كثيرا ما يبدأ العروسان حياتهما الزوجية وهما على قناعة تامة أن ما ينتظرهما هو السعادة الأبدية التي قرأ عنها في أساطير "ألف ليلة وليلة" و "سيندريلا" وقيس وليلى وغيرها .. مع أننا كثيراً ما نبدأ حياتنا الزوجية بأحلام وردية تصور لنا أننا وجدنا ضالتنا وسعادتنا الدائمة في شريكنا الجديد، فسرعان ما نصطدم بالواقع الذي يبين لنا أن هذا الشريك – مهما كان مثالياً – لن يحقق لنا السعادة الخيالية المرجوة كل دقيقة من كل يوم.فتاني التوترات الحياتية والمواقف اليومية لتزلزل ثوابت بالحياة الزوجية مثل الثقة بين الزوجين لذا نحتاج أن نزن الشريك بميزان الثقة قبل الزواج ونقوي كل طاقة ودافع يزيد من الثقة لتبقى الحياة رقيقة رقراقة .
ولنتذكر أن في معظم الخلافات ليس هناك "صح" و "خطأ"، وإنما مختلفة لتفسير الأمور أو حلها، وأن معظم الأمور تحتمل أكثر من طريقة لتفسيرها، ومعظم المشاكل تخضع لأكثر من حل .. فلا وجهة نظرك صحيحة 100%، ولا وجهة نظر شريكك خطأ 100%وبالتالي تأويل الخطأ عامل هام بالحياة الزوجية وحمل الخطأ محملاً عاطفياً ووضع افتراضات وسيناريوهات تزيد من عامل الثقة وتقلل من الشكوك الهدامة .ولنتذكر أنك ستواجه كشريك فترات من الشعور بالخوف وعدم الثقة تجاه شريكك قبل الارتباط ، فلا تجزع من ذلك، بل استقبل هذه المشاعر للتعرف على نفسك وعلى قوة علاقتك الزوجية المستقبلية.إذا تخلف شريكك عن وعد قطعه تجاهك، أو إذا نسي موعدا، أو إذا انتقد ك فقد تشعر أن علاقتكما مهددة بالخطر، أو أنه على علاقة مشبوهة خارج إطار الزوجية ، وقد تبالغ في ردود الفعل، مما قد يعكّر صفو حياتكما المستقبلية.ولكن أمعن التفكير في ذاتك، في ثقتك بنفسك استغل هذه المناسبة للتعرف على نقاط ضعفك بدل إلصاق كل التهم على شريكك فقط تتعلم كيف تبني حياة زوجية مستقبلية أفضل؟.مشكلة الشك والظنون وعدم الثقة بين الزوجين مسألة في غاية الخطورة, فكم من الأسر تفككت أو هي في طريقها إلى ذلك!! وكم من المتاعب والمشاكل التي تواجهها بسبب ضعف أو فقدان الثقة بين الزوجين، الذي يتبعه عادة ازدياد الشك والقلق بينهما، وتفسير التصرفات المعتادة على هذا الأساس!! فالمرأة سواء هنا أو هناك عندما تضعف ثقتها في زوجها تفسر تصرفاته بوجود امرأة أخرى في حياته. بل تبدأ بتفسير تصرفاته وفقاً لهذا الاعتقاد, ومع الوقت تتحول الحياة بينهما إلى جحيم. والرجل في ذلك لا يبتعد كثيراً عن المرأة؛ لأنه هو الآخر إذا ضعفت ثقته في زوجته بدأ بالتضييق عليها ومراقبة كل سلوكياتها، والتدخل في كل خصوصياتها؛ مما يؤدي إلى نفورها منه. فنحن نتحرك بين ثلاثية مهمة بين ما نعتقده وما نفعله وما نحصده إذا حدث اعتقاد بالشك وعدم الثقة فسيكون هناك فعل مبني على الشكوك من اتهامات ورفع أصوات وربما انفصال وبالتالي لن نجني غير الإحباط والتوترات
ومن مهلكات الثقة: -
(1) الكذب والمداراة وعدم المصارحة. قال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - (عليك بالصدق وإن قتلك) وقال أيضاً: (لأن يضعني الصدق ـ وقلّ ما يفعل ـ أحب إلى أن من أن يرفعني الكذب وقلّ ما يفعل) وقال : (قد يبلغ الصادق بصدقه. ما لا يبلغه الكاذب باحتياله) وقال ابن عباس رضي الله عنهما: (أربع من كن فيه فقد ربح: الصدق والحياء وحسن الخلق والشكر).
