد أمام المحك العلمى السليم حتى جاء العالم الألمانى الفرد فاجنر Wagner . فقد توصل هذا العالم إلى نظرية سبقت زمانها ونشرها سنة 1915 فى كتابة " أصل القارات والمحيطات " عرفت بنظرية الانجراف القارى Continental Drift وتتلخص فروض هذه النظرية بوجه إجمالى فيما يلى : ـ
 

1- كانت القارات منذ ما يزيد عن 200 مليون سنة مجتمعه فى كتلة قارية عظمى تعرف باسم بانجيا Pangea التى تعنى كل العالم أو أم القارات ويحيط بها محيط كبير يسمى Panthalassa الذى يعنى أبو المحيطات .

2- ومنذ حوالى 190 مليون سنة أى فى أوائل العصر الجوراسى Jurassic بدأت هذه الكتلة القارية العظمى (بانجيا) فى التشفق إلى كتلتين أحدهما شمالية وتعرف باسم لوراسيا Laurasia ( وتشمل أمريكا الشمالية وأوروبا وأسـيا ) والآخرى جنوبيـة وتعـرف باسم جوندوانا Gondwana ( وتشمل أمريكا الجنوبية وأفريقيا واستراليا وشبه القارة الهندية ) .
ويفصل لوراسيا عن جندوانا بحر هائل الاتساع يسمى بحر التيثيس Tethys . ومن ظواهر هذا العصر سيادة الزواحف البرية والبحرية وعلى رأسها الديناصورات .
 

3- منذ حوالى 136 مليون سنة أى فى نهاية عصر الجوراسى Jurassic وبداية عصر الكريتاسى ( الطباشيرى ) Cretaceous بدأت كل من أمريكا الشمالية وأوراسيا  Eurasia( أوروبا وأسيا ) فى الانفصال والابتعاد عن بعضها البعض . ونفس الشئ حدث بالنسبة لقارة جندوانا التى انقسمت إلى كتلتين هما أمريكا الجنوبية وأفريقيا كما بدأت كل من الهند واستراليا فى الانفصال والاتجاه فى طريقهما إلى موقعهما الحالى .

كما أخذ بحر التيثيز فى الانكماش تدريجيا كما بدأ المحيط الأطلنطى فى التكون وفى هذه الفترة سادت أنواع الزواحف بأجناسها وطوائفها المختلفة ولاسيما الديناصورات حيث عرف العصر الجوراسى بأنه العصر الذهبى للديناصورات .
 

4- منذ 65 مليون سنة أخذ وضع القارات يقترب من وضعها الحالى فقد واصلت الهند تقدمها نحو موضعها الحالى لتلتحم بالجزء الجنوبى من آسيا كما واصلت أمريكا الشمالية الابتعاد عن قارة أوراسيا شرقا كما انفصلت جزيرة مدغشقر ( مالاجاشى ) عن أفريقيا . كما واصلت أيضا استراليا تقدمها نحو الشرق ، بعد انفصالها عن القارة القطبية الجنوبية والتى تعرف بقارة انتاركاتيكا Antarctica .

ويلاحظ فى هذه الفترة اتساع المحيط الأطلنطى وانكماش بحر التيثيس . أما بالنسبة للحياة فقد انقرضت الديناصورات فى أواخر عصر الطباشيرى وبدأت الثدييات فى الظهور كما انتشرت وتنوعت النباتات الزهرية .

5- وبعد مرور 65 مليون سنة تحركت الهند والتحمت بقارة آسيا مكونة جبال الهيمالايا ويعتقد أن استمرار تقدم الهند نحو الشمال هو السبب فى الزلازل التى تحدث فى هذا الجزء العالم .
وقد واصل بحر التيثيس انكماشه وتقلصه حتى وصل إلى ما عليه الآن البحر الأبيض المتوسط الذى هو بقايا بحر التيثيز . وفى أثناء ذلك انفصلت جرينلاند عن أوراسيا لتستقر فى وضعها الحالى .

 

الأدلة على الانجراف القارى :

تلك كانت الملامح الأساسية لنظرية الانجراف القارى لفاجنر . وكأى نظرية من النظريات فإنها لا تخلو من مؤيدين يدافعون عنها ويجمعون الأدلة لإثباتها كما لا تخلو أيضا من المعارضين الذين يبرزون أوجه النقص فيها . وقد قام فاجنر ومؤيدو نظريته حتى بعد وفاته من تقديم الدليل تلو الديل فى إثبات صحة ما توصل إليه فى الأدلة التالية .

1- التوافق الشكلى لحواف القارات : ـ
لفت نظر العالم الألمانى فاجنر الشبه الكبير فى شكل حواف القارات على جانبى المحيط الأطلسى . وقد شجع هذا التوافق فاجنر على أن يفترض أن هذه القارات كانت متصلة بعضها بعض لذا حاول إعادة تشكليلها بقد قفل المحيط الأطلسى .

