أختار أن أبدأ هنا بالتذكير بما ذكرته وكررته مرارآ في " ســلســلة أيــــها العزيـــز " ، حيث قلت " أن النصر الشخصي يجب أن يسبق النصر الجماعي، وأنك لن تستطيع قلب المعادلة إلا إذا استطعت أن تحصد الزرع قبل أن تزرعه " ، بمعنى أنك لن تكون قادراً على قيادة الآخرين ما لم تكن قادراً على قيادة ذاتك اولاً، بمعنى أن تبنيك العادة الأولى والثانية والثالثة يجب أن يكون أمراً قد انتهى لتبدأ مشوار النصر الجماعي، بمعنى أن النصر الشخصي هو التربة الخصبة التي نزرع فيها النصر الجماعي، ولقد تحدثنا في " أيــــها العزيــــز (9) " عن أن العادة الرابعة هي أساس وجذور النصر الجماعي الذي نغرسه في تربة النصر الشخصي، بمعنى أن العادة الرابعة ( فكر مكسب مكسب ) ليست سوى تصور ذهني متى ما ترسخ في اللا شعور وعن قناعة تامة، فإنه يولد سلوك يدعم ذلك التصور الذهني ، بمعنى أنه عندما تتبنى التصور الذهني للعادة الرابعة ( أنا أسعى لمصلحة ومنفعة الآخرين كما أسعى لمصلحتي ومنفعتي ) فإن ذلك سيولد سلوك يدعم ذلك متمثلا في العادة الخامسة ( حاول أن تفهم قبل أن تفهم ) ، وكما أسمينا العادة الرابعة بأنها جذور النصر الجماعي، فإن العادة الخامسة تصبح المسار إلى النصر الجماعي، وبناءاً عليه فإن العادة الخامسة ( حاول أن تفهم قبل أن تفهم ) هي السلوك الذي يولده التصور الذهني للعادة الرابعة ( فكر مكسب مكسب ) ، فمن منا لا يحب أن يستمع إليه الآخرون ويتفهمون مشاعره ومشاكله وما يود قوله ؟ فلو كان مبدأ تفكير المنفعة للجميع مترسخ في اللاشعور سيتولد لدينا السلوك الذي يدفعنا وبرغبتنا وبطيب خاطر إلى الاستماع إلى الآخرين، ومحاولة فهمهم تماماً كما نحب أن يستمعوا إلينا عندما نتحدث، هذا السلوك سوف يدفعنا وبرغبتنا وبأدبٍ منا إلى عدم مقاطعة الآخرين، أو الانتقاص من آراءهم، لأننا لا نحب ان يقاطعنا أحد، أو ينتقص من آراءنا عندما نتحدث ، العادة الخامسة ( حاول أن تفهم قبل أن تُفهم ) هي فن الأصغاء، وعادة الإصغاء التعاضدي، والمقصود بالتعاضدي هو الاستماع إلى الآخرين بنية أن نفهم لا بنية أن نرد، فمعظم المستمعين كما نراهم يستمعون وهم يجهزون ردودهم ، فهل أنت منهم ؟ وهل سبق وأن وقعت في هذا الخطأ ؟
أيـــها العـــزيز.....
العادة الخامسة ( حاول أن تفهم قبل أن تفهم ) هي عادة الإصغاء التعاضدي، بمعنى أن نصغي لما يقوله الآخر بنية أن نفهم أولاً، لا بنية أن نرد، لا بنية أن نؤيد أو نعارض ، لا بنية أن ننصح ، لا بنية أن نقيّم ، فقط نصغي بالأذن والعين والقلب وبنية أن نفهم أولاً لكي يسهل فهمنا عندما نتحدث . العادة الرابعة ( فكر مكسب مكسب ) هي عادة القيادة الجماعية التي تولد لدينا سلوك العادة الخامسة، السلوك الذي يفعِّل ويحقق لنا القيادة الجماعية ، فأنت عندما تصغي تعاضدياً للآخر فإنك بذلك تقود السلوك الذي سيصدر عن الآخر؛ وهو أن يستمع إليك بنية أن يفهم وأن يفهم فقط. البعض هنا قد يخطر في باله أن هذا تنظير ، وسؤالي لهذا البعض هو: هل سبق وأن جربت ؟ جرب أولاً ثم احكم. يقول الله تعالى " وما يلقّاها إلا الذين صبروا وما يلقّاها إلا ذو حظ عظيم"
أيـــها العـــزيز .....