(2) كتمان أمور كل واحد منهما عن الآخر، وعدم التشاور.
(3) دخول بعض الوشاة بين الاثنين.
تعالوا نطوي الحديث الذي جرى *** ولا سمع الواشي بذاك ولا درى
لقد طال شرح القال والقيل بيننا *** وماطال ذاك الشرح إلا ليقصرا
من اليوم تاريخ المحبـة بيننــا *** عفا الله عن ذاك العتاب الذي جرى
(4) ضعف الالتزام الديني والإيماني" قال بعض الصالحين : " إني لأجد أثر معصيتي في خلق دابتي وزوجتي ". . ((وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى* قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى " ))طه:124-126))
(5) وجود بعض التقلب في حياة أحدهما أو حياة الاثنين.
(6) الميل لتصديق آخر أكثر من شريك الزوجية.
(7) عدم الحكمة في بعض التصرفات.
( 8 ) عمل أشياء مشكوك في أمرها من أحدهما أو من الاثنين. عن الحسن بن علي سبط رسول الله وريحانته رضي الله عنه قال حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ( دع ما يريبك إلى ما يريبك ) رواه النسائي وقال الترمذي حديث حسن صحيح
9 – إفشاء الأسرار ولنتعلم من أم الخنساء وهي توصي ابنتها فلا تفشي له سراً، ولا تعصي له أمراً، فإنك إن أفشيت سره لم تأمني غدره، وإن عصيت أمره أوغرت صدره.
10 )عدم تبادل الاحترام والرضا والتقبل من أشد المهلكات كما قالت الخنساء " وكوني أشد ما تكونين له إعظاماً يكن أشد ما يكون لك إكراماً.
وكوني أكثر ما تكونين له موافقة، يكن أطول ما يكون لك مرافقة.
واعلمي أنك لا تصلين إلى ما تحبين حتى تؤثري رضاه على رضاك، وهواه على هواك فيما أحببت وكرهت."
والثقة لا تعني الغفلة, ولكنها تعني الاطمئنان الواعي, وأساسه الحب الصادق والاحترام العميق, والصدق ركن أساسي في بناء هذه الثقة. فعلى كل من الطرفين أن يكون موضوعياً عندما يتعامل مع الآخر, وأن يتحمل المسؤولية الكاملة عن تصرفاته, ولا يحاول إلقاء اللوم أو التبعية على الآخر.. وإذا ارتكب أحد الطرفين خطأ فليعترف به, وعلى كل منهما أن يخصص وقتاً يومياً للحوار مع شريك حياته.
ما من شك أن الصراحة هي أساس الثقة بين الزوجين, وهي العمود الفقري في إقامة دعائم حياة أسرية سليمة خالية من الشكوك والأمراض التي قد تهدد كيان الأسرة بالانهيار, وأنه إذا ارتكزت الحياة الزوجية عليها كانت حياة هادئة هانئة, أما إذا أُقيمت على عدم المصارحة فإنها تكون حياة تعسة, يفقد خلالها كلا الزوجين ثقته بالآخر. ولكن لا بد من تذكر أن لكل قوم عاداته وتقاليده الخاصة ومعتقداته الراسخة فلا يمكن بحال أن يكون هناك صراحة بالمجتمع المسلم والشرقي خصوصاً في وجود علاقات حب سابقة مثلاً بمعنى هناك حدود للصراحة والبوح
يقول "دافيد وكارول هوكنج" من العوامل التي تخلق تفاهماً قوياً في الحياة الزوجية الثقة: "الثقة مفتاح سحري لبناء التفاهم القوي، ويحتاج الزوجان للاحتفاظ بقدر متزايد من الثقة بالطرف الآخر، فلا يمكن مثلاً أن تستقيم علاقة التفاهم البناء إلا إذا كل طرف يثق أن الطرف الآخر لن يخبر آخرين بما يدور بينهما.
