عوامل تكوين الشخصية

 

معرفة شخصية الإنسان ـ الشخصية بالاصطلاح الاجتماعي ـ توجب تهيئة الظروف التي تسبب استقامة الشخصية، أو لا أقل من التقليل عن الشخصيات المنحرفة، وعن انحرافات الشخصية المنحرفة، ثم إن الشخصية تتكون من الفطرة، حيث أنها الأرضية المفطورة بحيث لا يمكن تغييرها كلياً، وإنما الممكن أن يزرع فيها الزرع المختلف


1 ـ الفطرة… والشخصية
أما الفطرة، فقد قال سبحانه: فطرة الله التي فطر الناس عليها.. فإن الإنسان يخلق وله فطرة خاصة، قابلة للتغيير في حدود مخصومة، بينما أخويه الآخرين: الحيوان والنبات.. ليس لهما إلا تغير قليل جداً، فالحيوان ليس له ذلك المجال الواسع للتقلب، وإنما له غرائز يسير الحيوان من أول عمره إلى آخره عليه، ولا اختلاف بين أفراده طيلة ملايين السنوات وإن احتمل بعض العلماء إمكان التطوير في الحيوان أيضاً
والنبات أقل تطوراً، وإن كان فيه بعض التطور أيضاً، حيث أن شجرة التفاح مثلاً تختلف عن أمها، في بعض الكيفية والخصوصيات، وفي بعض خصوصيات الثمر، بل قابلة للتحسين، أو الترك حتى تكون أسوء
والإنسان وحده دائرة تطوره كبيرة جداً، يبتدء بالمشي على قدمه، وينتهي إلى ارتياد الفضاء، وهذا لابد وأن يكون له أرضية قابلة لمثل هذا التجول عليها بهذه الدائرة الوسعية، وحدود هذه الأرضية، وإن لم يكن معلومة لنا، إلا أنها وسيعة في الدنيا والآخرة جداً
قال سبحانه: لتركبن طبقاً عن طبق

والإنسان يخلق فطرة مختلفاً.. فالناس معادن كمعادن الذهب والفضة

2 ـ الوراثة… والشخصية
وبعد ذلك يأتي دور الوراثة، ففي الحديث: (الولد سر أبيه) وقد ثبت في علم الوراثة ذلك، وأن الابن يحمل معه بعض ملامح الأب، وبعض ملامح الأم، وهذا جار في ملامحه الجسدية، وملامحه النفسية، فكأن نفسياته الفطرية تؤطر بنفسياته الوراثية
وهاتان [الفطرة والوراثة] لا توجبان الإلجاء، بل الاقتضاء، حالهما حال الأدوية حيث أنها اقتضائيات لا أنها توجب الآثار قطعاً… والفطرة والوراثة تبقيان مع الإنسان من أول عمره إلى يوم مماته

3 ـ المحيط الطبيعي
وبعدهما يأتي دور المحيط الطبيعي، فإن للمناخ المحتوي على كيفية خاصة من الحرارة والبرودة، والرطوبة واليبوسة تأثيراً على الإنسان لا يمكن إنكاره، ولذا كان أهالي البلاد المعتدلة أكثر اعتدالاً من أهالي البلاد الحارة، حيث تغلب عليهم اليبوسة، ومن أهالي البلاد الباردة، حيث تغلب عليهم الرطوبة، وكل من الرطوبة واليبوسة لها آثارها في النفس، كما لها آثارها في الجسد
بل للبلاد الجبلية، والسفحية، وسواحل البحر، وبلاد الأشجار والأنهار تأثيرات كبيرة في الصفات والمزايا، ولذا اعتادوا من القديم وصف أهالي البلدان بالصفات المختلفة مما يرى علماء النفس والاجتماع والوراثة ما لتلك البلاد من التأثير في تكوين شخصية أهاليها
وكان تقسيم أر سطو الأمزجة إلى الدموية والبلغمية والصفراوية والسوداوية، مستقى من ذلك، هذا في الجملة، لا إن كل التأثير للبلد والمناخ، وإذا كان لأنواع الأطعمة التأثير في الأخلاق ـ لا أقل العابرة منها كان للمناخ التأثير أيضاً إن قل أو كثر

