لعل الطرفة التي ينقلها البعض حول ما هو الرابط الطبي بين العملية الجنسية والآيس كريم والفياغرا؟.. ليس مرده فقط الإجابة بأن البرود الجنسي علاجه الفياغرا، بل قد تكون الإجابة من الناحية الطبية أيضاً هي أن العملية الجنسية وتناول الفياغرا وتناول الآيس كريم، كلها أسباب لحصول حالة من الصداع لدى الإنسان.
وكانت دراسة ألمانية حديثة قد أثارت مجدداً موضوع عدم معرفة الأطباء للكثير بما يتعلق بحالات الصداع الجنسي Coital cephalgia. وبالرغم من أن الباحثين من جامعة مونستر في غرب ألمانيا، قد توصلوا في دراستهم، المنشورة في عدد نوفمبر (تشرين الثاني)، من مجلة علم الصداع journal Cephalalgia الصادرة من بريطانيا، إلى أن ثلاثة أرباع المُصابين بالصداع الجنسي يُعانون منه بشكل غير مستمر وأن غالبيتهم لا يحتاجون إلى أي علاج له، إلا أنهم أكدوا في نفس الوقت على أن الأطباء يجهلون مدى انتشار الإصابات بين عموم الناس، سواء الذكور منهم أو الإناث، بذلك النوع من الصداع المرتبط بممارسة العملية الجنسية. كما أكد الباحثون على ضرورة أن يتم إجراء فحوص طبية لمن يشكون من الصداع الجنسي.
والدراسة وإن كانت مشتملة على الكثير من المعلومات المفيدة طبياً في متابعة حالات الصداع الجنسي، إلا أن الإشكالية التي تطرحها هذه الدراسة نابعة من قلة عدد المشمولين فيها بالبحث، ومن عدم الوضوح في جوانب تتعلق بالحالات المزمنة من الصداع الجنسي. وهو ما يُعيد طرح كثير من التساؤلات حول هذه الحالة التي قد تكون سبباً في اختلال العلاقة الجنسية والعاطفية بين الشريكين.
* الجنس والصداع وربما تبقى العلاقة الأزلية بين الشكوى من الصداع وبين ممارسة العملية الجنسية، هي ما يتخذه أحد الزوجين عذراً لعدم الرغبة في اللقاء الجنسي نتيجة للشكوى من "الصداع". لكن إزاء التساؤلات حول حقيقة وجود ما يُسمى بـ "الصداع الجنسي"، وما هي دلالات الشكوى منه، وما مدى ارتباطه بالأمراض المختلفة أو الأدوية المتنوعة التي قد يتناولها المرضى وما تأثيراته الصحية، فإن الاحاديث الطبية والدراسات بدأت تتوسع في هذا المجال.
والواقع أن العلاقة متشعبة ما بين الصداع وبين العملية الجنسية، سواء مع الشريك من الجنس الآخر أو بممارسة العادة السرية، وتكتسب اهتماماً أكبر يوماً بعد يوم. وفي حين كان يُعتقد لمئات السنين أن ثمة فقط علاقة بين الصداع وبين عدم قيام أو قيام الرجل بدوره في العملية الجنسية، وكيفية ذلك، إلا أنه منذ ثمانينات القرن الماضي تمت ملاحظة أن الصداع شيء مشترك وشائع بين مرضى الإيدز، ما زاد الأمور تعقيداً. لكن الأمر ربما ليس بكل هذا السوء، خاصة مع بدء انتشار أدوية منشطة للانتصاب في نهاية التسعينات، من فئة فياغرا وأخواتها سياليس وليفيترا، وبدء الحديث الطبي عن مدى دور هذه الأدوية في التسبب في الصداع الجنسي.
وعلى الضفة الأخرى، تطور الحديث الطبي حول علاقة ممارسة العملية الجنسية بالصداع جراء دخول أنواع جديدة من أدوية معالجة الصداع مجال خدمة المرضى بتناولهم إياها، خاصة حول دور هذه الأدوية في خفض القدرات أو الرغبة الجنسية. وجراء أيضاً توسع فهمنا لعلاقة أمراض القلب ومسبباته بكل من العملية الجنسية والصداع.
* الصداع لدى الجنسين وكان هناك اعتقاد طبي، ولا يزال البعض يتبناه، مفاده أن الصداع المرتبط بالممارسة الجنسية هو أحد أنواع صداع بذل المجهود exertional headache، أو الصداع المرتبط بالسعال وخروج الهواء بقوة من الصدر. وذلك باعتبار أن العملية الجنسية قد تشمل أياً منهما، ما قد يُثير نوبة من الصداع آنذاك. لذا فإن الإصدارات الطبية السابقة ركزت في عرضها لنوع الصداع الجنسي على علاقته بالنوعين السابقين من الصداع، لكن الدراسات الأحدث، نتيجة دخول أدوية وأمراض جديدة في الموضوع، ونتيجة التوسع في توفر وسائل متقدمة للفحص الدماغي وللأوعية الدموية، تدل على أن الصداع الجنسي نوع مستقل من أنواع الصداع، ويتطلب إجراء فحوصات مستقلة وكاملة له لمعرفة سببه.