مستويات الثقة:
ينظر بعض الخبراء إلى التفاهم على أنه يحدث على مستويات أو درجات مختلفة. ونقدم هنا على سبيل المثال ما أورده لنا "روبرت وروز ماري بارنز" من مستويات متعددة للثقة :-
المستوي الأول من الثقة: "المستوي النمطي القديم" (لا مشاركة)، وهو مستوي بدائي يقوم على الاختصار بقدر الإمكان من الحوار. وفيما عدا التحيات التقليدية التي تخلو من أي تعبير أو رأي أو مشاعر فإن صاحب هذه الطريقة يفضل الانعزال في وضع آمن ومنفرد، وربما مع قليل من الكلمات التقليدية مثل "صباح الخير"، "تصبحين على خير". "أنت رايح فين " " طيب – حاضر " .
المستوي الثاني من الثقة: "مستوي الطريقة الصحفية" (المشاركة بالمعلومات المتاحة). وهذا المستوي من التفاهم يشبه جداً طريقة تحرير الصحف، أي طريقة عرض الأنباء والمعلومات المتاحة، فيسرد أحد الطرفين ما لديه من أنباء وأراء دون تعليق سواء سلبي أو إيجابي .
المستوي الثالث من الثقة: "مستوي التفكير" (المشاركة بما أفكر فيه)، وهو مستوي أكبر من مجرد سرد آراء، لكن المشاركة بالأفكار والآراء الشخصية التي تصل إلى درجة التعبير عما يدور بداخل الفرد من فكر ورأي تكون الثقة على مستوى الفكر وليس الفعل حتى لو كان الفعل يخدع البعض أو يأول .
المستوي الرابع من الثقة "مستوي المشاعر" (المشاركة والثقة بما أشعر)، ويرتفع هذا المستوي إلى مستوي التفاهم الحقيقي بما يحمله من تعبير عن العاطفة والمشاعر. وفي هذا المستوي يمكن للطرف الأول أن ينقل للطرف الثاني ما يحلم به من تطلعات وأمال وثقة، وما يشعر به من مخاوف وانفعالات وأحاسيس فرح أو حزن، وما يعاني منه من إحباط أو فشل أو ضغوط مختلفة، وما يرغبه وما لا يرغبه، وما يحتاج إليه من تشجيع أو إشباع رغبات. وهذا المستوي هو الذي يتحقق فيه أعمق صور الثقة.
المستوي الخامس من الثقة: "مستوي الشفافية" (الثقة بحقيقة كل منا). وهذا المستوي الذي يتسم بالشفافية في التفاهم يتجسد فيه صدق كامل في العواطف والانتماء. فالشفافية هنا تحمل معني المشاركة بكل خلجات قلوبنا والثقة بكامل عمقها. وهما لا يخجلان، فالشفافية هي الطريق الوحيد للتوحد "ويكونان واحداً". أما الفشل في علاقة التفاهم فلا تقود إلا إلى الانعزالية والشكوك والكتمان . ولتتحقق في حياتنا علاقة زوجية أكثر ثقة و ارتباطاً والتصاقاً وأكثر حيوية علينا أن نحاول ممارسة الأمور التالية:
1- يجب تخصيص جانب من الوقت في تنظيم حياتنا للحوار البناء يكون مفعما بالحب والثقة والشفافية المطلقة قبل وبعد الارتباط .
2-أن نحرص على التكلم بحرية وانطلاق حتى ولو كان أحد الطرفين قليل الكلام ولو كان هناك ظنون بغير موضعها بحيث يبوح الآخر ويجلي الصورة الحقيقية.
3-أن نبني الثقة في الوقت الذي نقلل فيه مساحة سوء التفاهم وعدم التفهم واستخدام الأساليب الدفاعية.