وقد لقيت هذه المحاولة معارضة شديدة باعتبار أن حواف هذه القارات قد تغيرت كثيرا بفعل عوامل التعرية . غير أن العالم بولارد  Bullardقام فى أوائل الستينات بوضع القارات بعضها مع بعض باستعمال الحاسب الآلى فوجد أن هناك تطابقا بين حواف القارات عند عمق 900 مترا تقريبا .

ومن أحسن أمثلة على هذا التطابق الهندسى Geometric Fit هو انطباق الساحل الشرقى لقارة أمريكا الجنوبية مع الساحل الغربى لقارة أفريقيا مما يؤكد أن هاتين القارتين كانتا ملتصقتين قبل إنفصالهما ثم تحركتا بعيد عن بعضهما ، ومما يزيد تأكيد التصاق القارات المتجاورة فى الأزمنة الجيولوجية القديمة هو تشابه القطاعات الصخرية والتراكيب الجيولوجية بينها . فعلى سبيل المثال يوجد تشابه واضح بين القطاعات الطبقية التى تتراوح عمرها من العصر السيلورى إلى العصر الكريتاسى للبرازيل مع تلك الموجودة فى جنوب غرب أفريقيا .كما يمكن كذلك تتابع التراكيب الجيولوجية بين القارتين .

 

2- المناخ القديم :
فى ظل القانون الجيولوجى الشهير الذى ينص على أن الحاضر مفتاح الماضى أى أن العمليات الجيولوجية السائدة فى الوقت الحالى هى نفس العمليات الجيولوجية التى كانت سائدة فى الزمن الماضى تقريبا فإنه يمكن استخدام بعض أنواع الصخور الرسوبية كمؤشر لمعرفة المناخ الذى كان سائدا أثناء ترسبيها .

وعلى سبيل المثال فإن طبقات الرمل الأحمر تترسب فى المناطق الدافئة والقاحلة أما فى المناطق الباردة فإنه يترسب خليط من الجلاميد Boulders والرمل والغرين والطين المعروف باسم التليت Tillites ( هو صخر رسوبى يترسب مباشرة من المثالج وأغطية الجليد ) .
وفى ظل هذا القانون الجيولوجى فإن وجود طبقات من الرمل الأحمر التابع لعصر الترياسى Triassic فى إنجلترا يدل على أن إنجلترا كانت فى العصر الترياسى فى مناطق تتمتع بمناخ دافئ وقاحل ومعنى هذا أنها كانت فى موقع قريب من خط الإستواء ثم زحفت إلى مكانها الحالى .
وفى المقابل فإن الطين المعروف باسم التليت والذى وجد فى الجزء الجنوبى فى كل من أفريقيا وأمريكا الجنوبية والهند وأستراليا يدل على أن مناخ هذه المناطق كان باردا ومتجمدا ثم زحفت حتى وصلت إلى موقعها الحالى القريب من خط الاستواء . مما يدل على أن القارات المنفصلة عن بعضها البعض الآن كانت جمعيها كتلة واحدة ثم توالى انفصالها عن بعضها البعض .

3- تشابه الحفريات :
أشارت الدراسات الحفرية إلى وجود تشابه فى الحفريات بين أمريكا الجنوبية وأفريقيا خاصة فى أنماط حياة حقب الحياة المتوسطة Mesozoic مما يدل على التحام أمريكا الجنوبية وأفريقيا فى الماضى .

على أن المعارضين لهذه الفكرة قالوا أن هذا نشأ من وجود جسر أرضى يربط بين قارتى وأمريكا الجنوبية . غير أن فاجنر لجأ لتأكيد نظريته إلى الاستعانة بالكائنات التى ليس فى مقدورها الانتقال عبر المحيطات الحالية . وذلك بالاستعانة بنبات الجلوسبتريس Glossopteris (وهو نوع من النباتات السرخسية ) الذى وجد منتشرا فى القارات الجنوبية ( أفريقيا ، أمريكا الجنوبية ، آسيا ) أثناء حقب الحياة المتوسطة الذى اكتشفت حفرياته فيما بعد فى القارة المتجمدة الجنوبية .
أما فى جانب الحفريات الحيوانية فقد وجدت بقايا لنوع من الزواحف السابحة من جنس ميزوسوراس Msosaurs فى كل من شرقى أمريكا الجنوبية وغرب أقريقيا مما يؤكد على أن أمريكا الجنوبية وأفريقيا كانتا قارة واحدة .
إن وجود مجموعات متماثلة من الحفريات الحيوانية والنباتية فى قارات  يفصلها عن بعضها الآن محيطات لهو دليل على أن تلك القارات كانت ملتصقة مع بعضها فى وقت معيشة تلك الحيوانات والنباتات حيث أنه من غير المعقول أن تكون هذه الكائنات الحية قد استطاعت أن تعبر تلك المحيطات العميقة .