كلنا يعرف العبارة الشهيرة " حوار الطرشان" ، وانظر إلى أحوال مجالسنا واجتماعاتنا تجدها صورة حية تجسد هذه المقولة، فالكل يتكلم ونادراً ما تجد من يسمع، وأنت قد تبدأ بسرد موضوع، أو موقف حصل لك، و قبل أن تكمل تجد من قاطعك ليتكلم عن تجربة شخصية مشابهة لما تقول، وقد يسألك أحد سؤالاً، وبينما أنت تفكر في الإجابة، تجد أن أحد مدعي المعرفة قد تطوع بالرد نيابة عنك، وكم مرة سمعنا بعض الآباء يقول لابنه " يا أبني ! أنا فاهم أيش تبغى تقول! ما في داعي تكمل! كل اللي تبغى تقوله أنا عارفه و مريت به من قبل" ، وقد تجد الزوجة تتكلم وتتكلم وزوجها يمسك بالجريدة ويهز رأسه لها، دون أن يصغي، أو على الأقل يستمع إلى ما تقول
أيـــها العـــزيز .....
إن افتقارالكثيرين والكثيرات لمهارة الإصغاء التعاضدي هو أحد الأسباب الرئيسية لكثير من مشاكلنا الاجتماعية ، فمن يصدِّق أن جدة وحدها سجلت أكثر من 18 ألف حالة طلاق في العام الماضي، وأن في المنطقة الشرقية وحدها أكثر من 280 ألف عانس ، وكم من علاقات ساءت بين الأباء وأبناءهم بسبب افتقار كلا الطرفين لهذه المهارة؛ ( مهارة الإصغاء التعاضدي ) ، وهنا أنا ألوم الأب أكثر لأنه يفترض فيه أن يكون أكثر نضجاً، كيف لا وهو المسئول عن تربية الأبناء ، وبالله عليك كيف تتوقع أن يعامل هذا الإبن أبناءه عندما يكبر ويصبح أباً ؟ " ما نزرعه في أبناءنا يحصده أحفادنا ". وكم من موظفين عوقبوا جوراً لأن لا أحد حاول أن يفهمهم ، لأنهم كانوا يتحدثون في حين كان القرار جاهز للتوقيع، وكم من مديرين استقالوا، وكم من شراكة فضت، وكم من ورثة تصارعوا على الإرث، وكم وكم وكم... كل هذا لأن معظم الناس تفكر ( مكسب - خسارة ) فيتولد منها سلوك دفاعي لإثبات أنهم صح والآخر خطأ، ليكسبوا هم ويخسر الآخر، تأكيداً لما قلناه مراراً وتكراراً من أن محور التفكير وتصوراتنا الذهنية هي التي تقود حياتنا
أيــها العـــزيز .....
سبق وأن قلنا أن المباديء تؤدي إلى نتائج معروفة مسبقاً، بمعنى أنك إن تركت القلم فسيسقط إلى أسفل، في كل زمان وفي كل مكان. والمبدأ الأساسي للعادة الخامسة ( حاول أن تفهم قبل أن تفهم ) ينص على " أن الفهم يأتي من خلال الاستماع " ، فأنت لن تفهم الآخرين ما لم تستمع إليهم بنية أن تفهم ، وسيكون حالك حال ذلك الأب الذي اشتكى أولاده وقال :" أنا ما ني قادر أفهم أولادي لأنهم ما هم راضيين يسمعولي" ، فلو حاول هذا الأب أن يستمع أولاً، لاستطاع أن يفهمهم، ولكنه يظل يتحدث ويحاول إفهامهم، دون أن يفهم هو أولاً ماذا يريدون وكيف يفكرون
أيـــها العـــزيز.....
