تبدأ بذرة الاستبداد داخل النفس، ثم تنبت وتتمدد شجرته الخبيثة لتمد فروعها داخل الأسرة ثم داخل المدرسة، ثم داخل المؤسسات ثم داخل المجتمع ثم داخل النظام السياسى، حتى يصل إلى المستوى الدولى.
ويأتى الاستبداد على عدة مستويات ومنها الاستبداد النفسى وربما يكون هذا المفهوم غريباً بعض الشىء، ولكنه فى الحقيقة هو جذر شجرة الاستبداد، وهو النموذج الأولى للاستبداد (Prototype)، ولكى نفهم الاستبداد النفسى لابد أن نعلم بأن النفس البشرية رغم وحدتها الظاهرة إلا أنها تتكون من كيانات مختلفة تختلف أسماؤها باختلاف النظريات النفسية، ففى النظرية التحليلية لفرويد نجد الهو والأنا والأنا الأعلى، وفى نظرية التحليل التفاعلاتى لإريك برن نجد ذات الطفل وذات الناضج وذات الوالد، وفى علم النفس التحليلى نجد الأنيما والأنيموس ونجد القناع والظل، وفى نظرية كارين هورنى نجد الذات المثالية والذات الاجتماعية والذات الحقيقية.
وتبدأ فكرة الاستبداد داخل النفس حين يتضخم أحد الكيانات أو أحد الذوات داخل النفس على حساب الكيانات أو الذوات الأخرى، وهنا يختل التوازن النفسى، ويتوحش هذا الجزء المتضخم فى حين تضمر وتنسحب الأجزاء الأخرى منتظرة اللحظة المناسبة للانقضاض على الجزء المستبد، وفى كل هذه الحالات تمرض النفس أو تتشوه أو تهلك.
ساحة النقاش