4- المغناطيسية القديمة :
عندما يبرد مصهور نوع ما من الصخورفى المجال المغناطيسى الأرضى . تكتسب المعادن المختلفة التى فى هذا الصخر مغناطيسية موازية لخطوط القوى المغناطيسية الأرضية . بالإضافة إلى ذلك فإن دقائق المواد المغناطيسية التى توجد فى الصخور الرسوبية تقوم بترتيب نفسها موازية للمجال المغناطيسى الأرضى فى هذا المكان . أى أن الصخور التى تكونت فى الأزمنة الجيولوجية السابقة تبنى فى داخلها سجلا لاتجاه المجال المغناطيسى والأقطاب المغناطيسية فى هذا الزمن الذى تكونت فيه .

ويعتمد أسلوب دراسة المغناطيسية القديمة على وجود بعض المعادن التى تعمل كبوصلات داخل صخور معينة . وتكثر هذه المعادن الغنية بالحديد مثل المجناتيت على سبيل المثال فى طفوح اللابة ذات التكوين البازلتى . وعند تسخين هذه المعادن المتمغنطة إلى درجة حرارة معينة تسمى نقطة كورى تفقد خاصيتها المغناطيسية ولكن عندما تنخفض درجة حرارتها عن نقطة كورى (480 5 م ) فإنها تتمغنط ثانية فى اتجاه مواز المجال مغناطيسي فى ذلك الوقت وعندما تتصلب المعادن فإنها تحتفظ باتجاه مغناطيسيتها أو تتجمد إن صح التعبير وهى على هذه الحالة تعمل عمل إبراة البوصلة فى إشاراتها إلى القطبين المغناطيسيين . وتبقى مغناطيسية الصخر محتفظة باتجاهها الأصلى حتى لو تحرك الصخر أو تغير موقع القطب المغناطيسى . لذا فإن الصخور التى تكونت منذ ملاييين السنين لهو دليل على موقع القطبين المغناطيسيين وقت تكون الصخر ويعرف هذا النوع من المغناطيسية بالمغناطيسية   القديمة Paleomagnetism .

ويقوم العلماء بتعيين إتجاه المغناطيسية القديمة فى أى صخرة من الصخور المتكونة فى الأزمنة الجيولوجية السابقة و من هذا يمكنهم تحديد إتجاه ومكان الأقطاب المغناطيسية فى الأزمنة الجيولوجية فى الأزمنة الجيولوجية الماضية . فعندما قام العلماء بهذه القياسات فى مختلف القارات ، بينت مضاهاة النتائج أن الصخور التى من نفس العصر تشير إلى أقطاب مغناطيسية في اتجاهات مختلفة . وهذا بالطبع لا يمكن أن يكون صحيحا لأن الأقطاب المغناطيسية لا يمكن أن يكون لها إلا مكان واحد واتجاه واحد فقط فى أى عصر من العصور. لذلك فقد حاول العلماء حل هذا اللغز المحير بأن افترض العلماء أن القارات قد تحركت فى الماضى . وقد أسفرت الأبحاث عن حقيقة هامة هى أن المجال المغناطيسى قد عكس نفسه عدة مرات فى الأزمنة الجيولوجية السابقة . وقد تمكن العلماء من استنتاج ذلك من الأرصاد المغناطيسية المأخوذة للصخور فى أماكن مختلفة .

وفى أوائل الستينات قام عالمان من العلماء الإنجليز بدراسة مغناطيسية الصخور التى فى قاع البحر على كلا جانبى حيد منتصف المحيط Mid – Atlantic فوجد أنه توجد اتجاهات منعكسة للمغناطيسية على كلا الجانبين مما يدل على أن حركة القارات وانتشار قاع البحر يمكن أن تكون قد حدثت فى الأزمنة الجيولوجية الماضية .

 

المصدر: إعداد الدكتور : مصطفى يعقوب
hany2012

شذرات مُتجدده مُجدده http://kenanaonline.com/hany2012/

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 50 مشاهدة
نشرت فى 19 إبريل 2013 بواسطة hany2012

ساحة النقاش

هـانى

hany2012
موقعنـا موقع علمى إجتماعى و أيضاً ثقافـى . موقع متميز لرعاية كل أبنـاء مصر الأوفيـاء، لذا فأنت عالم/ مخترع/مبتكر على الطريق. لا تنس"بلدك مصر في حاجة إلى مزيد من المبدعين". »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,754,975