ما ذكرناه عن حال مجالسنا، والحورات التي تدور فيها ترجع أسبابه إلى أننا نتصرف تبعاً للتصورات الذهنية النابعة من أحد مستويات الاستماع التالية:
أولاَ- التجاهل: عدم بذل أي مجهود للإصغاء لما يقوله الآخر، فتجد المستمع ينظر في اتجاه آخر بعيداً عن المتحدث، أو يكتب في الأوراق التي أمامه، أو يتحدث في الهاتف ويشير إليك أن تستمر في حديثك
ثانياً- التظاهر بالاستماع: وهو أن يوهم المتكلم بأنه يستمع إليه ، فتجد المستمع يهز رأسه وهو ينظر إلى المتكلم ولكن أفكاره في مكان آخر ، وقد ينكشف عندما يسأله المتكلم سؤالا فلا يعطي إجابة، أو يعطي إجابة ليس لها علاقة بالموضوع، لأنه لم يكن يستمع أصلاً
ثالثاً- الاستماع الإنتقائي: البعض الآخر يستمع فقط لما يهمهم من تفاصيل حديثك، وقد يشاركونك الرأي، ثم ينصرف إنتباههم عنك عندما تبدأ في الحديث عن شيء لا يثير اهتمامهم، كأن تتحدث عن مشاعرك الشخصية تجاه أمر معين، أو عن بعض مشاكلك
رابعاً- الاستماع اليقظ: وهو ما يتقنه أولئك الذين يقاطعون حديثك ليدلوا بآراءهم وتجاربهم الشخصية، أو يقفزون إلى استنتاجات وقرارات فورية، دون أن يتركوا لك مجالاً لتكمل حديثك
أيـــها العـــزيز .....
في العادة الخامسة ( حاول أن تفهم قبل أن تفهم ) نستخدم مهارات الإصغاء التعاضدي ، لأن تصوراتنا الذهنية هي " أنا أفترض أنني لا أفهم تماما ، وأنني أحتاج إلى أن أستمع، وإذا استمعت أولاً لكي أفهم فسوف يفهمني الآخرون بشكل أفضل"
و أول مهارات الإصغاء التعاضدي هو أن تعرف أن الإصغاء التعاضدي مطلوب في حالات أربع :
أولاً- عندما لا نكون متأكدين من فهمنا لما يقوله الآخر
ثانياً- عندما نرى من المتحدث تكرارا يدل على أنه يعتقد أن ما يقوله غير مفهوم أو واضح لنا، فيظل يكرر ويعيد
ثالثاً- عندما يكون في الحديث مشاعر قوية، فمثلا قد يأتيك أحد ما وهو غاضب لأي سبب ، أو قد تثور عليك والدتك لأنك لم تفعل ما طلبته منك ، أو قد يحتد عليك أحدهم لأن له رأياً يخالف رأيك
رابعاً - عندما يكون مستوى الحب والثقة ( رصيد بنك المشاعر ) بين الطرفين منخفض، أو أقل أهمية من الموضوع الذي يناقش
أيـــها العـــزيز .....
في هذه الحالات الأربعة على المستمع استخدام مهارات الإصغاء التعاضدي ، وإن سألت عنها فاعلم أنها على النحو التالي:
أولاً- كرر حرفياً محتوى الرسالة : أي أن تقول بالضبط وحرفياً ما قاله المتحدث بدون إبداء أي رأي
ثانياً- أعد صياغة المحتوى بكلماتك أنت : كأن تقول " هل أفهم من كلامك أن ..." أو تقول " هل تود أن تقول أنك ....." وهذا أيضاً دون إبداء أي رأي
ثالثاُ- اعكس المشاعر: راقب كلمات المتحدث ونبرة صوته وحركات يديه وجسده، وحاول أن تستشف المعاني والمشاعر وتستجيب لها ، فتبتسم عندما يبتسم، وتظهر علامات الحزن عندما يتحدث عما يحزن، أو تردد بعض الكلمات التي تدل على الدهشة والانفعال مثل" ياااااالله! " أو " لا يااااااشيخ! " أو "مو معقوووووول! "
رابعاً- أعد صياغة المحتوى وعبر عن المشاعر : فمثلاً قل: " لابد أنك كنت متضايقاً " أو " أعتقد أن ذلك أغضبك " أو " إذاً فأنت ترى أن فلان قد أحسن التصرف"
إن استخدامك لمهارات الإصغاء التعاضدي سوف يمكّنك من تأكيد فهمك، ويجعلك ملماً بأدق تفاصيل ما كان المتحدث يقول، وهذا سيجعل استجابتك أكثر فعالية، الأمر الذي سيسعد المتحدث بأنه أوصل لك تماماً ما يود قوله، عندها فقط سيتولد لديه السلوك الذي تريد؛ وهو أن يصغي لك بكل جوارحه، وبهذا تكون نجحت في قيادة سلوك الآخرين من خلال تبنيك التصور الذهني لعادة القيادة الجماعية، ومن الأهمية بمكان هنا التأكيد على أن الإصغاء التعاضدي لا يعني بأي حال من الأحوال أننا نوافق على أو نؤيد ما يقول، فإن سألنا سؤال بعد أن ينتهي من حديثه فبكل تأكيد ستكون استجابتنا بالموافقة أو غيرها مبنية على المباديء والقيم التي نعيش وفقاً لها
أيـــها العـــزيز .....
