تناولت بالشرح والتحليل النفسي أولئك الشباب الذين يقدمون علي الزواج العرفي, منها ما يري أنهم يتسمون بالاندفاع والتمرد والأنانية, وأن جاذبية هذا النوع من الزواج بالنسبة لهم أنهم يحصلون علي متعة جنسية دون مقابل مادي والتزام اجتماعي كبير!!
أما آخر هذه الدراسات فعنوانه 'البناء النفسي للمتزوجين عرفيا' دراسة تقدمت بها الباحثة دينا البرنس عادل للحصول علي درجة الماجستير من جامعة الزقازيق, كشفت فيها عن التكوين النفسي للشباب الذين يقبلون علي الزواج العرفي, وكان من أهمها هو اضطراب البناء النفسي للشخصية, فلا يهتمون بالتقاليد المجتمعية وهم متمردون, يرفضون السلطة وآداب السلوك, ويعانون اضطرابات في علاقتهم الأسرية والأصدقاء, مندفعون ولا يستطيعون تأجيل إشباع حاجاتهم, مع حبهم للتملك وتمركزهم حول التراث, وانعدام النضج النفسي لهم, بالإضافة إلي أسباب اجتماعية مساعدة علي هذا السلوك المضطرب وهي التفكك الأسري, وأساليب التربية الخاطئة, وتشوه صورة الأب داخل الأسرة مع تسلط شخصية الأم, كل هذه الأسباب تؤكد الدراسة أنها وراء تحدي المتزوجين عرفيا لتقاليد المجتمع وظهور العنف في سلوكهم تجاه من حولهم.
وفي مصر تسعة ملايين فتاة عانس, علاوة علي 1/4 مليون حالة طلاق في مصر, و2 مليون وربع المليون أرملة تقريبا طبقا للتقرير الرسمي للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء, بالإضافة إلي البطالة وصعوبة متطلبات الزواج الرسمي والأزمة الأقتصادية التي يعاني منها الشباب كلها أسباب تؤكد الدراسات أنها وراء زيادة حالات الزواج العرفي خصوصا بين شباب الجامعات الذين فقدوا الأمل في الحصول علي فرصة عمل أو سكن بعد التخرج, وبالفعل أيضا هذا ما أكدته دراسة أخري أجراها المجلس القومي للسكان بالتعاون مع جامعتي القاهرة والأمريكية كشفت عن وجود أكثر من 400 ألف .
حالة زواج عرفي بين الشباب المصري في سن من 18: 30 عاما, بل أكدت الدراسة أن الزواج العرفي بين طلاب الجامعات وصل إلي 6% منهم وأجريت الدراسة علي 4566 شابا وفتاة من 21 محافظة مصرية, واعترفوا بانتشار العلاقات العاطفية بينهم, ولم تغفل الدراسة العناصر المساعدة لهم حيث كشفت أن المحامين والأطباء يلعبون دورا أساسيا في تسهيل الزواج العرفي فالمحامون يقبلون كتابة عقود الزواج, والأطباء يقبلون إجراء العمليات الجراحية للتخلص من آثار هذا الزواج في حالة الانفصال.
علاقة الآباء بالأبناء
دعاء طالبة جامعية من أسرة ميسورة الحال تقول: وجدت في زميلي ما لم أجده من أبي, فهو دائم السؤال عني وبجانبي طوال الوقت أتحدث معه في كل أمور حياتي لأني لا أجد أمي ولا أبي فهما منشغلان دائما في حياتهما العملية وتحقيق الكاسب المادية, حتي لم يلتفتا إلي سوء حالتي الصحية عندما حملت من زوجي وأجهضت نفسي, فماذا بعد ذلك هل أضحي بزوجي من أجل أب وأم لا يفكران إلا في نفسهما.
حسام بكالوريوس تجارة يعمل في التسويق لدي إحدي الشركات يقول: أعمل ليل نهار, ولا أستطيع تحقيق أي شيء مما أدخره فكل يوم يزداد سعر كل شيء حولي, ووالدي موظف بسيط يحتاج لمساعدتي وليس العكس وأصبح عمري 27 عاما إلي متي أنتظر ولماذا خصوصا أنني وجدت من تحبني وترعاني ولديها شقة مجهزة, والمشكلة كانت في عدم موافقة أهلي لأنها أكبر مني ومطلقة ولديها أطفال, فاخترنا طريق الحلال وإلا ماذا أفعل؟
الدكتور محمد البحيري استاذ علم النفس بجامعة عين شمس قدم لنا تحليلا نفسيا لحالات متعددة من الزواج العرفي قائلا: بالفعل الأسر المفككة قد تؤدي بأبنائها للزواج العرفي, ولكن ليس شرطا أن كل أبناء الطلاق يقعون في هذا المطب لأن هناك أسرا قائمة يعيش الأبناء مع آئهم وأيضا ينزلقون إلي الزواج العرفي, فالمؤشر هنا يجب أن يتجه إلي مكانة الآباء لدي أبنائهم, هل هم مبتعدون عن بعضهم البعض أولا, ومن الواضح أنهم مبتعدون لأن هذا الابتعاد يجعل الأبناء يبحثون عما يعوضهم لحنان وحب يفتقدونهما داخل الأسرة, وهنا قد يشعر الشاب بحيلة دفاعية لشخصيته غير المحققة ويعاني الضياع فيلجأ إلي الارتباط بشريك يحقق ذاته معه, ومن المعروف أن مرحلة الشباب والمراهقة مرحلة متأججة بالمشاعر والرغبات وإن لم يكن هناك تربية سليمة واحتواء أسري فلن يستطيع الشاب توجيه مشاعره بشكل سليم.