هذا وتختلف، لدى الذكور والإناث، مدة المعاناة من الصداع جراء العملية الجنسية أو جراء ممارسة العادة السرية، ما بين مؤقت ومتوسط المدة ومزمن. كما أن حالات منه قد تظهر بشكل متقطع وتزول في حين أن أخرى قد تحصل في كل أو غالب المرات التي تتم فيها ممارسة العملية الجنسية. ونوعية ألم الرأس قد تختلف بين ما هو في أسفل وقاع الرأس أو في كل الرأس. ومنه ما هو متوسط القوة وما هو شديد. ومنه ما يبدأ تدريجياً وما يظهر بشكل انفجار حاد بألم في الرأس.
وتشير الدراسات الإحصائية إلى أن اغلب المُعانين من الصداع الجنسي هم الرجال المتوسطو العمر والضعيفو البنية الجسدية لجهة الوزن الطبيعي للجسم. كذلك ترتفع نسبة المعاناة منه لدى مرضى الارتفاع المتوسط لضغط الدم. كما تدل تلك الدراسات على أن نسبة إصابة الرجال به إلى نسبة إصابة النساء هي 4 إلى 1.
ولدى النساء ترتفع الإصابات بالصداع الجنسي لعوامل الانقباضات غير المتوازنة في عضلات الجسم وللحالة النفسية ولدى مَن تجاوزن سن الأربعين من العمر، أو مَن يبلغن هزة الجماع، أو مَن بدأن برنامجاً للرياضة البدنية، أو المُصابات بصداع الشقيقة النصفي أو بصداع الشد tension headache. كما أن المصادر الطبية تشير إلى أن الستة أسابيع ما بعد الولادة فترة ترتفع فيها احتمالات الإصابة بالصداع حال ممارسة المرأة للعملية الجنسية.
وهذا التمايز في نسبة الإصابة بالصداع الجنسي ما بين الرجال والنساء هو أحد العناصر التي تفرض التمييز بين نوع الصداع المرتبط ببذل المجهود وبين الصداع الجنسي، إذْ من المعلوم أن إصابة الجنسين متساوية في ما يتعلق بالصداع المرتبط ببذل المجهود، في حين أن الأمر مختلف في الصداع الجنسي. ولو كانا من نفس النوع لتساوت، على أقل تقدير، نسبة انتشارهما بين الجنسين. وثمة من الباحثين مَن يرد هذا الاعتبار لسببين: الأول هو أن الرجل عادة يبذل مجهوداً بدنياً أكبر حال ممارسة العملية الجنسية، والأمر الآخر هو أن الرجل غالباً ما يُنهي ممارسته للعملية الجنسية ببلوغ مرحلة هزة القذف.. وكلاهما في الغالب بخلاف النساء.
* أنواع الصداع الجنسي وثمة عدة طرق لتصنيف أنواع الصداع، منها ما يعتمد على علاقة بدء ظهور المعاناة من نوبته بمراحل العملية الجنسية حال ممارستها، ومنها ما يعتمد على نوعية الألم فيه:
النوع الأول، هو النوع المبكر للصداع الجنسي Early coital cephalgia. وهو نوع يحصل في مراحل مبكرة من بدء الرغبة والمداعبة، وغالباً ما يكون نوعاً متوسط القوة من الصداع، وتزول نوبته في الغالب أيضاً سريعاً.
النوع الثاني، مرتبط بمرحل الهزة الجنسية حال القذف Orgasmic coital cephalgia. وهو نوع من النوبات الحادة والمفاجئة والشديدة، وقد تستمر إلى حوالي 20 دقيقة.
النوع الثالث، ما يحصل في مراحل زمنية تالية لممارسة عملية جنسية انتهت بهزة الجماع Late coital cephalgia. وهو نوع قد يستمر بضع ساعات أو أيام بقوة متوسطة الشدة.
وهناك تقسيم طبي آخر لحالات الصداع الجنسي مكون من ثلاثة أنواع للصداع. وهي أنواع من الصداع الذي يبدأ في كلا جانبي الرأس، ويُمكن منع حصوله أو تخفيف حدته بوقف الاستمرار في ممارسة العملية الجنسية قبل بلوغ مرحلة هزة الجماع. كما أنه صداع لا علاقة له بأي اضطرابات مرضية في الدماغ، مثل التكيسات، أي الأشبه بالكيس، التي تتكون في جدران الشرايين saccular aneurysms أو غيرها:
النوع الأول، هو النوع البطيء والممل من الألم في الرأس والرقبة، الذي تزيد حدته كلما زادت الإثارة والتفاعل مع مجريات العملية الجنسية.
النوع الثاني، هو النوع سريع الانفجار، الذي يبدأ بالظهور بشكل مفاجئ وحاد وشديد الألم عند حصول هزة الجماع.