قد يسأل البعض:" كيف نعرف أن الإصغاء التعاضدي قد انتهى، وأننا نستطيع أن نتكلم أو ننصرف؟ " والجواب هو :
أولاً- أن يقول المتحدث:" شكراً لاستماعك" أو أي مرادف يدل على ذلك
ثانياً- أن يسأل المتحدث سؤالاً ، وعندها يمكنك أن تجيب
ثالثاً- أن يصمت المتحدث ويطول صمته فتعرف أن كلامه قد انتهى
رابعاً- أن يعطي المستمع للمتحدث مخرجا ً، فيسأله مثلاً : "هل انتهيت ؟ " أو " هل هذا هو كل ما تود أن تقوله ؟ "
أيـــها العـــزيز.....
يقول الدكتور ستيفن كوفي :" هناك مفتاحان للإصغاء التعاضدي : العين والقلب" ، فالإصغاء التعاضدي مهارة يمكنك ممارستها على الفور ، كل ما عليك هو أن تحاول دائماً ومخلصاً الدخول في الخريطة الذهنية للآخر، لترى الأمور كما يراها من خلال الإستماع بإخلاص وبنية أن تفهم فقط. فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يقبل بكليَّته على من يتحدث إليه.
والآن أخبرني بالله عليك: ما الذي يمنعنا من ممارسة الإصغاء التعاضدي في حياتنا ومعاملاتنا ؟ ما الذي يمنع الأب من أن يخصص وقتا لأبناءه، ينصت إليهم، ويسمع حكاياتهم عن المدرسة والأصحاب، ويتفهم طريقة تفكيرهم، ويحاول أن يعرف حالتهم النفسية من خلال الكلمات التي يتحدثون بها عما يدور بداخلهم ؟ وما الذي يمنع الزوج أو الزوجه من الإصغاء للآخر بنية الفهم أولاً ؟؟ وكم سيرتقي الأداء لو استمع الروؤساء إلى مرؤوسيهم، وتعرفوا على احتياجاتهم واقتراحاتهم ومشاكلهم !! فتكون الرؤى واضحة، والقرارات سليمة، والبيئة صحية وذات فعالية عالية
أيـــها العـــزيز .....
يقول الله عز وجل " إدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم" ، وأنت لا تستطيع أن تجادل بالتي هي أحسن إلا إذا استمعت أولاً حتى تفهم، منحّياً مشاعرك وافكارك وتجاربك الشخصية جانباً، عندها فقط ستحسن الحديث وعرض وجهة نظرك، كما احسنت في الإصغاء
أيـــها العـــزيز .....
اعلم رحمك الله أن عناصر الاتصال الفعال ثلاثة هي : كلمات ( ماذا نقول )، نبرات ( كيف نقول ما نقول )، ولغة بدن ( حركات أعضاء البدن أثناء الحديث)، واعلم بارك الله فيك أن الكلمات تشكل 7% من الاتصال الفعال، والنبرات تشكل 38 % من الاتصال الفعال، أما لغة البدن فهي الأهم حيث تشكل 55% من فعالية الاتصال، فقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله :" أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين" وأشار بإصبعيه السبابة و الوسطى، فلو لم يشر بأصبعيه لكانت كلمة هاتين ، تعني مائة شيء لمائة شخص، ولذلك فإننا من خلال الإصغاء نستمع إلى الكلمات، ونفهم المقصود بالنبرات، ونراقب لغة البدن، ومتى ما تأكد لنا الفهم وبدأنا في الحديث وجب أن توافق لغة البدن نبراتنا، وأن تعبر نبراتنا عن المقصود من كلماتنا، حتى تصل رسالتنا للآخر بمنتهى الوضوح
أيــــها العـــزيز.....
تلك كانت العادة الخامسة ( المسار إلى النصر الجماعي )، أما ثمار النصر الجماعي فهي العادة السادسة، وهذا ما سنتحدث عنه في أيها العزيز ( 11 ) بإذن الله
نشرت فى 21 يناير 2012
بواسطة hany2012
هـانى
موقعنـا موقع علمى إجتماعى و أيضاً ثقافـى . موقع متميز لرعاية كل أبنـاء مصر الأوفيـاء، لذا فأنت عالم/ مخترع/مبتكر على الطريق. لا تنس"بلدك مصر في حاجة إلى مزيد من المبدعين". »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
1,794,665
ساحة النقاش