4-أن نحرص على التكلم بصراحة وصدق (وبحرص أيضاً) في الأمور ذات الحساسية مثل الجنس والحب والمال.
5-أن نحرص على إعادة بناء التفاهم بعد فترات الأزمات أو التصدعات في العلاقة.
6-أن نطور مستوي التفاهم في حياتنا باستمرار ليكون دائماً في مستوي الشفافية وانفتاح القلب وذوبان الروحين.
نصائح لبناء الثقة بين الزوجين
1 – المصارحة الحقيقية لما في القلب لشريكك قبل الارتباط من عادات وتقاليد ومحبوبات وسلوكيات .
2 – الإكثار في فترة الخطوبة من كلمات الثقة مثل ( أثق فيك – أحبك وأنت واثق من نفسك – أنت سندي ) وغيرها من الكلمات التي تحمل معاني ومفاهيم الثقة لتصبح مولدا لطاقة الحب .
3 – الإكثار من أفعال الثقة قبل الارتباط مثل الثقة في اختيار الهدايا وإخباره بذلك حتى لو أخذ رأي الشريك مثل الثقة في معرفة الراتب للطرفين وغيرها من الأشياء التي يتداول بين العروسين أنها لا بد أن تكون أسراراً حربية .
4 – التخلق بحسن الظن لعموم المسلمين فأولى أن يكون لشريك حياتي الذي أهديته قلبي وعمري
5 – التغافر بين الشريكين
أحب من الأخوان كل مواتي * ** وكل غضيض الطرف عن عثراتي
يوافقني في كل أمر أريـده * * * ويحفظنـي حيـاً وبعـدمماتـي
فمن لي بهذا ؟ ليت أني أصبته * * * لقاسمته ما لي مـن الحسنـات
تصفحت إخواني فكـان أقلهـم * * * على كثرة الإخوان أهـل ثقاتـي
6 – عدم تدخل طرف ثالث في خطتهما أو ترتيباتهم بقدر الإمكان .
7 – إعطاء مساحة من الحرية للشريك ليتنفس فيها ويتحرك من خلالها ويستشعر طعم الثقة .
8 – الالتزام بآداب الدين ونصائح الرسول الأمين عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:-إياكم والدخول على النساء. فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت.رواه البخارى ومسلم.
9 – التشاور وتأمل موقف النبي بصلح الحديبية إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما صالح قريشاً على الرجوع ، وعدم دخول مكة عامهم هذا ، قال لأصحابه : " قوموا فانحروا . قال الراوي : فوالله ما قام منهم رجل ، حتى قال ذلك ثلاث مرات . فلما لم يقم أحد منهم ، دخل على أم سلمة ، فذكر لها ما لقي من الناس . فقالت أم سلمة : يا نبي الله ، أتحب ذلك ؟!
أخرج ثم لا تكلم أحداً منهم كلمة ، حتى تنحر بدنك ، وتدعو حالقك فيحلقك . فلما فعل ذلك قاموا فنحروا .. " قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : فيه فضل المشورة .. وجواز مشاورة المرأة الفاضلة " اهـ.
10 - التعاتب بالحسنى قاعدة تربوية راقية وهو غض الطرف عن بعض الهفوات والأخطاء والبعد عن إحصائها فكثير من الآباء عندما تخطأ الزوجة يعدد أخطاء الماضي والحاضر ويلوح بالمستقبل .فلماذا التعاتب المكفهر بيننا؟ كلٌ منا يطلب من شريكه أن يكون معصوماً .أليس التغافر والتغافل أولى وأطهر وأبرد للقلب ؟!أليس جمال الحياة بأن تقول لزوجتك كلما صافحتها: " رب اغفر لها" ؟!أو ليس عبوس التعاتب تعكيراً للحياة ؟( قال شاعر يمرح ويتغنى :
من اليوم تعارفنا *** ونطوي ماجرى منا
فلا كان ولا صار *** ولا قلتم ولا قلنا
وإن كان ولا بد *** من العتب بالحسنى
ساحة النقاش