4 ـتأثير المحيط الاجتماعي
أما المحيط الاجتماعي وما يتلقاه الإنسان من مجتمعه فلا يخفى تأثيره في تكوين شخصيته فإن الإنسان يولد في كمال العجز، ويبقى عاجزاً إلى حين مماته، ويكمل عجزه من محيطه الاجتماعي ـ كما يكمل بعض عجزه من محيطه الطبيعي ـ وكما يأخذ حاجاته عن الاجتماع، كذلك يأخذ صفاته وأخلاقه عن الاجتماع، ويؤطّر نفسه بإطار الاجتماع، فيلاحظ كيف أنه يتمكن أن يعيش في وسط ذلك الاجتماع ويأخذ منه حاجاته الجسدية والنفسية فيلاحظ الفعل ورد الفعل ويؤطر نفسه بتلك الشبكة المنسوجة حوله
والفطرة، والوراثة، والمحيط الطبيعي، تنسحب أمام المحيط الاجتماعي بقدر ممكن من الانسحاب، ولذا نجد حتى المرضى ونحوهم إذا وقعوا في الضغط الاجتماعي، ساروا كما يريده الاجتماع حسب الممكن

5 ـ الثقافة… صانعة الإنسان
وأخيراً يأتي دور الثقافة فالإنسان يتمكن أن يخزن ثقافته التي استفادها بأي طريق كان، في الكتب ونحوها، وكل جيل متأخر يتعلم من الجيل المتقدم لا تجاربه فحسب، بل ما اختزنه في الكتب، حتى يأتي دور جيل ـ كجيلنا المعاصر ـ تجمعت لديه مليارات العلوم والتجارب المتراكمة منذ الأجيال السابقة
وهذه الثقافة التي تلون الاجتماع تحتوش الإنسان من كل مكان، وتــؤثر فــيه وتؤطره بإطارها، وحتى الذين يفرون من الاجتماع إلى الكهوف والصوامع قد لونوا بلون اجتماع ما ويحملون معهم ذلك اللون إلى هناك، كما يحملون معهم لغة اجتماعهم وذكرياته، نعم إذا ربي الطفل بين الحيوانات لا يتلون بلون الاجتماع
وهذا الاجتماع الذي يحتوش الإنسان يعطي للإنسان هيئة اجتماعية، فيعيش الإنسان في شبكته، ويتغير حسب تغيره، ويبتدء احتواء الاجتماع للإنسان من أول أيام حياته، ولذا نجد الطفل من أوائل أيامه يأخذ في ملاحة الاجتماع والتعلم منه، والأنس به وطلب الحوائج إليه
ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وآله: اطلب العلم من المهد إلى اللحد.. وقد ثبت في العلم أن مخ الطفل كالشريط يأخذ ما يلاقيه، ثم يختزن ذلك في لاوعيه، ويرشح بعدئذ ذلك المخزون من أفكاره وأعماله، والميت يفهم وهو في لحده ولذا يلقن في القبر ـ كما ورد في الشرع ثم الإنسان لا يتعلم حاجاته الأولية وأصول معاشرته من الاجتماع فقط، بل يتعلم الحاجات الثانوية، مما يحتاج إليه في معاشرته الاجتماعية أيضاً، كالآداب والرسوم والتقاليد والعادات الاجتماعية وهي حاجات اجتماعية لا أولية فإن الحاجات الأولية هي المأكل والمشرب والمسكن ونحوها
ويبدء الاحتواء الاجتماعي من العائلة ثم المدرسة، وإلى الاجتماع الكبير بل وإلى الاجتماع الأكبر، بسبب الإذاعات والأسفار ونحوها، ولذا قالوا: من لم يؤدبه الأبوان أدبه الزمان.. حيث أن الإنسان إذا لم يتطور حسب التطور الاجتماعي ولم ينفعه نصح العائلة، اصطدم بموازين الاجتماع، مما يصفع بسببه.
والثقافة بضميمة الأمور الأربعة السابقة تعطي الإنسان فرداً أو جماعة ـ الشخصية ـ فيقال شخصية فلان، أو شخصية البلد الفلاني، وهكذا

6 -الثقافة.. والحرية
ودور الثقافة من أهم الأدوار في حياة الإنسان حتى أن بعض علماء الاجتماع نسب تكون شخصية الإنسان إلى الثقافة فقط، دون الأربعة المتقدمة، فبالثقافة الصحيحة تتوفر أجواء الحرية، والتي بدورها تؤثر في المزيد من الثقافة وتوسيع كل أبعاد الإنسان

hany2012

شذرات مُتجدده مُجدده http://kenanaonline.com/hany2012/

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 83 مشاهدة
نشرت فى 1 يناير 2012 بواسطة hany2012

ساحة النقاش

هـانى

hany2012
موقعنـا موقع علمى إجتماعى و أيضاً ثقافـى . موقع متميز لرعاية كل أبنـاء مصر الأوفيـاء، لذا فأنت عالم/ مخترع/مبتكر على الطريق. لا تنس"بلدك مصر في حاجة إلى مزيد من المبدعين". »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,653,837