النوع الثالث، هو النوع المرتبط باختلاف وضعية الجسم، ويحصل بعد هزة الجماع.
* إشكاليات التشخيص وعادة ما تكون مرحلة التشخيص أهم مراحل المتابعة الطبية، وهو شيء بديهي، لأن الصواب في تشخيص حالة مرضية ما، يتبعه الصواب في العلاج. والأصل أنه حينما يُخطئ الطبيب في تشخيص سبب الشكوى من أمر صحي ما، فإن كل المعالجة بعد ذلك خاطئة وضارة، نتيجة لترك المرض الأصلي يعيث بالجسم فساداً. ونتيجة أيضاً لإدخال أدوية، مكونة من مواد كيميائية ضارة بالأصل على الجسم، في جسم إنسان لا يحتاج إليها.
الأمر كذلك في حالات الصداع الجنسي. والظن بأن حالة الصداع التي تظهر لدى رجل أو امرأة ما عند ممارسة العملية الجنسية، خاصة مع بلوغ مرحلة هزة الجماع، بأنها مجرد صداع جنسي، ليس صحيحاً بالمطلق في القول، بل هو من الخطأ المركب، لأنه، وعلى سبيل المثال، دلت الدراسات الطبية حول حالات الصداع الحاد والسريع الانفجار الناتج عن ممارسة العملية الجنسية، أنها في 12% من الحالات تلك، كانت بسبب انفجار حقيقي في تكيسات كانت في الشرايين الدماغية ruptured saccular aneurysms. وفي 4% من الحالات تلك أيضاً، كانت بسبب تغيرات تركيبية فيما بين الشرايين والأوردة الدماغية. كما دلت دراسات أخرى على أن حالات أخرى مثل أنواع من أورام مؤخرة الدماغ ومثل اضطرابات سرطانية في بعض الغدد الصماء، قد تظهر في النادر لأول مرة كنوبات من الصداع المرتبط ببلوغ مرحلة هزة الجماع. وهذه الحالات الطبية صحيح أنها نادرة، إلا أن التأكد من خلو المريض منها ضروري قبل تشخيص إصابته بحالة قليلة الخطورة كالصداع الجنسي.
وعليه فإن مراجعة الطبيب ضرورية عند أوائل الشكوى من صداع في احدى مراحل ممارسة العملية الجنسية، وذلك لإجرائه فحوصا بالتصوير المقطعي أو بالرنين المغنطيسي للدماغ على أقل تقدير.
* آليات ووسائل معالجة من المحتمل أن ينشأ لدى الإنسان صداع حال ممارسته العملية الجنسية، نتيجة لعوامل طبيعية تتعلق بمجمل تأثير تفاعلات ما يجري في الأوعية الدموية أو مقدار الشد والتوتر في عضلات الرأس والرقبة.
وحين اجراء العملية الجنسية يرتفع معدل نبض القلب إلى ما بين 140 و180 نبضة في الدقيقة، بينما المعدل الطبيعي لذلك هو ما بين 60 إلى 100. كما أن معدل الزيادة في مقدار ضغط الدم تبلغ 80 ملليمترا زئبقيا للضغط الانقباضي، ومقدار 50 ملليمترا زئبقيا للضغط الانبساطي. ويرتفع كذلك عدد مرات التنفس في الدقيقة ومقدار حجم الهواء الذي يدخل إلى الرئة ويخرج منها. ويُصنف الجهد البدني بشكل عام خلال الحالات المعتادة للممارسة الجنسية بأنه جهد بدني متوسط القدر. وبعد بلوغ مرحلة هزة الجماع تعود التغيرات في النبض وضغط الدم إلى السابق، وهنا قد ينشأ الصداع نتيجة انخفاض في كميات الدم الواصلة للدماغ وأوعيته الدموية. كما أن هناك حالات الصداع الجنسي الناجمة عن تدني مقدار السوائل المحيطة بالدماغ والحبل الشوكي، خاصة تلك الحالات من الصداع التي تبدأ في مراحل تالية لحالة هزة الجماع.
والمعالجة البسيطة هي بعدم الدخول في أي مرحلة للجماع أو ممارسة العادة السرية، أو ممارسة الرجل لمجهود أقل في العملية الجنسية مع الشريكة. وحينما يبدأ الصداع، فإن المعالجة قد لا تختلف في حالات الصداع الجنسي عن أي نوع آخر من الصداع، وذلك مثل تناول أدوية مسكنة محتوية على الكافيين أو تناول مسكنات الألم المعتادة، مثل بانادول، أو تلك الأقوى من نوع الأدوية المضادة للالتهاب غير الستيرويدية، كالبروفين والفولتارين وغيرهما، إضافة إلى الكمادات الباردة على الرأس والبقاء في غرفة مظلمة أو ذات إضاءة خفيفة، والاهتمام بتخفيف أي أسباب للتوتر أو القلق أو غيرهما من المنغصات النفسية للعلاقة مع الشريك
ساحة النقاش