ويفسر دكتور بحيري أسباب إقبال الشباب علي الزواج العرفي قائلا: الشاب قد يلجأ لهذا النوع من الزواج كعقاب للأسرة بطريقة لا شعورية أو شعورية, فإذا كان يفعل ذلك بهدف إحراج عائلته المنصرفة عنه ولا تهتم به فهنا الفعل شعوري, أما إذا تزوج عرفيا لشعوره بالضياع والوحدة فهنا عقاب لا شعوري للآباء الذين أهملوه الي أن ينفضح الأمر ويلتفون حوله مرة أخري لإصلاح الموقف.
ولكن ليس كل الشباب يتزوجون عرفيا رغم الأزمة الاقتصادية علي الجميع, بل إن بعض المتزوجين لا يعانون أزمات اقتصادية بل العكس لديهم الإمكانات للزواج, وإنما المشكلة في سمات الشخصية للشباب المقبل علي هذا الزواج وهي التي تساعده علي انتهاج هذا النهج, فهم شخصيات اندفاعية, لأنهم لو عندهم شيء من التروي سيفكرون جيدا قبل الفعل, بالإضافة إلي أنهم يتسمون بالتفكير المشوش والقلق المرتفع, أما الخجل فيكون لدهم بشكلين إما مرتفع جدا فيتزوجون في الخفاء, أو منخفض حتي الانعدام فيعلنونه بين أقرانهم, كما أن التوتر مرتفع لدي المتزوجين عرفيا, والتسامح لديهم يكاد يكون منعدما, لأنهم لو كانوا متسامحين مع المجتمع ما كانوا أقبلوا علي هذا الفعل, بل إنهم بعد فترة إشباع الرغبات المتأججة يشعرون بالعنف تجاه بعضهما لأنهما السبب في هذا الموقف.
الأسرة هي الحل
أما علاج حالات الزواج العرفي فيري دكتور البحيري أنه في يد الأسرة, بدءا بالتربية للأبناء واحتوائهم حتي يشكلون حصانة لأبنائهم من السقوط في تلك الهاوية وإذا وقع المحظور, فأيضا الحل في يد الأسرة فعليها احتواء الموقف بحكمة وليس بعنف وإعلان الزواج لتصحيح الخطأ, كما أن هناك دورا لمؤسسات الدولة مثل الإعلام الذي يوضح مخاطر هذا الزواج وعواقبه الصحية علي الزوجين والأطفال, وكذلك المؤسسات الدينية من خلال توعية الشباب بمشكلات هذا الزواج وتأثيرها علي الأسرة والمجتمع, ولا نغفل دور المدارس والجامعات في التوعية وفرض الأنشطة البنائية للشباب لشغل أوقات فراغهم في شيء مفيد, حتي يشعر الشباب أنه ليس مهمشا وعليه أن يأخذ حقه من المجتمع كيفا يشاء.
أما د. محمد صلاح الدين حنفي أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة القاهرة فيقول: في رأيي لم يرتق الموضوع لظاهرة اجتماعية, وإنما هي ظاهرة سمعية, فالكل يسمع عمن يتزوجون عرفيا دون أن يراهم, فهي حالات فردية والدافع وراءها جنس يتخفي وراء الدين باتخاذ هذا الشكل من الزواج, كما أن بعض الشباب يعتقد أنه أسلوب للضغط علي العائلات في حالات عدم التكافؤ الاجتماعي للقبول بالأمر الواضح, وفي كل الحالات المتزوجون عرفيا يعانون تنشئة ضعيفة تختلط فيها المفاهيم والحلال بالحرام, خصوصا إذا عايش الشاب تجربة مماثلة ناجحة, يتخذها مثلا ودافعا لخوص التجربة, بالإضافة إلي فهم هؤلاء الشباب الخاطئ للحرية, وتأثير أصدقاء السوء علي أبنائنا.
ويستكمل دكتور محمد صلاح تفسيره الاجتماعي قائلا: هناك نظريات في علم الاجتماع الجنائي والجريمة, تؤكد أن هناك دافعا لمرتكبي الخطأ, ودائما يلقي باللوم علي الآخرين, ولكن كل هذه الظروف تنجح أكثر في حالات الطلاق وإهمال الأبناء, أو في حالات الانفصال المرتبط, أي حالات انشغال الآباء عن أبنائهم رغم استمرار الزواج بينهما مما يؤدي إلي لجوء الأبناء لخارج الأسرة في الحصول علي معرفتهم وثقافتهم وتشكيل منظومة القيم لدي الشباب من خارج الأسرة وغالبا هنا يكمن الخطر لأنها تكون غير صحيحة, فيتصرف الأبناء وفقا لما يشاهدونه حولهم, وأهم مخاطر هذا الزواج تدمير سمعة الفتيات والشباب أيضا وصعوبة دخولها في تجربة زواج جديدة, أو عدم الاعتراف بأطفال الزواج العرفي لتبدأ سلسلة من التشوهات الاجتماعية لجيل هؤلاء الأطفال, لذا يجب مواجهة هذا الزواج باستعادة الأسرة لدورها وهيبتها في نفوس أبنائها, وكذلك تحمل الدولة لمسئوليتها الاجتماعية تجاه مواطنيها من خلال توفير حياة كريمة لأفرادها, حتي لا يلجأ الآباء للعمل طوال النهار ويهملون تنشئة أبنائهم, وكذلك مؤسسات الدولة مثل المدارس, فهناك مقولة 'تعست أمة لم تستطع أن تربي أما' فهي مسئولية مجتمع ودولة.
ساحة النقاش